الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4625 402 - حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، قال : حدثني عقيل عن ابن شهاب ، قال : أخبرني سالم أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، أخبره أنه طلق امرأته ، وهي حائض ، فذكر عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : ليراجعها ، ثم يمسكها حتى تطهر ، ثم تحيض فتطهر ، فإن بدا له أن يطلقها ، فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها ، فتلك العدة كما أمره الله

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته لما في السورة ظاهرة ، ورجاله قد ذكروا غير مرة ، وعقيل بضم العين ابن خالد .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فتغيظ " ، أي غضب فيه ; لأن الطلاق في الحيض بدعة . قوله : " فإن بدا له " ، أي فإن ظهر له أن يطلقها ، وكلمة أن مصدرية . قوله : " طاهرا " ، أي حال كونها طاهرة ، وإنما ذكره بلفظ التذكير ; لأن الطهر من الحيض من المختصات بالنساء ، فلا يحتاج إلى التاء ، كما في الحائض . قوله : قبل أن يمسها ، أي قبل أن يجامعها . قوله : " فتلك العدة " ، أي هي العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء ; حيث قال فطلقوهن لعدتهن ثم اعلم أن هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة ، عن ابن عمر ; فالبخاري أخرجه هنا ، وفي الطلاق ، وفي الأحكام ، والباقون في الطلاق ، وقال الترمذي ، وقد روي هذا الحديث من غير وجه ، عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال شيخنا زين الدين رحمه الله : رواه عن ابن عمر نافع وعبد الله بن دينار وأنس بن سيرين وطاوس ، وأبو الزبير وسعيد بن جبير ، وأبو وائل ; فرواية نافع عند الستة غير الترمذي ، ورواية عبد الله بن دينار عند مسلم ورواية أنس بن سيرين عند الشيخين ، ورواية طاوس عند مسلم والنسائي ، ورواية أبي الزبير عند مسلم وأبي داود والنسائي ، ورواية سعيد بن جبير عند النسائي ، ورواية أبي وائل عند ابن أبي شيبة في مصنفه .

                                                                                                                                                                                  ويستنبط منه أحكام : الأول أن طلاق السنة أن يكون في طهر ، وهذا باب اختلفوا فيه ; فقال مالك : طلاق السنة أن يطلق الرجل امرأته في طهر لم يمسها فيه تطليقة واحدة ، ثم يتركها حتى تنقضي العدة برؤية أول الدم من الحيضة الثالثة ، وهو قول الليث والأوزاعي ، وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه : هذا أحسن من الطلاق ، وله قول آخر قال : إذا أراد أن يطلقها ثلاثا طلقها عند كل طهر واحدة من غير جماع ، وهو قول الثوري وأشهب ، وزعم المرغيناني أن الطلاق على ثلاثة أوجه عند أصحاب أبي حنيفة حسن وأحسن وبدعي ; فالحسن هو طلاق السنة ، وهو أن يطلق المدخول بها ثلاثا في ثلاثة أطهار ، والأحسن أن يطلقها تطليقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه ويتركها حتى تنقضي عدتها ، والبدعي أن يطلقها ثلاثا بكلمة واحدة أو ثلاثا في طهر واحد ، فإذا فعل ذلك وقع الطلاق ، وكان عاصيا .

                                                                                                                                                                                  وقال عياض : اختلف العلماء في صفة الطلاق السني ; فقال مالك وعامة أصحابه هو أن يطلق الرجل امرأته تطليقة واحدة في طهر لم يمسها فيه ، ثم يتركها حتى تكمل عدتها ، وبه قال الليث والأوزاعي ، وقال أبو حنيفة وأصحابه : هذا أحسن الطلاق ، وله قول آخر أنه إن شاء أن يطلقها ثلاثا طلقها في كل طهر مرة ، وكلاهما عند الكوفيين طلاق سنة ، وهو قول ابن مسعود ، واختلف فيه قول أشهب ; فقال مثله مرة ، وأجاز أيضا ارتجاعها ، ثم يطلق ، ثم يرتجع ، ثم يطلق فيتم الثلاث ، وقال الشافعي [ ص: 245 ] وأحمد ، وأبو ثور ليس في عدد الطلاق سنة ولا بدعة ، وإنما ذلك في الوقت .

                                                                                                                                                                                  الثاني : في قوله ليراجعها دليل على أن الطلاق غير البائن لا يحتاج إلى رضا المرأة .

                                                                                                                                                                                  الثالث فيه دليل على أن الرجعة تصح بالقول ، ولا خلاف في ذلك ، وأما الرجعة بالفعل فقد اختلفوا فيها ; فقال عياض : وتصح عندنا أيضا بالفعل الحال محل القول الدال في العبارة على الارتجاع كالوطء والتقبيل واللمس ، بشرط القصد إلى الارتجاع به ، وأنكر الشافعي صحة الارتجاع بالفعل أصلا ، وأثبته أبو حنيفة وإن وقع من غير قصد ، وهو قول ابن وهب من أصحابنا في الواطئ من غير قصد .

                                                                                                                                                                                  والرابع استدل به أبو حنيفة أن من طلق امرأته ، وهي حائض فقد أثم ، وينبغي له أن يراجعها ، فإن تركها تمضي في العدة بانت منه بطلاق .

                                                                                                                                                                                  الخامس : أن فيه الأمر بالمراجعة ; فقال مالك هذا الأمر محمول على الوجوب ، ومن طلق زوجته حائضا أو نفساء ، فإنه يجبر على رجعتها ، فسوى دم النفاس بدم الحيض ، وقال أبو حنيفة وابن أبي ليلى والشافعي والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور : يؤمر بالرجعة ولا يجبر ، وحملوا الأمر في ذلك على الندب ; ليقع الطلاق على السنة ، ولم يختلفوا في أنها إذا انقضت عدتها لا يجبر على رجعتها ، وأجمعوا على أنه إذا طلقها في طهر قد مسها فيه لا يجبر على رجعتها ولا يؤمر بذلك ، وإن كان قد أوقع الطلاق على غير سنة .

                                                                                                                                                                                  السادس أن الطلاق في الحيض محرم ، ولكنه إن أوقع لزم ، وقال عياض : ذهب بعض الناس ممن شذ أنه لا يقع الطلاق ، فإن قلت : ما الحكمة في منع الطلاق في الحيض ؟ قلت : هذه عبادة غير معقولة المعنى . وقيل : بل هو معال بتطويل العدة .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية