الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6079 31 - حدثنا الحسن بن الربيع ، حدثنا أبو الأحوص ، عن الأعمش ، عن زيد بن وهب قال : قال أبو ذر : كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرة المدينة ، فاستقبلنا أحد فقال : يا أبا ذر ، قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا تمضي علي ثالثة وعندي منه دينار إلا شيئا أرصده لدين إلا أن أقول به في عباد الله : هكذا وهكذا وهكذا ، عن يمينه وعن شماله ومن خلفه ، ثم مشى فقال : إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال : هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه وقليل ما هم ، ثم قال لي : مكانك لا تبرح حتى آتيك ، ثم انطلق في سواد الليل حتى توارى ، فسمعت صوتا قد ارتفع فتخوفت أن يكون قد عرض للنبي صلى الله عليه وسلم ، فأردت أن آتيه ، فذكرت قوله لي : لا تبرح حتى آتيك ، فلم أبرح حتى أتاني ، قلت : يا رسول الله لقد سمعت صوتا تخوفت فذكرت له فقال : وهل [ ص: 53 ] سمعته ؟ قلت : نعم ، قال : ذاك جبريل أتاني ، فقال : من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ، قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى وإن سرق .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة التي هي : ما يسرني أن عندي مثل أحد ذهبا ظاهرة ، وفي غير هذا اللفظ أيضا التطابق موجود من حيث المعنى .

                                                                                                                                                                                  والحسن بن الربيع بفتح الراء هو أبو علي البوراني بالباء الموحدة والراء وبالنون ، قال الرشاطي : ينسب إلى البواري وهي حصر من قصب ، وكان له غلمان يصنعونها ، وأبو الأحوص هو سلام بالتشديد ابن سليم ، والأعمش سليمان .

                                                                                                                                                                                  والحديث قد روي بزيادة ونقصان عن أبي ذر كما ذكرناه في الباب السابق .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فاستقبلنا " بفتح اللام وأحد بالرفع فاعله ، وفي رواية حفص بن غياث : فاستقبلنا أحدا بسكون اللام ونصب أحدا على أنه مفعول .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ما يسرني " من سره إذا فرحه والسرور خلاف الحزن .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أن عندي مثل أحد هذا ذهبا " . . . . . .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ثالثة " أي : ليلة ثالثة قيل : قيد بالثلاث لأنه لا يتهيأ تفريق قدر أحد من الذهب في أقل منها غالبا .

                                                                                                                                                                                  قلت : يعكر عليه رواية حفص بن غياث : ما أحب أن لي أحدا ذهبا يأتي علي يوم وليلة أو ثلاث عندي منه دينار ، قال بعضهم : والأولى أن يقال : الثلاث أقصى ما يحتاج إليه في تفرقة مثل ذلك ، والواحدة أقل ما يمكن .

                                                                                                                                                                                  قلت : ذكر اليوم أو الثلاث ليس بقيد ، وإنما هو كناية عن سرعة التفريق من غير تأخير ولا إبقاء شيء منه ، وفيه أيضا مبالغة لقوله : وعندي الواو فيه للحال .

                                                                                                                                                                                  قوله : " إلا شيئا " استثناء من دينار .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أرصده " بضم الهمزة أي : أعده وأحفظه ، وعن الكسائي والأصمعي : أرصدت له أعددت له ورصدته ترقبته ، وهذه الجملة أعني : أرصده في محل النصب لأنها صفة لقوله : شيئا ، ثم إرصاد العين أعم من أن يكون لصاحب دين غائب حتى يحضر فيأخذه أو لأجل وفاء دين مؤجل حتى يحل فيوفى .

                                                                                                                                                                                  قوله : " لدين " ويروى لديني بياء الإضافة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " إلا أن أقول " به استثناء بعد استثناء ، وقال الكرماني : إلا أن أقول استثناء من فاعل يسرني أي : إلا أن أصرفه ، وقد ذكرنا غير مرة أن العرب تستعمل لفظ القول في معان كثيرة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " في عباد الله " أي : بين عباد الله كما في قوله تعالى : فادخلي في عبادي أي : بين عبادي .

                                                                                                                                                                                  قوله : " هكذا وهكذا وهكذا " قالها ثلاث مرات وأشار بها بيده ثم بين ذلك بقوله : عن يمينه وعن شماله ومن خلفه ، وهذا على سبيل المبالغة ; لأن الأصل في العطية أن تكون لمن بين يديه وهذه جهة رابعة من الجهات الأربع ولم يذكر هاهنا ، وقد جاء في رواية أحمد بن ملاعب عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه بلفظ : إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا وهكذا وأرانا بيده ، وذكر فيه الجهات الأربع ، وأخرجه أبو نعيم من طريق سهل بن بحر عن عمر بن حفص فاقتصر على ثنتين .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ثم مشى " أي : رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                  قوله : " إن الأكثرين هم الأقلون " ويروى : ألا إن الأكثرين هم المقلون ، وقد مضت رواية أخرى : إن المكثرين هم المقلون ، وفي رواية أحمد : إن المكثرين هم الأقلون .

                                                                                                                                                                                  قوله : " إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا " ، وفي رواية ابن شهاب : إلا من قال بالمال هكذا وهكذا وهكذا .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وقليل ما هم " كلمة ما زائدة مؤكدة للقلة وهم مبتدأ وقليل مقدما خبره .

                                                                                                                                                                                  قوله : " مكانك " بالنصب أي : الزم مكانك .

                                                                                                                                                                                  قوله : " لا تبرح حتى آتيك " تأكيد لما قبله ، وفي رواية حفص : لا تبرح يا أبا ذر حتى أرجع .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ثم انطلق في سواد الليل " فيه إشعار بأن القمر قد غاب .

                                                                                                                                                                                  قوله : " حتى توارى " أي : حتى غاب عن بصري .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فسمعت صوتا " ، وفي رواية أبي معاوية : لفظا وصوتا .

                                                                                                                                                                                  قوله : " قد عرض " بضم العين ، وروي : فتخوفت أن يكون أحد عرض للنبي صلى الله عليه وسلم أي : تعرض له بسوء .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وإن زنى وإن سرق " وقع في رواية عبد العزيز بن رفيع قلت : يا جبرائيل وإن سرق وإن زنى ؟ قال : نعم وكررها مرتين في رواية الأكثرين ، وفي رواية المستملي ثلاثا .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية