الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6402 13 - حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا ابن عيينة ، عن الزهري عن أبي إدريس الخولاني ، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس ، فقال : بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، وقرأ هذه الآية كلها ، فمن وفى منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئا ، فعوقب به فهو كفارته ، ومن أصاب من ذلك شيئا ، فستره الله عليه إن شاء غفر له ، وإن شاء عذبه .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله : " فعوقب به فهو كفارته " .

                                                                                                                                                                                  ومحمد بن يوسف جزم به أبو نعيم أنه الفريابي ، ويحتمل أن يكون البيكندي ، وابن عيينة هو سفيان يروي عن محمد بن مسلم الزهري ، عن أبي إدريس عائذ الله بالعين المهملة ، وبالهمزة بعد الألف ، وبالذال المعجمة الخولاني بفتح الخاء المعجمة ، وسكون الواو ، وبالنون في آخره ، يروي عن عبادة بضم العين المهملة ، وتخفيف الباء الموحدة ابن الصامت .

                                                                                                                                                                                  والحديث مضى في كتاب الإيمان في باب : حدثنا أبو اليمان ، قال : حدثنا شعبة ، عن الزهري ، قال : أخبرنا أبو إدريس عائذ الله بن عبد الله أن عبادة بن الصامت ، وكان شهد بدرا ، وهو أحد النقباء ليلة العقبة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه : بايعوني الحديث ، ومضى الكلام فيه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وقرأ هذه الآية " ، قال الكرماني : وهذه الآية هي يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك الآية .

                                                                                                                                                                                  قلت : قد مر في كتاب الإيمان : بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا أولادكم ، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ، ولا تعصوا في معروف .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : روي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا أدري الحدود كفارة أم لا .

                                                                                                                                                                                  قلت : قال ابن بطال سند حديث عبادة أصح من إسناد حديث أبي هريرة ، وقال ابن التين : حديث أبي هريرة قبل حديث عبادة ، ثم أعلمه الله تعالى أنها مطهرة ، على ما في حديث عبادة .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : حديث أبي هريرة متأخر ; لأنه متأخر الإسلام عن بيعة العقبة ; لأن بيعة العقبة كانت قبل إسلام أبي هريرة بست سنين .

                                                                                                                                                                                  قلت : أجابوا بأن البيعة المذكورة في حديث الباب كانت متراخية عن إسلام أبي هريرة ، بدليل أن الآية المشار إليها في قوله : " وقرأ الآية " ، وهي قوله تعالى : يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا إلى آخرها ، كان نزولها في فتح مكة ، وذلك بعد إسلام أبي هريرة بنحو سنتين ، والإشكال إنما وقع من قوله هناك : أن عبادة بن الصامت ، وكان أحد النقباء ليلة العقبة قال : " إن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : بايعوني على أن لا تشركوا " . الحديث ، فإنه يوهم أن ذلك كان ليلة العقبة ، وليس كذلك ، بل البيعة التي وقعت في ليلة العقبة كانت على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره ... إلخ .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : آية المحاربة تعارض حديث عبادة ، وهي قوله تعالى : ذلك لهم خزي في الدنيا يعني الحدود ولهم في الآخرة عذاب عظيم فدلت على أن الحدود ليست كفارة .

                                                                                                                                                                                  قلت : الوعيد في المحاربة عند جميع المؤمنين مرتب على قوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به الآية ، فتأويل الآية إن شاء الله ذلك لقوله لمن يشاء فهذه الآية تبطل نفاذ الوعيد على غير أهل الشرك ، إلا أن ذكر الشرك في حديث عبادة مع سائر المعاصي لا يوجب أن من عوقب في الدنيا ، وهو مشرك كان ذلك كفارة له ; لأن الأمة [ ص: 274 ] مجمعة على تخليد الكفار في النار ، وبذلك نطق الكتاب والسنة ، فحديث عبادة معناه الخصوص فيمن أقيم عليه الحد من المسلمين خاصة أن ذلك كفارة له ، والله أعلم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية