الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1027 112 - حدثنا إبراهيم بن موسى، قال : أخبرنا هشام بن يوسف : أن ابن جريج أخبرهم، قال : أخبرني أبو بكر بن أبي مليكة، عن عثمان بن عبد الرحمن التيمي، عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير التيمي، قال أبو بكر : وكان ربيعة من خيار الناس عما حضر ربيعة من عمر بن الخطاب رضي الله عنه : قرأ يوم الجمعة على المنبر بسورة النحل، حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها، حتى إذا جاء السجدة، قال : يا أيها الناس إنا نمر بالسجود، فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه. ولم يسجد عمر رضي الله عنه.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة غير تامة ; لأن فيه " نزل فسجد "، فهذا يدل على أنه كان يرى السجدة مطلقا سواء كان على سبيل الوجوب أو السنية، وقوله أيضا " وسجد الناس " يدل على ذلك ; إذ لو كان الأمر بخلاف ذلك لمنعهم.

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : قوله " ومن لم يسجد فلا إثم عليه " يدل على نفي الوجوب.

                                                                                                                                                                                  قلت : لا نسلم ; لأنه يحتمل أنه ليس على الفور فلا يأثم بتأخيره، فلا يلزم من ذلك عدم الوجوب.

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : قوله " ولم يسجد عمر " يدل على خلاف ما قلت، " قلت " : لا نسلم لاحتمال أنه لم يسجد في ذلك الوقت لعارض مثل انتقاض الوضوء، أو يكون ذلك منه إشارة إلى أنه ليس على الفور، " فإن قلت " : ما ذكرت من الاحتمالات ينفي ما قلت، " قلت " : لا نسلم لأنه روي عن عمر ما يؤكد ما ذهبنا إليه، وهو ما رواه الطحاوي : حدثنا أبو بكرة ، قال : حدثنا أبو داود وروح ، قالا : حدثنا شعبة ، قال : " أنبأني سعد بن إبراهيم ، قال : سمعت ابن أخت لنا يقال له عبد الله بن ثعلبة ، قال : صلى بنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الصبح فيما أعلم، ثم قال سعد : صلى بنا الصبح، فقرأ بالحج وسجد فيها سجدتين " .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه "، عن غندر ، وعن شعبة إلى آخره نحوه، ومما يؤكد ما قلنا : قوله " فمن سجد فقد أصاب السنة "، والسنة إذا أطلقت يراد بها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم بالسجدة في مواضع السجود في القرآن ، فدل هذا كله أنه سنة مؤكدة، ولا فرق بينها وبين الواجب، فسقط بهذا قول من قال : وأقوى الأدلة على نفي الوجوب حديث [ ص: 110 ] عمر المذكور في هذا الباب، فافهم.

                                                                                                                                                                                  ذكر رجال الأثر المذكور، وهم سبعة :

                                                                                                                                                                                  الأول : إبراهيم بن موسى بن يزيد التميمي الفراء أبو إسحاق الرازي ، يعرف بالصغير.

                                                                                                                                                                                  الثاني : هشام بن يوسف أبو عبد الرحمن الصنعاني اليماني قاضيها، مات سنة سبع وتسعين ومائة باليمن .

                                                                                                                                                                                  الثالث : عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج أبو الوليد المكي .

                                                                                                                                                                                  الرابع : أبو بكر بن أبي مليكة بضم الميم وفتح اللام، واسمه عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة ، واسم أبي مليكة زهير بن عبد الله أبو محمد الأحول ، كان قاضيا لابن الزبير ومؤذنا له، مر في باب خوف المؤمن أن يحبط عمله.

                                                                                                                                                                                  الخامس : عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي القرشي .

                                                                                                                                                                                  السادس : ربيعة بن عبد الله بن الهدير بضم الهاء وفتح الدال، أبو عثمان التيمي القرشي المدني .

                                                                                                                                                                                  السابع : عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه.

                                                                                                                                                                                  ذكر لطائف إسناده :

                                                                                                                                                                                  فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع. وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضع، وبصيغة الإفراد في موضعين. وفيه العنعنة في موضعين. وفيه القول في ثلاثة مواضع. وفيه توثيق أحد الرواة شيخ شيخه الذي روى عنه. وفيه أن أبا بكر بن أبي مليكة ليس له في البخاري غير هذا الحديث، ولأبيه صحبة ورواية، وكذلك ربيعة ليس له في البخاري غير هذا الحديث، وقال ابن سعد : ولد ربيعة في عهد النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم. وفيه رواية ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، وهم أبو بكر ، وعثمان ، وربيعة . وفيه أن عثمان بن عبد الرحمن من أفراد البخاري رضي الله تعالى عنه.

                                                                                                                                                                                  ذكر معناه :

                                                                                                                                                                                  قوله " عما حضر ربيعة من عمر رضي الله تعالى عنه " يتعلق بقوله " أخبرني " فإن قلت : "عن عثمان " يتعلق به، فإذا تعلق به "عما حضر" يكون حرفا جر يتعلقان بفعل واحد، وهو لا يجوز.

                                                                                                                                                                                  قلت : يتعلق الأول بمحذوف تقديره أخبرني أبو بكر راويا عن عثمان ، عن حضوره مجلس عمر رضي الله تعالى عنه، وكلمة "ما" في "عما" مصدرية، وربيعة بالرفع فاعل "حضر".

                                                                                                                                                                                  قوله " قرأ " أي أنه قرأ يوم الجمعة .

                                                                                                                                                                                  قوله " بها " أي بسورة النحل .

                                                                                                                                                                                  قوله " إنما نمر " رواية الكشميهني ، ورواية غيره : إنا نمر، بدون الميم.

                                                                                                                                                                                  قوله " السجود " أي بآية السجود.

                                                                                                                                                                                  قوله " فلا إثم عليه " قالوا : هذا دليل صريح في عدم الوجوب، وقال الكرماني : وهذا كان بمحضر من الصحابة، ولم ينكر عليه، وكان إجماعا سكوتيا على ذلك.

                                                                                                                                                                                  قلت : هذه إشارة إلى أنه لا إثم عليه في تأخيره من ذلك الوقت.

                                                                                                                                                                                  ذكر من أخرجه : هو من أفراد البخاري ، ورواه أبو نعيم من حديث حجاج بن محمد ، عن ابن جريج من طريقين.

                                                                                                                                                                                  وأخرجه سعيد بن منصور أيضا، وإسماعيل من طريق ابن جريج ، أخبرني أبو بكر بن أبي مليكة أن عبد الرحمن بن عثمان التيمي أخبره، عن ربيعة بن عبد الله أنه حضر عمر . . فذكره. وقوله " عبد الرحمن بن عثمان " مقلوب، والصحيح : عثمان بن عبد الرحمن .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية