الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6375 6756 - حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الولاء وعن هبته. [انظر: 2535 - مسلم: 137 - فتح: 12 \ 42].

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث إبراهيم التيمي عن أبيه، قال: قال علي - رضي الله عنه -: ما عندنا كتاب نقرؤه إلا كتاب الله، غير هذه الصحيفة. فأخرجها فإذا فيها أشياء من الجراحات وأسنان الإبل . الحديث: "ومن والى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا" .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - السالف أيضا: نهى عن بيع الولاء وعن هبته .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 555 ] الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              في نهيه - عليه السلام - عن بيع الولاء وعن هبته دليل أنه لا يجوز للمولى التبرؤ من ولاء مواليه، وأن من تبرأ منه وأنكره كان كمن باعه أو وهبه في الإثم.

                                                                                                                                                                                                                              فإن قلت: التقييد بغير إذن مواليه يؤذن جوازه بإذنهم، وهو قول عطاء فيما ذكره عنه عبد الرزاق مستدلا بهذا الحديث أنه إذا أذن الرجل لمولاه أن يوالي من شاء جاز.

                                                                                                                                                                                                                              وهو موافق لما روي عن ميمونة أم المؤمنين أنها وهبت ولاء مواليها للعباس بن عبد المطلب ، وهم كذلك إلى اليوم ولاؤهم لهم، وقد أسلفنا ذلك في باب بيع الولاء وهبته من كتاب المدبر.

                                                                                                                                                                                                                              وفي "المصنف": سئل النخعي عن رجل أعتق رجلا فانطلق المعتق فوالى غيره، فقال: ليس له ذلك إلا أن يهبه المعتق.

                                                                                                                                                                                                                              وعن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم : أن امرأة من محارب أعتقت عبدا ووهبت ولاءه فوهب نفسه لعبد الرحمن بن أبي بكر ، فأجازه عثمان .

                                                                                                                                                                                                                              وعن الشعبي نحوه، وكذا قتادة وابن المسيب .

                                                                                                                                                                                                                              قلت: جماعة من الفقهاء لا يجيزون ذلك، (وقد احتج مالك للمنع، قيل له: الرجل يبتاع نفسه من سيده على أنه يوالي من شاء، قال: لا يجوز ذلك) لأنه - عليه السلام - قال: "الولاء لمن أعتق" ونهى عن بيع الولاء وعن هبته ، فإذا جاز لسيده أن يشترط ذلك له، كأن يأذن له أن يوالي من شاء فتلك الهبة التي نهى الشارع عنها. رواه ابن وهب .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 556 ] فإن قلت: فما تأويل حديث علي إذن؟ قيل: يحتمل أن يكون منسوخا بنهيه عن بيع الولاء وعن هبته، ويحتمل أن يكون تأويله كتأويل قوله تعالى: ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق [الإسراء: 31] والإجماع قائم على النهي عن قتلهم مطلقا، فكذا ما نحن فيه، وكقوله تعالى: وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم [النساء: 23] والإجماع قائم على حرمتها وإن لم يربيها في حجره، فكذا لا يكون ترك إذن الموالي في موالاة غيرهم شرطا في وجوب لعنه متولي غير مواليه، بل اللعنة متوجهة إليهم في توليهم غيرهم بإذنهم وبغير إذنهم; لعموم نهيه عن بيع الولاء وعن هبته (دليل أنه لا يجوز للمولى).

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وفيه من الفقه أنه لا يجوز أن يكتب المولى: فلان ابن فلان. وهو مولاه حتى يقول: فلان مولى فلان، وجائز أن ينتسب إلى نسبه; لأنه انتماء إليه; لأن "الولاء لحمة كلحمة النسب".

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              من تبرأ من مواليه لم تجز شهادته، وعليه التوبة والاستغفار ; لأن الشارع قد لعنه، وكل من لعنه فهو فاسق.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: جواز لعنة أهل الفسق من المسلمين ، ومعنى اللعن في اللغة: الإبعاد عن الخير، وسيأتي قريبا في الحدود معنى نهيه - عليه السلام - عن لعن الذي كان يؤتى به كثيرا ليجلد في الخمر، وأن ذلك ليس بمعارض للعنه لشارب الخمر وكثير من أهل المعاصي.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 557 ] فصل:

                                                                                                                                                                                                                              سلف تفسير الصرف والعدل في آخر كتاب الحج في باب حرم المدينة ، هل الصرف: الفريضة، والعدل: النافلة، أو عكسه؟ أو الصرف: الوزن، والعدل: الكيل، أو الصرف: التوبة، والعدل: الفدية، أو غير ذلك؟ و(عير) بفتح العين المهملة: جبل بالمدينة وهو مصروف، ويجوز تركه إذا أردت البقعة.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: "فمن أخفر مسلما" أي: نقض عهده وعهدته، وخفرته: كنت له خفيرا يمنعه، وأخفرته أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: (فإذا فيها أشياء) هي جمع شيء وهو لا ينصرف، واختلف في تعليله، فقال الخليل : أصله فعلاء، جمع على غير واحده، كالشعراء جمع على غير واحده; لأن الفاعل لا يجمع على فعلى، ثم استثقلوا الهمزتين في آخره، فقلبوا الأولى إلى أول الكلمة فقالوا: أشياء، فصار تقديره أفعاء، وقال الأخفش : (هو أفعلاء)، حذفت الهمزة التي بين الياء والألف للتخفيف وبحث معه المازني وأصاب.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الكسائي : تركوا صرفها لكثرة استعمالها; لأنها شبهت بفعلاء، ويعارض هذا بألا يصرف أسماء ، وقال الفراء : أصل شيء شيي فجمع على أفعلاء كأهيناء، ثم خفف فقيل: شيء مثل هين ولين، وقالوا: أشياء فحذفوا الهمزة الأولى، وهذا القول يدخل عليه أن لا يجمع على (أشاوى).




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية