الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6383 [ ص: 569 ] 26 - باب: لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم، وإذا أسلم قبل أن يقسم الميراث فلا ميراث له

                                                                                                                                                                                                                              6764 - حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن ابن شهاب، عن علي بن حسين، عن عمرو بن عثمان، عن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم" [انظر: 1588، 4283 - مسلم : 1351، 1614 - فتح: 12 \ 50].

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم" .

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث أخرجه البخاري عن أبي عاصم ، عن ابن جريج، عن ابن شهاب ، عن علي بن حسين ، عن عمرو بن عثمان .

                                                                                                                                                                                                                              وكذلك رواه مالك ، فقال عن ابن شهاب ، عن عمر بن عثمان .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن عبد البر : لم يتابع أحد من أصحاب ابن شهاب مالكا على قوله: (عمر) وكل من رواه عن ابن شهاب قال: (عمرو) إلا مالكا فإنه قد قال: (عمر) .

                                                                                                                                                                                                                              وقد وافقه على ذلك يحيى القطان والشافعي وابن مهدي .

                                                                                                                                                                                                                              قال: ولم يختلف أهل النسب أنه كان لعثمان ابن يسمى عمر وآخر يسمى عمرا ، إلا أن هذا الحديث لعمرو لا لعمر عند جماعة أهل الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              وممن قال في هذا الحديث عن ابن شهاب : (عمرو) .. فذكر [ ص: 570 ] جماعة، ثم قال: وابن جريج ، قلت: وكذا أسلفناه من طريق البخاري عنه: (عمرو) بالواو، كذا هو بخط الدمياطي لا كما غلط فيه بعض الشراح وادعى أنه رأى في الأصول: (عمر) .

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف في المغازي، عن سليمان بن عبد الرحمن، عن سعدان ابن يحيى ، عن محمد بن أبي حفصة ، عن الزهري به، وأخرجه ( مسلم من حديث سفيان بن عيينة ، عن الزهري به، وأخرجه أيضا الأربعة: أبو داود من حديث سفيان ) أيضا والترمذي كذلك، وقال: حسن صحيح، كذا رواه الترمذي ، عن علي بن حجر ، عن هشيم بلفظ سفيان ، حمل حديث أحدهما على حديث الآخر، والمحفوظ عن علي بن حجر بلفظ (الثاني) عنه، وله طرق عن الزهري غير ذلك، وفي حديث ابن القاسم وحده: عن عمرو بن عثمان ، وقال النسائي : والصواب من حديث مالك : عن عمرو بن عثمان ، ولا نعلم أحدا تابع مالكا على: (عمر) وعن مسعود بن جويرية الموصلي ، عن هشيم ، عن الزهري ، عن علي بن حسين وأبان بن عثمان، كلاهما عن أسامة به. قال النسائي : وهذا خطأ.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 571 ] وعن علي بن حجر ، عن هشيم بإسناد الترمذي ، وهو الصواب من حديث هشيم ، وهشيم لم يتابع على قوله: "لا يتوارث أهل ملتين" وعن أحمد بن حرب الموصلي ، عن القاسم بن يزيد ، عن سفيان -وهو الثوري - وعن محمد بن بشار ، عن محمد بن جعفر كلاهما عن عبد الله بن عيسى ، عن علي بن حسين ، عن أسامة بن زيد به، ولم يذكر: عمرو بن عثمان . وأخرجه ابن ماجه أيضا من طريق سفيان بن عيينة به.

                                                                                                                                                                                                                              وفي الباب أحاديث أخر:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها: حديث جابر - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يرث المسلم النصراني، إلا أن يكون عبده أو أمته" أخرجه النسائي وصححه الحاكم وأعله ابن حزم بعنعنة أبي الزبير ، عن جابر كعادته.

                                                                                                                                                                                                                              وسيأتي من غير طريقه، وأعله ابن القطان بمحمد بن عمرو اليافعي الذي في سنده وقال: إنه مجهول الحال.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: هذا غريب! فقد روى عن ابن جريج وغيره، وعنه ابن وهب، وأخرج له مسلم في "صحيحه" وذكره ابن حبان في "ثقاته" وقال أبو حاتم وأبو زرعة : شيخ، وقال الحاكم : (صحيح الحديث) قال ابن عدي : له مناكير.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 572 ] وقال ابن يونس : روى عنه ابن وهب وحده بغرائب. وقال الدارقطني بعد أن أخرجه: المحفوظ وقفه. قال: وفي حديث أبي غسان ، عن شريك ، عن أشعث -يعني: ابن طلق- عن جابر، رفعه: "لا يرث أهل الكتاب ولا يورثوا، إلا أن يرث الرجل عبده أو أمته" .

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها: حديث أبي هريرة مرفوعا: "لا ترث ملة ملة، ولا تجوز شهادة أهل ملة على ملة، إلا أمتي فإنه تجوز شهادتهم على من سواهم" أخرجه الدارقطني من حديث عمر بن راشد بن شجرة، عن يحيى ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا (به لفظ ابن عياش ، إلا أنه قال في حديثه عن أبي هريرة ) : أحسب، وشك، وعمر بن راشد ليس بالقوي.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن أبي حاتم ، عن أبيه: من الناس من يرويه عن ابن راشد، عن يحيى، عن أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر شكا.

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها: حديث عبد الله بن عمرو ، أخرجه الدارقطني من حديث الضحاك بن عثمان ومخرمة بن بكير ، عن أبيه، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يتوارث أهل ملتين شتى مختلفين" .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن عبد البر : رواه جماعة من الثقات عن عمرو .

                                                                                                                                                                                                                              وقال هشيم، عن الزهري ، عن علي بن حسين ، عن عمرو بن عثمان، عن أسامة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصرح البيهقي في [ ص: 573 ] "معرفته" بجد عمرو فقال: عن جدي عبد الله بن عمرو ، أنه - عليه السلام - قال يوم فتح مكة ، فذكره، قال: ورواية من روى في حديث الزهري : "لا يتوارث أهل ملتين" غير محفوظة، ورواية الحفاظ كما هو في الكتاب، وإنما يروى هذا في حديث عمرو بن شعيب ، وقد روي في حديث عمرو اللفظان جميعا في حديث واحد، فمن ادعى كون قوله: "لا يتوارث أهل ملتين" هو الأصل، وما رويناه منقولا على المعنى فليس هو بعارف بالأسانيد، وإنما يميل إلى الهوى، ورواة ما ذكرناه حفاظ أثبات.

                                                                                                                                                                                                                              وأما رواية هشيم عن ابن شهاب ، عن عمرو ، عن أسامة فقد حكم الحفاظ بكونها غلطا، وبأنه لم يسمعه من ابن شهاب .

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن حزم في حديث جابر - رضي الله عنه - بعد أن علله بالتدليس: ميراث السيد عبده النصراني أو المجوسي ليس هو بالميراث ولكن للسيد أخذه في حياته، فهو له بعد وفاته، والعبد لا يورث بالخبر الذي جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ميراث المكاتب، فلم يجعل للجزء المملوك ميراثا لا له ولا منه.

                                                                                                                                                                                                                              وقد رويناه عن معاذ ومعاوية بن أبي سفيان ويحيى بن يعمر وإبراهيم ومسروق توريث المسلم من الكافر دون عكسه (أي: كما ينكح الكافرة) وهو قول إسحاق ، وهو عن معاوية ثابت.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 574 ] قلت: وعن معاذ باطل، كما قاله الجورقاني ، وقال أحمد بمقتضى حديث جابر - رضي الله عنه -: أنه إذا أعتق مسلم كافرا ورثه.

                                                                                                                                                                                                                              وحكاه إمام الحرمين ، عن علي وقال: هو غريب لا أصل له.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: بل له أصل كما سلف.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن حزم : ولو صح لم يكن فيه إلا عبده أو أمته، ولا يسمى المعتق ولا المعتقة عبدا ولا أمة.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن عبد البر : وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: أهل الشرك نرثهم ولا يرثوننا. ولم يصح، والصحيح أنه قال لرجل في عمته وماتت نصرانية: يرثها أهل دينها. وممن قال بإرث المسلم من الكافر ابن الحنفية - محمد بن علي - ومحمد بن علي بن الحسين وسعيد بن المسيب، ورووا فيه حديثا مسندا ليس بالقوي، وذكر الطحاوي في "فرائضه": أن ابن مسعود كان يحجب بأهل الكفر ولا يورثهم.

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو يوسف : لسنا نأخذ بهذا، إنما نأخذ بقول علي وزيد : من لم يرث لم يحجب، قال أبو جعفر : وحدثنا سليمان عن أبيه، عن أبي يوسف ، عن الأعمش وابن أبي ليلى : أن ابن مسعود إنما كان يحجب بهؤلاء ثلاثة: الأم من الثلث، والزوج من النصف، والمرأة من الربع، لا يحجب بهم غير هؤلاء.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 575 ] ومن الغرائب أن القاضي عبد الوهاب المالكي نقل عن الشافعي كمقالة أحمد ، فقال: لو أعتق مسلم عبدا كافرا ومات ورثه عند الشافعي ، خلافا لمالك .

                                                                                                                                                                                                                              رأيته في كتاب "الإشراف" له في الخلاف بيننا وبين مالك ، لكن رأيت في "الأم" ما نصه: أخبرنا مالك بن أنس ، عن يحيى بن سعيد ، عن إسماعيل بن أبي حكيم : أن عمر بن عبد العزيز أعتق عبدا له نصرانيا، فتوفي العبد بعدما عتق، قال إسماعيل : فأمرني عمر بن عبد العزيز أن آخذ ماله فأجعله في بيت مال المسلمين ، ثم قال الشافعي : وبهذا كله نأخذ.

                                                                                                                                                                                                                              وفي الرافعي في أوائل باب الولاء مثله، حيث قال: لو أعتق المسلم عبدا كافرا أو الكافر مسلما ثبت الولاء، وإن لم يتوارثا، كما تثبت علقة النكاح والنسب بين الكافر والمسلم وإن لم يتوارثا. وقال القاضي حسين في الباب المذكور: لو أعتق الكافر عبدا مسلما وله ابن مسلم، فمات العبد في حياة معتقه لا يرثه ابن معتقه المسلم، بل يكون لبيت المال، وما ذكره خلاف ما نص عليه إمامنا، فإن ابن المنذر نقل عنه: أنه يرثه أقرب الناس من عصبة مولاه، ويكون وجود سيده كموته، وصرح أيضا -أعني: القاضي حسينا - بأن ابن المعتق وأولاده والعبد المعتق إذا كانوا كفارا، فالتحق المعتق بدار الحرب واسترق، ثم مات العبد المعتق آل ميراثه لبيت المال، قال: وهكذا التزويج.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 576 ] نص الشافعي على أن المرأة إذا أعتقت أمة زوجها أبوها بعصوبة الولاء، ونص فيما لو أعتقها رجل ومات وخلف ابنا صغيرا وللأب جد أنه ليس للجد تزويجها فما الفرق؟ وفرق القفال بأن في الأول أيس من ثبوت الولاء لها، فجعلت كالعدم فزوج أبوها بخلاف الصغير، واستدل أصحابنا على أحمد في تفرقته بين الإرث بالنسب والولاء، بأن الولاء فرع النسب، والكفر مانع من الإرث بالنسب، فأولى أن يمنع في الولاء، وفرقوا بين النكاح والإرث بأن التوارث مبني على الموالاة والمناصرة، وهما منتفيان بين المسلم والكافر، وأما النكاح فمن نوع الاستخدام وقضاء الأرب; ولأن الإرث لو كان ملحقا بالنكاح لورث الذمي الحربي، كما لا يجوز أن يتزوج المسلم الحربية، وحيث لم يجز دل على افتراقهما.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              ذهب جماعة من أئمة الفتوى بالأمصار إلى حديث أسامة ، وقالوا: لا يرث المسلم الكافر ولا عكسه ، روي هذا عن عمر وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عباس وجمهور التابعين، وفي ذلك خلاف عن بعض السلف، يروى عن معاوية ومعاذ كما سلف، وذهب إليه سعيد بن المسيب وغيره.

                                                                                                                                                                                                                              واحتجوا لذلك فقالوا: نرث الكفار ولا يرثوننا، كما ننكح نساءهم ولا ينكحوا نسائنا. ويرده حديث الباب، والسنة حجة على من خالفها.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 577 ] قال ابن القصار : والتوارث متعلق بالولاية، ولا موالاة بينهما، قال تعالى: لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض [المائدة: 51] فدل أنهم لا يكونون أولياء للكفار، فوجب أن لا يرثوهم كما لا يرثهم الكفار، وأيضا فما بين الكافر والمسلم أبعد مما بين الذمي والحربي، فإذا ثبت أن الذمي لا يرث الحربي مع اتفاقهم في الملة; فلأن لا يرث المسلم الكافر أولى; لاختلافهما في الملة، وما ذكروه من تزويج المسلم الكافرة فإن باب الميراث غير مبني على التزويج. ألا ترى أن الذمي يتزوج الحربية وهو لا يرثها، والحر المسلم يتزوج الأمة المسلمة ولا يرثها مع اتفاق دينهما، وقولهم ينقلب عليهم; لأن الكافر يقول: أنا أرث المسلم; لأنه يتزوج منا وإن لم نتزوج منه، فكما يرثنا نرثه.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وقول البخاري : (وإذا أسلم قبل أن يقسم الميراث فلا ميراث له) هو قول (جماعة العلماء) الفقهاء، وقالت طائفة: إذا أسلم قبل القسمة فله نصيبه، روي عن عمر وعثمان من طريق لا يصح، وبه قال الحسن وعكرمة ، وحكاه ابن هبيرة رواية عن أحمد ، وحكاه ابن التين ، عن جابر بن زيد فيه وفي المعتق قبلها، قال: وروي عن الحسن أيضا: الإرث في الإسلام دون العتق، وإن أسلم وقد قسم بعض المال يورث ما لم يقسم خاصة.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 578 ] وقول الجماعة أصح; لأنه إنما يستحقه من حين الموت; لقوله - عليه السلام -: "لا يرث الكافر المسلم" فإذا انتقل ملك المسلم عن ماله إلى من هو على دينه ثبت ملكه لمن ورثه من المسلمين، ولا يجوز إزالة ملكه إلا بحجة.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              واختلفوا في معنى هذا الحديث في ميراث المرتد على قولين: أحدهما: أن ماله -إذا قتل عليها- فيء في بيت مال المسلمين، وهو قول زيد بن ثابت ، وبه قال ابن أبي ليلى وربيعة ومالك والشافعي وأبو ثور وأحمد وجماعة فقهاء الحجاز ، كما ذكره أبو عمر ، وحجتهم ظاهر القرآن في قطع ولاية المؤمنين من الكفار، وعموم حديث أسامة ، ولم يخص مرتدا من غيره، وحديث عدي بن زيد عن ثابت بن أبي أنيسة ، عن يزيد بن البراء ، عن أبيه، قال: لقيني عمي فقلت: أين تريد؟ فقال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل نكح امرأة أبيه أضرب عنقه، وآخذ ماله . وفي حديث خالد بن أبي كريمة، عن معاوية بن قرة ، عن أبيه: أنه - عليه السلام - بعث أباه -جد [ ص: 579 ] معاوية - إلى رجل عرس بامرأة أبيه فأمره فضرب عنقه وخمس ماله . وضرب الرقبة وتخميس المال لا يكون إلا على المرتد.

                                                                                                                                                                                                                              قال الشافعي : وقد روي أن معاوية كتب إلى زيد بن ثابت وابن عباس يسألهما عن ميراث المرتد فقالا: لبيت المال . يعنيان أنه فيء.

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو حنيفة والثوري وجمهور الكوفيين وكثير من البصريين والأوزاعي وإسحاق : يرثه ورثته المسلمون (وهو قول علي وابن مسعود وسعيد بن المسيب والحسن والشعبي والحكم ).

                                                                                                                                                                                                                              قال يحيى بن آدم : وهو قول جماعتنا، وتأولوا الحديث بالكافر الذي يقر على دينه، فأما المرتد فلا دين له يقر عليه، وقالوا: قرابة المرتد مسلمون، وقد جمعوا القرابة والإسلام فهم أولى. وضعف أحمد بن حنبل حديث علي ، كما قاله ابن بطال .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 580 ] وقال أصحاب مالك والشافعي : لو صح عن علي ، فإنما جعل ميراث المرتد لقرابته المسلمين لما رأى فيهم من الحاجة، وكانوا ممن يستحق ذلك في جماعة المسلمين من بيت مالهم، ولم يمكن عموم جماعة المسلمين بميراثه، فجعل لورثته على هذا الوجه، لا على أنه (ورثهم) منه على طريق الميراث.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن عبد البر : ولا يرث المرتد أحدا من مسلم ولا كافر ، وروى الأعمش ، عن أبي عمرو الشيباني قال: أتي علي بالمستورد العجلي ، وقد ارتد فعرض عليه الإسلام (فأبى) فضرب عنقه وجعل ميراثه لورثته من المسلمين ، وهو قول ابن مسعود ورواه -أعني: أثر علي - ابن أبي شيبة ، عن أبي معاوية ، عن سليمان ، ورواه يزيد بن هارون أيضا عن الحجاج ، عن الحكم ، عن علي ، قال البيهقي : ورواه عن علي أيضا ابن عبيد بن الأبرص وعبد الملك بن (عمير) والشعبي .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو بكر بن أبي شيبة عن ابن مهدي ، عن جرير قال: كتب عمر بن عبد العزيز في ميراث المرتد أنه لورثته من المسلمين ، ورواه أيضا عن الحسن والحكم والشعبي، وقد سلف.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 581 ] وروى يزيد بن هارون ، عن إسماعيل المكي ، عن الحسن وحماد وإبراهيم في: المرتد يلحق بالمشركين مدة فينقل ما كان معه من المال، فهو بمنزلة دمه، وما كان في أهله فلورثته .

                                                                                                                                                                                                                              وفي "الوصايا" لعبد الرزاق بن همام ، عن (همام) عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة قال: ارتد علقمة بن علاثة ، فبعث الصديق إلى امرأته وولده، فقالت امرأته: ما يلزمني إن كان علقمة ارتد فإني لم أكفر ؟

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن عبد البر : واختلفوا في ميراث أهل الملل بعضهم من بعض ، فذهب مالك إلى أن الكفر ملل مختلفة، فلا يرث عنده يهودي من نصراني، ولا يرثه النصراني، وكذلك المجوسي لا يرث نصرانيا ولا يهوديا ولا وثنيا، وهو قول الزهري (والحسن) وربيعة وشريك القاضي وأحمد وإسحاق ، وحكاه القاضي قولا للشافعي ، وحكاه غيره وجها، واختاره الأستاذ أبو منصور ، وحجتهم الحديث السالف: "لا يرث أهل ملتين شتى مختلفتين" .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو حنيفة والشافعي -أي: في أظهر قوليه- وأصحابهما وأبو ثور وداود والثوري وحماد : الكفار كلهم يتوارثون; الكافر يرث الكافر على أي كفر كان ; لأن الكفر عندهم كله ملة واحدة، [ ص: 582 ] وجميع الملل في البطلان كالملة الواحدة، قال تعالى: لكم دينكم ولي دين [الكافرون: 6] ولم يقل: أديانكم، وقال تعالى: فماذا بعد الحق إلا الضلال [يونس: 32] فأشعر بأن الكفر ملة واحدة، وقال تعالى: ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم [البقرة: 120] ولم يقل: مللهم، فجعله ملة واحدة.

                                                                                                                                                                                                                              قالوا: ويوضح ذلك الحديث السالف: "لا يتوارث أهل ملتين" وحديث الباب، فجعل (الكفر كله) ملة والإسلام ملة، وكان شريح القاضي وابن أبي ليلى وشريك بن عبد الله النخعي يجعلون الكفر ثلاث ملل: اليهود والسامرة ملة، والنصارى والصابئين ملة، والمجوس ومن لا دين له ملة; على اختلاف عن شريك وابن أبي ليلى في ذلك; لأنهما قد روي عنهما مثل قول مالك في ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              فرع:

                                                                                                                                                                                                                              المشهور عندنا: أنه لا توارث بين حربي وذمي; لانقطاع الموالاة بينهما .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية