الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6545 [ ص: 30 ] 2 - باب في بيع المكره ونحوه في الحق وغيره

                                                                                                                                                                                                                              6944 - حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثنا الليث ، عن سعيد المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : بينما نحن في المسجد إذ خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

                                                                                                                                                                                                                              فقال : " انطلقوا إلى يهود " . فخرجنا معه حتى جئنا بيت المدراس ، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - فناداهم : "يا معشر يهود ، أسلموا تسلموا" . فقالوا : قد بلغت يا أبا القاسم . فقال : "ذلك أريد" ، ثم قالها الثانية . فقالوا : قد بلغت يا أبا القاسم . ثم قال الثالثة فقال : "اعلموا أن الأرض لله ورسوله ، وإني أريد أن أجليكم ، فمن وجد منكم بماله شيئا فليبعه ، وإلا فاعلموا أنما الأرض لله ورسوله " .
                                                                                                                                                                                                                              [انظر : 3167 - مسلم : 1765 - فتح: 12 \ 317 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : بينما نحن في المسجد إذ خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -فقال : "انطلقوا إلى يهود " . فخرجنا معه حتى أتينا بيت المدراس ، فقام - عليه السلام - فناداهم : "يا معشر يهود ، أسلموا تسلموا " . فقالوا : قد بلغت يا أبا القاسم . فقال : "ذاك أريد " . ثم قالها ثلاثا . ثم قال : "اعلموا أن الأرض لله ولرسوله ، وإني أريد أن أجليكم ، فمن وجد منكم بماله شيئا فليبعه ، وإلا فاعلموا أن الأرض لله ولرسوله " .

                                                                                                                                                                                                                              (الشرح ) :

                                                                                                                                                                                                                              عندنا أن بيع المكره بغير حق باطل بخلاف ما إذا أكره بحق (كما ) إذا كان عليه دين ، وامتنع من أدائه ، فإن الحاكم له أن يبيعه عليه ، وله أن يكرهه على بيعه ، وكذا قال المهلب : وما باعه المضغوط في حق وجب عليه فذلك ماض سائغ لا رجوع فيه عند الفقهاء ؛ لأنه يلزمه أداء الحق [ ص: 31 ] إلى صاحبه من غير المبيع ، فلما لم يفعل كان بيعه اختيارا منه ولزمه ، ووجه الاستدلال على هذه المسألة من هذا الحديث هو أن إخراج الشارع لليهود (حق ) ؛ لأنه إنما فعل ذلك بوحي من الله فأباح لهم بيع أموالهم فكان بيعهم جائزا ؛ لأنه لم يقع الإكراه على البيع من أجل أعيان الشيء المبيع ، وإنما وقع من أجل الحق الذي لزمهم في الخروج فلذلك كان بيع من وجب عليه الحق جائزا ، وأما بيع المكره ظلما وقهرا ، فقال محمد بن سحنون : أجمع أصحابنا وأهل العراق على أن بيع المكره على الظلم والجور لا يجوز .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الأبهري : إنه إجماع . وقال مطرف وابن عبد الحكم وأصبغ : سواء وصل الثمن إلى المضغوط ، ثم دفعه إلى الذي ألجأه إلى بيع ما باعه أو كان الطالب هو تولى قبض الثمن من المبتاع ؛ لأن إنما يقبضه لغيره لا لنفسه ، فإن ظفر بمتاعه بيد من ابتاعه أو بيد من اشتراه من الذي ابتاعه فهو أحق به ولا شيء عليه من الثمن ، ليرجع الباعة بعضهم على بعض حتى يرجع المبتاع الأول على الظالم الذي وصل إليه الثمن ، فإن فات المبتاع رجع بقيمته الذي فات عنده أو بالثمن الذي بيع به أي ذلك كان أكثر ، فإن فات عند أحدهم بأكل أو لبس رجع بقيمته إن شاء أو يخير البيع ويأخذ الثمن من المبتاع عند الجماعة خلا ابن سحنون فإنه قال : يأخذ الثمن من المشتري ؛ لأنه رآه متعديا في دفعه لمن لا يستحقه .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 32 ] قال الخطابي : استدل البخاري بهذا الحديث في جواز بيع المكره ، وإنما المكره من أكره على بيع ما لم يرد بيعه ، قال : واليهود لو لم يبيعوا أرضهم لم يحملوا عليه ، وإنما شحوا على أموالهم فاختاروا بيعها كأنهم اضطروا إلى بيعها كمن رهقه دين فاضطر إلى بيع ماله فيكون جائزا ولو أكره عليه لم يجز ، ولا تلزم هذه المعاوضة ؛ لأنه بوب باب : بيع المكره في الحق وغيره ، وإنما ينبغي على ما بوب أنه لم يذكر في الباب الإكراه على البيع في غير الحق .

                                                                                                                                                                                                                              فائدة :

                                                                                                                                                                                                                              ( بيت المدراس ) : الموضع الذي يتدارسون فيه التوراة ، ومر (عبارة الخطابي فيه : إن الأرض لهم وإنهم باعوها .

                                                                                                                                                                                                                              وعبارة أبي جعفر فيه : إن الأرض لرسوله ؛ لأنه لم يوجف عليها فليتأمل ) ، وقال لهم ذلك ثلاثا ؛ تأكيدا للإبلاغ ولو أنذرهم مرة لاكتفى .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : " أريد أن أجليكم " قال الداودي ؛ لقوله تعالى : فانبذ إليهم على سواء [الأنفال : 58 ] قال : وهذه من الأرض التي خص الله بها رسوله إذ لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب .

                                                                                                                                                                                                                              قال : وقوله : " لله ولرسوله " يعني : الحكم فيها لهما ، قال : وقيل : قوله : "لله" مفتاح كلام .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 33 ] وقوله : "أجليكم" هو رباعي من أجلى .

                                                                                                                                                                                                                              قال الجوهري : الجلاء : الخروج من البلد ، وقد جلوا عن أوطانهم وجلوتهم أنا ، يتعدى ولا يتعدى ، ويقال أيضا : أجلوا عن البلد وأجليتهم أنا ، كلاهما بالألف .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية