الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
9165 4561 - (9461) - (2\421) عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء".

التالي السابق


* قوله : " أقرب ما يكون العبد من ربه - عز وجل - "؛ الظاهر أن "ما " مصدرية، و" كان" تامة، والجار متعلقة بالقرب، وليست "من" تفضيلية،

[ ص: 225 ]

والمعنى شاهد لذلك، فلا يرد أن اسم التفضيل لا يستعمل إلا بأحد أمور ثلاثة، لا بأمرين؛ كالإضافة، ومن، فكيف استعمل هذا بأمرين؟ فافهم، وخبر "أقرب" محذوف؛ أي: حاصل له، وجملة "وهو ساجد" حال من ضمير "حاصل"، أو من ضمير "له"، والمعنى: أقرب أكوان العبد من ربه - تبارك وتعالى - حاصل له حين كونه ساجدا، ولا يرد على الأول أن الحال لا بد أن يرتبط بصاحبه، ولا ارتباط هاهنا؛ لأن ضمير "وهو ساجد" للعبد، لا لـ"أقرب"؛ لأنا نقول: يكفي في الارتباط وجود الواو من غير حاجة إلى الضمير؛ مثل: جاء زيد والشمس طالعة.

* "فأكثروا الدعاء"؛ أي: في السجود، قيل: وجه الأقربية أن العبد في السجود داع؛ لأنه أمر به، والله تعالى قريب من السائلين؛ لقوله تعالى: وإذا سألك عبادي عني . . . إلخ [ البقرة: 186]، ولأن السجود غاية في الذل والانكسار وتعفير الوجه، وهذه الحالة أحب أحوال العبد؛ كما رواه الطبراني في "الكبير" بسند حسن عن ابن مسعود، ولأن السجود أول عبادة أمر الله تعالى بها بعد خلق آدم، فالمتقرب بها أقرب، ولأن فيه مخالفة لإبليس في أول ذنب عصى الله تعالى به.

قال القرطبي: هذا أقرب بالرتبة والكرامة، لا بالمسافة والمساحة؛ لأنه تعالى منزه عن المكان والزمان.

وقال البدر بن الصاحب في "تذكرته": في الحديث إشارة إلى نفي الجهة عن الله تعالى، وأن العبد في انخفاضه غاية الانخفاض يكون أقرب ما يكون إلى الله.

قلت: كأنه بنى ذلك على أن الجهة المتوهم ثبوتها له - تعالى جل وعلا - جهة

[ ص: 226 ]

العلو، والحديث يدل على نفيها، وإلا فالجهة السفلى لا ينفيها هذا الحديث، بل يوهم ثبوتها، بل قد يبحث في نفي الجهة العليا بأن القرب إلى العالي يمكن حالة الانخفاض بنزول العالي إلى المنخفض؛ كما جاء نزوله تعالى كل ليلة إلى السماء، على أن المراد: القرب مكانة ورتبة وكرامة، لا مكانا، فلا يتم الدلالة أصلا.

ثم الكلام في دلالة الحديث على نفي الجهة، وإلا فكونه تعالى منزها عن الجهة معلوم بأدلته، والله تعالى أعلم.

* * *




الخدمات العلمية