الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
9340 4592 - (9623) - (2\435 - 436) عن أبي هريرة، قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحم، فدفع إليه الذراع، وكانت تعجبه، فنهس منها نهسة، ثم قال: "أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون لم ذلك؟ يجمع الله - عز وجل - الأولين والآخرين في صعيد واحد، يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، وتدنو الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون إلى ما أنتم فيه ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم - عز وجل - ؛ فيقول بعض الناس لبعض: أبوكم آدم.

[ ص: 243 ]

فيأتون آدم، فيقولون: يا آدم! أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك

من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول - آدم عليه السلام - : إن ربي - عز وجل - قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي نفسي، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح.

فيأتون نوحا، فيقولون: يا نوح! أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وسماك الله عبدا شكورا، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول نوح: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه كانت لي دعوة على قومي، نفسي نفسي، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم.

فيأتون إبراهيم، فيقولون: يا إبراهيم! أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم إبراهيم: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله - فذكر كذباته - نفسي نفسي، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى.

فيأتون موسى، فيقولون: يا موسى! أنت رسول الله، اصطفاك الله برسالاته وبتكليمه على الناس، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم موسى: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قتلت نفسا لم أؤمر بقتلها، نفسي نفسي، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى.

فيأتون عيسى، فيقولون: يا عيسى! أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه - قال: هكذا هو - وكلمت الناس في المهد، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم عيسى: إن ربي قد غضب

[ ص: 244 ]

اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله - ولم يذكر له ذنبا - ، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد.

فيأتوني فيقولون: يا محمد! أنت رسول الله وخاتم الأنبياء، غفر الله لك

ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فأقوم، فآتي تحت العرش، فأقع ساجدا لربي - عز وجل - ، ثم يفتح الله علي، ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي، فيقال: يا محمد! ارفع رأسك، سل تعطه، اشفع تشفع، فأقول: يا ربي! أمتي أمتي، يا رب! أمتي أمتي، يا رب! أمتي أمتي، يا رب! فيقول: يا محمد! أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سواه من الأبواب"، ثم قال: "والذي نفس محمد بيده! لما بين مصراعين من مصاريع الجنة، كما بين مكة وهجر، أو كما بين مكة وبصرى".


التالي السابق


* قوله : " أنت أول الرسل"؛ أي: المبعوثون لرفع الشرك عن الأرض، ومن سبق فما بعثوا لرفع الشرك؛ إذ لم يكن ثمة شرك.

* * *




الخدمات العلمية