الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        5400 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا عبد الله بن وهب ، أن مالكا حدثه ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول : كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا ، من نخل ، وكان أحب أمواله إليه حائطا حديلة ، وكانت مستقبلة المسجد ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب .

                                                        قال أنس : فلما نزلت هذه الآية : لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ، قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إن الله عز وجل يقول في كتابه : لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ، وإن أحب الأموال إلي الحائط ؛ فإنها صدقة أرجو برها وذخرها عند الله ، فضعها يا رسول الله حيث شئت .

                                                        فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بخ ، ذلك مال رابح ، بخ ، ذلك مال رابح ، وقد سمعت ما قلت فيه ، وأنا أرى أن تجعلها في الأقربين .

                                                        [ ص: 290 ] فقال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله ، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه
                                                        .

                                                        قال أبو جعفر : فهذا أبو طلحة رضي الله عنه قد جعلها في أبي وحسان ، وإنما يلتقي هو وأبي عند أبيه السابع ؛ لأن أبا طلحة ، اسمه زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار .

                                                        وحسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار ، وكلاهما ليس بذي رحم محرم منه .

                                                        فدل ذلك على فساد قول من زعم أن القرابة ليست إلا من كانت رحمه رحما محرمة .

                                                        وأما ما ذهب إليه زفر بن الهذيل بما قد حكينا عنه في هذا الفصل ففاسد أيضا ؛ لأنا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أعطى بني هاشم ، وبني المطلب ما أعطاهم من سهم ذوي القربى - قد سوى بين من قربت رحمه منه ، وبين من بعدت رحمه منهم منه ، وهم جميعا له ذوو قرابة .

                                                        فلو كان من قرب منه يحجب من بعد منه ، إذا لما أعطاه بعيدا مع قريب ؛ لأن الله عز وجل إنما أمره أن يعطي ذا قرابته ، ولم يكن ليخالف ما أمره به .

                                                        وهذا أبو طلحة ، فقد جمع في عطيته أبي بن كعب ، وحسان بن ثابت ، وأحدهما أقرب إليه من الآخر إن كانا من ذوي قرابته .

                                                        ولم يكن لما فعل من ذلك مخالفا لما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إعطائه بني المطلب مع بني هاشم مخالفا أمر الله في إعطائه من أمره بإعطائه من قرابته .

                                                        وأما ما ذهب إليه الذين قالوا : قرابة الرجل كل من جمعه وإياه أبوه الرابع إلى من هو أسفل منه من آبائه ففاسد أيضا ؛ لأن أهله الذين ذهبوا إليه أيضا ولهم عليه فيما ذكروا إعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من سهم ذوي القربى بني المطلب ، وهم بنو أبيه الرابع ، ولم يعط بني أبيه الخامس ، ولا بني أحد من آبائه الذين فوق ذلك .

                                                        وقد رأيناه صلى الله عليه وسلم حرم بني أمية ، وبني نوفل ، فلم يعطهم شيئا ، ليس لأنهم ليسوا من ذوي قرابته .

                                                        فكذلك يحتمل أيضا أن يكون إذ حرم من فوقهم أن يكون ذلك منه ، ليس لأنهم ليسوا من قرابته .

                                                        وهذا أبو طلحة ، فقد أعطى ما أمره الله والنبي صلى الله عليه وسلم بإعطائه إياه ذا قرابته الفقراء ، بعض بني أبيه السابع .

                                                        فلم يكن بذلك أبو طلحة رضي الله عنه ، لما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم مخالفا ، ولا أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعله من ذلك .

                                                        فأما ما ذهب إليه أن قرابة الرجل كل من جمعه وإياه أبوه الثالث إلى من هو أسفل من ذلك ، فإنهم [ ص: 291 ] قالوا : لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى ، أعطى بني هاشم جميعا ، وهم بنو أبيه الثالث ، فكانوا قرابتهم منه ، وأعطى بني المطلب ما أعطاهم ؛ لأنهم حلفاؤه ، ولو كان أعطاهم ؛ لأنهم قرابته ، لأعطى من هو في القرابة مثلهم ، من بني أمية ، وبني نوفل .

                                                        فهذا القول - عندنا - فاسد ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان أعطى بني المطلب بالحلف لا بالقرابة ، لأعطى جميع حلفائه ، فقد كانت خزاعة حلفاءه ، ولقد ناشده عمرو بن سالم الخزاعي بذلك الحلف .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية