الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        5453 - حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم ، قال : ثنا أسد بن موسى ، قال : ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، قال : أخبرنا سليمان بن المغيرة ، عن ثابت البناني ، عن عبد الله بن رباح ، قال : وفدنا إلى معاوية ، وفينا أبو هريرة ، فقال : ألا أخبركم بحديث من حديثكم يا معشر الأنصار ؟ ثم ذكر فتح مكة ، فقال : أقبل النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة ، فبعث الزبير بن العوام على إحدى المجنبتين ، وبعث خالد بن الوليد على المجنبة الأخرى ، وبعث أبا عبيدة على الحسر ، فأخذوا بطن الوادي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبة ، فنظر فرآني ، فقال : يا أبا هريرة ، فقلت : يا نبي الله ، قال : اهتف لي بالأنصار ، ولا يأتني إلا أنصاري .

                                                        قال : فهتف بهم حتى إذا طافوا به وقد وبشت قريش أوباشها وأتباعها ، فقالوا : تقدم هؤلاء ، فإن كان لهم شيء كنا معهم وإن أصيبوا أعطينا الذي سألنا .

                                                        فقال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار رضي الله عنهم - حين طافوا به - : انظروا إلى أوباش قريش وأتباعهم ، ثم قال بإحدى يديه على الأخرى : احصدوهم حصادا حتى توافوني بالصفا ، فانطلقوا فما يشاء أحد منا أن يقتل ما شاء إلا قتل ، وما توجه إلينا أحد منهم .

                                                        فقال أبو سفيان : يا رسول الله ، أبيحت خضراء قريش ولا قريش بعد اليوم .

                                                        فقال النبي صلى الله عليه وسلم : من أغلق بابه فهو آمن ، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، فأغلق الناس أبوابهم .

                                                        وأقبل النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتى الحجر ، فاستلمه ثم طاف بالبيت ، فأتى على صنم إلى جنب البيت يعبدونه ، وفي يده قوس فهو آخذ بسية القوس .

                                                        فلما أن أتى على الصنم جعل يطعن في عينيه ، ويقول : جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا .

                                                        [ ص: 325 ] حتى إذا فرغ من طوافه أتى الصفا ، فصعد عليها حتى نظر إلى البيت ، فرفع يديه فجعل يحمد الله ويدعوه بما شاء الله ، والأنصار رضي الله عنهم تحته .

                                                        فقالت الأنصار بعضهم لبعض : أما الرجل فقد أدركته رغبة في قرابته ، ورأفة بعشيرته .

                                                        فقال أبو هريرة رضي الله عنه : وجاءه الوحي به ، وكان إذا جاء لم يخف علينا ، فليس أحد من الناس يرفع رأسه إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى يقضى الوحي .

                                                        قال النبي صلى الله عليه وسلم : يا معشر الأنصار ، أقلتم : أما الرجل فقد أدركته رغبة في قرابته ورأفة بعشيرته ؟ قالوا : لو كان ذكر .

                                                        قال : كلا ، إني عبد الله ورسوله هاجرت إلى الله عز وجل وإليكم ، والمحيا محياكم ، والممات مماتكم ، فأقبلوا يبكون إليه ويقولون : والله ما قلنا الذي قلنا إلا ضنا بالله ورسوله ، قال : فإن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم
                                                        .

                                                        فهذا أبو هريرة رضي الله عنه يخبر أن قريشا عند دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وبشت أوباشها وأتباعها ، فقالوا : تقدم هؤلاء ، فإن كان لهم شيء كنا معهم ، وإن أصيبوا أعطينا الذي سألنا ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على ذلك منهم ، فقال للأنصار : " انظروا إلى أوباش قريش وأتباعهم " ، ثم قال بإحدى يديه على الأخرى : احصدوهم حصادا حتى توافوني بالصفا ، فما يشاء أحد منا أن يقتل من شاء إلا قتل ، وما توجه إلينا أحد منهم ، فيكون من هذا دخولا على أمان ، ثم كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك المن عليهم والصفح .

                                                        وقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه في هذا الحديث زيادة على ما في حديث سليمان بن المغيرة .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية