الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
47 - قوله: (ص): "وسبيل من أراد البسط أن يعمد إلى صفة معينة... " إلى آخره.

[ ص: 493 ] أقول: شرح هذا شيخنا في شرح منظومته، ولم يعترض له هنا فرأيت الإشارة إلى ذلك هنا.

[ صفات القبول :]

قال - رضي الله عنه - : صفات القبول ستة:

1 - اتصال السند .

2 - وعدالة الرجال.

3 - والسلامة من كثرة الخطأ والغفلة.

قلت: بل التعبير هنا باشتراط الضبط أولى. انتهى.

4 - قال: ومجيء الحديث من وجه آخر حيث كان في الإسناد مستور لم تعرف أهليته وليس متهما كثير الغلط.

قلت: وكذا إذا كان فيه ضعيف بسبب سوء الحفظ، أو كان في الإسناد انقطاع خفيف أو خفي، أو كان مرسلا. كما قررنا ذلك في الكلام على الحسن المجبور. انتهى.

5 - قال: والسلامة من الشذوذ.

6 - والسلامة من العلة القادحة.

قلت: وتلخيص التقسيم المطلوب أن فقد الأوصاف راجع إلى ما في راويه طعن أو في سنده سقط، فالسقط إما أن يكون في أوله أو في آخره أو في [ ص: 494 ] أثنائه ، ويدخل تحت ذلك المرسل والمعلق والمدلس والمنقطع والمعضل، وكل واحد من هذه إذا انضم إليه وصف من أوصاف الطعن وهي: تكذيب الراوي أو تهمته بذلك أو فحش غلطه أو مخالفته أو بدعته أو جهالة عينه أو جهالة حاله فباعتبار ذلك يخرج منه أقسام كثيرة مع الاحتراز من التداخل المفضي إلى التكرار، فإذا فقد ثلاثة أوصاف من مجموع ما ذكر حصلت منها أقسام أخرى مع الاحتراز مما ذكر، ثم إذا فقد أربعة أوصاف، فكذلك ثم كذلك إلى آخره، فكل ما عدمت فيه صفة واحدة يكون أخف مما عدمت فيه صفتان بشرط أن لا تكون الصفة المتقدمة قد جبرتها صفة قوية، وهكذا إلى أن ينتهي الحديث إلى درجة الموضوع المختلق بأن تنعدم فيه شروط القبول ، ويوجد فيه ما يشترط انعدامه من جميع أسباب الطعن والسقط.

لكن قال شيخنا: إنه لا يلزم من ذلك ثبوت الحكم بالوضع وهو متجه، لكن مدار الحكم في الأنواع على غلبة الظن، وهي موجودة هنا - والله أعلم - .

تنبيهات:

الأول: قولهم: "ضعيف الإسناد" أسهل من قولهم: "ضعيف". على ما تقدم في قولهم: "صحيح الإسناد وصحيح"، ولا فرق.

الثاني: من جملة صفات القبول التي لم يتعرض لها شيخنا أن يتفق العلماء على العمل بمدلول حديث، فإنه يقبل حتى يجب العمل به.

وقد صرح بذلك جماعة من أئمة الأصول.

ومن أمثلته قول الشافعي - رضي الله عنه - : وما قلت من أنه إذا غير طعم الماء وريحه ولونه يروى عن النبي [ ص: 495 ] - صلى الله عليه وسلم - من وجه لا يثبت أهل الحديث مثله، ولكنه قول العامة لا أعلم بينهم فيه خلافا.

وقال في حديث: "لا وصية لوارث" : لا يثبته أهل العلم بالحديث، ولكن العامة تلقته بالقبول وعملوا به حتى جعلوه ناسخا لآية الوصية للوارث.

[ أوهى الأسانيد :]

الثالث: لم يتعرض المصنف للكلام على أوهى الأسانيد كما تكلم على أصح الأسانيد، مع أن الحاكم قد ذكر الفصلين معا، وتبعه أبو نعيم فيما خرجه على كتابه، والأستاذ أبو منصور البغدادي، وأورده تقي الدين القشيري في الاقتراح وغير واحد ممن تأخر عنه، وليس هو عريا عن [ ص: 496 ] الفائدة، بل يستفاد من معرفته ترجيح بعض الأسانيد على بعض، وتمييز ما يصلح للاعتبار مما لا يصلح.

قال الحاكم : أوهى أسانيد الصديق - رضي الله عنه - : صدقة الدقيقي عن فرقد السبخي عن مرة الطيب عن أبي بكر - رضي الله عنه - .

وأوهى أسانيد العمريين: محمد بن القاسم بن عبد الله بن عمر عن حفص بن عاصم بن عمر عن أبيه عن جده، فإن محمدا والقاسم وعبد الله لم يحتج بهم.

[ ص: 497 ] وأوهى أسانيد أهل البيت: عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن الحارث الأعور عن علي - رضي الله تعالى عنه - .

(وأوهى أسانيد أبي هريرة - رضي الله عنه - : السري بن إسماعيل عن داود بن يزيد الأودي عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ) .

وأوهى أسانيد عائشة - رضي الله تعالى عنها - : الحارث بن شبل عن أم النعمان عن عائشة - رضي الله عنها - .

وأوهى أسانيد ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - : شريك عن [ ص: 498 ] أبي فزارة عن أبي زيد عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - .

(وأوهى أسانيد أنس - رضي الله عنه - : داود بن المحبر بن قحذم عن أبيه عن أبان عن أنس - رضي الله عنه - ).

وأوهى أسانيد المكيين : عبد الله بن ميمون القداح عن شهاب بن خراش عن إبراهيم بن يزيد الخوزي عن عكرمة ، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - .

وأوهى أسانيد اليمانيين : حفص بن عمر العدني عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنهما.

[ ص: 499 ] وأوهى أسانيد المصريين : أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين بن سعد عن أبيه عن جده عن قرة بن عبد الرحمن عن شيوخه.

وأوهى أسانيد الشاميين : محمد بن سعيد المصلوب ، عن عبيد الله بن [ ص: 500 ] زحر عن علي بن زيد عن القاسم عن أبي أمامة - رضي الله تعالى عنه - .

وأوهى أسانيد الخراسانيين : عبد الله بن عبد الرحمن بن مليحة وإبراهيم عن نهشل بن سعيد عن الضحاك عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - .

قلت: وهذا الذي ذكره الحاكم وتبعه من ذكر عليه غالبه لا تنتهي نسخته إلى الوصف بالوضع، وإنما هو بالنسبة إلى اشتمال الترجمة على اثنين فأزيد من الضعفاء.

[ ص: 501 ] ووراء هذه التراجم نسخ كثيرة موضوعة هي أولى بإطلاق أوهى الأسانيد كنسخة أبي هدبة إبراهيم بن هدبة ونعيم بن سالم بن قنبر ودينار أبي مكيس وسمعان وغير هؤلاء من الشيوخ المتهمين بالوضع، كلهم عن أنس - رضي الله تعالى عنه - . ونسخة يرويها بقية عن مبشر بن عبيد عن حجاج بن أرطاة عن الشيوخ، ومبشر متهم بالكذب والوضع.

ونسخة رواها إبراهيم بن عمرو بن بكر السكسكي عن أبيه عن [ ص: 502 ] عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنه - وإبراهيم متهم بالوضع وأبوه متروك الحديث.

ونسخة رواها أبو سعيد أبان بن جعفر البصري أوردها كلها من حديث أبي حنيفة وهي نحو ثلاثمائة حديث، ما حدث أبو حنيفة منها بحديث، وفي سردها كثرة.

ومن أراد استيفاءها فليطالع كتابي: "لسان الميزان" الذي اختصرت فيه كتاب الذهبي في أحوال الرواة المتكلم فيهم وزدت فيه تحريرا وتراجم على شرطه - والله الموفق - .

التالي السابق


الخدمات العلمية