الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
6 - قوله: (ع): "ولم يذكر عدة كتاب مسلم بالمكرر وهو يزيد على عدة كتاب البخاري بكثرة طرقه". انتهى .

وذكر الشيخ في شرح الألفية عن أحمد بن سلمة أن عدة كتاب مسلم بالمكرر اثنا عشر ألف حديث.

وعن الشيخ محيي الدين النووي أن عدته بغير المكرر نحو أربعة آلاف قلت: وعندي في هذا نظر. وإنما لم يتعرض المؤلف لذلك؛ لأنه لم يقصد ذكر عدة ما في البخاري حتى يستدرك عليه عدة ما في كتاب مسلم ، بل السبب في ذلك ذكر المؤلف لعدة ما في البخاري أنه جعله من جملة البحث في أن الصحيح الذي ليس في الصحيحين غير قليل خلافا لقول ابن الأخرم [ ص: 297 ] لأن المؤلف رتب بحثه على مقدمتين:

إحداهما: أن البخاري قال: "أحفظ مائة ألف حديث صحيح".

والأخرى: أن جملة ما في كتابه بالمكرر سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثا . فينتج أن الذي لم يخرجه البخاري من الصحيح أكثر مما أخرجه.

والجواب عن هذا حاصل عند المؤلف من قوله: "إنهم قد يطلقون هذه العبارة على الموقوفات والمقطوعات والمكررات" فباعتبار ذلك يمكن صحة دعوى ابن الأخرم .

ويزيد ذلك وضوحا أن الحافظ أبا بكر محمد بن عبد الله الشيباني المعروف بالجوزقي ذكر في كتابه المسمى بالمتفق أنه استخرج على جميع ما في الصحيحين حديثا حديثا، فكان مجموع ذلك خمسة وعشرين ألف طريق وأربعمائة وثمانين طريقا فإذا كان الشيخان مع ضيق شرطهما بلغ جملة ما في كتابيهما بالمكرر هذا القدر، فما لم يخرجاه من الطرق للمتون التي أخرجاها لعله يبلغ هذا القدر - أيضا أو يزيد وما لم يخرجاه من المتون من الصحيح الذي لم يبلغ شرطهما لعله يبلغ هذا القدر - أيضا أو يقرب منه، فإذا انضاف إلى ذلك ما جاء من الصحابة والتابعين تمت العدة التي ذكر البخاري أنه يحفظها.

[ ص: 298 ] بل ربما زادت على ذلك فصحت دعوى ابن الأخرم :

أن الذي يفوتهما من الحديث الصحيح قليل (يعني مما يبلغ شرطهما) بالنسبة إلى ما خرجاه . - والله أعلم - .

وأما قول النووي : لم يفت الخمسة إلا القليل. فمراده من أحاديث الأحكام خاصة أما غير الأحكام فليس بقليل.

ومما يتعلق بالفائدة التي ذكرها الشيخ وهي عدة كتاب مسلم المكرر ما ذكر الجوزقي - أيضا في المتفق. أن جملة ما اتفق الشيخان على إخراجه من المتون في كتابيهما ألفان وثلاثمائة وستة وعشرون حديثا.

فعلى هذا جملة ما في الصحيحين خمسة آلاف حديث وستمائة حديث وخمسون حديثا تقريبا [هذا] على مذهب الجوزقي ؛ لأنه بعد المتن إذا اتفقا على إخراجه ولو من حديث صحابيين حديثا واحدا، كما: إذا خرج البخاري المتن من طريق أبي هريرة - رضي الله عنه - وخرجه مسلم من طريق أنس - رضي الله عنه - وهذا غير جار على اصطلاح جمهور المحدثين؛ لأنهم لا يطلقون الاتفاق إلا على ما اتفقا على إخراج إسناده ومتنه معا . وعلى هذا فتنقص العدة كما ذكر الجوزقي قليلا ويزيد عدد الصحيحين في الجملة فلعله: يقرب من سبعة آلاف بلا تكرير - والله أعلم - .

[ ص: 299 ] وهذه الجملة تشتمل على الأحكام الشرعية وغيرها من ذكر الأخبار عن الأحوال الماضية من بدء الخلق وصفة المخلوقات وقصص الأنبياء والأمم وسياق المغازي والمناقب والفضائل والأخبار عن الأحوال الآتية من الفتن والملاحم وأشراط الساعة والبرزخ والبعث وصفة النار وصفة الجنة وغير ذلك، والأخبار عن فضائل الأعمال وذكر الثواب والعقاب وأسباب النزول. وكثير من هذا قد يدخل في الأحكام، وكثير منه لا يدخل فيها.

فأما ما يتعلق بالأحكام خاصة. فقد ذكر أبو جعفر محمد بن الحسين البغدادي في كتاب التمييز له عن الثوري وشعبة ويحيى بن سعيد القطان وابن مهدي وأحمد بن حنبل وغيرهم: أن جملة الأحاديث المسندة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني الصحيحة بلا تكرير - أربعة آلاف وأربعمائة حديث.

وعن إسحاق بن راهويه أنه سبعة آلاف ونيف.

وقال أحمد بن حنبل : وسمعت ابن مهدي يقول: الحلال والحرام من ذلك ثمانمائة حديث.

وكذا قال إسحاق بن راهويه عن يحيى بن سعيد [ ص: 300 ]

(وذكر القاضي أبو بكر ابن العربي ) أن الذي في الصحيحين من أحاديث الأحكام نحو ألفي حديث.

وقال أبو داود السجستاني عن ابن المبارك : تسعمائة، ومرادهم بهذه العدة ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أقواله الصريحة في الحلال والحرام. - والله أعلم.

وقال: كل منهم بحسب ما يصل إليه. ولهذا اختلفوا.

التالي السابق


الخدمات العلمية