الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              2415 [ 1214 ] وعن أبي هريرة قال : إن خزاعة قتلوا رجلا من بني ليث عام فتح مكة بقتيل منهم قتلوه، فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فركب راحلته، فخطب فقال: " إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين ، ألا وإنها لم تحل لأحد قبلي، ولن تحل لأحد بعدي ، ألا وإنها أحلت لي ساعة من النهار ، ألا وإنها ساعتي هذه حرام ، لا يخبط شوكها، ولا يعضد شجرها ، ولا يلتقط ساقطتها إلا منشد، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين : إما أن يعطى - يعني الدية ، وإما أن يقاد أهل القتيل" . قال: فجاء رجل من أهل اليمن يقال له أبو شاة ، فقال: اكتب لي يا رسول الله ! فقال: "اكتبوا لأبي شاة" . فقال رجل من قريش: إلا الإذخر ، فإنا نجعله في بيوتنا وقبورنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلا الإذخر" .

                                                                                              قال الوليد بن مسلم : فقلت للأوزاعي : ما قوله " اكتب لي يا رسول الله " ؟ قال : هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                                                                              رواه أحمد ( 2 \ 238 ) والبخاري (112)، ومسلم (1355)، وأبو داود (2017).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقوله " إن الله حبس عن مكة الفيل " ; يعني به فيل أبرهة الأشرم الحبشي الذي قصد خراب الكعبة ، فلما وصل إلى ذي المجاز - سوق للعرب قريب من مكة - عبأ فيله وجهزه إلى مكة ، فلما استقبل الفيل مكة رزم ; أي أقام وثبت ، فاحتالوا عليه بكل حيلة فلم يقدروا عليه ، واستقبلوا به جهة مكة فامتنع ، فلم يزالوا به هكذا؛ حتى رماهم الله بالحجارة التي أرسل الطير بها على ما هو مذكور في السير وفي كتب التفسير .

                                                                                              [ ص: 476 ] وقوله " ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين " ، الحديث حجة للشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور ، وروي عن ابن المسيب وابن سيرين على قولهم : إن ولي دم العمد بالخيار بين القصاص والدية ، ويجبر القاتل عليها إذا اختارها الولي - وهي رواية أشهب عن مالك ، وذهب مالك في رواية ابن القاسم وغيره إلى أن الذي للولي إنما هو القتل فقط أو العفو ، وليس له أن يجبر القاتل على الدية تمسكا بقوله تعالى : كتب عليكم القصاص في القتلى [البقرة: 178] و : وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس [المائدة: 45] وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " كتاب الله القصاص " ، وفي المسألة أبحاث تنظر في مسائل الخلاف .

                                                                                              وقوله " اكتبوا لأبي شاة " دليل على جواز كتابة العلم ، وهو مذهب الجمهور ، وقد كرهه قوم من أهل العلم تمسكا بحديث أبي سعيد الآتي في كتاب [ ص: 477 ] العلم ، وكان محمل النهي الذي في حديث أبي سعيد إنما هو لئلا يتكل الناس على الكتب ويتركوا الحفظ ، أو لئلا يخلط بالقرآن غيره ; لقوله في الحديث نفسه : " من كتب عني شيئا سوى القرآن فليمحه " .




                                                                                              الخدمات العلمية