الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              2441 [ 1229 ] وعنه أنه جاء أبا سعيد الخدري ليالي الحرة فاستشاره في الجلاء من المدينة، وشكا إليه أسعارها وكثرة عياله، وأخبره ألا صبر له على جهد المدينة ولأوائها ، فقال: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " لا يصبر أحد على لأوائها وشدتها فيموت إلا كنت له شفيعا - أو شهيدا - يوم القيامة إذا كان مسلما" .

                                                                                              رواه مسلم (1374) (477).

                                                                                              [ ص: 492 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 492 ] وقوله " ليالي الحرة " يعني به حرة المدينة ، كان بها مقتلة عظيمة في أهل المدينة ، كان سببها أن ابن الزبير وأكثر أهل الحجاز كرهوا بيعة يزيد بن معاوية ، فلما مات معاوية وجه يزيد مسلم بن عقبة المدني في جيش عظيم من أهل الشام فنزل بالمدينة فقاتل أهلها ، فهزمهم وقتلهم بحرة المدينة قتلا ذريعا ، واستباح المدينة ثلاثة أيام ، فسميت وقعة الحرة بذلك ، ثم إنه توجه بذلك الجيش يريد مكة ، فمات مسلم بقديد ، وولي الجيش الحصين بن نمير وسار إلى مكة ، وحاصر ابن الزبير ، وأحرقت الكعبة حتى انهدم جدارها وسقط سقفها ، فبينما هم كذلك بلغهم موت يزيد فتفرقوا ، وبقي ابن الزبير بمكة إلى زمان الحجاج وقتله لابن الزبير رضي الله عن ابن الزبير .

                                                                                              والجلاء - بفتح الجيم والمد - الانتقال من موضع إلى آخر ، والجلاء - بكسر الجيم والمد - هو جلاء السيف والعروس ، والجلا - بفتح الجيم والقصر - هو جلاء الجبهة وهو انحسار الشعر عنها ، يقال : رجل أجلى وأجلح .

                                                                                              [ ص: 493 ] وقوله " إذا كان مسلما " يقيد ما تقدم من مطلقات هذه الألفاظ ، وينبه على القاعدة المقررة من أن الكافر لا تناله شفاعة شافع ، كما قال الله تعالى مخبرا عنهم : فما لنا من شافعين ولا صديق حميم [الشعراء: 100- 101] .

                                                                                              وقوله في المدينة " وهي وبيئة " بالهمزة من الوباء ، وهو هنا شدة المرض والحمى ، وكانوا لما قدموا المدينة لم توافقهم في صحتهم ، فأصابتهم أمراض عظيمة ولقوا من حماها شدة ، حتى دعا لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وللمدينة فكشف الله ذلك ببركة دعائه ، كما ذكر في هذا الحديث وفي غيره .




                                                                                              الخدمات العلمية