الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              3520 (46) باب

                                                                                              بعث العيون في الغزو وما جاء : أن الجنة تحت ظلال السيوف

                                                                                              [ 1367 ] عن أنس بن مالك قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسيسة عينا ينظر ما صنعت عير أبي سفيان، فجاء وما في البيت أحد غيري، وغير رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال: لا أدري هل استثنى بعض نسائه. قال: فحدثه الحديث، قال: فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتكلم فقال: إن لنا طلبة، فمن كان ظهره حاضرا فليركب معنا". فجعل رجال يستأذنونه في ظهرانهم أنهم في علو المدينة ، فقال: لا، إلا من كان ظهره حاضرا". فانطلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر، وجاء المشركون ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا أؤذنه". فدنا المشركون ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض. قال: يقول عمير بن حمام الأنصاري: يا رسول الله، جنة عرضها السماوات والأرض؟ قال: "نعم". قال: بخ بخ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما يحملك على قول بخ بخ؟. قال: لا والله يا رسول الله، إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: "فإنك من أهلها" .......... فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة، قال: فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل .

                                                                                              رواه مسلم (1901).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              (46) ومن باب: العيون في الغزو

                                                                                              ( بسيسة ) - بضم الباء بواحدة ، وفتح السين ، وياء التصغير- ; هكذا رواه جميع رواة الحديث ، وكذا وقع في كتاب مسلم وأبي داود . والمعلوم في كتاب السير : (بسبس) بفتح الباء غير مصغر- ; وهو : بسبس بن عمرو . ويقال : ابن بشر من الأنصار ، وقيل : حليفهم . وأنشد ابن إسحاق في خبره :


                                                                                              أقم لها صدورها يا بسبس أن ترد الماء بماء أكيس

                                                                                              [ ص: 735 ] و ( العين ) هنا : الجاسوس ; سمي بذلك لأنه يعاين فيخبر مرسله بما يراه ، فكأنه عينه . و ( العير ) : الإبل التي عليها الأثقال .

                                                                                              و ( ظهرانهم ) - بضم الظاء- : جمع ظهر ، وقيل : جمع ظهير ، كقضيب وقضبان ، وكثيب وكثبان . وهو البعير الذي ركب ظهره .

                                                                                              و ( بخ بخ ) : كلمة تقال لتفخيم الأمر ، وتعظيمه ، والتعجب منه . يقال بسكون الخاء ، وكسرها منونة.

                                                                                              وقوله : ( قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض ) ; أي : كعرض السماء والأرض . شبه الجنة بسعة السماوات والأرض ، وإن كانت الجنة أوسع ، مخاطبة لنا بما شاهدنا ; إذ لم نشاهد أوسع من السماوات والأرض. وهذا أشبه ما قيل في هذا المعنى.

                                                                                              وقوله : ( لا والله إلا رجاء ) ; رويته بنصب الهمزة من غير تاء تأنيث على أن يكون مفعولا من أجله . والأولى فيه الرفع ، على أن يكون فاعلا بفعل مضمر ، يدل عليه قوله : ( ما يحملك على قولك : بخ بخ ؟ ) لأنه جوابه ; أي : لا يحملني على قولي : بخ بخ إلا رجاء أن أكون من أهل الجنة . وقد رواه كثير من المشايخ : (إلا رجاة) -بتاء التأنيث- وهو مصدر الرجاء ، لكنه محدود . قال المبرد : تقول العرب : فعلته رجاتك ; أي : رجاك ; من الرجا ، وهو الطمع في تحصيل ما فيه عرض ونفع .

                                                                                              [ ص: 736 ] وقوله : ( فأخرج تمرات من قرنه ) - بفتح القاف والراء- ، وهي جعبة السهام . وهكذا روايتنا فيه ، وأما من رواه بضم القاف ، وسكون الراء ، وكسر الباء قربه ، و (قرقره) فتغيير ، وإن كانت لهما أوجه بعيدة.




                                                                                              الخدمات العلمية