الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2364 باب منه

                                                                                                                              وذكره النووي في: (الباب المتقدم) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ص 86-87 ج9 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن ابن جريج. قال: قلت لعطاء: أسمعت ابن عباس يقول: إنما أمرتم بالطواف ولم تؤمروا بدخوله؟ قال: لم يكن ينهى عن دخوله. ولكني سمعته يقول: أخبرني أسامة بن زيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل البيت، دعا في نواحيه كلها. ولم يصل فيه. حتى خرج، فلما خرج، ركع في قبل البيت ركعتين. وقال: "هذه القبلة".

                                                                                                                              [ ص: 417 ] قلت له: ما نواحيها:؟ أفي زواياها؟ قال: بل في كل قبلة من البيت].
                                                                                                                              .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن ابن جريج ، قال: قلت لعطاء: أسمعت ابن عباس يقول: إنما أمرتم بالطواف ، ولم تؤمروا بدخوله؟. قال: لم يكن ينهى عن دخوله. ولكني سمعته يقول: أخبرني أسامة بن زيد "رضي الله عنه":

                                                                                                                              أن النبي صلى الله عليه وسلم، لما دخل البيت: دعا في نواحيه كلها. ولم يصل فيه. حتى خرج. فلما خرج ، ركع في قبل البيت) بضم القاف والباء. ويجوز إسكان الباء ، كما في نظائره.

                                                                                                                              قيل: معناه: ما استقبلك منها.

                                                                                                                              وقيل: مقابلها.

                                                                                                                              وفي رواية في الصحيح: (فصلى ركعتين في وجه الكعبة) . وهذا ، هو المراد (بقبلها) . ومعناه: عند بابها.

                                                                                                                              ومعنى: (ركع في قبل البيت) : صلى ركعتين .

                                                                                                                              فيه: دليل ، على أن تطوع النهار ، يستحب أن يكون: مثنى. وبه قال الشافعي ، والجمهور.

                                                                                                                              وقال أبو حنيفة: أربعة.

                                                                                                                              (وقال: " هذه القبلة ") .

                                                                                                                              [ ص: 418 ] قال الخطابي: معناه: أن أمر القبلة ، قد استقر على: استقبال هذا البيت. فلا ينسخ بعد اليوم. فصلوا إليه أبدا.

                                                                                                                              قال: ويحتمل، أنه علمهم سنة موقف الإمام ، وأنه يقف في وجهها ; دون أركانها وجوانبها. وإن كانت الصلاة في جميع جهاتها مجزية.

                                                                                                                              قال النووي: ويحتمل معنى ثالثا. وهو: أن هذه الكعبة ، هي المسجد الحرام ، الذي أمرتم باستقباله. لا كل الحرم ، ولا مكة ، ولا كل المسجد الذي حول الكعبة. بل: هي (الكعبة) نفسها فقط.

                                                                                                                              والله أعلم.

                                                                                                                              (قلت له: ما نواحيها؟: أفي زواياها؟ قال: بل في كل قبلة من البيت) .

                                                                                                                              قال النووي: أجمع أهل الحديث ، على الأخذ برواية بلال ، لأنه مثبت. فمعه زيادة علم. فوجب ترجيحه.

                                                                                                                              وأما نفي أسامة ، فسببه: أنهم لما دخلوا الكعبة ، أغلقوا الباب ، واشتغلوا بالدعاء. فرأى أسامة: النبي صلى الله عليه وسلم يدعو. ثم اشتغل أسامة بالدعاء، في ناحية من نواحي البيت، والنبي صلى الله عليه وسلم في ناحية أخرى، وبلال قريب منه ، ثم صلى النبي صلى الله عليه وسلم، فرآه بلال لقربه. ولم يره أسامة لبعده ، واشتغاله. وكانت صلاة خفيفة ، فلم يرها أسامة ، لإغلاق الباب ، مع بعده واشتغاله بالدعاء. وجاز له نفيها ، عملا بظنه.

                                                                                                                              وأما بلال ، فحققها فأخبر بها. والله أعلم. انتهى.

                                                                                                                              [ ص: 419 ] قلت ذهب جماعة ، من أهل العلم إلى: أن دخول الكعبة مستحب. ويدل على ذلك: ما أخرج ابن خزيمة والبيهقي ، من حديث ابن عباس: (من دخل البيت ، دخل في جنة ، وخرج مغفورا له) . وفي إسناده: عبد الله بن المؤمل. وهو ضعيف.

                                                                                                                              ومحل استحبابه ، ما لم يؤذ أحدا بدخوله.

                                                                                                                              ويدل على الاستحباب أيضا: حديث أسامة بن زيد ، عند أحمد والنسائي. ولفظه:

                                                                                                                              (دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت ، فجلس: فحمد الله وأثنى عليه. وكبر وهلل. ثم قام إلى ما بين يديه من البيت ، فوضع صدره عليه ، وخده ويديه ، ثم هلل وكبر ودعا. ثم فعل ذلك بالأركان كلها. ثم خرج ، فأقبل على القبلة ، وهو على الباب ، فقال: " هذه القبلة. هذه القبلة". مرتين أو ثلاثا) .

                                                                                                                              وحديث عبد الرحمن بن صفوان:

                                                                                                                              قال: (لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، انطلقت فوافقته قد خرج من الكعبة ، وأصحابه قد استلموا البيت: من الباب إلى الحطيم ، وقد وضعوا خدودهم على البيت ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، وسطهم) . رواه أحمد ، وأبو داود.

                                                                                                                              وفي هذين الحديثين: من الفوائد ، ما يكثر ويطول.

                                                                                                                              [ ص: 420 ] ومن دخلها ، ينبغي له: أن يفعل ما في هذين الحديثين: من الأفعال المأثورة المسنونة. ولا يزيد عليها ، ولا ينقص منها.

                                                                                                                              وفي حديث (عائشة) ، الذي سبقت الإشارة إليه: (وددت أني لم أكن فعلت إلخ) : دليل على أن دخول الكعبة ، ليس من مناسك الحج. وهو مذهب الجمهور.

                                                                                                                              وحكى القرطبي ، عن بعض العلماء ، أن دخولها: من المناسك. والحديث يرد عليه.

                                                                                                                              والحق: ما ذهب إليه الجمهور. والله أعلم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية