الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 211 ] الرابعة : قوله تعالى : حتى تضع الحرب أوزارها قال مجاهد وابن جبير : هو خروج عيسى عليه السلام . وعن مجاهد أيضا : أن المعنى حتى لا يكون دين إلا دين الإسلام ، فيسلم كل يهودي ونصراني وصاحب ملة ، وتأمن الشاة من الذئب . ونحوه عن الحسن والكلبي والفراء والكسائي . قال الكسائي : حتى يسلم الخلق . وقال الفراء : حتى يؤمنوا ويذهب الكفر . وقال الكلبي : حتى يظهر الإسلام على الدين كله . وقال الحسن : حتى لا يعبدوا إلا الله . وقيل : معنى الأوزار السلاح ، فالمعنى شدوا الوثاق حتى تأمنوا وتضعوا السلاح . وقيل : معناه حتى تضع الحرب ، أي : الأعداء المحاربون أوزارهم ، وهو سلاحهم بالهزيمة أو الموادعة . ويقال للكراع أوزار . قال الأعشى :


وأعددت للحرب أوزارها رماحا طوالا وخيلا ذكورا     ومن نسج داود يحدى بها
على أثر الحي عيرا فعيرا



وقيل : حتى تضع الحرب أوزارها أي : أثقالها . والوزر الثقل ، ومنه وزير الملك لأنه يتحمل عنه الأثقال . وأثقالها السلاح لثقل حملها . قال ابن العربي : قال الحسن وعطاء : في الآية تقديم وتأخير ، المعنى فضرب الرقاب حتى تضع الحرب أوزارها فإذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق ، وليس للإمام أن يقتل الأسير . وقد روي عن الحجاج أنه دفع أسيرا إلى عبد الله بن عمر ليقتله فأبى وقال : ليس بهذا أمرنا الله ، وقرأ حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق قلنا : قد قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفعله ، وليس في تفسير الله للمن والفداء منع من غيره ، فقد بين الله في الزنى حكم الجلد ، وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم الرجم ، ولعل ابن عمر كره ذلك من يد الحجاج فاعتذر بما قال ، وربك أعلم .

قوله تعالى : ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ذلك في موضع رفع على ما تقدم ، أي : الأمر ذلك الذي ذكرت وبينت . وقيل : هو منصوب على معنى افعلوا ذلك . ويجوز أن يكون مبتدأ ، المعنى ذلك حكم الكفار . وهي كلمة يستعملها الفصيح عند الخروج من كلام إلى كلام ، وهو كما قال تعالى : هذا وإن للطاغين لشر مآب . أي : هذا حق وأنا أعرفكم أن للظالمين كذا . ومعنى : لانتصر منهم أي : أهلكهم بغير قتال . وقال ابن عباس : لأهلكهم بجند من الملائكة . ولكن ليبلو بعضكم ببعض أي أمركم بالحرب ليبلو ويختبر بعضكم ببعض فيعلم المجاهدين والصابرين ، كما في السورة نفسها . والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم يريد قتلى أحد من المؤمنين

قراءة العامة ( قاتلوا ) وهي اختيار أبي عبيد . وقرأ أبو عمرو وحفص قتلوا بضم القاف وكسر التاء ، وكذلك قرأ الحسن [ ص: 212 ] إلا أنه شدد التاء على التكثير . وقرأ الجحدري وعيسى بن عمر وأبو حيوة ( قتلوا ) بفتح القاف والتاء من غير ألف ، يعني الذين قتلوا المشركين . قال قتادة : ذكر لنا أن هذه الآية نزلت يوم أحد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الشعب ، وقد فشت فيهم الجراحات والقتل ، وقد نادى المشركون : اعل هبل . ونادى المسلمون : الله أعلى وأجل . وقال المشركون : يوم بيوم بدر والحرب سجال . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : قولوا لا سواء . قتلانا أحياء عند ربهم يرزقون وقتلاكم في النار يعذبون . فقال المشركون : إن لنا العزى ولا عزى لكم . فقال المسلمون : الله مولانا ولا مولى لكم . وقد تقدم ذكر ذلك في ( آل عمران ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية