الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      1921 حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس حدثنا زهير ح و حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان وهذا لفظ حديث زهير حدثنا إبراهيم بن عقبة أخبرني كريب أنه سأل أسامة بن زيد قلت أخبرني كيف فعلتم أو صنعتم عشية ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جئنا الشعب الذي ينيخ الناس فيه للمعرس فأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته ثم بال وما قال زهير أهراق الماء ثم دعا بالوضوء فتوضأ وضوءا ليس بالبالغ جدا قلت يا رسول الله الصلاة قال الصلاة أمامك قال فركب حتى قدمنا المزدلفة فأقام المغرب ثم أناخ الناس في منازلهم ولم يحلوا حتى أقام العشاء وصلى ثم حل الناس زاد محمد في حديثه قال قلت كيف فعلتم حين أصبحتم قال ردفه الفضل وانطلقت أنا في سباق قريش على رجلي حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن آدم حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن عياش عن زيد بن علي عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي قال ثم أردف أسامة فجعل يعنق على ناقته والناس يضربون الإبل يمينا وشمالا لا يلتفت إليهم ويقول السكينة أيها الناس ودفع حين غابت الشمس [ ص: 311 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 311 ] ( أخبرنا إبراهيم بن عقبة ) : أي زهير وسفيان كلاهما يرويان عن إبراهيم ( عشية ) : وعند مسلم : كيف صنعتم حين ردفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشية عرفة ( ردفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) : بكسر الدال أي ركبت وراءه . وفيه الركوب حال الدفع من عرفة والارتداف على الدابة ومحله إذا كانت مطيقة ( جئنا الشعب ) : وفي رواية لمسلم انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد الدفعة من عرفات إلى بعض تلك الشعاب لحاجته ، انتهى . والشعب بالكسر الطريق ، وقيل : الطريق في الجبل ( للمعرس ) : بصيغة المجهول هو موضع التعريس وبه سمي معرس ذي الحليفة عرس به النبي - صلى الله عليه وسلم - وصلى فيه الصبح والتعريس نزول المسافر آخر الليل ، نزلة للنوم والاستراحة ، وعند مسلم من طريق زهير جئنا الشعب الذي ينيخ الناس فيه للمغرب ، انتهى .

                                                                      أي لصلاة المغرب ( وما قال ) : وعند مسلم ولم يقل أسامة ( أهراق الماء ) : هو بفتح الهاء وفيه أداء الرواية بحروفها ( ثم دعا بالوضوء ) : أي بماء الوضوء ( فتوضأ وضوءا ليس بالبالغ جدا ) : أي توضأ وضوءا خفيفا بأن توضأ مرة مرة وخفف استعمال الماء بالنسبة إلى غالب عادته ، وهو معنى قوله في رواية مالك الآتية بلفظ : فلم يسبغ الوضوء . قال الخطابي : إنما ترك إسباغه حين نزل الشعب ليكون مستصحبا للطهارة في طريقه ، وتجوز فيه ؛ لأنه لم يرد أن يصلي به ، فلما نزل وأرادها أسبغه ( قلت يا رسول الله الصلاة ) : بالنصب على إضمار الفعل أي تذكر الصلاة أو صل ، ويجوز الرفع على تقدير حضرت الصلاة ( الصلاة ) : بالرفع ( أمامك ) : بفتح الهمزة وبالنصب على الظرفية أي الصلاة ستصلى بين يديك ، أو أطلق الصلاة على مكانها أي المصلى بين يديك أو معنى أمامك لا تفوتك وستدركها . وفيه تذكير التابع بما تركه متبوعه ليفعله أو يعتذر عنه أو يبين له صوابه ( حتى قدمنا المزدلفة فأقام المغرب ) : أي لم يبدأ بشيء قبل الصلاة .

                                                                      [ ص: 312 ] وفي رواية عند مسلم : ثم سار حتى بلغ جمعا فصلى المغرب والعشاء ، وسيأتي من رواية مالك : فلما جاء المزدلفة فتوضأ فأسبغ الوضوء ، ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ، ثم أقيمت الصلاة فصلى ، ولم يصل بينهما . وعند مسلم من وجه آخر : أنهم لم يزيدوا بين الصلاتين على الإناخة ، ولفظه : فأقام المغرب ثم أناخ الناس ، ولم يحلوا حتى أقام العشاء ، فصلوا ثم حلوا وكأنهم صنعوا ذلك رفقا بالدواب أو للأمن من تشويشهم بها .

                                                                      وفيه إشعار بأنه خفف القراءة في الصلاتين . وفيه أنه لا بأس بالعمل اليسير بين الصلاتين اللتين يجمع بينهما ولا يقطع ذلك الجمع ( ولم يحلوا ) : أي المحامل عن ظهور الدواب ( ثم حل الناس ) : أي المحامل ( قال ردفه الفضل ) : أي ركب خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الفضل بن العباس بن عبد المطلب ( وانطلقت أنا في سباق ) : بضم السين والباء المشددة على وزن الحفاظ جمع سابق كالحافظ والقارئ والقراء ، يقال سبقه إليه سبقا أي تقدمه وجازه وخلفه ، فهو سابق . وأما السباق بفتح السين فهو فعال للمبالغة في بمزدلفة ، لكنه عند الشافعية وطائفة بسبب السفر ، وعند الحنفية والمالكية بسبب النسك . وقال الخطابي : فيه دليل على أنه لا يجوز أن يصلي الحاج المغرب إذا أفاض من عرفة حتى يبلغ المزدلفة ، ولو أجزأته في غيرها لما أخرها النبي - صلى الله عليه وسلم - عن وقتها المؤقت لها في سائر الأيام .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه .

                                                                      ( ثم أردف ) : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( فجعل يعنق ) : من باب الإفعال أي يسير النبي - صلى الله عليه وسلم - سيرا وسطا ( ويقول السكينة ) : أي الزموا السكينة ( ودفع ) : أي رجع من عرفات .

                                                                      قال [ ص: 313 ] المنذري : وأخرجه الترمذي بنحوه أتم منه ، وقال : حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث علي من هذا الوجه .




                                                                      الخدمات العلمية