الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      4085 حدثنا النفيلي حدثنا زهير حدثنا موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقال أبو بكر إن أحد جانبي إزاري يسترخي إني لأتعاهد ذلك منه قال لست ممن يفعله خيلاء

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( من جر ثوبه خيلاء ) : بضم الخاء المعجمة وفتح التحتية وبالمد . قال النووي : هو والمخيلة والبطر والكبر والزهو والتبختر كلها بمعنى واحد ( لم ينظر الله إليه يوم القيامة ) : النظر حقيقة في إدراك العين للمرئي وهو هنا مجاز عن الرحمة أي لا [ ص: 111 ] يرحمه الله لامتناع حقيقة النظر في حقه تعالى ، والعلاقة هي السببية ، فإن من نظر إلى غيره وهو في حالة ممتهنة رحمه .

                                                                      وقال العراقي في شرح الترمذي : عبر عن المعنى الكائن عند النظر بالنظر لأن من نظر إلى متواضع رحمه ومن نظر إلى متكبر مقته ، فالرحمة والمقت متسببان عن النظر كذا في النيل

                                                                      ( إن أحد جانبي إزاري ) : بفتح الباء وسكون الياء بصيغة التثنية سقطت النون بالإضافة ( يسترخي ) بالخاء المعجمة وكان سبب استرخائه نحافة جسم أبي بكر رضي الله عنه ( إني لأتعاهد ذلك منه ) : من التعاهد وهو بمعنى الحفظ والرعاية . وفي بعض النسخ إلا أن أتعاهد ذلك منه ، وكذلك في رواية الشيخين ومعناه أنه كان يسترخي أحد جانبي إزاره إذا تحرك يمشي أو غيره بغير اختياره فإذا كان محافظا عليه لا يسترخي لأنه كلما كاد يسترخي شده ( قال ) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إنك لست ممن يفعله خيلاء ) : قال القاري : المعنى أن استرخاءه من غير قصد لا يضر لا سيما ممن لا يكون من شيمته الخيلاء ولكن الأفضل هو المتابعة وبه يظهر أن سبب الحرمة في جر الإزار هو الخيلاء كما هو مقيد في الشرطية من الحديث المصدر به انتهى .

                                                                      والحديث يدل على تحريم جر الثوب خيلاء والمراد بجره هو جره على وجه الأرض وهو الموافق لقوله صلى الله عليه وسلم ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار كما سيأتي .

                                                                      وظاهر الحديث أن الإسبال محرم على الرجال والنساء لما في صيغة ( من ) في قوله من جر من العموم ولكنه قد أجمع المسلمون على جواز الإسبال للنساء كما صرح بذلك ابن رسلان في شرح السنن . وظاهر التقييد بقوله خيلاء يدل بمفهومه أن جر الثوب لغير الخيلاء لا يكون داخلا في هذا الوعيد .

                                                                      قال ابن عبد البر : مفهومه أن الجار لغير الخيلاء لا يلحقه الوعيد إلا أنه مذموم وقال النووي لا يجوز الإسبال تحت الكعبين إن كان للخيلاء ، فإن كان لغيرها فهو مكروه .

                                                                      قال ابن العربي : لا يجوز للرجل أن يجاوز بثوبه كعبه ويقول لا أجره خيلاء لأن النهي قد تناوله لفظا ولا يجوز تناوله لفظا أن يخالفه إذ صار حكمه أن يقول لا أمتثله لأن تلك العلة ليست في فإنها دعوى غير مسلمة ، بل إطالة ذيله دالة على تكبره انتهى .

                                                                      وحاصله أن الإسبال يستلزم جر الثوب وجر الثوب يستلزم الخيلاء ولو لم يقصده اللابس .

                                                                      ويدل على عدم اعتبار التقييد بالخيلاء قوله صلى الله عليه وسلم إياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة كما سبق [ ص: 112 ] في حديث جابر بن سليم وحديث أبي أمامة قال بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لحق بنا عمرو بن زرارة الأنصاري في حلة إزار ورداء قد أسبل فجعل صلى الله عليه وسلم يأخذ بناحية ثوبه ويتواضع لله عز وجل ويقول عبدك وابن عبدك وأمتك حتى سمعها عمرو فقال يا رسول الله إني أحمش الساقين ، فقال يا عمرو إن الله تعالى أحسن كل شيء خلقه يا عمرو إن الله لا يحب المسبل أخرجه الطبراني ورجاله ثقات .

                                                                      قال الشوكاني في النيل إن قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء تصريح بأن مناط التحريم الخيلاء وأن الإسبال قد يكون للخيلاء وقد يكون لغيره ، فلا بد من حمل قوله فإنها من المخيلة في حديث جابر بن سليم على أنه خرج مخرج الغالب ، فيكون الوعيد المذكور في حديث ابن عمر متوجها إلى من فعل ذلك اختيالا . والقول بأن كل إسبال من المخيلة أخذا بظاهر حديث جابر ترده الضرورة ، فإن كل أحد يعلم أن من الناس من يسبل إزاره مع عدم خطور الخيلاء بباله ، ويرده ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر لما عرفت ، وبهذا يحصل الجمع بين الأحاديث وعدم إهدار قيد الخيلاء المصرح به في الصحيحين قال وأما حديث أبي أمامة فغاية ما فيه التصريح بأن الله لا يحب المسبل وحديث ابن عمر مقيد بالخيلاء . وحمل المطلق على المقيد واجب ، وأما كون الظاهر من عمرو أنه لم يقصد الخيلاء فما بمثل هذا الظاهر تعارض الأحاديث الصحيحة انتهى كلام الشوكاني وهو قول ضعيف والصحيح أن كل إسبال من المخيلة إن فعله قصدا . وقد أشبع الكلام الحافظ بن حجر رحمه الله في الفتح فأجاد وأصاب والله أعلم .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم .




                                                                      الخدمات العلمية