الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      4503 حدثنا موسى بن إسمعيل حدثنا حماد قال حدثنا محمد بن إسحق فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال سمعت زياد بن ضميرة الضمري ح و أخبرنا وهب بن بيان وأحمد بن سعيد الهمداني قالا حدثنا ابن وهب أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحارث عن محمد بن جعفر أنه سمع زياد بن سعد بن ضميرة السلمي وهذا حديث وهب وهو أتم يحدث عروة بن الزبير عن أبيه قال موسى وجده وكانا شهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا ثم رجعنا إلى حديث وهب أن محلم بن جثامة الليثي قتل رجلا من أشجع في الإسلام وذلك أول غير قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم عيينة في قتل الأشجعي لأنه من غطفان وتكلم الأقرع بن حابس دون محلم لأنه من خندف فارتفعت الأصوات وكثرت الخصومة واللغط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عيينة ألا تقبل الغير فقال عيينة لا والله حتى أدخل على نسائه من الحرب والحزن ما أدخل على نسائي قال ثم ارتفعت الأصوات وكثرت الخصومة واللغط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عيينة ألا تقبل الغير فقال عيينة مثل ذلك أيضا إلى أن قام رجل من بني ليث يقال له مكيتل عليه شكة وفي يده درقة فقال يا رسول الله إني لم أجد لما فعل هذا في غرة الإسلام مثلا إلا غنما وردت فرمي أولها فنفر آخرها اسنن اليوم وغير غدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسون في فورنا هذا وخمسون إذا رجعنا إلى المدينة وذلك في بعض أسفاره ومحلم رجل طويل آدم وهو في طرف الناس فلم يزالوا حتى تخلص فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه تدمعان فقال يا رسول الله إني قد فعلت الذي بلغك وإني أتوب إلى الله تبارك وتعالى فاستغفر الله عز وجل لي يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقتلته بسلاحك في غرة الإسلام اللهم لا تغفر لمحلم بصوت عال زاد أبو سلمة فقام وإنه ليتلقى دموعه بطرف ردائه قال ابن إسحق فزعم قومه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر له بعد ذلك قال أبو داود قال النضر بن شميل الغير الدية [ ص: 168 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 168 ] ( زياد بن ضميرة ) : بضم الضاد المعجمة وفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف وبعدها راء مهملة مفتوحة وتاء تأنيث . قاله المنذري : ( عبد الرحمن بن أبي الزناد ) : قال المنذري : وقد وثقه الإمام مالك واستشهد به البخاري وتكلم فيه غير واحد ( زياد بن سعد بن ضميرة السلمي ) : قال في التقريب : زياد ويقال زيد بن سعد بن ضميرة ويقال زياد بن ضميرة بن سعد مقبول من الرابعة ( وهو أتم ) : أي حديث وهب ( يحدث ) : أي زياد بن سعد ( عروة ) : بفتح التاء مفعول يحدث ( عن ) : أبيه أي ناقلا عن أبيه وهو سعد ( قال موسى ) : ابن إسماعيل ( وجده ) : بكسر الدال أي يحدث زياد عن أبيه سعد وعن جده ضميرة ( وكانا ) : أي سعد وضميرة ( أن محلم ) : بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد اللام وكسرها وبعدها ميم قاله المنذري ( ابن جثامة ) : بفتح الجيم وتشديد الثاء المثلثة وفتحها وبعد الألف ميم مفتوحة وتاء تأنيث قاله المنذري ( من أشجع ) : بسكون الشين المعجمة وبعدها جيم مفتوحة وعين مهملة هو ابن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بطن ، وقال الجوهري : قبيلة من غطفان وريث بفتح الراء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبعدها ثاء مثلثة قاله المنذري ( أول غير ) : الغير بكسر الغين المعجمة وفتح المثناة التحتية وراء الدية قيل هي جمع غيرة وقيل مفرد جمعها أغيار كضلع وأضلاع وأصلها من المغايرة لأنها بدل من القتل كذا في مرقاة الصعود ( قضى به ) : أي بالغير ( فتكلم عيينة في قتل الأشجعي ) قال في أسد الغابة : الأشجعي هو عامر بن الأضبط الأشجعي الذي قتلته سرية رسول الله صلى الله عليه وسلم متعوذا بالشهادة انتهى .

                                                                      [ ص: 169 ] وفي رواية لابن إسحاق في المغازي يقول حدثني أبي وجدي وكانا شهدا حنينا مع النبي صلى الله عليه وسلم قالا صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الظهر يوم حنين ثم جلس إلى ظل شجرة فقام إليه الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن وعيينة يومئذ يطلب بدم عامر بن الأضبط المقتول الحديث ( لأنه ) : أي الأشجعي ( من غطفان ) : وعيينة أيضا كان من غطفان . قال في أسد الغابة عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جويرية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان الفزاري انتهى . فكانا من قبيلة واحدة ( دون محلم ) ابن جثامة أي من جانبه وفي رواية ابن إسحاق في المغازي والأقرع يدافع عن محلم بن جثامة القاتل . ( لأنه ) : أي محلما ( من خندف ) : وأقرع بن حابس أيضا من خندف وهي بكسر الخاء المعجمة وسكون النون وبعدها الدال المهملة المكسورة وهي زوج إلياس بن مضر واسمها ليلى انتسب إليها ولد إلياس بن مضر وهي أمهم ، وكان سبب تلقبها بذلك أن إلياس بن مضر خرج منتجعا [ قال في المصباح انتجع القوم إذا ذهبوا لطلب الكلأ منه ] فنفرت إبله من أرنب فطلبها ابنه عمرو بن إلياس فأدركها فسمي مدركة ، وخرج عامر بن إلياس في طلبها فأخذها فطبخها فسمي طابخة ، وانقمع عمير بن إلياس في الخباء فلم يخرج فسمي قمعة فخرجت أمه ليلى تنظر مشي الخندفة وهو ضرب من المشي فيه تبختر فقال لها إلياس أين تخندفين وقد ردت الإبل فسميت خندفا قاله المنذري .

                                                                      ( واللغط ) : بفتحتين قال في النهاية : اللغط صوت وضجة لا يفهم معناها ( ألا ) : همزة الاستفهام ( لا تقبل الغير ) : أي الدية والاستفهام للتقرير ( لا والله ) : أي لا أقبل والواو للقسم ( حتى أدخل ) : من الإدخال ( على نسائه ) : أي القاتل ( من الحرب ) : بفتح الحاء وسكون الراء المهملتين أي المقاتلة ( والحزن ) : بفتح الحاء المهملة وفتح الزاي المعجمة وبضم الحاء وسكون الزاي ( ما ) : موصولة .

                                                                      ( أدخل ) : أي القاتل ( قال ) : أي سعد وضميرة ( مثل ذلك ) : أي القول السابق [ ص: 170 ] ( مكيتل ) : بمثناة مصغر وقيل بكسر المثلثة وآخره راء الليثي قاله في الإصابة ( عليه شكة ) : بكسر السين المعجمة السلاح ( وفي يده ) : أي مكيتل ( درقة ) : الدرقة الحجفة وهي الترس من جلود ليس فيها خشب ولا عصب ( فقال ) : مكيتل ( لما فعل هذا ) : أي محلم ( في غرة الإسلام ) : قال في النهاية : غرة الإسلام أوله وغرة كل شيء أوله ( إلا غنما وردت ) : على الماء للشرب ( فرمي ) : بصيغة المجهول أي بالنبل أو الحجارة لقتلها أو لطردها ( أولها ) : أي الغنم ( فنفر آخرها ) : أي بقية الغنم لخوف القتل فكذلك ينبغي لك أن تقتل هذا الأول حتى يكون قتله عظة وعبرة للآخرين قاله السندي ( اسنن اليوم ) : صيغة أمر من سن سنة من باب نصر ( وغير غدا ) : صيغة أمر من التغيير ، وهذا مثل ثان ضربه لترك القتل كما أن الأول ضربه للقتل ولذلك ترك العطف ، أي وإلا قولهم هذا ومعناه وقرر حكمك اليوم وغيره غدا أي إن تركت القصاص اليوم في أول ما شرع واكتفيت بالدية ثم أجريت القصاص على أحد يصير ذلك كهذا المثل والحاصل إن قتلت اليوم يصير مثله كمثل غنم وإن تركت اليوم يصير مثله كهذا المثل قاله السندي .

                                                                      وقال الإمام ابن الأثير في النهاية : اسنن اليوم وغير غدا أي اعمل بسنتك التي سننتها في القصاص ثم بعد ذلك إذا شئت أن تغير فغير أي تغير ما سننت ، وقيل تغير من أخذ الغير وهي الدية انتهى .

                                                                      وقال الخطابي : هذا مثل يقول إن لم تقتص منه اليوم لم تثبت سنتك غدا ولم ينفذ حكمك بعدك أو إن لم تفعل ذلك وجد القاتل سبيلا إلى أن يقول مثل هذا القول أعني قوله اسنن اليوم وغير غدا فتتغير لذلك سنتك وتبدل أحكامها انتهى . وقال السيوطي في مرقاة الصعود : إن مثل محلم في قتله الرجل وطلبه أن لا يقتص منه وتؤخذ منه الدية والوقت أول الإسلام وصدره كمثل هذه الغنم النافرة ، يعني إن جرى الأمر مع أولياء هذا القتيل على ما يريد محلم ثبط الناس عن الدخول في الإسلام معرفتهم أن القود يغير بالدية والعوض خصوصا وهم حراص على درك الأوتار وفيهم الأنفة من قبول الديات ، ثم حث [ ص: 171 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإقادة منه بقوله اسنن اليوم وغير غدا يريد إن لم تقتص منه غيرت سنتك ولكنه أخرج الكلام على الوجه الذي يهيج المخاطب ويحثه على الإقدام والجرأة على المطلوب منه .

                                                                      ( خمسون ) : أي إبلا لولي المقتول ( في فورنا هذا ) : أي على الوقت الحاضر لا تأخير فيه ( وخمسون ) : إبلا والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم رضي بالدية بدل القصاص فقال إن على القاتل مائة إبل في الدية لولي المقتول خمسون إبلا في الوقت الحاضر وخمسون إبلا بعد الرجوع إلى المدينة ( وذلك ) : أي القتل والقصة كان ( طويل آدم ) : أي أسمر اللون ( وهو ) : أي محلم جالس ( في طرف الناس ) : أي في جانبهم ( فلم يزالوا ) : أي معاونون لمحلم انتصروا له ( حتى تخلص ) : بفتح الخاء وشدة اللام بصيغة الماضي أي نجا محلم من القتل ( وعيناه ) : أي محلم ( تدمعان ) : أي تسيلان الدمع وهو ماء العين ( بصوت عال ) : أي قال النبي صلى الله عليه وسلم هذه الجملة : اللهم إلخ بصوت عال ( فقام ) : محلم ( وإنه ) : أي محلما ( ليتلقى ) : أي ليأخذ ويمسح . قال في لسان العرب : وتلقاه أي استقبله ، وأما قوله تعالى فتلقى آدم من ربه كلمات فمعناه أنه أخذها عنه انتهى ( فزعم قومه ) : أي محلم ( استغفر له ) : أي لمحلم مطابقة الحديث للترجمة من حيث إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمر عيينة بأخذ الدية عوض القصاص فهو أمر بالعفو . أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنه قال كان في بني إسرائيل القصاص ولم يكن فيهم الدية فقال الله لهذه الأمة كتب عليكم القصاص في القتلى [ ص: 172 ] إلى هذه الآية فمن عفي له من أخيه شيء قال ابن عباس فالعفو أن يقبل الدية في العمد .

                                                                      قال المنذري والحديث أخرجه ابن ماجه مختصرا وفي إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام عليه انتهى كلامه .




                                                                      الخدمات العلمية