الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        ( وإن جامع في أحد السبيلين قبل الوقوف بعرفة فسد حجه ، وعليه شاة ويمضي في الحج كما يمضي من لم يفسده وعليه القضاء ) والأصل فيه ما روي { أن رسول الله عليه الصلاة والسلام سئل عمن واقع امرأته وهما محرمان بالحج ؟ قال : يريقان دما ويمضيان في حجتهما وعليهما الحج من قابل . } [ ص: 238 ] وهكذا نقل عن جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم. وقال الشافعي رحمه الله : تجب بدنة اعتبارا بما لو جامع بعد الوقوف ، والحجة عليه إطلاق ما روينا ، ولأن القضاء لما وجب ولا يجب إلا لاستدراك المصلحة خف معنى الجناية فيكتفى بالشاة بخلاف ما بعد الوقوف ; لأنه لا قضاء ثم سوى بين السبيلين .

                                                                                                        وعن أبي حنيفة رحمه الله أن في غير القبل منهما لا يفسد لتقاصر معنى الوطء فكان عنه روايتان ( وليس عليه أن يفارق امرأته في قضاء ما أفسداه عندنا ) خلافا لمالك رحمه الله إذا خرجا من بيتهما ولزفر رحمه الله إذا أحرما ، وللشافعي إذا انتهيا إلى المكان الذي جامعها فيه . لهم أنهما يتذاكران ذلك فيقعان في المواقعة فيفترقان . ولنا أن الجامع بينهما وهو النكاح قائم فلا معنى للافتراق قبل الإحرام لإباحة الوقاع ولا بعده ; لأنهما يتذاكران ما لحقهما من المشقة الشديدة بسبب لذة يسيرة [ ص: 239 ] فيزدادان ندما وتحرزا فلا معنى للافتراق .

                                                                                                        [ ص: 237 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 237 ] فصل الحديث الثالث : روي { أنه عليه السلام سئل عمن واقع امرأته ، وهما محرمان بالحج ، قال : يريقان دما ، ويمضيان في حجهما ، وعليهما الحج من قابل } ، قلت : رواه أبو داود في " المراسيل " حدثنا أبو توبة ثنا معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير أنبأ يزيد بن نعيم ، أو زيد بن نعيم شك أبو توبة { أن رجلا من جذام جامع امرأته ، وهما محرمان ، فسأل الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : اقضيا نسككما واهديا هديا }انتهى .

                                                                                                        ورواه البيهقي ، وقال : إنه منقطع ، وهو يزيد بن نعيم بلا شك انتهى . وقال ابن القطان في " كتابه " : هذا حديث لا يصح ، فإن زيد بن نعيم مجهول ، ويزيد بن نعيم بن هزال ثقة ، وقد شك أبو توبة ، ولا يعلم عمن هو منهما ، ولا عمن حدثهم به معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير ، فهو لا يصح ; قال ابن القطان : وروى ابن وهب أخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن حرملة عن ابن المسيب { أن رجلا من جذام جامع امرأته ، وهما محرمان ، فسأل الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لهما : أتما حجكما ، ثم ارجعا [ ص: 238 ] وعليكما حجة أخرى ، فإذا كنتما بالمكان الذي أصبتما فيه ما أصبتما ، فأحرما وتفرقا ، ولا يرى واحد منكما صاحبه ، ثم أتما نسككما وأهديا }انتهى .

                                                                                                        قال ابن القطان : وفي هذا : أنه أمرهما بالتفرق في العودة لا في الرجوع ، وحديث المراسيل على العكس منه ، قال : وهذا أيضا ضعيف بابن لهيعة انتهى كلامه .

                                                                                                        وروى أحمد بن حنبل حدثنا إسماعيل ثنا أيوب عن غيلان بن جرير أنه سمع عليا الأزدي ، قال : سئل ابن عمر عن رجل وامرأة من عمان ، أقبلا حاجين ، فقضيا المناسك حتى لم يبق عليهما إلا الإفاضة ، وقع عليها ، فسأل ابن عمر . فقال : ليحجا عاما قابلا ، انتهى .

                                                                                                        وروي أيضا عن عبد الرحمن بن مهدي ثنا هشام عن قتادة ، قال : سألت الحسن عن رجل غشي امرأته بعدما رمى الجمرة ، وحلق ، فقرأ هذه الآية { ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق } ، قال : عليه الحج من قابل انتهى .

                                                                                                        قوله : وهكذا روي عن جماعة من الصحابة يعني الحكم المذكور قبله فمن جامع قبل الوقوف ; قلت : روى مالك في " الموطأ " أنه بلغه أن عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وأبا هريرة رضي الله عنهم سئلوا عن رجل أصاب أهله وهو محرم بالحج ، فقالوا : ينفذان توجههما حتى يقضيا حجهما ، ثم عليهما الحج من قابل ، والهدي ، [ ص: 239 ] فقال علي بن أبي طالب : فإذا أهلا بالحج من عام قابل تفرقا حتى يقضيا حجهما انتهى . رواه البيهقي من طريق ابن بكير عن مالك ، وهو بلاغ ، وأخرجه البيهقي عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن عطاء عن عمر بن الخطاب أنه قال في محرم بحجة أصاب امرأته . وهو محرم : يقضيان حجهما ، وعليهما الحج من قابل من حيث كانا أحرما ، ويتفرقان حتى يتما حجهما ، قال : وهذا منقطع بين عطاء ، وعمر ، ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا ابن عيينة عن يزيد بن يزيد بن جابر ، قال : سألت مجاهدا عن المحرم يواقع امرأته ، فقال : كان ذلك على عهد عمر بن الخطاب . فقال : يقضيان حجهما ، ثم يرجعان حلالا ، فإذا كان من قابل حجا وأهديا ، وتفرقا من المكان الذي أصابهما انتهى .

                                                                                                        أثر آخر : أخرجه الدارقطني في " سننه " عن عبيد الله بن عمر عن عمرو بن شعيب عن أبيه . قال : أتى رجل عبد الله بن عمرو فسأله عن محرم وقع بامرأته ، فأشار له إلى عبد الله بن عمر ، فلم يعرفه الرجل . قال : فذهبت معه ، فسأله عن محرم وقع بامرأته . قال : بطل حجه ، قال : فيقعد ؟ ، قال : لا ، بل يخرج مع الناس ، فيصنع ما يصنعون ، فإذا أدركه قابل حج ، وأهدى ، فرجعا إلى عبد الله بن عمرو ، فأخبراه ، فأرسلنا إلى ابن عباس ، قال شعيب : فذهبت معه إلى ابن عباس ، فقال له مثل ما قالا ، انتهى .

                                                                                                        وعن الدارقطني رواه الحاكم ، وعن الحاكم رواه البيهقي في " المعرفة " وقال : إسناده صحيح ، وفيه دلالة على صحة سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو ومن ابن عباس انتهى .

                                                                                                        وقال الشيخ في " الإمام " : رجاله كلهم ثقات مشهورون ، انتهى .

                                                                                                        أثر آخر : رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا حفص عن أشعث عن الحكم عن علي ، قال : على كل واحد منهما بدنة ، فإذا حجا من قابل تفرقا من المكان الذي أصابهما انتهى .

                                                                                                        حدثنا أبو بكر بن عياش عن عبد العزيز بن رفيع عن عبد الله بن وهبان عن ابن عباس ، قال : جاء رجل إلى ابن عباس ، فقال : إني وقعت على امرأتي وأنا محرم ، [ ص: 240 ] فقال : الله أعلم بحجكما ، امضيا لوجهكما ، وعليكما الحج من قابل ، فإذا انتهيت إلى المكان الذي واقعت فيه فتفرقا ، ثم لا تجتمعا حتى تقضيا حجكما انتهى .

                                                                                                        حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج حدثني سعيد بن الحويرث أن رجلا استفتى جابر بن زيد ، والحسن بن محمد عن رجل وامرأته أهلا بالحج ، ثم وقع عليها ، فقالا : يتمان حجهما ، وعليهما الحج من قابل ، وإن كان ذا ميسرة أهدى جزورا انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية