الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        ( وطلاق الأمة ثنتان حرا كان زوجها أو عبدا ، وطلاق الحرة ثلاث حرا كان زوجها أو عبدا ) وقال الشافعي رحمه الله : عدد الطلاق معتبر بحال [ ص: 431 ] الرجال لقوله عليه الصلاة والسلام " { الطلاق بالرجال والعدة بالنساء } ، ولأن صفة المالكية كرامة والآدمية مستدعية لها ، ومعنى الآدمية في الحر أكمل فكانت [ ص: 432 ] مالكيته أبلغ وأكثر . ولنا قوله عليه الصلاة والسلام " { طلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان } ، ولأن حل المحلية نعمة في حقها ، وللرق أثر في تنصيف النعم إلا أن العقدة لا تتجزأ فتكاملت عقدتان ، وتأويل ما روي أن الإيقاع بالرجال .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الرابع : قال عليه السلام : الطلاق بالرجال ، والعدة بالنساء ; قلت : غريب مرفوع ; ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " موقوفا على ابن عباس حدثنا وكيع عن [ ص: 431 ] هشام عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : الطلاق بالرجال ، والعدة بالنساء انتهى .

                                                                                                        ورواه الطبراني في " معجمه " موقوفا على ابن مسعود ، أخرجه عن أشعث بن سوار عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله ، قال : الطلاق ، إلى آخره ; قال ابن الجوزي في " التحقيق " : وقد روى بعضهم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { الطلاق بالرجال ، والعدة بالنساء } ، قال : وإنما هذا من كلام ابن عباس انتهى .

                                                                                                        ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " موقوفا على عثمان ، وزيد بن ثابت ، وابن عباس .

                                                                                                        ومن أحاديث الباب : روى عبد الرزاق في " مصنفه " أنبأ ابن جريج ، قال : كتب إلي عبد الله بن زياد بن سمعان أن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري أخبره عن نافع { عن أم سلمة أن غلاما لها طلق امرأة له حرة تطليقتين ، فاستفتت أم سلمة النبي صلى الله عليه وسلم فقال : حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره }; ومن طريق عبد الرزاق : رواه الطبراني في " معجمه " .

                                                                                                        أثر : رواه مالك في " الموطإ " عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول : إذا طلق العبد امرأته تطليقتين فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره ، حرة كانت ، أو أمة ; وعدة الحرة ثلاث حيض ، وعدة الأمة حيضتان ، انتهى . [ ص: 432 ] أثر آخر : وفي " الموطإ " أيضا مالك عن أبي الزناد عن سليمان بن يسار أن نفيعا مكاتبا كان لأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أو عبدا كان تحته امرأة حرة ، فطلقها اثنتين ، ثم أراد أن يراجعها ، فأمره أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي عثمان بن عفان فيسأله عن ذلك ، فلقيه عند الدرج آخذا بيد زيد بن ثابت فسألهما ، فابتدراه جميعا ، فقالا : حرمت عليك ، حرمت عليك انتهى . وعن مالك رواه الشافعي في " مسنده " بسنده ومتنه .

                                                                                                        الحديث الخامس : قال عليه السلام : { طلاق الأمة ثنتان ، وعدتها حيضتان }; قلت : روي من حديث عائشة ; ومن حديث ابن عمر ; ومن حديث ابن عباس .

                                                                                                        فحديث عائشة : أخرجه أبو داود ، والترمذي وابن ماجه عن أبي عاصم عن ابن جريج عن مظاهر بن أسلم عن القاسم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { طلاق الأمة تطليقتان ، وقرؤها حيضتان }انتهى .

                                                                                                        قال أبو داود : هذا حديث مجهول ; وقال [ ص: 433 ] الترمذي : حديث غريب لا نعرفه مرفوعا ، إلا من حديث مظاهر بن أسلم ، ومظاهر بن أسلم لا يعرف له في العلم غير هذا الحديث انتهى . قال المنذري في " مختصره " قد أخرج له ابن عدي في " الكامل " حديثا آخر ، رواه مظاهر عن المقبري عن أبي هريرة أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ عشر آيات في كل ليلة ، من آخر آل عمران }انتهى .

                                                                                                        قلت : ورواه الطبراني في " معجمه الأوسط " ، والعقيلي في " كتابه " ، كما رواه ابن عدي ، ونقل ابن عدي تضعيف مظاهر هذا عن أبي عاصم النبيل فقط ; قال ابن عدي : وهو معروف بحديث : طلاق الأمة ، وقد ذكرنا له حديثا آخر ، وما أظن له غيرهما ، وإنما أنكروا عليه حديث : طلاق الأمة انتهى .

                                                                                                        ورواه الحاكم في " المستدرك " أعني حديث عائشة بسند السنن ومتنه ، وصححه ، ذكره في " كتاب الطلاق " ، ونقل شيخنا الذهبي في " ميزانه " تضعيف مظاهر عن أبي عاصم النبيل ، ويحيى بن معين ، وأبي حاتم الرازي ، والبخاري ; ونقل توثيقه عن ابن حبان ; وقال العقيلي في " كتابه " : مظاهر بن أسلم منكر الحديث ، وله هذان الحديثان ، ولا يعرفان إلا عنه انتهى .

                                                                                                        ورواه الدارقطني ، ثم البيهقي في " سننيهما " . قال البيهقي في " المعرفة " : والذي يدل على ضعف حديث مظاهر هذا ما أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي ثنا علي بن عمر الحافظ يعني الدارقطني بسنده عن زيد بن أسلم ، قال : سئل القاسم بن محمد عن عدة الأمة ، فقال : الناس يقولون : حيضتان ، وإنا لا نعلم ذلك في كتاب الله ، ولا في سنة رسول الله ، فدل على أن الحديث المرفوع غير محفوظ ; وقد رواه صفدي بن سنان عن مظاهر ، فقال فيه : طلاق العبد اثنتان انتهى .

                                                                                                        وقال الخطابي : الحديث حجة لأهل العراق ، إن ثبت ، ولكن أهل الحديث ضعفوه ، ومنهم من تأوله على أن يكون الزوج عبدا انتهى .

                                                                                                        أما حديث ابن عمر : فأخرجه ابن ماجه في " سننه " عن عمر بن شبيب المسلي ثنا [ ص: 434 ] عبد الله بن عيسى عن عطية عن ابن عمر مرفوعا ، نحوه سواء ; ورواه البزار في " مسنده " ، والطبراني في " معجمه " ، والدارقطني في " سننه " قال الدارقطني : تفرد به عمر بن شبيب المسلي ، وهو ضعيف لا يحتج بروايته ، والصحيح ما رواه نافع ، وسالم عن ابن عمر من قوله : ثم أخرجه كذلك ، وقال : وهذا هو الصواب ، وأيضا فعطية ضعيف انتهى كلامه .

                                                                                                        وأما حديث ابن عباس : فأخرجه الحاكم في " المستدرك " فقال بعد أن روى حديث عائشة المتقدم عن أبي عاصم بسنده : قال أبو عاصم : فذكرته لمظاهر بن أسلم ، فقلت : حدثني كما حدثت ابن جريج ، فحدثني مظاهر عن القاسم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : { طلاق الأمة ثنتان ، وقرؤها حيضتان }قال : ومظاهر بن أسلم شيخ من أهل البصرة ، لم يذكره أحد من متقدمي مشايخنا بجرح ، فإذا الحديث صحيح ، ولم يخرجاه ، ثم قال : وقد روي عن ابن عباس حديث يعارض هذا ، ثم أخرج عن يحيى بن أبي كثير أن عمر بن معتب أخبره أن أبا حسن مولى بني نوفل أخبره أنه { استفتى ابن عباس في مملوك كانت تحته مملوكة ، فطلقها تطليقتين ، ثم أعتقا بعد ذلك ، هل يصلح له أن يخطبها ؟ قال : نعم ، قضى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم }انتهى . وسكت عنه ، وهذا الحديث أخرجه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه في " الطلاق " عن يحيى بن أبي كثير به .

                                                                                                        ومن أحاديث الباب : ما أخرجه الدارقطني عن سلم بن سالم عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا كانت الأمة تحت الرجل فطلقها تطليقتين ، ثم اشتراها لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره }انتهى .

                                                                                                        قال الدارقطني : وسلم بن سالم ، كان ابن المبارك يكذبه ; وقال يحيى بن معين : ليس حديثه بشيء ، وقال السعدي : ليس [ ص: 435 ] بشيء انتهى .

                                                                                                        أثر : عن عمر ، رواه الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن محمد بن عبد الرحمن مولى أبي طلحة عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عتبة عن عمر ، قال : ينكح العبد امرأتين ، ويطلق تطليقتين ، وتعتد الأمة بحيضتين ، فإن لم تكن تحيض فشهرين ، أو شهرا ونصفا انتهى .

                                                                                                        ومن طريق الشافعي رواه البيهقي في " المعرفة " ، وكذلك رواه الدارقطني في " سننه " .




                                                                                                        الخدمات العلمية