الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 83 ] فصل

                                                                                                        ( والمواقيت التي لا يجوز أن يجاوزها الإنسان إلا محرما خمسة : لأهل المدينة ذو الحليفة ولأهل العراق ذات عرق ، ولأهل الشام الجحفة ، ولأهل نجد قرنا ، ولأهل اليمن يلملم ) هكذا وقت رسول الله عليه الصلاة والسلام هذه المواقيت لهؤلاء . وفائدة التأقيت المنع عن تأخير الإحرام عنها لأنه يجوز التقديم عليها بالاتفاق .

                                                                                                        [ ص: 83 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 83 ] فصل في المواقيت

                                                                                                        الحديث السادس : { وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة : ذا الحليفة ، ولأهل العراق : ذات عرق ، ولأهل الشام : الجحفة ، ولأهل نجد : قرنا ، ولأهل اليمن . يلملم } ، قلت : أخرج البخاري ومسلم عن طاوس عن ابن عباس أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة : ذا الحليفة ، ولأهل الشام : الجحفة ، ولأهل نجد : قرن المنازل ، ولأهل اليمن : يلملم ، هن لهن ، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة ، ومن كان دون ذلك ، فمن حيث أنشأ ، حتى أهل مكة من مكة }انتهى .

                                                                                                        وأخرجا عن سالم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ، وأهل الشام من الجحفة ، وأهل نجد من قرن }.

                                                                                                        قال عبد الله : وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ويهل أهل اليمن من يلملم }: وفي لفظ : قال عبد الله : وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ، ولم أسمع ذلك منه : { ومهل أهل اليمن يلملم } ، وفي لفظ للبخاري قال : { فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل نجد من قرن ، ولأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل الشام الجحفة }انتهى .

                                                                                                        ما جاء في ذات عرق : أخرج مسلم في " صحيحه " عن أبي الزبير عن جابر ، قال : سمعت أحسبه رفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { مهل أهل المدينة من ذي الحليفة ، والطريق الآخر الجحفة ، ومهل أهل العراق من ذات عرق ، ومهل أهل نجد من قرن ، [ ص: 84 ] ومهل أهل اليمن من يلملم }انتهى .

                                                                                                        وهذا شك الراوي في رفعه ، لكن أخرجه ابن ماجه في " سننه " عن إبراهيم بن يزيد الخوزي عن أبي الزبير عن جابر ، قال : { خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : مهل أهل المدينة من ذي الحليفة ، ومهل أهل الشام من الجحفة ، ومهل أهل اليمن من يلملم ، ومهل أهل نجد من قرن ، ومهل أهل المشرق من ذات عرق ، ثم أقبل بوجهه للأفق ، فقال : اللهم أقبل بقلوبهم }انتهى . وهذه الرواية ليس فيها شك من الراوي ، إلا أن إبراهيم بن يزيد الخوزي لا يحتج بحديثه ، وقد تقدم الكلام فيه من حديث الزاد والراحلة ، وأخرجه الدارقطني في " سننه " ، وابن أبي شيبة ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو يعلى الموصلي في " مسانيدهم " عن حجاج عن عطاء عن جابر ، وحجاج أيضا لا يحتج به .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أبو داود ، والنسائي في " سننهما " عن أفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق : ذات عرق }انتهى . لأبي داود ، وزاد فيه النسائي : بقية المواقيت .

                                                                                                        وروى ابن عدي في " الكامل " ، ثم أسند عن أحمد بن حنبل أنه كان ينكر على أفلح بن حميد هذا الحديث .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أبو داود ، والنسائي أيضا عن زرارة بن كريم بن الحارث بن عمرو ، قال : سمعت أبي يذكر أنه سمع جده الحارث بن عمرو السهمي ، قال : { أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمنى . أو بعرفات ، وقد طاف به الناس ، قال : فتجيء الأعراب ، فإذا رأوا وجهه ، قالوا : هذا وجه مبارك ، قال : ووقت ذات عرق لأهل العراق }انتهى .

                                                                                                        ورواه البيهقي ، وقال : في إسناده من هو غير معروف ، ورواه الدارقطني في " سننه " . [ ص: 85 ] ( حديث آخر ) : رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " أخبرنا عبد الرزاق ، قال : سمعت مالكا يقول : { وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل العراق ذات عرق } ، فقلت له : من حدثك بهذا ؟ قال : حدثني به نافع عن ابن عمر انتهى .

                                                                                                        قال الدارقطني في " علله " : روى عبد الرزاق عن مالك عن نافع عن ابن عمر { أن النبي عليه السلام وقت لأهل العراق ذات عرق } ، ولم يتابع عبد الرزاق على ذلك ، وخالفه أصحاب مالك ، فرووه عنه ، ولم يذكروا فيه ميقات أهل العراق ، وكذلك رواه أيوب السختياني ، وابن عوف ، وابن جريج ، وأسامة بن زيد ، وعبد العزيز بن أبي رواد عن نافع ، وكذلك رواه سالم عن ابن عمرو بن دينار عن ابن عمر انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أبو داود ، والترمذي عن وكيع عن سفيان عن يزيد بن أبي زياد عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن ابن عباس ، قال : { وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق : العقيق }انتهى .

                                                                                                        ورواه البيهقي في " المعرفة " ، وقال : تفرد به يزيد بن أبي زياد ، والعقيق أقرب إلى العراق من ذات عرق بيسير ، وكان أنس بن مالك يحرم من العقيق ، قاله ابن المنذر انتهى . قال ابن القطان في " كتابه " : هذا حديث أخاف أن يكون منقطعا ، فإن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس إنما عهد يروي عن أبيه عن جده ابن عباس ، كما جاء ذلك في " صحيح مسلم في صلاته عليه السلام من الليل " ، وقال مسلم في " كتاب التمييز " : لا نعلم له سماعا من جده ، ولا أنه لقيه ، ولم يذكر البخاري ، ولا ابن أبي حاتم أنه يروي عن جده ، وذكر أنه يروي عن أبيه انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه البزار في " مسنده " عن مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس ، قال : { وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق : ذات عرق }انتهى .

                                                                                                        ورواه الشافعي أخبرنا سعيد بن سالم أخبرني ابن جريج أخبرني عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره مرسلا بتمامه ، وفيه لأهل المشرق : ذات عرق ، قال ابن جريج : فقلت لعطاء : [ ص: 86 ] إنهم يزعمون أن النبي عليه السلام لم يوقت ذات عرق ، وأنه لم يكن أهل مشرق يومئذ ، فقال : كذلك سمعنا { أنه عليه السلام وقت لأهل المشرق : ذات عرق }انتهى .

                                                                                                        ومن طريق الشافعي رواه البيهقي في " المعرفة " قال الشافعي ، أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه طاوس ، قال : لم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم ذات عرق ، ولم يكن أهل مشرق حينئذ ، فوقت الناس ، ذات عرق ، قال الشافعي : ولا أحسبه إلا كما قال طاوس انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " ، والدارقطني في " سننه " أخبرنا يزيد بن هارون ثنا الحجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة : ذا الحليفة ، ولأهل الشام : الجحفة ، ولأهل نجد : قرنا ، ولأهل اليمن : يلملم ، ولأهل العراق . ذات عرق }انتهى . والحجاج غير محتج به .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه ابن راهويه أيضا أخبرنا يزيد بن هارون أنبأ الحجاج بن أرطاة عن عطاء عن جرير بن عبد الله البجلي مرفوعا بنحوه ، والظاهر أن هذا الاضطراب من الحجاج ، فإن من دونه ومن فوقه ثقات .

                                                                                                        { حديث آخر } موقوف : أخرجه البخاري في " صحيحه " قال : " باب ذات عرق لأهل العراق " ، ثم أسند عن نافع عن ابن عمر ، قال : لما فتح هذان المصران أتوا عمر ، فقالوا : يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد لأهل نجد : قرنا ، وهي جور عن طريقنا ، وإنا إذا أردنا قرنا ، شق علينا ، قال : انظروا حذوها من طريقكم ، فحد لهم ذات عرق انتهى . قال البيهقي في " المعرفة " : ويشبه أن يكون عمر لم يبلغه توقيت النبي عليه السلام : ذات عرق ، إن كانت الأحاديث بذلك ثابتة ، فوافق تحديده توقيت النبي عليه السلام انتهى .

                                                                                                        قال الشيخ تقي الدين في " الإمام " : المصران : هما البصرة ، والكوفة ، وحذوها : أي ما يقرب منها ، قال : وهذا الحديث يدل على أن ذات عرق مجتهد فيها لا منصوصة ، انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية