الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 191 - 192 ] قال : ( ومن قلد بدنة تطوعا أو نذرا أو جزاء صيد أو شيئا من الأشياء وتوجه معها يريد الحج فقد أحرم ) لقوله عليه الصلاة والسلام : { من قلد بدنة فقد أحرم }ولأن سوق الهدي في معنى التلبية في إظهار الإجابة لأنه لا يفعله إلا من يريد الحج أو العمرة ، وإظهار الإجابة قد يكون بالفعل كما يكون بالقول [ ص: 193 ] فيصير به محرما لاتصال النية بفعل هو من خصائص الإحرام . وصفة التقليد أن يربط على عنق بدنته قطعة نعل أو عروة مزادة أو لحاء [ ص: 194 ] شجرة ( فإن قلدها وبعث بها ولم يسقها لم يصر محرما ) لما روي { عن عائشة رضي الله عنهاأنها قالت : كنت أفتل قلائد هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام فبعث بها وأقام في أهله حلالا }( فإن توجه بعد ذلك لم يصر محرما حتى يلحقها ) لأن عند التوجه إذا لم يكن بين يديه هدي يسوقه لم يوجد منه إلا مجرد النية وبمجرد النية لا يصير محرما ( فإذا أدركها وساق أو أدركها فقد تفرقت نيته بعمل هو من خصائص الإحرام فيصير محرما ) كما لو ساقها في الابتداء . قال . ( إلا في بدنة المتعة فإنه محرم حين توجه ) معناه إذا نوى الإحرام وهذا استحسان وجه القياس فيه ما ذكرنا ، ووجه الاستحسان أن هذا الهدي مشروع على الابتداء نسكا من مناسك الحج وضعا لأنه مختص بمكة ويجب شكرا للجمع بين أداء النسكين ، وغيره قد يجب بالجناية وإن لم يصل إلى مكة فلهذا اكتفي فيه بالتوجه وفي غيره توقف على حقيقة الفعل ( فإن جلل بدنة أو أشعرها أو قلد شاة لم يكن محرما ) لأن التجليل لدفع الحر والبرد والذباب فلم يكن من خصائص الحج . والإشعار مكروه عند أبي حنيفة رحمه الله فلا يكون [ ص: 195 ] من النسك في شيء . وعندهما إن كان حسنا فقد يفعل للمعالجة ، بخلاف التقليد لأنه يختص بالهدي . وتقليد الشاة غير معتاد وليس بسنة أيضا . قال : ( والبدن من الإبل والبقر ) وقال الشافعي رحمه الله : من الإبل خاصة لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث الجمعة ، { فالمتعجل منهم كالمهدي بدنة [ ص: 196 ] والذي يليه كالمهدي بقرة }فصل بينهما . ولنا أن البدنة تنبئ عن البدانة وهي الضخامة ، وقد اشتركا في هذا المعنى ، ولهذا يجزئ كل واحد منهما عن سبعة ، والصحيح من الرواية في الحديث كالمهدي جزورا ، والله تعالى أعلم بالصواب .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث السابع والثمانون : قال عليه السلام : { من قلد بدنة فقد أحرم } ، قلت : غريب مرفوعا ، ووقفه ابن أبي شيبة في " مصنفه " على ابن عباس ، وابن عمر ، فقال : [ ص: 193 ] حدثنا ابن نمير ثنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ، قال : من قلد فقد أحرم انتهى .

                                                                                                        حدثنا وكيع عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عباس ، قال : من قلد أو جلل أو أشعر فقد أحرم انتهى .

                                                                                                        ثم أخرج عن سعيد بن جبير أنه رأى رجلا قلد ، فقال : أما هذا فقد أحرم انتهى . ورد معناه مرفوعا ، أخرجه عبد الرزاق في " مصنفه " ، ومن طريق البزار في " مسنده " عن عبد الرحمن بن عطاء بن أبي لبيبة أنه سمع ابني جابر يحدثان عن أبيهما جابر بن عبد الله ، قال : { بينا النبي عليه السلام جالس مع أصحابه إذ شق قميصه حتى خرج منه ، فسئل ، فقال : واعدتهم يقلدون هدي اليوم فنسيت }انتهى .

                                                                                                        وذكره ابن القطان في " كتابه " من جهة البزار ، فقال : ولجابر بن عبد الله ثلاثة أولاد : عبد الرحمن ، ومحمد ، وعقيل ، والله أعلم ، من هما من الثلاثة انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الطحاوي في " شرح الآثار " عن عبد الرحمن بن عطاء عن عبد الملك بن جابر بن عتيك عن { جابر ، قال : كنت جالسا عند النبي عليه السلام في المسجد فقد قميصه من جيبه ، حتى أخرجه من رجليه ، فنظر القوم إلي ، فقال : إني أمرت ببدني التي بعثت بها أن تقلد اليوم وتشعر ، فلبست قميصي ونسيت ، فلم أكن لأخرج قميصي من رأسي ، وكان بعث ببدنه ، وأقام بالمدينة }انتهى .

                                                                                                        وضعف عبد الحق في " أحكامه " عبد الرحمن بن عطاء ، ووافقه ابن القطان ، قال ابن عبد البر : لا يحتج بما انفرد به ، فكيف إذا خالفه من هو أثبت منه ؟ وقد تركه مالك ، وهو جاره انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : موقوف ، رواه الطبراني في " معجمه " ثنا محمد بن علي بن الصائغ المكي ثنا أحمد بن شبيب بن سعيد حدثني أبي عن يونس عن ابن شهاب أخبرني ثعلبة بن أبي مالك القرظي أن قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري وكان صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد الحج ، فرجل أحد شقي رأسه ، فقام غلامه فقلد هديه ، فنظر إليه قيس ، فأهل ، وخلا شق رأسه الذي رجله ، ولم يرجل الشق الآخر انتهى .

                                                                                                        وهذا أخرجه البخاري في " صحيحه " مختصرا عن عقيل عن ابن شهاب به ، أن قيس بن سعد الأنصاري وكان صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد الحج فرجل انتهى .

                                                                                                        وذكر أن البرقاني أتمه بلفظ الطبراني ، سواء ، ذكره البخاري في " الجهاد في باب ما قيل في لوائه عليه السلام " .

                                                                                                        [ ص: 194 ] الحديث الثامن والثمانون : روي عن { عائشة أنها قالت : كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث بها ، وأقام في أهله حلالا } ، قلت : أخرجه الأئمة الستة في " كتبهم " عن عائشة ، قالت : { بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهدي ، فأنا فتلت قلائدها بيدي من عهن كان عندنا ، ثم أصبح فينا حلالا ، يأتي ما يأتي الرجل من أهله }انتهى .

                                                                                                        وفي لفظ : قلت : { لقد رأيتني أفتل القلائد لرسول الله صلى الله عليه وسلم من العهن ، فيبعث به ، ثم يقيم فينا حلالا }انتهى .

                                                                                                        وأخرج البخاري ، ومسلم ، واللفظ للبخاري عن مسروق أنه أتى عائشة فقال لها : يا أم المؤمنين ، إن رجلا يبعث بالهدي إلى الكعبة ، ويجلس في المصر فيوصي أن تقلد بدنته ، فلا يزال من ذلك اليوم محرما حتى يحل للناس ، قال : فسمعت تصفيقها من وراء الحجاب ، فقالت : { لقد كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبعث هديه إلى الكعبة ، فما يحرم عليه ما أحل للرجال من أهله ، حتى يرجع الناس }انتهى .

                                                                                                        وأخرج البخاري ، ومسلم عن ابن عباس ، قال : من أهدى هديا حرم عليه ما يحرم على الحاج ، [ ص: 195 ] فقالت عائشة : ليس كما قال ، { أنا فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ، ثم قلدها بيده ، ثم بعث بها مع أبي ، فلم يحرم عليه صلى الله عليه وسلم شيء أحله الله له ، حتى ينحر الهدي }انتهى .

                                                                                                        قوله : وتقليد الشاة غير معتاد ، وليس بسنة ، يشكل عليه ، قلت : أخرجه الأئمة الستة عن الأسود عن عائشة ، قالت : { أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة إلى البيت غنما فقلدها }انتهى . ولمسلم بهذا الإسناد ، قالت : { لقد رأيتني أفتل القلائد لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغنم ، فيبعث به ، ثم يقيم فينا حلالا }انتهى .

                                                                                                        الحديث التاسع والثمانون : قال عليه السلام في حديث الجمعة : { فالمستعجل منهم كالمهدي بدنة ، والذي يليه كالمهدي بقرة } ، قلت : أخرجه البخاري ، ومسلم عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من اغتسل يوم الجمعة ، ثم راح ، فكأنما قرب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة ، فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر }انتهى وفي لفظ لهما : { إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول ، ومثل المهجر كمثل الذي يهدي بدنة ، ثم كالذي يهدي بقرة } ، إلى آخره ، في رواية للنسائي ، قال : { في الساعة الخامسة كالذي يهدي عصفورا ، وفي السادسة بيضة } ، وفي رواية له : قال : { في الرابعة كالمهدي بطة ، ثم كالمهدي دجاجة ، ثم كالمهدي بيضة } ، قال النووي في " الخلاصة " : إسنادهما صحيح ، إلا أنهما شاذتان ، لمخالفتهما الروايات [ ص: 196 ] المشهورة انتهى . قوله : والصحيح من الرواية في الحديث : كالمهدي جزورا ، قلت : هذه اللفظة ، وإن كانت في مسلم ولكن رواية البدنة أصح لاتفاقهم عليها ، فليس كما قال المصنف ، ولفظ مسلم : أن { النبي صلى الله عليه وسلم قال : على كل باب من أبواب المسجد ملك يكتب الأول فالأول ، مثل الجزور ، ثم نزلهم حتى صغر إلى مثل البيضة ، فإذا جلس الإمام طويت الصحف وحضروا الذكر }انتهى . وجهل هذا الجاهل جهلا فاحشا ، فقال : هذه الرواية لا أصل لها في كتب الحديث ، فيما علمت ، والله أعلم .




                                                                                                        الخدمات العلمية