الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                ( فروع ثمانية ) : الأول : في ( الكتاب ) : يقوم نخل التجارة ، وقاله ابن حبيب . ( ح ) خلافا لـ ( ش ) دون تمرها ; لأن التمرة زكاة الخرص ، ولأنها كخراج الدابة والعين ، قال سند : إن كانت النخيل مثمرة واشترط ثمرتها وقد طابت [ ص: 22 ] فزكاتها من البائع ، وإن كانت لم تطب وكانت يوم التقويم لا تبلغ خمسة أوسق قومت مع الرقاب ، وإن بلغت فيحتمل ألا تقوم لأنها آئلة إلى الزكاة في عينها ، وظاهر قول أصبغ التقويم ، وإن طابت يوم التقويم ، وبلغت الزكاة زكى عينها ولا تقوم ، وكذلك قال في ( الكتاب ) : لا يقوم المدير غنمه وإن ابتاعها للتجارة ، ولترك رقابها كل عام ، وقال الأئمة : الواجب فيها زكاة التجارة قياسا على الحمير ، لنا : إن زكاة العين أقوى لتعلقها بالعين دون القيمة ، ولأنه يجب بإجماع ويستغنى عن النية ، وتؤكد ظواهر النصوص بالوجوب في الماشية ، فإن كانت دون النصاب : قال مالك : يقومها ، إلا أن تكون للقنية لتقدم تعلق الزكاة بعينها ، وإن زكى عينها ثم باعها فحول ثمنها من يوم زكاة عينها كالزرع إذا باعه بعد تعشيره وينقطع عن حول إدارته ; لأن الحول شرط ، وإن زكى قيمتها ثم نتجت فصار نصابا لم يزكها الساعي إلا إلى حول من يوم زكاة القيمة ليلا يزكى المال في الحول مرتين ، وإن كانت نصابا فلم يتم حولها حتى باعها : قال ابن القاسم في ( الكتاب ) : تسقط عنه زكاة الماشية ويزكي ثمنها لعدم مزاحمة زكاة العين .

                                                                                                                في ( الكتاب ) : لو زكى النقد ثم اشترى به غنما بعد أشهر استقبل الحول من يوم اشتراها ، وفي ( الجلاب ) رواية في بنائه على حول العين ، الثاني : قال سند : إن كان يشتري ما يصبغه ثم يبيعه ، قوم معه ما له عين مقصوده كالصبغ بخلاف غير المقصود كخيط الحرير يخيط به أو يطرز به . وفي ( الجواهر ) : فيه خلاف ; لأن المقصود الصنعة دون الخيط ، وكالصابون يغسل به ولا تقوم آلات صنعته ; لأنها لم تتخذ للبيع . الثالث : قال سند : ولا يقوم كتابة مكاتبه عند ابن [ ص: 23 ] القاسم ; لأنها فائدة خارجة عن الإدارة ، وعند ابن حبيب : يحسب الأقل من قيمة الرقبة أو الكتابة . الرابع : في ( الجواهر ) : إذا بار عرضه قومه خلافا لعبد الملك ; لأنه قال : يبطل حكم الإدارة ولم يحد لذلك حدا ، وحده سحنون بعامين .

                                                                                                                الخامس : في ( الكتاب ) : إذا نض له وسط السنة أو في طرفها ولو درهم واحد قوم عروضه لتمامها ، وإلا فلا ، فإن نض له بعد ذلك شيء قوم وكان حوله من يومئذ . وألغى الوقت الأول ; لأن سبب وجوب الزكاة العين ، فإذا فقدت سقط حق الفقراء . قال ابن يونس : وقال أشهب : لا يقوم حتى يمضي له حول من يوم باع بذلك العين ; لأنه من يومئذ دخل في حال المدير ، وقال ابن حبيب : إذا لم ينض له شيء قوم ; لأن التقويم لأجل القيمة ، فلا حاجة إلى العين لقيام القيمة مقامها ، قال سند : وقال أشهب : لا يزكي حتى ينض عشرين دينارا أو ما يكملها بما عنده من عين بيع أو اقتضاء ; لأن العين لما كانت معتبرة كان النصاب معتبرا ، فتكون القيمة تبعا له ، وكل هذه الفروع إذا ابتدأ التجارة بالعين ، فلو ورث عرضا أو وهب له أو كانت عنده للقنية فأدارها فلا يزكي عند ابن القاسم ، وإن نض له ; لأنها لا تتعلق بها زكاة في الحكرة فلا يتعلق بها في الإدارة ، فيجب أن يعزل ما يبتاعه مما ينض له فيكون إدارة دون الأول ، وإن نض له شيء فابتاع به سلعة نظر إلى قيمتها بعد حول من يوم الابتياع ، فإن كان نصابا وإلا ضم ما ابتاعه ثانيا إليه ، حتى يحصل النصاب ، فإن لم يحصل فلا شيء عليه ، وإن حصل روعي نضوض العين بعد ذلك على الخلاف ، وإن بيع بدين اعتبر بعد قبضه ما ابتاع به . وعلى قول عبد الملك : يكون مديرا من يوم باع ; لأنه سلك بالدين مسلك التجارة ، وسوى في ( الكتاب ) بين نضوض وسط الحول وآخره ، وقال عبد الوهاب : لا بد منه ( آخر الحول ) ; لأنه زمن الوجوب ، والنضوض شرط في كل عام . السادس : قال سند : [ ص: 24 ] اختلاط أحوال المدير كاختلاط أحوال الفوائد ، ولو أدار أحد عشر شهرا ثم ترك ، قال ابن القاسم : لا يزكي دينه حتى يقبضه ، ولا عرضه حتى يبيعه ; لعدم الوجوب بعد الحول . السابع : قال لو كان بعض ماله مدارا أو بعضه غير مدار ، وهما متساويان : فلكل مال حكمه . وإلا قال ابن القاسم : إن أدار الأكثر زكى الجميع . أو الأقل زكاه وانتظر بالآخر حوله ; لأن زكاة الإدارة أقوى من الحكرة لإخراجها من الدين والعرض ، وبأدنى نضوض بخلاف الحكرة فتكون متبوعة لا تابعة ، وقال عبد الملك : الأقل تابع مطلق لأنه المعهود في الشرع ، وقال أصبغ بعدم التبعية مطلقا . الثامن : قال لو طرأ له مال فائدة فخلطها بمال الإدارة في أثناء الحول زكى كل واحد على حوله ، وقال أصبغ : إن بقي من الحول يسير ألغي .

                                                                                                                الحالة الثالثة : المقارضة ، وهي مأخوذة من القرض الذي هو القطع ، كأن رب المال اقتطع ماله عن العامل . وفي ( الجواهر ) : إذا كان العامل ورب المال كل منهما مخاطب بوجوب الزكاة منفردا فيها ينوبه وجبت عليهما ، وإن لم يكن فيهما مخاطب لكونهما عبدين أو ذميين أو لقصور المال وربحه عن النصاب ، وليس لربه غيره : سقطت عنهما ، وإن كان أحدهما مخاطبا فقط : قال ابن القاسم : متى سقطت عن أحدهما سقطت عن العامل في الربح ، وروى أشهب : الاعتبار برب المال ; لأنه يزكي ملكه ، فإذا خوطب وجبت في حصة العامل وإن لم يكن أهلا ، وفي كتاب محمد بن المواز : يعتبر حال العامل في نفسه ، فإن كان أهلا بالنصاب وغيره زكى ، وإلا فلا ، وفي ( الكتاب ) : إذا اقتسما قبل الحول يزكي رب المال لتمام [ ص: 25 ] حوله ولا يزكي العامل إلا بعد حول من يوم القسمة وحصول النصاب في الربح ، ولو كان على رب المال دين أو هو عبد ، أو على العامل دين يغترق ربحه لم يزد العامل ، وإن حصل له نصاب ، قال صاحب المقدمات : لابن القاسم في الحول قولان : أحدهما يعتبر في رأس المال وحصة ربه دون عمل العامل ، والثاني : يضاف إلى ذلك الحول من يوم أخذه العامل ، وله في النصاب ثلاثة أقوال : أحدها يشترط في نصاب رب المال بربحه ويزكيان ، كان للعامل نصاب أم لا ، والثاني : يعتبر في رأس المال وجميع الربح . والثالث : يعتبر في رأس المال وحصة ربه ، ويعتبر في حصة العامل أيضا ، فإن كانا نصابين زكى العامل ، وإلا فلا يجري على غير قياس ، بل ينبغي لما اشترط في التزكية إسلامهما وحريتهما وبراءتهما من الدين إن اشترط مرور الحول عليهما وملكهما النصاب .

                                                                                                                قاعدة : متى كان الفرع يختص بأصل أجري عليه من غير خلاف ، ومتى دار بين أصلين وأصول يقع الخلاف فيه لتغليب بعض العلماء بعض تلك الأصول ، أو تغليب غيره أصلا آخر ، كما اختلف العلماء فيما يجب في قتل أم الولد لترددها بين الأرقاء لإباحة وطئها ، والأحرار لامتناع بيعها ، والتولية من المكاتب لتردده بين الأحرار لإحرازه نفسه وماله ، وبين الرقيق لعدم الوفاء ، ونظائره كثيرة في الشرع ، وعامل القراض دائر بين أن يكون شريكا بعمله ، ورب المال بما له ، لتساويهما في زيادة الربح ونقصه كالشريكين ، ولعدم تعلق ما يستحقه العامل بالذمة ، وبين أن يكون أجيرا لاختصاص رب المال بغرم رأس المال ، ولأنه معاوضة على عمل ، وهو شأن الإجازة ، ومقتضى الشركة : أن يملك بالظهور ، ومقتضى الإجازة : ألا يملك إلا بالقسمة ، فاجتماع هذه الشوائب سبب الخلاف [ ص: 26 ] فمن غلب الشركة كمل الشروط في حق كل واحد منهما ، ومن غلب الإجارة جعل المال وربحه لربه فلا يعتبر العامل أصلا ، وابن القاسم صعب عليه إطراح أحدهما فاعتبر وجها ، فمن هذه ووجها من هذا ، قال سند : قال ابن المواز : إسقاطها عن العامل بالدين استحسان ; لأنه إنما يملك بالمقاسمة ، والزكاة وجبت قبله فلا يضر رقه ولا دينه . ومذهب ( الكتاب ) مبني على أنه يملك بالظهور ، وهو الصحيح لنفوذ عتقه إذا ربح ، إلا أنه فيه شائبتان ، ويلزم من يقول بالمقاسمة أن لا يحاسب العامل بالزكاة ، وجوابه : أن الربح رقابة على المال ومصرف كلفة ومنها الزكاة ، وقد قال بعض الشافعية : إن الزكاة بجملتها تخرج من الربح لهذا المعنى .

                                                                                                                فرعان : الأول في ( الكتاب ) : يجوز اشتراط زكاة الربح على العامل ورب المال ، ولا يجوز اشتراط زكاة المال على العامل ، ويجوز في المساقاة على العامل ورب الأصل ; لأن اشتراط زكاة الربح يرجع إلى أن العامل الربع مثلا لأربع عشرة وذلك معلوم ، واشتراط زكاة المال قد تستغرق نصيبه من الربح فهو زيادة غرر في القراض فلا يجوز ، وأما المساقاة فالمزكى هو الثمرة وهي بمنزلة الربح في القراض ، وفي ( الجواهر ) قيل : لا يجوز اشتراط حصة العامل على رب المال لاحتمال أن لا يخرج ربحه فلا يتوجه ، وروي لا يجوز اشتراط زكاة الربح على واحد منهما ، وإذا فرعنا على المشهور وتفاصلا قبل حول ، أو كان المال لا زكاة فيه ، فلا يشترط ربع عشر الربح مع حصته كما لو اشترط لأجنبي نصف الربح فأبى من أخذه فهو لمشترطه قال سند : فلو ربح في المال أربعين دينارا وتعاملا على النصف والزكاة على العامل ، فلرب المال دينار من الأربعين ، ثم نصف الباقي ، [ ص: 27 ] فيحصل له عشرون ونصف ، وعلى قول الغير : يكون لرب المال عشرون ، وللعامل تسعة عشر ، ويقتسمان الدينار فيأخذ رب المال عشرين جزءا من تسعة وثلاثين ، وهو مبني على أن العامل يملك بالظهور ، وإن الدينار على ملكيهما نشأ ، والأول على ملكه بالمقاسمة . الثاني : في ( الكتاب ) : لا يزكي العامل وإن أقام أحوالا حتى يقتسما . قال سند : وذلك إذا كان العامل مسافرا ; لأن رب المال لا يدري ما حال ماله ، والعامل كالأجير ، فإن تم حوله قبل سفر العامل وهو عين لم يشغله : قال سحنون : يزكيه ربه ، وإن أشغل منه شيئا فلا يزكيه حتى يقبضه ، وإن كان معه في البلد وهو مدير ، قوم لتمام حوله على سنة الإدارة ، وإن كان محتكرا ورب المال مديرا : قال ابن القاسم : يقومه مع حصة ربحه دون حصة العامل ; لأن المال نفسه لم تجب فيه زكاة إلا بطريق العرض ، وحصة العامل إنما تجب فيها تبعا للوجوب في الأصل ، فإن كان المال غائبا وأمره بالتزكية زكاه ، وحسبت الزكاة من رأس ماله ، قال أشهب : إذا لم يظهر ربح على الفور فإنه لا يملك إلا بالمقاسمة ، أما إذا قلنا بالظهور تسقط الزكاة ، فإن لم يأذن له وأخذه السلطان : قال أشهب يجزئه ويحتسب من رأس المال على الخلاف ، ولا يختلف في منع العامل من إخراج الزكاة ، ويختلف في حصته من الربح على الخلاف في زمن ملكه . ومذهب ( الكتاب ) : يزكي لسائر الأعوام ; لأن المال ينمى ، وقال مرة لعام واحد ; لأنه عاجز عن رد العامل فأشبه الدين ، ولو اقتسما ورب المال مدير والعامل غير مدير : لم تكن على العامل زكاة حصته إلا لعام واحد ، وفي ( الجواهر ) : إذا اتفقا في الإدارة ففي تقويمه عند الحول خلاف ، وفي إخراجه الزكاة بعد التقويم من المال أو مال رب المال خلاف ، وإن كان مخالفا لرب المال في الإدارة أشار ابن محرز إلى إجزائه على الخلاف فيمن له مالان مدار وغير مدار ، وإذا قلنا يزكي لعام واحد فالمعتبر حالة الانفصال ، إن استوى مقداره في جميع السنين ، أو كان الماضي أكثر ، فإن كان أنقص زكى في كل سنة ما كان فيها فإن اختلف بالزيادة والنقص زكى الناقصة وما قبلها على حكمها [ ص: 28 ] وزكى الزائدة على حكمها . والناقصة قبلها على حكمها ، مثل أن يكون في الأول مائتين وفي الثاني مائة ، وفي الثالث ثلاثمائة ، فيزكي عن مائتين في العامين الأولين ، وعن ثلاثمائة في العام الثالث . قال اللخمي هذا كله في العين ، ويزكي العامل قبل رجوعه الماشية والثمار والزرع وزكاة فطر الرقيق ، ومن أي شيء تحسب زكاة الماشية والزرع ؟ ثلاثة أقوال في ( الكتاب ) من رأس المال ، وقال في غيره : يلغى كالنفقة ، والثالث يجري فيه إن ربحت كان على العامل بقدر ربحه ، وأما الرقيق : فالثلاثة المتقدمة ، والرابع ما في ( الكتاب ) يخرجه رب المال من عين المال ، ولم يختلف المذهب في نض زكاة العين على المال والربح ، فإن بيعت الغنم بربح فضت عليه وعلى رأس المال كالنفقة أو بغير ربح ، وأيما حصل بعد ذلك كانت على رب المال ، وحط قدرها من رأس المال ، ولا يلغى ليلا يكون على العامل وحده ، وكذلك الزرع والرقيق يراعى الربح في أثمانهم بعد البيع أو معه ، قال صاحب ( النكت ) : يسقط رب المال قيمة الشاة من رأس المال ، ويكون رأس المال ما بقي ، ولا يجوز له أن يدفعها من ماله دون مال القراض ; لأنه زيادة قراض بعد الشغل ، فإن لم يفسخ ذلك حتى نض المال : كان للعامل في مقدار قيمة الشاة ما ينوبه في ربح القراض .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية