الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت أن التيمم لا يرفع الحدث ، وأن النية فيه واجبة فله في نيته ستة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن ينوي رفع الحدث فتيممه باطل به : لأن التيمم إذا كان لا يرفع الحدث فهذه النية مخالفة لحكمه فلا يصح التيمم بها ومن أصحابنا من قال يجزئه تيممه ، لأن المعنى المقصود برفع الحدث إنما هو استباحة الصلاة .

                                                                                                                                            والتيمم مبيح للصلاة ، وإن لم يرتفع الحدث .

                                                                                                                                            والحال الثانية : ينوي استباحة الصلاة .

                                                                                                                                            فيصح التيمم للنوافل ولا يصح للفرائض لأن التيمم تستباح به النوافل من غير تعيين ، ولا يستباح به الفرض إلا بتعيين ، ولا يجوز أن يطوف به لأن الطواف ليس بصلاة ، فلم يدخل فيما نوى من استباحة الصلاة ، وهل يجوز أن يصلي به ركعتي الطواف أم لا ؟ على وجهين مخرجين من اختلاف قوليه " في ركعتي الطواف هل هي واجبة أو سنة " فإن قيل : إنها واجبة لم يجز أن يصليها بهذا التيمم .

                                                                                                                                            وإن قيل : إنها سنة ، جاز ، ولكن يجوز أن يحمل به المصحف ، ويقرأ به القرآن إن كان جنبا ، بخلاف الطواف : لأن الطواف عبادة مقصودة .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن ينوي صلاة النافلة فيجوز له أن يصلي به من النوافل ما شاء من غير عدد محصور ، ولا يجوز أن يصلي به الفريضة ، وقال أبو حنيفة : إذا تيمم للنافلة جاز أن يصلي به الفريضة استدلالا بأن كل طهارة صح استباحة النفل بها صح استباحة الفرض بها كالوضوء : لأن كل صلاة صح فعلها من المتوضئ صح فعلها من المتيمم كالنفل .

                                                                                                                                            [ ص: 245 ] ودليلنا هو تيمم لم ينو به الفرض فلم يجز أن يؤدي به الفرض قياسا عليه إذا تيمم ولم ينو ، ثم يقال له الكلام في هذه المسألة ينبني على أصلين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن التيمم لا يرفع الحدث وقد مضى الكلام فيه ، وإذا لم يرفعه تعينت النية لما يستباح به لتكون النية مختصة بعبادة ، وإذا لزم تعيين النية بالعبادة المستباحة لم يجز أن يؤدي الفريضة بنية النفل لأن الفرض متنوع ، وهذا أغلظ حكما ، والنفل تبع ، وهو أخف حكما .

                                                                                                                                            والأصل الثاني : أن التيمم الواحد لا يستباح به أداء فرضين ، والكلام فيه يأتي ومعناه المانع منه أن الصلاة الثانية ليست تبعا للأولى وكذا الفريضة ليست تبعا للنافلة ، فأما الجواب عن قياسه على الوضوء فالمعنى فيه : أنها طهارة رفاهة فكان حكمها أقوى في أداء الفرض بتيمم النفل ، والتيمم طهارة ضرورة فضعف حكمها عن أداء الفرض بتيمم النفل ، وأما الجواب عن قياسه على النفل فنحن لا نمنع من أداء الفرض بالتيمم إذا نوى به الفرض فصرنا قائلين بموجبه ، ثم المعنى في النفل أنه كان أخف حكما جاز أن يستباح بتيمم لم يقصد له والفرض أغلظ حكما فلم يجز أن يستباح بتيمم لم يقصد له .

                                                                                                                                            والحال الرابعة : أن ينوي تيمم صلاة الفرض فيجزئه للفريضة والنوافل ، لكن اختلف أصحابنا هل يلزمه تعيين الفرض الذي يريد أن يتيمم له أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يلزمه فإذا نوى تيمم صلاة الفرض جاز أن يؤدي به أي فرض شاء من ظهر أو عصر أو غير ذلك ، فإذا أدى به فرضا واجبا لم يجز أن يؤدي به فرضا فائتا ، ويصلي به ما شاء من النوافل ، وعلى هذا لو نوى بتيممه صلاة الظهر فلم يصلها وأراد أن يصلي به فرضا غيرها من فائتة أو غير فائتة جاز : لأنه تيمم كامل لفرض لم يؤده .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن تعيين نية الفرض في تيممه واجبة وإن لم يعين في نية الفرض الذي يريد أن يؤديه لم يجز أن يصلي به فرضا ، وجاز أن يصلي به النوافل ، لأن التيمم أضعف من الوضوء فلزمه تعيين الصلاة التي تؤدى في نيته ، فعلى هذا لو تيمم لصلاة الظهر ثم أراد أن يصلي بتيممه عند الظهر فرضا فائتا لم يجز .

                                                                                                                                            والحال الخامسة : أن ينوي بتيممه ما لا يجوز فعله بغير طهارة ، مثل أن ينوي المحدث بتيممه حمل المصحف أو ينوي الجنب بتيممه قراءة القرآن أو تنوي الحائض بتيممها وطأ الزوج ، فيجوز أن يفعل به ما نوى ، ولا يجوز أن يصلي به فرضا : لأنه لم يقصده ، وهل يجوز أن يصلي به النفل أم لا على وجهين : [ ص: 246 ] أحدهما : يجزئه لأن النفل لا يفتقر إلى تعيين النية له بخلاف الفرض .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يجزئه لأن نفل الصلاة أوكد مما يتيمم له فلم يجز أن يستبيحه بتيمم ما هو أخف منه كما أن الفرض لما كان أوكد من النفل لم يستبح بتيمم النفل .

                                                                                                                                            الحال السادسة : أن ينوي التيمم وحده أو ينوي الطهارة وحدها فيكون تيمما باطلا لا يجوز أن يستبيح به فرضا ولا نفلا ولا ما كان على المحدث محظورا : لأن التيمم إنما أبيح للضرورة عند حضور فعل لا يجوز إلا به ، فضعف حكمه عن أن يصح إلا بمجرد نيته والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية