الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا مر المسافر في طريقه ببلد له فيها دار ، أو مال ، أو ذو قرابة جاز له القصر فيه ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر في حجة الوداع مدة مقامه بمكة ، ومعه أكثر أصحابه ، ولهم بمكة دور ، ومال ، وقرابة ، فإن دخل بلدا ، أو نوى إن لقي فلانا أن يقيم فيه شهرا ، فإن لقيه قبل أربعة صار مقيما ووجب عليه إتمام الصلاة لأن سفره قد انتهى بلقائه ، فلم يجز له القصر بعد انتهاء سفره ، وإن لم يلقه ولا رآه كان له أن يقصرها تمام أربعة ، ثم يتم فيما بعد .

                                                                                                                                            ولو سافر في ضالة له ، أو عبد آبق ليرجع أين وجده ، فبلغ غاية تقصر في مثلها الصلاة لم يكن له أن يقصر لأنه لم ينو في سفره بلوغ هذه الغاية ، وإنما علقه بوجود الضالة ، وجعل موضع وجودها غاية سفره ، وقد يجوز أن يجدها مع الساعات ، فصار كمن سافر إلى مكان لا يقصر في مثله الصلاة ، فإذا وجد ضالته وأراد الرجوع إلى بلده جاز له القصر إذا أخذ في الرجوع ، وكانت المسافة يقصر في مثلها الصلاة ، ولكن لو كان حين سافر في طلب ضالته ، ورد آبقه نوى القصر إلى بلد تقصر إلى مثله الصلاة كان له القصر ، فإن وجد ضالته في الطريق وعزم على الرجوع كان كالمسافر إذا بدا له في طريقه من إتمام سفره .

                                                                                                                                            فلو كان سائرا في البحر فمنعته الريح من الخطوف ، والسير حتى رست السفينة مكانها ، أو أقامت انتظار السكون للريح وإمكان السير ، فهذا في حكم التاجر إذا أقام لبيع متاعه ، أو إنجازه أمره ، فله أن يقصر تمام أربعة أيام كوامل ، وفيما بعد الأربع على الأقاويل الثلاثة .

                                                                                                                                            وإن استقامت لهم الريح فسارت السفينة على مكانها جاز له القصر عند ابتداء سيرها ، فإن رجعت الريح فركدت إلى موضعها الأول قصر تمام أربعة أيام ، ثم فيما بعد على الأقاويل الثلاثة : لأنه لا فرق بين أن تحبسها الريح في الموضع الأول أو في غيره نص الشافعي على ذلك في " الأم " .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية