الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 110 ] فرع

                                                                                                                                                                        السنة أن يرفع يده عند الرمي ، وأن يرمي أيام التشريق مستقبل القبلة ، ويوم النحر مستدبرها ، وأن يكون نازلا في رمي اليومين الأولين ، وراكبا في اليوم الأخير ، فيرمي وينفر عقيبه كما أنه يوم النحر يرمي ، ثم ينزل ، هكذا قاله الجمهور . ونص عليه في " الإملاء " . وفي " التتمة " : أن الصحيح ترك الركوب في الأيام الثلاثة .

                                                                                                                                                                        قلت : هذا الذي في " التتمة " ليس بشيء والصواب : ما تقدم . وأما جزم الرافعي ، بأنه يستدبر القبلة يوم النحر ، فهو وجه ، قاله الشيخ أبو حامد وغيره . ولنا وجه : أنه يستقبلها . والصحيح : أنه يجعل القبلة على يساره ، وعرفات على يمينه ، ويستقبل الجمرة ، فقد ثبتت فيه السنة الصحيحة . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        والسنة إذا رمى الأولى أن يتقدم قليلا بحيث لا يبلغه حصى الرامين ، فيقف مستقبلا القبلة ، ويدعو ، ويذكر الله تعالى طويلا قدر سورة ( البقرة ) وإذا رمى الجمرة الثانية فعل مثل ذلك ، ولا يقف إذا رمى الثالثة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو ترك رمي بعض الأيام وقلنا : يتدارك ، فتدارك فلا دم عليه على المشهور . وفي قول : يجب دم مع التدارك ، كمن أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر ، يقضي ويفدي . ولو نفر يوم النحر ، أو يوم القر قبل أن يرمي ، ثم عاد

                                                                                                                                                                        [ ص: 111 ] ورمى قبل الغروب ، أجزأه ولا دم . ولو فرض ذلك يوم النفر الأول ، فكذا على الأصح .

                                                                                                                                                                        والثاني : يلزمه الدم ؛ لأن النفر في هذا اليوم جائز في الجملة ، فإذا نفر فيه ، خرج عن الحج ، فلا يسقط الدم بعوده . وحيث قلنا : لا يتدارك ، أو قلنا به ، فلم يتدارك وجب الدم ، وكم قدره ؟ فيه صور . فإن ترك رمي يوم النحر وأيام التشريق ، والصورة فيمن توجه عليه رمي اليوم الثالث ، فثلاثة أقوال أحدها : دم .

                                                                                                                                                                        والثاني : دمان . والثالث : أربعة دماء ، وهذا الأخير أظهرها عند صاحب " التهذيب " . لكن مقتضى كلام الجمهور : ترجيح الأول . ولو ترك رمي يوم النحر أو يوما من التشريق ، وجب دم . وإن ترك رمي بعض يوم من التشريق ، ففيه طريقان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : الجمرات الثلاث كالشعرات الثلاث ، فلا يكمل الدم في بعضها . بل إن ترك جمرة ، ففيها الأقوال الثلاثة ، فيمن حلق شعرة . أظهرها : مد . والثاني : درهم . والثالث : ثلث دم . وإن ترك جمرتين ، فعلى هذا القياس .

                                                                                                                                                                        وعلى هذا لو ترك حصاة من جمرة ، قال صاحب " التقريب " : إن قلنا : في الجمرة ثلث دم ، ففي الحصاة جزء من أحد وعشرين جزءا من دم ، وإن قلنا : في الجمرة مد أو درهم ، فيحتمل أن نوجب سبع مد ، أو سبع درهم ، ويحتمل أن لا نبعضهما .

                                                                                                                                                                        والطريق الثاني : يكمل الدم في وظيفة الجمرة الواحدة ، كما يكمل في جمرة النحر . وفي الحصاة والحصاتين الأقوال الثلاثة ، وهذا الخلاف في الحصاة ، أو الحصاتين ، من آخر أيام التشريق .

                                                                                                                                                                        فأما لو تركها من الجمرة الأخيرة يوم القر ، أو النفر الأول ، ولم ينفر ، فإن قلنا : لا يجب الترتيب بين التدارك ورمي الوقت ، صح رميه ، لكنه ترك حصاة ، ففيه الخلاف ، وإلا ففيه الخلاف السابق في أن الرمي بنية اليوم ، هل يقع عن الماضي ؟ إن قلنا : نعم ، تم المتروك بما أتى به في اليوم الذي بعده ، لكنه يكون [ ص: 112 ] تاركا للجمرة الأولى والثانية في ذلك اليوم ، فعليه دم . وإن قلنا : لا كان تاركا رمي حصاة ووظيفة يوم ، فعليه دم إن لم نفرد كل يوم بدم ، وإلا فعليه لوظيفة اليوم دم . وفي ما يجب لترك الحصاة الخلاف . وإن تركها من إحدى الجمرتين الأوليين من أول يوم كان فعليه دم ، لأن ما بعدها غير صحيح ، لوجوب الترتيب في المكان . هذا كله إذا ترك بعض يوم من التشريق ، فإن ترك بعض رمي النحر ، فقد ألحقه في " التهذيب " بما إذا ترك من الجمرة الأخيرة من اليوم الأخير .

                                                                                                                                                                        وقال في " التتمة " : يلزمه دم ولو ترك حصاة ؛ لأنها من أسباب التحلل ، فإذا ترك شيئا منها ، لم يتحلل إلا ببدل كامل . وحكى في النهاية وجها غريبا ضعيفا : أن الدم يكمل في حصاة واحدة مطلقا .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال في " التتمة " : لو ترك ثلاث حصيات من جملة الأيام لم يعلم موضعها أخذ بالأسوأ ، وهو أنه ترك حصاة من يوم النحر ، وحصاة من الجمرة الأولى يوم القر ، وحصاة من الجمرة الثانية يوم النفر الأول . فإن لم نحسب ما يرميه بنية وظيفة اليوم عن الفائت ، فالحاصل ست حصيات من رمي يوم النحر ، سواء شرطنا الترتيب بين التدارك ورمي الوقت أم لا . وإن حسبناه ، فالحاصل رمي يوم النحر وأحد أيام التشريق لا غير ، سواء شرطنا الترتيب أم لا ، ودليله يعرف مما سبق من الأصول .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية