الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        النوع الرابع : الحلق والقلم ، فتحرم إزالة الشعر قبل وقت التحلل ، وتجب فيه الفدية ، سواء فيه شعر الرأس والبدن ، وسواء الإزالة بالحلق أو التقصير أو النتف أو الإحراق أو غيرها . وإزالة الظفر كإزالة الشعر سواء قلمه أو كسره ، أو قطعه . ولو قطع يده أو بعض أصابعه وعليها شعر أو ظفر فلا فدية ؛ لأنهما تابعان غير مقصودين . ولو كشط جلدة الرأس فلا فدية ، والشعر تابع . وشبهوه بما إذا أرضعت امرأته الكبيرة الصغيرة ، بطل النكاح ولزمها مهر الصغيرة . ولو قتلتها ، فلا مهر عليها لاندراج البضع في القتل . ولو مشط لحيته ، فنتف شعرا ، فعليه الفدية . فإن شك هل كان منسلا ، أو انتتف بالمشط ؟ فلا فدية على الصحيح . وقيل : الأظهر .

                                                                                                                                                                        [ ص: 136 ] فرع

                                                                                                                                                                        سيأتي إن شاء الله تعالى في باب الدماء أن فدية الحلق والقلم لها خصال . إحداها : إراقة دم ، فلا يتوقف وجوب كمال الدم على حلق جميع الرأس ، ولا على قلم جميع الأظفار بالإجماع ، بل يكمل الدم في ثلاث شعرات ، أو ثلاثة أظفار ، سواء كانت من أظفار اليد أو الرجل ، أو منهما . هذا إذا أزالها دفعة في مكان . فإن فرق زمانا أو مكانا ، فسيأتي بعد النوع السابع إن شاء الله تعالى . فإن حلق شعرة أو شعرتين ، فأقوال .

                                                                                                                                                                        أظهرها وهو نصه في أكثر كتبه : أن في الشعرة مدا من طعام ، وفي شعرتين مدين .

                                                                                                                                                                        والثاني : في شعرة درهم ، وفي شعرتين درهمان .

                                                                                                                                                                        والثالث : في شعرة ثلث دم ، وفي شعرتين ثلثاه . والرابع : في الشعرة الواحدة دم كامل . والظفر كالشعرة ، والظفران ، كالشعرتين . ولو قلم دون المعتاد ، فكتقصير الشعر . ولو أخذ من بعض جوانبه ، ولم يستوعب رأس الظفر ، فإن قلنا : في الظفر الواحد دم أو درهم ، وجب بقسطه . وإن قلنا : مد لم يبعض .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        هذا الذي سبق في الحلق لغير عذر . فأما الحلق لعذر فلا إثم فيه . وأما الفدية ، ففيها صور .

                                                                                                                                                                        إحداها : لو كثر القمل في رأسه ، أو كان به جراحة أحوجه أذاها إلى الحلق ، أو تأذى بالحر لكثرة شعره فله الحلق وعليه الفدية .

                                                                                                                                                                        [ ص: 137 ] الثانية : لو نبتت شعرة أو شعرات داخل جفنه ، وتأذى بها قلعها ولا فدية على المذهب . وقيل : وجهان . ولو طال شعر حاجبه أو رأسه ، وغطى عينه ، قطع قدر المغطى ، ولا فدية . وكذا لو انكسر بعض ظفره ، وتأذى به قطع المنكسر ، ولا يقطع معه من الصحيح شيئا .

                                                                                                                                                                        الثالثة : ذكرنا أن النسيان يسقط الفدية في الطيب واللباس ، وكذا حكم ما عدا الوطء من الاستمتاعات ، كالقبلة واللمس بشهوة . وفي وطء الناسي ، خلاف يأتي إن شاء الله تعالى . وهل تجب الفدية بالحلق والقلم ناسيا ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        أصحهما : تجب وهو المنصوص . والثاني : مخرج في أحد قولين له في المغمى عليه إذا حلق والمجنون والصبي الذي لا يميز ، كمغمى عليه . ولو قتل الصيد ناسيا ، قال الأكثرون : فيه القولان كالحلق . وقيل : تجب قطعا .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        للمحرم حلق شعر الحلال . ولو حلق المحرم أو الحلال شعر المحرم أثم . فإن حلق بإذنه ، فالفدية على المحلوق ، وإلا فإن كان نائما ، أو مكرها ، أو مغمى عليه ، فقولان . أظهرهما : الفدية على الحالق ، والثاني : على المحلوق . فعلى الأول : لو امتنع الحالق من الفدية مع قدرته ، فهل للمحلوق مطالبته بإخراجها ؟ وجهان : أصحهما ، وبه قال الأكثرون : نعم . ولو أخرج المحلوق الفدية بإذن الحالق جاز ، وبغير إذنه لا يجوز على الأصح ، كما لو أخرجها أجنبي بغير إذنه . وإن قلنا : الفدية على المحلوق ، نظر إن فدى بالهدي أو الإطعام ، رجع بأقل الأمرين من الإطعام ، وقيمة الشاة على الحالق . وإن فدى بالصوم فأوجه . أصحها : لا يرجع . والثاني : يرجع بثلاثة أمداد من طعام ؛ لأنها بدل صومه . والثالث : يرجع بما يرجع به لو فدى بالهدي أو الإطعام . وإذا قلنا : يرجع [ ص: 138 ] ، فإنما يرجع بعد الإخراج على الأصح . وعلى الثاني : له أن يأخذ منه ثم يخرج . وهل للحالق أن يفدي على هذا القول ؟ أما بالصوم فلا ، وأما بغيره فنعم ، لكن بإذن المحلوق . وإن لم يكن نائما ولا مكرها ولا مغمى عليه ، لكنه سكت فلم يمنعه من الحلق ، فوجهان . وقيل : قولان . أصحهما : هو كما لو حلق بإذنه ، والثاني : كما لو حلقه نائما . ولو أمر حلال حلالا بحلق شعر محرم نائم ، فالفدية على الآمر إن لم يعرف الحالق الحال وإلا فعليه على الأصح .

                                                                                                                                                                        قلت : ولو طارت نار إلى شعره فأحرقته ، قال الروياني : إن لم يمكنه إطفاؤها فلا شيء عليه ، وإلا فهو كمن حلق رأسه وهو ساكت . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية