الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل الثاني : المتوفى عنها زوجها عدتها أربعة أشهر وعشر إن كانت حرة وشهران وخمسة أيام إن كانت أمة ، وسواء مات قبل الدخول ، أو بعده ، وإن مات زوج الرجعية استأنفت عدة الوفاة من حين موته وسقطت عدة الطلاق . وإن طلقها في الصحة طلاقا بائنا ، ثم مات في عدتها لم تنتقل عن عدتها . وإن كان الطلاق في مرض موته اعتدت أطول الأجلين من عدة الطلاق وعدة الوفاة . وإن ارتابت المتوفى عنها لظهور أمارات الحمل من الحركة ، وانتفاخ البطن ، وانقطاع الحيض قبل أن تنكح لم تزل في عدة حتى تزول الريبة . وإن تزوجت قبل زوالها لا يصح النكاح . وإن ظهر بها ذلك بعد نكاحها لم تفسد به ، لكن إن أتت بولد لأقل من ستة أشهر منذ نكحها فهو باطل وإلا فلا . وإذا مات عن امرأة نكاحها فاسد ، فقال القاضي : عليها عدة الوفاة . نص عليه . وقال ابن حامد : لا عدة عليها للوفاة في ذلك ، فإن كان النكاح مجمعا على بطلانه لم تعتد للوفاة من أجله .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( الثاني : المتوفى عنها زوجها ) ما لم تكن حاملا . ( عدتها أربعة أشهر وعشر إن كانت حرة ) بالإجماع وسنده الآية ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا أي : عشر ليال بعشرة أيام . ولا شك أن اليوم مقدم على الليلة ، لا يجزئها إلا أربعة أشهر وعشرة أيام ، وسواء كانت بالغة ، أو غير بالغة ، ولا يعتبر وجود الحيض في عدة الوفاة في قول عامتهم . والعشر المعتبرة فيها هي عشر ليال بأيامها ، وقاله الأكثر . وقال الأوزاعي : تجب عشر ليال وتسعة أيام ; لأن العشر تستعمل في الليالي دون الأيام ، وإنما دخلت الأيام اللاتي في أثناء الليالي تبعا . وجوابه : أن العرب تغلب حكم التأنيث في العدد خاصة على المذكر فتطلق لفظ الليالي وتريد الليالي بأيامها لقوله تعالى لزكريا آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا [ مريم : 10 ] [ ص: 113 ] يريد بأيامها وبقوله تعالى : آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا [ آل عمران : 41 ] يريد بلياليها . لو نذر اعتكاف العشر الأخير من رمضان لزمه الليالي ، والأيام . ( وشهران وخمسة أيام إن كانت أمة ) لأن الصحابة أجمعوا على أن عدة الأمة على النصف من عدة الحرة . وقال ابن سيرين : ما أرى عدة الأمة إلا كالحرة إلا أن تكون قد مضت سنة بعموم الآية . وجوابه : ما سبق ، فإن كان حملها من غيره اعتدت للزوج بعد وضع الحمل .

                                                                                                                          فرع : معتق بعضها بالحساب من عدة حرة وأمة وجبر الكسر . ( وسواء مات قبل الدخول ، أو بعده ) لعموم الآية ، لا يقال : هلا حمل على المدخول بها لقوله تعالى : والمطلقات يتربصن بأنفسهن [ البقرة : 228 ] الآية . لأنه لا يصح قياسها على المطلقة إذ النكاح عقد عمر ، فإذا مات انتهى ، والشيء إذا انتهى تقررت أحكامه كالصيام بدخول الليل ، بخلاف الطلاق ، فإنه قطع للنكاح قبل حصول مقصوده ، أشبه فسخ الإجارة قبل التسليم ، ولأن المطلقة إذا أتت بولد أمكن تكذيبها بنفيه ، بخلاف الميت .

                                                                                                                          ( وإن مات زوج الرجعية استأنفت عدة الوفاة من حين موته ) لأنها زوجة فتدخل في عموم قوله تعالى : والذين يتوفون منكم [ البقرة : 234 ] ( وسقطت عدة الطلاق ) لأنها معتدة الوفاة ، فلا يجتمع معها غيرها إجماعا . حكاه ابن المنذر . وعنه : تعتد أطول الأجلين ، وبعده في " الشرح " ( وإن طلقها في الصحة طلاقا بائنا ، ثم مات في عدتها لم تنتقل عن عدتها ) وتبني على [ ص: 114 ] عدة الطلاق مطلقا ، ولا تعتد للوفاة للآية ، ولأنها أجنبية منه في نكاحه وميراثه ، وتحل له أختها ، فلم تعتد لوفاته كما لو انقضت عدتها . وعنه : تعتد للوفاة إن ورثت ، اختارها جماعة كما لو طلقها في مرض موته وليس بشيء ، فإن الحمل تنقضي بوضعه كل عدة ، ولا يجب عليها الاعتداد بغيره . ( وإن كان الطلاق في مرض موته اعتدت أطول الأجلين من عدة الطلاق وعدة الوفاة ) ، نص عليه ، وهو المذهب ; لأنها وارثة فيجب عليها أن تعتد للوفاة ، ومن حيث إنها مطلقة يجب عليها أن تعتد للطلاق فيجب أن تعتد بأطولهما ضرورة أنها لا تخرج عن العهدة بيقين إلا بذلك . وعنه : تعتد لطلاق ; لأنه مات وليست زوجة له ; لأنها بائن من النكاح ، فلا تكون منكوحة وكالتي لا ترث . وعنه : تعتد للوفاة فقط . ذكرهما في " المجرد " ، ولأنها ترثه ، أشبهت الرجعية ، وعلم منه أن من لا ترثه كالأمة والذمية ومن جاءت البينونة من قبلها ، فلا يلزمها سوى عدة الطلاق رواية واحدة ، ذكره في " المحرر " ، وفي " الواضح " تعليله يدل على التفرقة .

                                                                                                                          فرع : إذا مات المريض المطلق بعد عدة طلاق رجعي ، أو كان طلاقه قبل الدخول فليس عليها عدة وفاة . وعنه : بلى إن ورثته . اختارها أبو بكر ، وكذا من أبانها في مرضه قبل الدخول ، أو بعده فاعتدت ، ثم مات . ( وإن ارتابت المتوفى عنها لظهور أمارات الحمل من الحركة ، وانتفاخ البطن ، وانقطاع الحيض قبل أن تنكح لم تزل في عدة حتى تزول الريبة ) وتبقى في حكم الاعتداد إلى أن تزول الريبة . فإن بان حملا انقضت عدتها بوضعه ، فإن زالت وبان [ ص: 115 ] أنه ليس بحمل تبينا أن عدتها انقضت بالشهور ، أو بالأقراء إن كان فارقها في الحياة . ( وإن تزوجت قبل زوالها ) أي : زوال الريبة . ( لا يصح النكاح ) لأنها تزوجت ، وهي في حكم المعتدات ، وقيل : يصح إذا كان بعد انقضاء العدة . ( وإن ظهر بها ذلك بعد نكاحها لم تفسد به ) لأنه وجد بعد قضاء العدة ظاهرا . والحمل مع الريبة مشكوك فيه ، فلا يزول ما حكمنا بصحته ، ولا يحل لزوجها وطؤها حتى تزول الريبة لشكنا في حل وطئها لقوله - عليه السلام - من كان يؤمن بالله ، واليوم الآخر ، فلا يحل له أن يسقي ماءه زرع غيره ( لكن إن أتت بولد لأقل من ستة أشهر منذ نكحها ) الثاني ووطئها ( فهو ) أي : النكاح ( باطل ) لأنه نكحها ، وهي حامل من غيره ( وإلا فلا ) أي : إذا أتت به لأكثر من ذلك ، فإن النكاح صحيح ; لأن الولد أمكن أن يكون من الثاني ، فلم يصادف نكاحها له مبطل ، فلم يبطل ; لأن الولد لاحق به ، فلو ظهرت الريبة بعد العدة ، وقبل النكاح ، أو بعده قبل الدخول فوجهان ، أحدهما : لا يحل لها أن تتزوج ، وإن فعلت لم يصح ; لأنها شاكة في انقضاء عدتها ، والثاني : يحل لها ويصح ; لأنا حكمنا بانقضاء عدتها ، فلا يتغير الحكم بالشك بدليل أن حكم الحاكم لا يتغير بتغيير اجتهاده ورجوع الشهود ( وإذا مات عن امرأة نكاحها فاسد ، فقال القاضي : عليها عدة الوفاة . نص عليه ) في رواية جعفر بن محمد واختارها أبو بكر ، وقدمها الأكثر ; لأنه نكاح يلحق به النسب فوجبت به العدة كالصحيح . وإن فارقها في الحياة بعد الإصابة اعتدت بثلاثة قروء ، أو بثلاثة أشهر إن لم يكن بغير خلاف ، وإن كان قبل الخلوة ، فلا عدة عليها كالصحيح ، بل أولى [ ص: 116 ] وإن كان بعدها قبل الإصابة ، فالمنصوص أن عليها العدة ; لأنه أجري مجرى الصحيح في لحوق النسب ، فكذا في العدة . ( وقال ابن حامد : لا عدة عليها للوفاة في ذلك ) لأنه لا يثبت الحمل ، فلم يوجب العدة كالباطل ، فعلى هذا إن كان قبل الدخول ، فلا عدة عليها . وإن كان بعده اعتدت . ( فإن كان النكاح مجمعا على بطلانه ) كذات محرم ومطلقته ثلاثا ، ( لم تعتد للوفاة من أجله ) لأن النكاح المذكور وجوده كعدمه للإجماع على بطلانه .




                                                                                                                          الخدمات العلمية