الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل : إن اشترك في القتل اثنان ، لا يجب القصاص على أحدهما : كالأب وأجنبي في قتل الولد . والحر والعبد في قتل العبد . والخاطئ والعامد ، ففي وجوب القصاص على الشريك روايتان أظهرهما وجوبه على شريك الأب والعبد ، وسقوطه عن شريك الخاطئ . وفي شريك السبع وشريك نفسه وجهان ، ولو جرحه إنسان عمدا فداوى جرحه بسم ، أو خاطه في اللحم ، أو فعل ذلك وليه ، أو الإمام ففي وجوب القصاص على الجارح وجهان .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( إن اشترك في القتل اثنان ، لا يجب القصاص على أحدهما : كالأب وأجنبي في قتل الولد ، والحر والعبد في قتل العبد ، والخاطئ والعامد ، ففي وجوب القصاص على الشريك روايتان ) إحداهما : لا قصاص عليه ; لأنه تركب من موجب وغير موجب ، فلم يجب القصاص لكون القتل لم يتمحض موجبا ، والثانية : يجب على الشريك . قدمها في " الرعاية " ، واختارها أبو محمد الجوزي ; لأن سقوطه عن شريكه لمعنى مختص به ، فلم ينفذ إلى غيره وكما لو أكره أبا على قتل ابنه ( أظهرهما وجوبه على شريك الأب والعبد ) لأن قتلهما محض عمد عدوان ، ولأنه شارك في القتل العمد العدوان ، فيقتل به كشريك الأجنبي ، وفعل الأب يقتضي الإيجاب لكونه تمحض عمدا عدوانا ، والجناية به أعظم إثما . ولذلك خصه الله بالنهي ، وإنما امتنع الوجوب في حق الأب لمعنى مختص بالمحل ، لا لقصور في السبب الموجب ، وكذلك كل شريكين امتنع القود في حق أحدهما ; لمعنى فيه من غير قصور في السبب كمسلم وذمي في قتل ذمي ( وسقوطه عن شريك الخاطئ ) في قول أكثر العلماء ; لأنه لم يتمحض عمدا ، فلم يجب به قود كشبه العمد وكما [ ص: 261 ] لو قتله واحد بجرحين عمدا وخطأ ، وكذا الخلاف لو اشترك مكلف وغير مكلف ، والأصح في المذهب أنه لا قصاص على البالغ ، وهو قول الحسن ، والأوزاعي ; لأنه شارك من لا إثم عليه في فعله كشريك خاطئ ( وفي شريك السبع وشريك نفسه وجهان ) وصورته أن يجرحه أسد ، أو نمر ، أو يجرحه إنسان ، ثم يجرح نفسه متعمدا وهما في شريك الولي المقتص ، وشريك القاطع حدا ، وشريك دفع الصائل ، أحدهما لا قصاص فيه ; لأنه شارك من لا يجب عليه القصاص كشريك الخاطئ ، بل أولى ، والثاني : عليه القصاص ، واختاره أبو بكر ، وجزم به في " الوجيز " ، وهو المنصوص ; لأنه قتل عمد متمحض ، فوجب القصاص على الشريك كشريك الأب ، فأما إن جرح نفسه خطأ ، فلا قصاص على شريكه في الأصح ، وإذا قلنا : لا قود عليه ، أو عدل إلى طلب المال منه - لزمه نصف الدية ، وقيل : يلزمه كمالها في شريك السبع خاصة ، وقيل : يلزمه كمالها في شريكه المقتص ، ودية شريك مخطئ في ماله ، لا على عاقلته على الأصح ، قاله القاضي . ( ولو جرحه إنسان عمدا فداوى جرحه بسم ، أو خاطه في اللحم ) الحي ( أو فعل ذلك وليه ، أو الإمام ) فمات ( ففي وجوب القصاص على الجارح وجهان ) أحدهما لا قصاص عليه ، وهو أشهر ; لأن المداوي قصد مداواة النفس ، فكان فعله عمد خطأ كشريك الخاطئ ، والثاني : بلى ; لأنه شريك في القتل ، لكن إن كان سم ساعة ، يقتل في الحال ، فقد قتل نفسه ، وقطع سراية الجرح وجرى مجرى من ذبح نفسه بعد أن جرح ، وينظر في الجرح ، فإن كان موجبا للقصاص ، فلوليه استيفاؤه ، وإلا أخذ الأرش ، وإن كان السم لا يقتل غالبا ، ففعل الرجل في نفسه [ ص: 262 ] عمد الخطأ وشريكه كشريك الخاطئ ، وإن خاطه غيره بغير إذنه كرها فهما قاتلان عليهما القود .




                                                                                                                          الخدمات العلمية