الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 230 ] باب الحضانة

                                                                                                                          أحق الناس بحضانة الطفل ، والمعتوه أمه . ثم أمهاتها ، الأقرب فالأقرب ، ثم الأب ، ثم أمهاته ، ثم الجد ، ثم أمهاته ، ثم الأخت للأبوين ، ثم الأخت للأب ، ثم الأخت للأم ، ثم الخالة ، ثم العمة في الصحيح عنه . وعنه : الأخت من الأم ، والخالة أحق من الأب ، فتكون الأخت من الأبوين أحق ، ويكون هؤلاء أحق من الأخت من الأب ومن جميع العصبات ، وقال الخرقي : وخالة الأب أحق من خالة الأم ، ثم تكون للعصبة . إلا أن الجارية ليس لابن عمها حضانتها ; لأنه ليس من محارمها ، وإذا امتنعت الأم من حضانتها انتقلت إلى أمها ، ويحتمل أن تنتقل إلى الأب . فإن عدم هؤلاء كلهم ، فهل للرجال من ذوي الأرحام حضانة ؛ على وجهين : أحدهما : لهم ذلك ، فيكون أبو الأم وأمهاته أحق من الخال ، وفي تقديمهم على الأخ من الأم وجهان .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          باب الحضانة

                                                                                                                          الحضانة بفتح الحاء مصدر حضنت الصغير حضانة ، أي : تحملت مؤنته وتربيته ، والحاضنة التي تربي الطفل ، سميت به ; لأنها تضم الطفل إلى حضنها ، وهي واجبة ; لأنه يهلك بتركه فوجب حفظه عن الهلاك كما يجب الإنفاق عليه ، وإنجاؤه من المهالك . ومستحقها رجل عصبة وامرأة وارثة ، أو مدلية بوارث كخالة وبنات أخوات ، أو مدلية بعصبة كبنات إخوة وأعمام ، ثم هل تكون لحاكم ، أو لبقية الأقارب من رجل وامرأة ، ثم لحاكم ؛ فيه وجهان .

                                                                                                                          ( أحق الناس بحضانة الطفل ، والمعتوه ) وهو المختل العقل ( أمه ) أي : إذا كانت حرة عاقلة عدلا في الظاهر ، لا نعلم فيه خلافا لما روى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده أن امرأة قالت : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء ، وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : أنت أحق به ما لم تنكحي رواه أحمد ، وأبو داود ، ولفظه له ; ولقضاء أبي بكر على عمر ، بعاصم بن عمر لأمه ، فقال : ريحها وشمها ولطفها خير له منك . رواه سعيد واشتهر ذلك ، ولم ينكر ، ولأنها أشفق عليه وأقرب ، ولا يشاركها إلا الأب ، وليس له مثل شفقتها ، ولا يتولى الحضانة بنفسه ، وإنما يدفعه إلى من يقوم به ، وظاهره : ولو بأجرة مثل كرضاع ، قاله في " الواضح " واقتصر عليه في " الفروع " ، فإن لم تكن موجودة ، أو كانت ، ولم تستوعب الشروط انتقل إلى من يليها في الاستحقاق ، وهو المنبه [ ص: 231 ] عليه بقوله ( ثم أمهاتها ) لأن ولادتهن متحققة فهن في معنى الأم . ( الأقرب فالأقرب ) لأن الأقرب أكمل شفقة من الأبعد و أقرب شبها بالأم . ( ثم الأب ) في الصحيح عنه ; لأنه أقرب من غيره ، وليس لغيره كمال شفقته ، يترجح بها فوجب أن يكون أحق بها بعد من ذكر . ( ثم أمهاته ) لأنهن يدلين بمن هو أحق ، فإن قيل : الجد يدلي بالأقرب فساواهن في ذلك ، فلم يقدمن عليه ؛ قيل : الأبوية مع التساوي ، فوجب الرجحان . دليله : الأم مع الأب ، وعنه : أن أم الأب مقدمة على أم الأم ; لأنها تدلي بعصبة فعليها يكون الأب أولى بالتقديم ; لأنهن يدلين به ، فيكون الأب بعد الأم ، ثم أمهاته ( ثم الجد ) لأنه أب ، أو بمنزلته ، ومقتضاه تقديمه بعد الأب ، ترك العمل به في أمهات الأب لما ذكر من الترجيح بالأبوية ( ثم أمهاته ) لما ذكر في أمهات الأب ، فإن قيل : الأخوات يدلين بالأب ، وهو أحق من الجد ، فيجب أن يكون من يدلي به أحق ممن يدلي بالجد ، قيل : أمهات الجد اجتمع فيهن الإدلاء بالجد وكون الطفل بعضا منهن ، وذلك مفقود في الأخوات ( ثم الأخت للأبوين ، ثم الأخت للأب ، ثم الأخت للأم ) قدمن على سائر القرابات ; لأنهن يشاركن في النسب ، وقدمن في الميراث ، وتقدم الأخت للأبوين لقوة قرابتها ، ثم من كانت لأب ، ثم لأم . نص عليه ( ثم الخالة ) لأنها تدلي بالأم ، ولأن الشارع قدم خالة ابنة حمزة على عمتها صفية ; لأن صفية لم تطلب ، وجعفر طلب نائبا عن خالتها فقضى الشارع بها لها في غيبتها ( ثم العمة ) أي : لأبوين ، ثم لأب ، ثم لأم ( في الصحيح عنه ) كالأخوات . قد تبع المؤلف القاضي وأصحابه في تقديم الخالة على العمة ، والأخت من الأب [ ص: 232 ] على الأخت من الأم ، قال بعضهم : فتناقضوا ، وقدمن على الأعمام ; لأنهن نساء من أهل الحضانة فقدمن على من في درجتهن من الرجال كتقديم الأم على الأب ، ثم خالات أبويه ، ثم عمات أبيه ، ثم بنات الأعمام ، وقيل : تقدم بنات الإخوة ، والأخوات على العمات ، والخالات ومن بعدهن ، وهل تقدم أم أمه على أم أبيه وأخته لأمه على أخته لأبيه ، وخالته على عمته ، وخالة أمه على خالة أبيه ، وخالات أبيه على عماته ، ومن أدلى بعمة وخالة بأم على من أدلى بأب ، أو بالعكس ؛ فيه روايتان ( وعنه : الأخت من الأم ، والخالة أحق من الأب ، فتكون الأخت من الأبوين أحق ) لأنهن نساء يدلين بالأم فكن أولى من الأب كالجدات ( ويكون هؤلاء أحق من الأخت من الأب ومن جميع العصبات ) لأنهن أحق من الأب ، والأب أحق من الأخت من الأب ومن جميع العصبات ، فعلى هذه تقدم نساء الحضانة على كل رجل ، وقيل : إن لم يدلين به ، ويحتمل تقديم نساء الأم على الأب وجهته ، وقيل : تقدم العصبة على امرأة مع قربه ، فإن تساويا فوجهان ( وقال الخرقي : وخالة الأب أحق من خالة الأم ) فيؤخذ منه تقديم قرابة الأب على قرابة الأم ; لأنهن يدلين بعصبة فقدمن كتقديم الأخت من الأب على الأخت من الأم ; لأن الخالات أخوات الأم ، فيجرين في الاستحقاق ، والتقديم فيما بينهن مجرى الأخوات المفترقات ، وإن قلنا بتقديم الخالات فبعدهن العمات ، والعكس بالعكس ، فإذا عدمن انتقلت إلى خالة الأب على قول الخرقي ، وعلى الصحيح إلى خالة الأم ( ثم تكون للعصبة ) وأقربهم أب ، ثم جد ، ثم أقرب عصبة على ترتيب الميراث ، ولأن لهم ولاية [ ص: 233 ] وتعصيبا بالقرابة فتثبت لهم الحضانة كالأب ، بخلاف الأجانب ، فإنه لا قرابة لهم ، ولا شفقة ( إلا أن الجارية ليس لابن عمها حضانتها ) وعلله ( لأنه ليس من محارمها ) وليس هذا خاصا بابن العم ، بل يجري ذلك في كل عصبة غير ذي محرم ، وظاهره ولو كانت مميزة ، وفي " المغني " ، و " الشرح " : إذا بلغت سبعا لم تسلم إليه ، وفي " الترغيب " تشتهى ، واختار صاحب " الهدي " مطلقا ، وحينئذ يسلمها إلى ثقة يختارها هو ، أو إلى محرمه ; لأنه أولى من أجنبي وحاكم ، وهذا إذا لم يكن بينهما رضاع محرم ، فإن كان ، فيجوز له حضانتها ، وكذا قال فيمن تزوجت ، وليس للولد غيرها ، وهذا متوجه ، وليس بمخالف للخبر لعدم عمومه ( وإذا امتنعت الأم من حضانتها انتقلت إلى أمها ) في أظهر الوجهين ; لأن حق القريب سقط لمعنى اختص به ، فاختص السقوط به كما لو سقط المانع ( ويحتمل أن تنتقل إلى الأب ) لأن أمهاتها فرع عليها في الاستحقاق ، فإذا أسقطت حقها سقط فرعها ، وكذا الخلاف في الأب إذا أسقط حقه بخلاف الأخت للأبوين وأنها إذا أسقطت حقها لم يسقط حق الأخت من الأب وجها واحدا ; لأن استحقاقها من غير جهتها ، وليست فرعا عليها ( فإن عدم هؤلاء كلهم ، فهل للرجال من ذوي الأرحام حضانة ؛ على وجهين : أحدهما : لهم ذلك ) لأن لهم رحما ، وقرابة يرثون بها عند عدم من هو أولى منهم ، أشبه البعيد من العصبة ( فيكون أبو الأم وأمهاته أحق من الخال ) لأنه يسقطه في الميراث ( وفي تقديمهم على الأخ من الأم وجهان ) أحدهما : يقدم الأخ من [ ص: 234 ] الأم ; لأنه يرث بالفرض ، ويسقط ذوي الأرحام كلهم فيقدم عليهم في الحضانة ، والثاني : أبو الأم وأمهاته أولى منه ; لأن أبا الأم يدلي إليها بالأبوة ، والأخ يدلي بالبنوة ، والأب يقدم على الابن في الولاية ، فيقدم في الحضانة ; لأنها ولاية . والوجه الثاني : لا حق لهم فيها وينتقل الأمر إلى الحاكم ; لأنهم ليسوا ممن يحضن بنفسه ، ولا لهم ولاية لعدم تعصيبهم ، أشبهوا الأجانب




                                                                                                                          الخدمات العلمية