الفصل الثاني
في شروط الجمعة .
- وأما
nindex.php?page=treesubj&link=928شروط الجمعة : فاتفقوا على أنها شروط الصلاة المفروضة بعينها ( أعني الثمانية المتقدمة ) ما عدا الوقت والأذان ، فإنهم اختلفوا فيهما ، وكذلك اختلفوا في شروطها المختصة بها . أما الوقت فإن الجمهور على أن
nindex.php?page=treesubj&link=907وقتها وقت الظهر بعينه ( أعني وقت الزوال ، وأنها لا تجوز قبل الزوال ) وذهب قوم إلى أنه يجوز أن تصلى قبل الزوال وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل .
والسبب في هذا الاختلاف في مفهوم الآثار الواردة في تعجيل الجمعة مثل ما خرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=31سهل بن سعد أنه قال : ما كنا نتغدى على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا نقيل إلا بعد الجمعة .
ومثل ما روي أنهم كانوا يصلون ، وينصرفون ، وما للجدران أظلال ، فمن فهم من هذه الآثار الصلاة قبل الزوال أجاز ذلك ، ومن لم يفهم منها إلا التبكير فقط لم يجز ذلك لئلا تتعارض الأصول في هذا الباب ، وذلك أنه قد ثبت من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك " أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005912كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس " وأيضا فإنها لما كانت بدلا من الظهر وجب أن يكون وقتها وقت
[ ص: 134 ] الظهر ، فوجب من طريق الجمع بين هذه الآثار أن تحمل تلك على التبكير ، إذ ليست نصا في الصلاة قبل الزوال ، وهو الذي عليه الجمهور .
وأما الأذان : فإن جمهور الفقهاء اتفقوا على أن وقته هو إذا جلس الإمام على المنبر ، واختلفوا
nindex.php?page=treesubj&link=914هل يؤذن بين يدي الإمام مؤذن واحد فقط أو أكثر من واحد ؟ فذهب بعضهم إلى أنه إنما يؤذن بين يدي الإمام مؤذن واحد فقط ، وهو الذي يحرم به البيع والشراء ، وقال آخرون : بل يؤذن اثنان فقط . وقال قوم : بل إنما يؤذن ثلاثة .
والسبب في اختلافهم : اختلاف الآثار في ذلك ، وذلك أنه روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=256السائب بن يزيد أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005913كان النداء يوم الجمعة إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر ، فلما كان زمان عثمان ، وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء " وروي أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=256السائب بن يزيد أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005914لم يكن يوم الجمعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا مؤذن واحد " وروي أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005915كان الأذان يوم الجمعة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر ، وعمر أذانا واحدا حين يخرج الإمام ، فلما كان زمان عثمان وكثر الناس فزاد الأذان الأول ليتهيأ الناس للجمعة " وروى
ابن حبيب "
أن المؤذنين كانوا يوم الجمعة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة " ، فذهب قوم إلى ظاهر ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وقالوا : يؤذن يوم الجمعة مؤذنان ، وذهب آخرون إلى أن المؤذن واحد فقالوا : إن معنى قوله : فلما كان زمان
عثمان ، وكثر الناس زاد النداء الثالث أن النداء الثاني هو الإقامة . وأخذ آخرون بما رواه
ابن حبيب ، وأحاديث
ابن حبيب عند أهل الحديث ضعيفة ولا سيما فيما انفرد به . وأما
nindex.php?page=treesubj&link=926شروط الوجوب والصحة المختصة ليوم الجمعة فاتفق الكل على أن من شرطها الجماعة ، واختلفوا في
nindex.php?page=treesubj&link=25347مقدار الجماعة ، فمنهم من قال : واحد مع الإمام وهو
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري . ومنهم من قال : اثنان سوى الإمام . ومنهم من قال : ثلاثة دون الإمام ، وهو قول
أبي حنيفة . ومنهم من اشترط أربعين ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأحمد . وقال قوم ثلاثين . ومنهم من لم يشترط عددا ، ولكن رأى أنه يجوز بما دون الأربعين ولا يجوز بالثلاثة والأربعة ، وهو مذهب
مالك ، وحدهم بأنهم الذين يمكن أن تتقرى بهم قرية . وسبب اختلافهم في هذا اختلافهم في أقل ما ينطلق عليه اسم الجمع هل ذلك ثلاثة أو أربعة أو اثنان ، وهل الإمام داخل فيهم أم ليس بداخل فيهم ؟ وهل الجمع المشترط في هذه الصلاة هو أقل ما ينطلق عليه اسم الجمع في غالب الأحوال ، وذلك هو أكثر من الثلاثة والأربعة ، فمن ذهب إلى أن الشرط في ذلك هو أقل ما ينطلق عليه اسم الجمع وكان عنده أن أقل ما ينطلق عليه اسم الجمع اثنان ، فإن كان ممن يعد الإمام في الجمع المشترط في ذلك قال : تقوم الجمعة باثنين الإمام وواحد ثان ، وإن كان ممن لا يرى أن يعد الإمام في الجمع قال : تقوم باثنين سوى الإمام ، ومن كان أيضا عنده أن أقل الجمع ثلاثة ، فإن كان لا يعد الإمام في جملتهم قال بثلاثة سوى الإمام ، وإن كان ممن يعد الإمام في جملتهم وافق قول من قال أقل الجمع اثنان ولم يعد الإمام في جملتهم . وأما من راعى ما ينطلق عليه في الأكثر والعرف المستعمل اسم الجمع قال : لا تنعقد بالاثنين ولا
[ ص: 135 ] بالأربعة ولم يحد في ذلك حدا ، ولما كان من شرط الجمعة الاستيطان عنده حد هذا الجمع بالقدر من الناس الذين يمكنهم أن يسكنوا على حدة من الناس وهو
مالك - رحمه الله - .
وأما من اشترط الأربعين ، فمصيرا إلى ما روي أن هذا العدد كان في أول جمعة صليت بالناس ، فهذا هو أحد شروط صلاة الجمعة ( أعني شروط الوجوب ، وشروط الصحة ) فإن من الشروط ما هي شروط وجوب فقط ، ومنها ما يجمع الأمرين جميعا ( أعني أنها شروط وجوب وشروط صحة ) .
وأما الشرط الثاني : وهو الاستيطان ، فإن فقهاء الأمصار اتفقوا عليه لاتفاقهم على أن الجمعة لا تجب على مسافر ، وخالف في ذلك أهل الظاهر لإيجابهم
nindex.php?page=treesubj&link=1028الجمعة على المسافر ، واشترط
أبو حنيفة المصر ، والسلطان مع هذا ، ولم يشترط العدد .
وسبب اختلافهم في هذا الباب هو الاحتمال المتطرق إلى الأحوال الراتبة التي اقترنت بهذه الصلاة عند فعله إياها - صلى الله عليه وسلم - هل هي شرط في صحتها أو وجوبها أم ليست بشرط ؟ وذلك أنه لم يصلها - صلى الله عليه وسلم - إلا في جماعة ومصر ومسجد جامع ، فمن رأى أن اقتران هذه الأشياء بصلاته مما يوجب كونها شرطا في صلاة الجمعة اشترطها ، ومن رأى بعضها دون بعض اشترط ذلك البعض دون غيره كاشتراط مالك المسجد وتركه اشتراط المصر والسلطان ، ومن هذا الوضع اختلفوا في مسائل كثيرة من هذا الباب مثل اختلافهم هل تقام جمعتان في مصر واحد أو لا تقام ؟ والسبب في اختلافهم في اشتراط الأحوال والأفعال المقترنة بها ، هو كون بعض تلك الأحوال أشد مناسبة لأفعال الصلاة من بعض ، ولذلك اتفقوا على اشتراط الجماعة ، إذ كان معلوما من الشرع أنها حال من الأحوال الموجودة في الصلاة ، ولم ير مالك المصر ولا السلطان شرطا في ذلك لكونه غير مناسب لأحوال الصلاة ورأى أن المسجد شرطا لكونه أقرب مناسبة ، حتى لقد اختلف المتأخرون من أصحابه هل من شرط المسجد السقف أم لا ؟ وهل من شرطه أن تكون الجمعة راتبة فيه أم لا ؟ وهذا كله لعله تعمق في هذا الباب ودين الله يسر .
ولقائل أن يقول : إن هذه لو كانت شروطا في صحة الصلاة لما جاز أن يسكت عنها - عليه الصلاة والسلام - ولا أن يترك بيانها لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44لتبين للناس ما نزل إليهم ) ولقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=64لتبين لهم الذي اختلفوا فيه ) ، والله المرشد للصواب .
الْفَصْلُ الثَّانِي
فِي شُرُوطِ الْجُمُعَةِ .
- وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=928شُرُوطُ الْجُمُعَةِ : فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا شُرُوطُ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ بِعَيْنِهَا ( أَعْنِي الثَّمَانِيَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ ) مَا عَدَا الْوَقْتَ وَالْأَذَانَ ، فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيهِمَا ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي شُرُوطِهَا الْمُخْتَصَّةِ بِهَا . أَمَّا الْوَقْتُ فَإِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=907وَقْتَهَا وَقْتُ الظُّهْرِ بِعَيْنِهِ ( أَعْنِي وَقْتَ الزَّوَالِ ، وَأَنَّهَا لَا تَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ ) وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تُصَلَّى قَبْلَ الزَّوَالِ وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ .
وَالسَّبَبُ فِي هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي مَفْهُومِ الْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي تَعْجِيلِ الْجُمُعَةِ مِثْلَ مَا خَرَّجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=31سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ قَالَ : مَا كُنَّا نَتَغَدَّى عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا نُقِيلُ إِلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ .
وَمِثْلَ مَا رُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ ، وَيَنْصَرِفُونَ ، وَمَا لِلْجُدْرَانِ أَظْلَالُ ، فَمَنْ فَهِمَ مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ الصَّلَاةَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَجَازَ ذَلِكَ ، وَمَنْ لَمْ يَفْهَمْ مِنْهَا إِلَّا التَّبْكِيرَ فَقَطْ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ لِئَلَّا تَتَعَارَضَ الْأُصُولُ فِي هَذَا الْبَابِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005912كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ " وَأَيْضًا فَإِنَّهَا لَمَّا كَانَتْ بَدَلًا مِنَ الظُّهْرِ وَجَبَ أَنَّ يَكُونَ وَقْتُهَا وَقْتَ
[ ص: 134 ] الظُّهْرِ ، فَوَجَبَ مِنْ طَرِيقِ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْآثَارِ أَنْ تُحْمَلَ تِلْكَ عَلَى التَّبْكِيرِ ، إِذْ لَيْسَتْ نَصًّا فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ الزَّوَالِ ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ .
وَأَمَّا الْأَذَانُ : فَإِنَّ جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ وَقْتَهُ هُوَ إِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ ، وَاخْتَلَفُوا
nindex.php?page=treesubj&link=914هَلْ يُؤَذِّنُ بَيْنَ يَدَيِ الْإِمَامِ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ فَقَطْ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ ؟ فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يُؤَذِّنُ بَيْنَ يَدَيِ الْإِمَامِ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ فَقَطْ ، وَهُوَ الَّذِي يَحْرُمُ بِهِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ ، وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ يُؤَذِّنُ اثْنَانِ فَقَطْ . وَقَالَ قَوْمٌ : بَلْ إِنَّمَا يُؤَذِّنُ ثَلَاثَةٌ .
وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ : اخْتِلَافُ الْآثَارِ فِي ذَلِكَ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=256السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005913كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ، فَلَمَّا كَانَ زَمَانُ عُثْمَانَ ، وَكَثُرَ النَّاسُ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ عَلَى الزَّوْرَاءِ " وَرُوِيَ أَيْضًا عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=256السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005914لَمْ يَكُنْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ " وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005915كَانَ الْأَذَانُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ ، وَعُمَرَ أَذَانًا وَاحِدًا حِينَ يَخْرُجُ الْإِمَامُ ، فَلَمَّا كَانَ زَمَانُ عُثْمَانَ وَكَثُرَ النَّاسُ فَزَادَ الْأَذَانَ الْأَوَّلَ لِيَتَهَيَّأَ النَّاسُ لِلْجُمُعَةِ " وَرَوَى
ابْنُ حَبِيبٍ "
أَنَّ الْمُؤَذِّنِينَ كَانُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةً " ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى ظَاهِرِ مَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ ، وَقَالُوا : يُؤَذِّنُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُؤَذِّنَانِ ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الْمُؤَذِّنَ وَاحِدٌ فَقَالُوا : إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ : فَلَمَّا كَانَ زَمَانُ
عُثْمَانَ ، وَكَثُرَ النَّاسُ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ أَنَّ النِّدَاءَ الثَّانِيَ هُوَ الْإِقَامَةُ . وَأَخَذَ آخَرُونَ بِمَا رَوَاهُ
ابْنُ حَبِيبٍ ، وَأَحَادِيثُ
ابْنِ حَبِيبٍ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ضَعِيفَةٌ وَلَا سِيَّمَا فِيمَا انْفَرَدَ بِهِ . وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=926شُرُوطُ الْوُجُوبِ وَالصِّحَّةِ الْمُخْتَصَّةُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاتَّفَقَ الْكُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِهَا الْجَمَاعَةَ ، وَاخْتَلَفُوا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=25347مِقْدَارِ الْجَمَاعَةِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : وَاحِدٌ مَعَ الْإِمَامِ وَهُوَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : اثْنَانِ سِوَى الْإِمَامِ . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : ثَلَاثَةٌ دُونَ الْإِمَامِ ، وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي حَنِيفَةَ . وَمِنْهُمْ مَنِ اشْتَرَطَ أَرْبَعِينَ ، وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ . وَقَالَ قَوْمٌ ثَلَاثِينَ . وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَدَدًا ، وَلَكِنْ رَأَى أَنَّهُ يَجُوزُ بِمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ وَلَا يَجُوزُ بِالثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ
مَالِكٍ ، وَحَدَّهُمْ بِأَنَّهُمُ الَّذِينَ يُمْكِنُ أَنْ تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ . وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي هَذَا اخْتِلَافُهُمْ فِي أَقَلِّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ هَلْ ذَلِكَ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ أَوِ اثْنَانِ ، وَهَلِ الْإِمَامُ دَاخِلٌ فِيهِمْ أَمْ لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِيهِمْ ؟ وَهَلِ الْجَمْعُ الْمُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ هُوَ أَقَلُّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ ، وَذَلِكَ هُوَ أَكْثَرُ مِنَ الثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ ، فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الشَّرْطَ فِي ذَلِكَ هُوَ أَقَلُّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ وَكَانَ عِنْدَهُ أَنَّ أَقَلَّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ اثْنَانِ ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَعُدُّ الْإِمَامَ فِي الْجَمْعِ الْمُشْتَرَطِ فِي ذَلِكَ قَالَ : تَقُومُ الْجُمُعَةُ بِاثْنَيْنِ الْإِمَامِ وَوَاحِدٍ ثَانٍ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَرَى أَنْ يُعَدَّ الْإِمَامُ فِي الْجَمْعِ قَالَ : تَقُومُ بِاثْنَيْنِ سِوَى الْإِمَامِ ، وَمَنْ كَانَ أَيْضًا عِنْدَهُ أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ ، فَإِنْ كَانَ لَا يَعُدُّ الْإِمَامَ فِي جُمْلَتِهِمْ قَالَ بِثَلَاثَةٍ سِوَى الْإِمَامِ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَعُدُّ الْإِمَامَ فِي جُمْلَتِهِمْ وَافَقَ قَوْلَ مَنْ قَالَ أَقَلُّ الْجَمْعِ اثْنَانِ وَلَمْ يَعُدَّ الْإِمَامَ فِي جُمْلَتِهِمْ . وَأَمَّا مَنْ رَاعَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ فِي الْأَكْثَرِ وَالْعُرْفِ الْمُسْتَعْمَلِ اسْمُ الْجَمْعِ قَالَ : لَا تَنْعَقِدُ بِالِاثْنَيْنِ وَلَا
[ ص: 135 ] بِالْأَرْبَعَةِ وَلَمْ يَحُدَّ فِي ذَلِكَ حَدًّا ، وَلَمَّا كَانَ مِنْ شَرْطِ الْجُمُعَةِ الِاسْتِيطَانَ عِنْدَهُ حَدَّ هَذَا الْجَمْعَ بِالْقَدْرِ مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَسْكُنُوا عَلَى حِدَةٍ مِنَ النَّاسِ وَهُوَ
مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - .
وَأَمَّا مَنِ اشْتَرَطَ الْأَرْبَعِينَ ، فَمَصِيرًا إِلَى مَا رُوِيَ أَنَّ هَذَا الْعَدَدَ كَانَ فِي أَوَّلِ جُمُعَةٍ صُلِّيَتْ بِالنَّاسِ ، فَهَذَا هُوَ أَحَدُ شُرُوطِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ ( أَعْنِي شُرُوطَ الْوُجُوبِ ، وَشُرُوطَ الصِّحَّةِ ) فَإِنَّ مِنَ الشُّرُوطِ مَا هِيَ شُرُوطُ وُجُوبٍ فَقَطْ ، وَمِنْهَا مَا يَجْمَعُ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا ( أَعْنِي أَنَّهَا شُرُوطُ وُجُوبٍ وَشُرُوطُ صِحَّةٍ ) .
وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّانِي : وَهُوَ الِاسْتِيطَانُ ، فَإِنَّ فُقَهَاءَ الْأَمْصَارِ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَجِبُ عَلَى مُسَافِرٍ ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَهْلُ الظَّاهِرِ لِإِيجَابِهِمُ
nindex.php?page=treesubj&link=1028الْجُمُعَةَ عَلَى الْمُسَافِرِ ، وَاشْتَرَطَ
أَبُو حَنِيفَةَ الْمِصْرَ ، وَالسُّلْطَانَ مَعَ هَذَا ، وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْعَدَدَ .
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ الِاحْتِمَالُ الْمُتَطَرِّقُ إِلَى الْأَحْوَالِ الرَّاتِبَةِ الَّتِي اقْتَرَنَتْ بِهَذِهِ الصَّلَاةِ عِنْدَ فِعْلِهِ إِيَّاهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ هِيَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا أَوْ وُجُوبِهَا أَمْ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ ؟ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا فِي جَمَاعَةٍ وَمِصْرٍ وَمَسْجِدٍ جَامِعٍ ، فَمَنْ رَأَى أَنَّ اقْتِرَانَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِصَلَاتِهِ مِمَّا يُوجِبُ كَوْنَهَا شَرْطًا فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ اشْتَرَطَهَا ، وَمَنْ رَأَى بَعْضَهَا دُونَ بَعْضٍ اشْتَرَطَ ذَلِكَ الْبَعْضَ دُونَ غَيْرِهِ كَاشْتِرَاطِ مَالِكٍ الْمَسْجِدَ وَتَرْكِهِ اشْتِرَاطَ الْمِصْرِ وَالسُّلْطَانِ ، وَمِنْ هَذَا الْوَضْعِ اخْتَلَفُوا فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ مِنْ هَذَا الْبَابِ مِثْلَ اخْتِلَافِهِمْ هَلْ تُقَامُ جُمُعَتَانِ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ أَوْ لَا تُقَامُ ؟ وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي اشْتِرَاطِ الْأَحْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الْمُقْتَرِنَةِ بِهَا ، هُوَ كَوْنُ بَعْضِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ أَشَدَّ مُنَاسَبَةً لِأَفْعَالِ الصَّلَاةِ مِنْ بَعْضٍ ، وَلِذَلِكَ اتَّفَقُوا عَلَى اشْتِرَاطِ الْجَمَاعَةِ ، إِذْ كَانَ مَعْلُومًا مِنَ الشَّرْعِ أَنَّهَا حَالٌ مِنَ الْأَحْوَالِ الْمَوْجُودَةِ فِي الصَّلَاةِ ، وَلَمْ يَرَ مَالِكٌ الْمِصْرَ وَلَا السُّلْطَانَ شَرْطًا فِي ذَلِكَ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُنَاسِبٍ لِأَحْوَالِ الصَّلَاةِ وَرَأَى أَنَّ الْمَسْجِدَ شَرْطًا لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ مُنَاسَبَةً ، حَتَّى لَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ هَلْ مِنْ شَرْطِ الْمَسْجِدِ السَّقْفُ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ تَكُونَ الْجُمُعَةُ رَاتِبَةً فِيهِ أَمْ لَا ؟ وَهَذَا كُلُّهُ لَعَلَّهُ تَعَمُّقٌ فِي هَذَا الْبَابِ وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ .
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : إِنَّ هَذِهِ لَوْ كَانَتْ شُرُوطًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ لَمَا جَازَ أَنْ يَسْكُتَ عَنْهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَا أَنْ يَتْرُكَ بَيَانَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=64لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ) ، وَاللَّهُ الْمُرْشِدُ لِلصَّوَابِ .