الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              [ ص: 304 ] ( باب الهدنة )

                                                                                                                              من الهدون ، وهو السكون ؛ لأن بها تسكن الفتنة ؛ إذ هي لغة المصالحة ، وشرعا مصالحة الحربيين على ترك القتال المدة الآتية بعوض ، أو غيره ، وتسمى موادعة ، ومسالمة ، ومعاهدة ، ومهادنة ، وأصلها قبل الإجماع أول سورة براءة ، ومهادنته صلى الله عليه وسلم قريشا عام الحديبية ، وهي السبب لفتح مكة ؛ لأن أهلها لما خالطوا المسلمين ، وسمعوا القرآن أسلم منهم أكثر ممن أسلم قبل ، وهي جائزة لا واجبة أي : أصالة ، وإلا فالوجه وجوبها إذا ترتب على تركها إلحاق ضرر بنا لا يتدارك كما يعلم مما يأتي ( عقدها ) لجميع الكفار ، أو ( لكفار إقليم ) كالهند ( يختص بالإمام )

                                                                                                                              ومثله مطاع بإقليم لا يصله حكم الإمام كما هو قياس نظائره ( ونائبه فيها ) وحدها ، أو مع غيرها ، ولو بطريق العموم لما فيها من الخطر ، ووجوب رعاية مصلحتنا ( و ) عقدها ( لبلدة ) ، أو أكثر من إقليم لا كله وفاقا للفوراني ، وخلافا للعمراني ( يجوز لوالي الإقليم أيضا ) أي : كما يجوز للإمام ، أو نائبه لاطلاعه على مصلحة ، وبحث البلقيني جوازها مع بلدة مجاورة لإقليمه إذا رأى المصلحة فيها لأهل إقليمه ؛ لأنها حينئذ من متعلقات إقليمه ، وتعين استئذان الإمام إن أمكن انتهى ، وإنما يتجه هذا التعين [ ص: 305 ] حيث تردد في وجه المصلحة

                                                                                                                              ( وإنما يعقدها لمصلحة ) لما فيها من ترك القتال ، ولا يكفي انتفاء المفسدة قال تعالى { فلا تهنوا ، وتدعوا إلى السلم ، وأنتم الأعلون } ، والمصلحة ( كضعفنا بقلة عدد ، وأهبة ) ؛ لأنه الحامل على المهادنة عام الحديبية ( أو ) عطف على ضعف ( رجاء إسلام ، أو بذل جزية ) ، أو إعانتهم لنا ، أو كفهم عن الإعانة علينا ، أو بعد دارهم ، وإن كنا أقوياء في الكل للاتباع في الأول ( فإن لم يكن ) بنا ضعف كما بأصله ، ورأى الإمام المصلحة فيها ( جازت أربعة أشهر ) ، ولو بلا عوض للآية السابقة ( لا سنة ) ؛ لأنها مدة الجزية فلا يجوز تقريرهم فيها بدون جزية

                                                                                                                              ( وكذا دونها ) ، وفوق أربعة أشهر ( في الأظهر ) للآية أيضا نعم لا يتقيد عقدها لنحو نساء ، ومال بمدة ( ولضعف ) بنا ( تجوز عشر سنين ) فما دونها بحسب الحاجة ( فقط ) ؛ لأنها مدة مهادنة قريش ، ومتى احتيج لأقل من العشر لم تجز الزيادة عليه ، وجوز جمع متقدمون الزيادة على العشر إن احتيج إليها في عقود متعددة بشرط أن لا يزيد كل عقد على عشر ، وهو قياس كلامهم في الوقف ، وغيره لكن نازع فيه الأذرعي بأنه غريب ، ويوجه بأن المعنى المقتضي لمنع ما زاد على العشر من كونها المنصوص عليها مع عدم دراية ما يقع بعدها موجود مع التعدد ففيه مخالفة للنص ؛ إذ الأصل منع الزيادة عليه ، وبه فارق نظائره نعم إن انقضت المدة

                                                                                                                              والحاجة باقية استؤنف عقد آخر ، وهكذا ، ولو زال نحو خوف أثناء المدة وجب إبقاؤها ، ويجتهد الإمام عند طلبهم لها ، ولا ضرر ، ويفعل الأصلح وجوبا ، ولو دخل دارنا بأمان لسماع كلام الله تعالى فتكرر سماعه له بحيث ظن عناده أخرج ، ولا يمهل أربعة أشهر

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( كتاب الهدنة )

                                                                                                                              ( قوله على ترك القتال ) ، وقع السؤال عما لو وقعت المصالحة على ترك القتال على وجه خاص لا مطلقا كعلى ترك القتال فرسانا ، والمتجه الجواز بل قد يقال : بالأولى ؛ لأنها إذا جازت على ترك القتال مطلقا فلتجز على ترك نوع منه بالأولى فليتأمل . ( قوله : وفاقا للفوراني ) كلام الفوراني هو قضية قول المصنف يختص إلخ . ( قوله : وخلافا للعمراني ) ما قاله العمراني هو المعتمد م ر [ ص: 305 ] قوله : كضعفنا بقلة عدد إلخ . ) يظهر أن الضعف ليس هو في نفس المصلحة ، وأن في التمثيل مسامحة ( قوله : كما بأصله ) هلا زاد ، ولا رجاء إسلام أو بذل جزية ، وفاء بظاهر المتن مع صحة هذا الحكم في نفسه كما هو ظاهر ( قوله : إن احتيج إليها في عقود ) أي : بأن يقع كل عقد قبل فراغ مدة ما قبله بدليل قوله : نعم إن انقضت إلخ . وفيه تأمل ( قوله : وبه فارق نظائره ) قد يشكل الفرق بجواز الزيادة المذكورة في الوقف مع مخالفة شرط الواقف الذي هو كنص الشارع ( قوله : فتكرر سماعه إلخ . ) عبارة الروض فاستمع في مجالس يحصل فيها البيان أي : التام بلغ المأمن ، ولا يمهل أربعة أشهر . ا هـ .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( باب الهدنة )

                                                                                                                              ( قوله : من الهدون ) إلى قوله : وهي السبب في المغني إلا قوله : ؛ لأن إلى ؛ إذ ، وإلى قول المتن ، ومتى زاد في النهاية إلا قوله : لا كله إلى المتن وقوله لما فيها إلى المتن : وقوله : للاتباع في الأولى ، وما سأنبه عليه ( قوله : من الهدون ) أي : مشتق منه ا هـ . أسنى ( قوله : إذ هي إلخ ) ، والأولى ، وهي ( قوله : مصالحة الحربيين إلخ ) الأظهر أن يقال : عقد يتضمن مصالحة الحربيين إلخ وكأنه عبر بما ذكر قصدا للمناسبة بين المعنى الشرعي ، واللغوي مع كون المقصود معلوما ا هـ . ع ش عبارة المغني ، ويفهم من تعبير المصنف بعقدها اعتبار الإيجاب ، والقبول لكن على كيفية ما سبق في عقد الأمان ا هـ . ( قوله : بعوض ، أو غيره ) سواء فيهم من يقر على دينه ، ومن لا يقر مغني وعميرة ( قوله وتسمى ) أي الهدنة أي مسماها ( قوله وأصلها ) عبارة غيره والأصل فيها . ا هـ . فالإضافة بمعنى في ( قوله : أول سورة براءة ) وقوله تعالى { ، وإن جنحوا للسلم فاجنح لها } مغني وشيخ الإسلام ( قوله : عام الحديبية ) وهو عام خمس من الهجرة شوبري ا هـ . بجيرمي ( قوله : وهي ) أي : مهادنة حديبية ( قوله : مما يأتي ) أي : في شرح ، أو أن يدفع مال إليهم ( قول المتن : يختص بالإمام إلخ ) قال الماوردي ولا يقوم إمام البغاة مقام إمام الهداة في ذلك ( تنبيه )

                                                                                                                              قد علم من منع عقدها من الآحاد لأهل إقليم منع عقدها للكفار مطلقا من باب أولى ، وقد صرح في المحرر بالأمرين جميعا ، فإن تعاطاها الآحاد لم يصح لكن لا يغتالون ، بل يبلغون المأمن ؛ لأنهم دخلوا على اعتقاد صحة أمانهم ا هـ . مغني ( قوله : ومثله مطاع إلخ ) أي : في أنه يعقد لأهل إقليمه ا هـ . رشيدي ( قوله : لا يصله إلخ ) أي : لبعده ا هـ . ع ش ( قوله : ولو بطريق العموم ) أي : عموم النيابة فلا ينافي قوله : الآتي لا كله إلخ ( قوله : لما فيها إلخ ) علة الاختصاص بالإمام ، ونائبه ( قوله : أو أكثر ) إلى قوله : وبحث في المغني ( قوله : لا كله إلخ ) وفاقا للمغني ، والمنهج ، والروض ، وخلافا للنهاية .

                                                                                                                              ( قوله : وفاقا للفوراني إلخ ) كلام الفوراني هو قضية قول المصنف يختص إلخ ا هـ . سم عبارة المغني ، وقضية كلامه كغيره أن والي الإقليم لا يهادن جميع أهل الإقليم ، وبه صرح الفوراني ، وهو أظهر من قول العمراني أن له ذلك ، وقضية كلامه أيضا أنه لا يشترط إذن الإمام للوالي في ذلك أي : في عقدها لبعض إقليمه ، وهو قضية كلام الرافعي لكن نص الشافعي على اعتبار إذنه ، وهو الظاهر ، والإقليم بكسر الهمزة أحد الأقاليم السبعة التي في الربع المسكون من الأرض ، وأقاليمها أقسامها ، وذلك أن الدنيا مقسومة على سبعة أسهم على تقدير أصحاب الهيئة ا هـ . وأقر النهاية القضية الثانية عبارته ، وشمل ذلك ما لو فعله الوالي بغير إذن الإمام ا هـ . ، ويوافقه قول الشارح الآتي ، وإنما يتجه إلخ ( قوله : وخلافا للعمراني ) ما قاله العمراني هو المعتمد م ر ا هـ . سم عبارة النهاية ، ولو لجميع أهل إقليمه كما صرح به العمراني ، وهو المعتمد ا هـ . ( قوله : وبحث البلقيني إلخ ) معتمد ا هـ . ع ش ( قوله : لأهل إقليمه ) أي : بخلاف ظهور مصلحة لغير إقليمه فقط كالأمن لمن يمر بهم من المسلمين ، ونحو ذلك ؛ لأن تولية الإمام للوالي المذكور لم تشمله ا هـ . ع ش ( قوله : وتعين إلخ ) هو بالنصب عطفا على جوازها ا هـ . رشيدي ( قوله : [ ص: 305 ] حيث تردد إلخ ) أي : وأما إذا ظهرت له لمصلحة بلا تردد فلا يجب الاستئذان ، ويصدق في ذلك ، ثم إن بان خطؤه فعلم الإمام بعدمها نقضها ا هـ . ع ش ( قول المتن : كضعفنا إلخ ) يظهر أن الضعف ليس هو نفس المصلحة ، وأن في التمثيل مسامحة ا هـ . سم ( قوله : عطف على ضعف ) أي : لا على قلة ا هـ . مغني ( قوله : أو بعد دراهم ) لعل المصلحة في الهدنة لذلك أن محاربة الكفار ما داموا على الحرابة واجبة ، وهي مع بعد الدار توجب مشقة عظيمة في تجهيز الجيوش إليهم فنكتفي بالمهادنة حتى يأذن الله ا هـ . ع ش ( قوله : للاتباع ) ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم { هادن صفوان بن أمية أربعة أشهر عام الفتح ، وقد كان صلى الله عليه وسلم مستظهرا عليه ، ولكنه فعل ذلك لرجاء إسلامه فأسلم قبل مضيها } مغني وشيخ الإسلام ( قوله : في الأول ) وهو رجاء الإسلام ( قوله : بنا ضعف ) إلى قول المتن ، ومتى زاد في المغني إلا قوله : وهو قياس لكن ، وقوله : ، ويوجه إلى نعم ( قوله : بنا ضعف إلخ ) هلا زاد ، ولا رجاء إسلام أو بذل جزية وفاء بظاهر المتن مع صحة هذا الحكم في نفسه كما هو ظاهر ا هـ . سم ، وأجاب الرشيدي بما نصه إنما قصر المتن على هذا مع خروجه عن الظاهر ؛ لأنه لا يجوز عقدها على أكثر من أربعة أشهر إلا عند الضعف ، ولا يجوز ذلك عند القوة أصلا ، وإن اقتضته المصلحة كما صرحوا به فاندفع ما للشهاب بن قاسم هنا ، وكأنه نظر فيه إلى مجرد المنطوق ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : للآية السابقة ) أي : قوله تعالى في أول براءة { فسيحوا في الأرض أربعة أشهر } ( قوله : لنحو نساء ) أي : من الخناثى ، والصبيان ، والمجانين ( قوله : ؛ لأنها ) أي : العشر ا هـ . ع ش ( قوله : مدة مهادنة قريش ) أي : في الحديبية ، وكان ذلك قبل أن يقوى الإسلام ا هـ . مغني ( قوله : وجوز جمع إلخ ) عبارة النهاية ، وقول جمع بجوازها أي : الزيادة على العشر إلخ صحيح ، وإن زعم بعضهم أنه غريب ، وقال : إن المعنى المقتضي إلخ ونقل شيخ الإسلام ذلك القول عن الفوراني ، وغيره ، وأقره لكن المغني ، وافق الشارح كما يأتي ( قوله : في عقود متعددة ) أي : بأن يقع كل عقد قبل فراغ مدة ما قبله بدليل قوله : نعم انقضت إلخ وفيه تأمل ا هـ . سم ، ويأتي عن المغني ما يوافقه ( قوله : لكن نازع فيه الأذرعي إلخ ) عبارة المغني جزم به الفوراني ، وغيره ، وقال الأذرعي عبارة الروضة ، ولا يجوز الزيادة على العشر لكن إن انقضت المدة ، والحاجة باقية استؤنف العقد ، وهذا صحيح ، وأما استئناف عقد إثر عقد كما قاله الفوراني فغريب لا أحسب الأصحاب يوافقون عليه أصلا ا هـ وهذا ظاهر ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : ويوجه إلخ ) أي : النزاع ( قوله : من كونها ) أي : العشر ( قوله : ففيه ) أي : في تجويز الزيادة على العشر في عقود ( قوله : منع الزيادة عليه ) أي : على النص ( قوله : وبه ) أي : بمخالفة النص ( قوله : فارق نظيره ) قد يشكل الفرق بجواز الزيادة المذكورة في الوقف مع مخالفة شرط الواقف الذي هو كنص الشارع ا هـ . سم ( قوله : نعم إن انقضت إلخ ) هذا الاستدراك من تتمة التوجيه ا هـ . رشيدي ( قوله : عند طلبهم لها ) أي : الهدنة ا هـ . ع ش ( قوله : ، ولو دخل إلخ ) هذه المسألة لا محل لها هنا أما أولا ، فإنها من مسائل الأمان لا الهدنة ، وأما ثانيا فقد تقدم أن دخوله بقصد السماع يؤمنه ، وإن لم يؤمنه أحد فلا حاجة إلى قوله : بأمان ، وما قيل : إنها تقييد لقول المصنف جازت أربعة أشهر بما إذا لم يحصل المقصود قبلها غير ظاهر ؛ لأن هذا أمان ، وأيضا قول المصنف المذكور لمنع الزيادة لا النقصان أيضا ا هـ . بجيرمي

                                                                                                                              ( قوله : فتكرر سماعه ) عبارة الروض فاستمع [ ص: 306 ] في مجالس يحصل فيها البيان أي : التام بلغ المأمن ، ولا يمهل أربعة أشهر انتهت




                                                                                                                              الخدمات العلمية