الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6282 [ ص: 285 ] 10 - باب: إذا قال: أشهد بالله، أو شهدت بالله

                                                                                                                                                                                                                              6658 - حدثنا سعد بن حفص، حدثنا شيبان، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد الله قال: سئل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي الناس خير؟ قال: " قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته". قال إبراهيم: وكان أصحابنا ينهونا ونحن غلمان أن نحلف بالشهادة والعهد. [انظر: 2652 - مسلم: 2533 - فتح: 11 \ 543]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث عبيدة ، عن عبد الله - رضي الله عنه - سئل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي الناس خير؟ قال: "قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته" . قال إبراهيم : وكان أصحابنا ينهوننا ونحن غلمان أن نحلف بالشهادة والعهد.

                                                                                                                                                                                                                              إنما قصد البخاري من هذا الحديث إلى قول إبراهيم : (وكان أصحابنا ينهوننا ونحن غلمان أن نحلف) يريد: أشهد بالله، وعلي عهد الله. قال: نهيهم عن الحلف بذلك أنهما يمينان مغلظان، ووجه النهي عنهما -والله أعلم- أن قوله: أشهد بالله يقتضي (معنى العلم بالقطع) (والعهد) لا يقدر أحد على التزامه بما يجب فيه.

                                                                                                                                                                                                                              وعبارة ابن التين أن معناه: يريد أن يقول: وشهادة الله، وعهد الله. وقد أسلفنا في باب: لا تحلفوا بآبائكم فصلا في الحلف بأشهد بالله، وخلاف العلماء فيه، وأبسطه هنا، والحاصل فيه للعلماء أقوال:

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 286 ] أحدها: أن أشهد، وأحلف، وأعزم، كلها أيمان تجب فيها الكفارة، وهو قول النخعي وأبي حنيفة والثوري . وقال ربيعة والأوزاعي : إذا قال: أشهد لا أفعل كذا، ثم حنث، فهي يمين.

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها: أن أشهد: لا تكون يمينا حتى يقول: أشهد (بالله) وإن لم يرد ذلك فليست بأيمان، قال ابن خواز منداد : وضعف مالك : أعزم بالله، وكأنه لم يره يمينا إلا أن يريد به اليمين; لأنه (يكون) على وجه الاستعانة، فيقول الرجل: أعزم بالله (وأصول بالله) كأنه يقول: أستعين بالله، ولا يجوز أن يقال: إن قول الرجل: أستعين بالله يكون يمينا.

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها: أن أشهد بالله وأعزم بالله كناية، حكاه المزني ، عن الشافعي ، وحكى الربيع عنه: إن قال: أشهد، وأعزم، ولم يقل: بالله، فهو كقوله: والله، وإن قال: أحلف فلا شيء عليه إلا أن ينوي به اليمين.

                                                                                                                                                                                                                              واحتج الكوفيون بقوله تعالى: والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون [المنافقون: 1] ثم قال: اتخذوا أيمانهم جنة [المنافقون: 2] فدل أن قول القائلين: أشهد. يمين; لأن هذا اللفظ عبارة عن القسم، وإنما يحذف اسم الله اكتفاء بما يدل عليه اللفظ.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 287 ] واحتج أصحاب مالك : أن قولك أشهد لا تفعلن كذا; ليس بصريح يمين; لأنه يحتمل أن يريد: أشهد عليك بشيء إن فعلت كذا، وقد يقول: أشهد بالكعبة، وبالنبي، فلا يكون يمينا. وأنكر أبو عبيد أن يكون: أشهد يمينا. وقال: الحالف غير الشاهد، قال: وهذا خارج من الكتاب والسنة، ومن كلام العرب.

                                                                                                                                                                                                                              قال الطحاوي : وقوله "يجيء قوم.. " إلى آخره، إنما أراد - عليه السلام - أنهم يكثرون الأيمان على كل شيء حتى تصير لهم عادة، فيحلف أحدهم حيث لا يراد منه اليمين، وقبل أن يستحلف. يدل على ذلك قول النخعي : وكانوا ينهوننا ونحن غلمان أن نحلف بالشهادة، وبالعهد، يعني أن نحلف بالشهادة بالله، وعلى عهد الله، كما قال تعالى: ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم [البقرة: 224] والشهادة هنا: اليمين بالله.

                                                                                                                                                                                                                              قال الله تعالى: فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله [النور: 6] أي: أربع أيمان بالله.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              القرن: كل طبقة مقترنين في وقت، ومنه قيل لأهل كل مدة أو طبقة بعث فيها نبي: قرن، قلت السنون أو كثرت.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("قرني"): يعني أصحابي.

                                                                                                                                                                                                                              "ثم الذين يلونهم" يعني: التابعين لهم بإحسان.

                                                                                                                                                                                                                              "ثم الذين يلونهم": تابعي التابعين، واشتقاق قرن من الاقتران، وقيل: القرن ثمانون سنة، أو أربعون، أو مائة.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن الأعرابي : القرن: الوقت من الزمان. وقال غيره: قيل له قرن; لأنه يقرن أمة بأمة، عالما بعالم، وهو مصدر قرنت، جعل اسما للوقت، أو لأهله.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 288 ] فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وأصحابه - عليه السلام - أفضل الأمة من سمع منه كلمة، أو عقل أنه رآه، وأدناهم منزلة خير ممن يأتي بعدهم. قيل لمالك : من أفضل، معاوية أو عمر بن عبد العزيز ؟ فقال: لنظرة نظرها معاوية في وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير من عمل عمر بن عبد العزيز .

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: ("ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته") فيه قولان:

                                                                                                                                                                                                                              أحدهما: أن يقول: أشهد بالله، أو شهدت بالله لكان كذا.

                                                                                                                                                                                                                              والثاني: أن يحلف على تصديق شهادته قبل أن يشهد، أو بعد، والأول: هو تأويل البخاري .

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن التين : اختلف عندنا إذا قال: أشهد بالله أو أقسم بالله، أو قال: أشهد أو أقسم، ولم يقل بالله هل هي يمين؟ وفي "الزاهي": إذا لم يقل بالله، لا شيء عليه، قال: وأما من حلف على تصديق شهادته قبل الحكم بها، فقال ابن شعبان : تسقط شهادته كأنه لما حلف اتهم فيما شهد به، فسقطت شهادته، وظاهر تأويل البخاري : أن قوله أشهد بالله لا يجوز.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية