فصل [ الحكم في
nindex.php?page=treesubj&link=10370رجل وقع على جارية امرأته موافق للقياس ]
ومما قيل : " إنه من أبعد الأحاديث عن القياس " حديث
الحسن عن
قبيصة بن حريث عن
سلمة بن المحبق {
nindex.php?page=hadith&LINKID=6046أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في رجل وقع على جارية امرأته إن كان استكرهها فهي حرة ، وعليه لسيدتها مثلها ، وإن كانت طاوعته فهي له ، وعليه لسيدتها مثلها وفي رواية أخرى : وإن كانت طاوعته فهي ومثلها من ماله لسيدتها } رواه أهل السنن ، وضعفه بعضهم من قبل إسناده ، وهو حديث حسن يحتجون بما هو دونه في القوة ، ولكن لإشكاله أقدموا على تضعيفه مع لين في سنده .
قال
شيخ الإسلام : وهذا الحديث يستقيم على القياس مع ثلاثة أصول صحيحة كل منها قول طائفة من الفقهاء . [ من
nindex.php?page=treesubj&link=16763أتلف مال غيره ضمنه ]
أحدها : أن من غير مال غيره بحيث فوت مقصوده عليه فله أن يضمنه بمثله ، وهذا كما لو
nindex.php?page=treesubj&link=23652تصرف في المغصوب بما أزال اسمه ففيه ثلاثة أقوال في مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وغيره : أحدها أنه باق على ملك صاحبه ، وعلى الغاصب ضمان النقص ، ولا شيء عليه في الزيادة كقول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
والثاني : يملكه الغاصب بذلك ، ويضمنه لصاحبه كقول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة .
والثالث : يخير المالك بين أخذه وتضمين النقص وبين المطالبة بالبدل ، وهذا أعدل الأقوال وأقواها ; فإن فوت صفاته المعنوية - مثل أن ينسيه صناعته ، أو يضعف قوته ، أو يفسد عقله أو دينه -
[ ص: 20 ] فهذا أيضا يخير المالك فيه بين تضمين النقص وبين المطالبة بالبدل ، ولو
nindex.php?page=treesubj&link=16763قطع ذنب بغلة القاضي فعند
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك يضمنها بالبدل ويملكها لتعذر مقصودها على المالك في العادة ; أو يخير المالك فصل [
nindex.php?page=treesubj&link=25468_16763المتلفات تضمن بالجنس ]
الأصل الثاني : أن جميع المتلفات تضمن بالجنس بحسب الإمكان مع مراعاة القيمة ، حتى الحيوان فإنه إذا اقترضه رد مثله كما اقترض النبي صلى الله عليه وسلم بكرا ورد خيرا منه ، وكذلك المغرور يضمن ولده بمثلهم كما قضت به الصحابة ، وهذا أحد القولين في مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وغيره ، وقصة
داود وسليمان عليهما السلام من هذا الباب ; فإن الماشية كانت قد أتلفت حرث القوم فقضى
داود بالغنم لأصحاب الحرث كأنه ضمنهم ذلك بالقيمة ، ولم يكن لهم مال إلا الغنم فأعطاهم الغنم بالقيمة ، وأما
سليمان فحكم بأن أصحاب الماشية يقومون على الحرث حتى يعود كما كان فضمنهم إياه بالمثل ، وأعطاهم الماشية يأخذون منفعتها عوضا عن المنفعة التي فاتت من غلة الحرث إلى أن يعود ، وبذلك أفتى
الزهري nindex.php?page=showalam&ids=16673لعمر بن عبد العزيز فيمن أتلف له شجر . فقال
الزهري : يغرسه حتى يعود كما كان .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15885ربيعة nindex.php?page=showalam&ids=11863وأبو الزناد : عليه القيمة ، فغلظ
الزهري القول فيهما ، وقول
الزهري وحكم
سليمان هو موجب الأدلة ; فإن الواجب ضمان المتلف بالمثل بحسب الإمكان كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وجزاء سيئة سيئة مثلها } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=194فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=194والحرمات قصاص } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=126وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } وإن كان مثل الحيوان والآنية والثياب من كل وجه متعذرا فقد دار الأمر بين شيئين : الضمان بالدراهم المخالفة للمثل في الجنس والصفة والمقصود والانتفاع وإن ساوت المضمون في المالية ، والضمان بالمثل بحسب الإمكان المساوي للمتلف في الجنس والصفة والمالية والمقصود والانتفاع ، ولا ريب أن هذا أقرب إلى النصوص والقياس والعدل ، ونظير هذا ما ثبت بالسنة واتفاق الصحابة من
nindex.php?page=treesubj&link=9177_9176القصاص في اللطمة والضربة ، وهو منصوص
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في رواية
إسماعيل بن سعيد ، وقد تقدم تقرير ذلك ، وإذا كانت المماثلة من كل وجه متعذرة حتى في المكيل والموزون فما كان أقرب إلى المماثلة فهو أولى بالصواب ، ولا ريب أن الجنس إلى الجنس أقرب مماثلة من الجنس إلى القيمة ; فهذا هو القياس وموجب النصوص ، وبالله التوفيق .
[ ص: 21 ] من مثل بعبده عتق عليه ]
والأصل الثالث : أن
nindex.php?page=treesubj&link=7584من مثل بعبده عتق عليه ، وهذا مذهب فقهاء الحديث وقد جاءت بذلك آثار مرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
nindex.php?page=showalam&ids=2كعمر بن الخطاب وغيره .
فهذا الحديث موافق لهذه الأصول الثلاثة الثابتة بالأدلة الموافقة للقياس العادل ; فإذا طاوعته الجارية فقد أفسدها على سيدتها فإنها مع المطاوعة تنقص قيمتها إذ تصير زانية ، ولا تمكن سيدتها من استخدامها حق الخدمة ، لغيرتها منها وطمعها في السيد ، واستشراف السيد إليها ، وتتشامخ على سيدتها فلا تطيعها كما كانت تطيعها قبل ذلك ، والجاني إذا تصرف في المال بما ينقص قيمته كان لصاحبه المطالبة بالمثل ، فقضى الشارع لسيدتها بالمثل ، وملكه الجارية ; إذ لا يجمع لها بين العوض والمعوض ، وأيضا فلو رضيت سيدتها أن تبقى الجارية على ملكها وتغرمه ما نقص من قيمتها كان لها ذلك ، فإذا لم ترض وعلمت أن الأمة قد فسدت عليها ولم تنتفع بخدمتها كما كانت قبل ذلك كان من أحسن القضاء أن يغرم السيد مثلها ويملكها .
فإن قيل : فاطردوا هذا القياس وقولوا : إن
nindex.php?page=treesubj&link=25468_25469_16763الأجنبي إذا زنى بجارية قوم حتى أفسدها عليهم أن لهم القيمة أو يطالبوه ببدلها .
قيل : نعم هذا موجب القياس إن لم يكن بين الصورتين فرق مؤثر ، وإن كان بينهما فرق انقطع الإلحاق ; فإن الإفساد الذي في وطء الزوج بجارية امرأته بالنسبة إليها أعظم من الإفساد الذي في وطء الأجنبي ، وبالجملة فجواب هذا السؤال جواب مركب ; إذ لا نص فيه ولا إجماع فصل .
وأما إذا استكرهها فإن هذا من باب المثلة ، فإن الإكراه على الوطء مثلة ; فإن الوطء يجري مجرى الجناية ، ولهذا لا يخلو عن عقر أو عقوبة ، ولا يجري مجرى منفعة الخدمة ، فهي لما صارت له بإفسادها على سيدتها أوجب عليه مثلها كما في المطاوعة ، وأعتقها عليه لكونه مثل بها .
قال
شيخنا : ولو
nindex.php?page=treesubj&link=7398استكره عبده على الفاحشة عتق عليه ، ولو
nindex.php?page=treesubj&link=7398استكره أمة الغير على الفاحشة عتقت عليه ، وضمنها بمثلها ، إلا أن يفرق بين أمة امرأته وبين غيرها ، فإن كان بينهما فرق شرعي وإلا فموجب القياس التسوية .
وأما قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض [ ص: 22 ] الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم } فهذا نهي عن إكراههن على كسب المال بالبغاء ، كما قيل : إن
عبد الله بن أبي رأس المنافقين كان له إماء يكرههن على البغاء ، وليس هذا استكراها للأمة على أن يزني بها هو ، فإن هذا بمنزلة التمثيل بها ، وذاك إلزام لها بأن تذهب هي فتزني ، مع أنه يمكن أن يقال : العتق بالمثلة لم يكن مشروعا عند نزول الآية ، ثم شرع بعد ذلك . [ ما من نص صحيح إلا وهو موافق للعقل ]
قال
شيخنا : والكلام على هذا الحديث من أدق الأمور ، فإن كان ثابتا فهذا الذي ظهر في توجيهه ، وإن لم يكن ثابتا فلا يحتاج إلى الكلام عليه .
قال : وما عرفت حديثا صحيحا إلا ويمكن تخريجه على الأصول الثابتة قال : وقد تدبرت ما أمكنني من أدلة الشرع فما رأيت قياسا صحيحا يخالف حديثا صحيحا ، كما أن المعقول الصحيح لا يخالف المنقول الصحيح ، بل متى رأيت قياسا يخالف أثرا فلا بد من ضعف أحدهما ، لكن التمييز بين صحيح القياس وفاسده مما يخفى كثير منه على أفاضل العلماء فضلا عمن هو دونهم ، فإن إدراك الصفة المؤثرة في الأحكام على وجهها ومعرفة المعاني التي علقت بها الأحكام من أشرف العلوم ، فمنه الجلي الذي يعرفه أكثر الناس ، ومنه الدقيق الذي لا يعرفه إلا خواصهم ; فلهذا صارت أقيسة كثير من العلماء تجيء مخالفة للنصوص لخفاء القياس الصحيح ، كما يخفى على كثير من الناس ما في النصوص من الدلائل الدقيقة التي تدل على الأحكام ، انتهى .
فإن قيل : فهب أنكم خرجتم ذلك على القياس ، فما تصنعون بسقوط الحد عنه وقد وطئ فرجا لا ملك له فيه ولا شبهة ملك ؟ قيل : الحديث لم يتعرض بنفي ولا إثبات ، وإنما دل على الضمان وكيفيته .
فإن قيل : فكيف تخرجون حديث
nindex.php?page=showalam&ids=114النعمان بن بشير في ذلك : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=8488أنها إن كانت أحلتها له جلد مائة جلدة ، وإن لم تكن أحلتها له رجم بالحجارة } على القياس .
قيل : هو بحمد الله موافق للقياس ، مطابق لأصول الشريعة وقواعدها ; فإن إحلالها شبهة كافية في سقوط الحد عنه ، ولكن لما لم يملكها بالإحلال كان الفرج محرما عليه ، وكانت المائة تعزيرا له وعقوبة على ارتكاب فرج حرام عليه ، وكان إحلال الزوجة له وطأها شبهة دارئة للحد عنه .
فإن قيل : فكيف تخرجون التعزير بالمائة على القياس .
[ ص: 23 ]
قيل : هذا من أسهل الأمور ; فإن التعزير لا يتقدر بقدر معلوم ، بل هو بحسب الجريمة في جنسه وصفتها وكبرها وصغرها ،
nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر بن الخطاب قد تنوع تعزيره في الخمر : فتارة بحلق الرأس ، وتارة بالنفي ، وتارة بزيادة أربعين سوطا على الحد الذي ضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=1وأبو بكر ، وتارة بتحريق حانوت الخمار ، وكذلك تعزير الغال وقد جاءت السنة بتحريق متاعه ، وتعزير مانع الصدقة بأخذها وأخذ شطر ماله معها ، وتعزير كاتم الضالة الملتقطة بإضعاف الغرم عليه ، وكذلك عقوبة سارق ما لا قطع فيه يضعف عليه الغرم ، وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=9274_9163_9153_9149قاتل الذمي عمدا أضعف عليه
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان ديته ، وذهب إليه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وغيره .
فإن قيل : فما تصنعون بقول النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31748لا يضرب فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله } .
قيل : نتلقاه بالقبول والسمع والطاعة ، ولا منافاة بينه وبين شيء مما ذكرنا ، فإن الحد في لسان الشارع أعم منه في اصطلاح الفقهاء ; فإنهم يريدون بالحدود عقوبات الجنايات المقدرة بالشرع خاصة ،
nindex.php?page=treesubj&link=24355والحد في لسان الشارع أعم من ذلك ؟ فإنه يراد به هذه العقوبة تارة ويراد به نفس الجناية تارة ، كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187تلك حدود الله فلا تقربوها } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229تلك حدود الله فلا تعتدوها } فالأول حدود الحرام ، والثاني حدود الحلال .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11292إن الله حد حدودا فلا تعتدوها } وفي حديث
النواس بن سمعان الذي تقدم في أول الكتاب والسوران حدود الله ، ويراد به تارة جنس العقوبة وإن لم تكن مقدرة ، فقوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31748لا يضرب فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله } يريد به الجناية التي هي حق لله .
فإن قيل : فأين تكون العشرة فما دونها إذ كان المراد بالحد الجناية ؟ .
قيل : في ضرب الرجل امرأته وعبده وولده وأجيره ، للتأديب ونحوه ، فإنه لا يجوز أن يزيد على عشرة أسواط ; فهذا أحسن ما خرج عليه الحديث ، وبالله التوفيق
فَصْلٌ [ الْحُكْمُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=10370رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ مُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ ]
وَمِمَّا قِيلَ : " إنَّهُ مِنْ أَبْعَدِ الْأَحَادِيثِ عَنْ الْقِيَاسِ " حَدِيثُ
الْحَسَنِ عَنْ
قَبِيصَةَ بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ
سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبِّقِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=6046أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ إنْ كَانَ اسْتَكْرَهَهَا فَهِيَ حُرَّةٌ ، وَعَلَيْهِ لِسَيِّدَتِهَا مِثْلُهَا ، وَإِنْ كَانَتْ طَاوَعَتْهُ فَهِيَ لَهُ ، وَعَلَيْهِ لِسَيِّدَتِهَا مِثْلُهَا وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى : وَإِنْ كَانَتْ طَاوَعَتْهُ فَهِيَ وَمِثْلُهَا مِنْ مَالِهِ لِسَيِّدَتِهَا } رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ ، وَضَعَّفَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ قِبَلِ إسْنَادِهِ ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ يَحْتَجُّونَ بِمَا هُوَ دُونَهُ فِي الْقُوَّةِ ، وَلَكِنْ لِإِشْكَالِهِ أَقْدَمُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ مَعَ لِينٍ فِي سَنَدِهِ .
قَالَ
شَيْخُ الْإِسْلَامِ : وَهَذَا الْحَدِيثُ يَسْتَقِيمُ عَلَى الْقِيَاسِ مَعَ ثَلَاثَةِ أُصُولٍ صَحِيحَةٍ كُلٌّ مِنْهَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ . [ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=16763أَتْلَفَ مَالِ غَيْرِهِ ضَمِنَهُ ]
أَحَدُهَا : أَنَّ مَنْ غَيَّرَ مَالَ غَيْرِهِ بِحَيْثُ فَوَّتَ مَقْصُودَهُ عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ بِمِثْلِهِ ، وَهَذَا كَمَا لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=23652تَصَرَّفَ فِي الْمَغْصُوبِ بِمَا أَزَالَ اسْمَهُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فِي مَذْهَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ : أَحَدُهَا أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ ، وَعَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُ النَّقْصِ ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَةِ كَقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ .
وَالثَّانِي : يَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ بِذَلِكَ ، وَيَضْمَنُهُ لِصَاحِبِهِ كَقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ .
وَالثَّالِثُ : يُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ أَخْذِهِ وَتَضْمِينِ النَّقْصِ وَبَيْنَ الْمُطَالَبَةِ بِالْبَدَلِ ، وَهَذَا أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ وَأَقْوَاهَا ; فَإِنْ فَوَّتَ صِفَاتِهِ الْمَعْنَوِيَّةَ - مِثْلَ أَنْ يُنْسِيَهُ صِنَاعَتَهُ ، أَوْ يُضْعِفَ قُوَّتَهُ ، أَوْ يُفْسِدَ عَقْلَهُ أَوْ دِينَهُ -
[ ص: 20 ] فَهَذَا أَيْضًا يُخَيَّرُ الْمَالِكُ فِيهِ بَيْنَ تَضْمِينِ النَّقْصِ وَبَيْنَ الْمُطَالَبَةِ بِالْبَدَلِ ، وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=16763قَطَعَ ذَنَبَ بَغْلَةِ الْقَاضِي فَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ يَضْمَنُهَا بِالْبَدَلِ وَيَمْلِكُهَا لِتَعَذُّرِ مَقْصُودِهَا عَلَى الْمَالِكِ فِي الْعَادَةِ ; أَوْ يُخَيَّرُ الْمَالِكُ فَصْلٌ [
nindex.php?page=treesubj&link=25468_16763الْمُتْلَفَاتُ تُضْمَنُ بِالْجِنْسِ ]
الْأَصْلُ الثَّانِي : أَنَّ جَمِيعَ الْمُتْلَفَاتِ تُضْمَنُ بِالْجِنْسِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ مَعَ مُرَاعَاةِ الْقِيمَةِ ، حَتَّى الْحَيَوَانُ فَإِنَّهُ إذَا اقْتَرَضَهُ رَدَّ مِثْلَهُ كَمَا اقْتَرَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكْرًا وَرَدَّ خَيْرًا مِنْهُ ، وَكَذَلِكَ الْمَغْرُورُ يَضْمَنُ وَلَدَهُ بِمِثْلِهِمْ كَمَا قَضَتْ بِهِ الصَّحَابَةُ ، وَهَذَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ ، وَقِصَّةُ
دَاوُد وَسُلَيْمَانَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ مِنْ هَذَا الْبَابِ ; فَإِنَّ الْمَاشِيَةَ كَانَتْ قَدْ أَتْلَفَتْ حَرْثَ الْقَوْمِ فَقَضَى
دَاوُد بِالْغَنَمِ لِأَصْحَابِ الْحَرْثِ كَأَنَّهُ ضَمَّنَهُمْ ذَلِكَ بِالْقِيمَةِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ إلَّا الْغَنَمُ فَأَعْطَاهُمْ الْغَنَمَ بِالْقِيمَةِ ، وَأَمَّا
سُلَيْمَانُ فَحَكَمَ بِأَنَّ أَصْحَابَ الْمَاشِيَةِ يَقُومُونَ عَلَى الْحَرْثِ حَتَّى يَعُودَ كَمَا كَانَ فَضَمَّنَهُمْ إيَّاهُ بِالْمِثْلِ ، وَأَعْطَاهُمْ الْمَاشِيَةَ يَأْخُذُونَ مَنْفَعَتَهَا عِوَضًا عَنْ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي فَاتَتْ مِنْ غَلَّةِ الْحَرْثِ إلَى أَنْ يَعُودَ ، وَبِذَلِكَ أَفْتَى
الزُّهْرِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=16673لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِيمَنْ أُتْلِفَ لَهُ شَجَرٌ . فَقَالَ
الزُّهْرِيُّ : يَغْرِسُهُ حَتَّى يَعُودَ كَمَا كَانَ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15885رَبِيعَةُ nindex.php?page=showalam&ids=11863وَأَبُو الزِّنَادِ : عَلَيْهِ الْقِيمَةُ ، فَغَلَّظَ
الزُّهْرِيُّ الْقَوْلَ فِيهِمَا ، وَقَوْلُ
الزُّهْرِيِّ وَحُكْمُ
سُلَيْمَانَ هُوَ مُوجَبُ الْأَدِلَّةِ ; فَإِنَّ الْوَاجِبَ ضَمَانُ الْمُتْلَفِ بِالْمِثْلِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=194فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=194وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=126وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } وَإِنْ كَانَ مِثْلُ الْحَيَوَانِ وَالْآنِيَةِ وَالثِّيَابِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مُتَعَذِّرًا فَقَدْ دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ : الضَّمَانُ بِالدَّرَاهِمِ الْمُخَالِفَةِ لِلْمِثْلِ فِي الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ وَالْمَقْصُودِ وَالِانْتِفَاعِ وَإِنْ سَاوَتْ الْمَضْمُونَ فِي الْمَالِيَّةِ ، وَالضَّمَانُ بِالْمِثْلِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ الْمُسَاوِي لِلْمُتْلَفِ فِي الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ وَالْمَالِيَّةِ وَالْمَقْصُودِ وَالِانْتِفَاعِ ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا أَقْرَبُ إلَى النُّصُوصِ وَالْقِيَاسِ وَالْعَدْلِ ، وَنَظِيرُ هَذَا مَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ وَاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=9177_9176الْقِصَاصِ فِي اللَّطْمَةِ وَالضَّرْبَةِ ، وَهُوَ مَنْصُوصُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ
إسْمَاعِيلَ بْنِ سَعِيدٍ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ ، وَإِذَا كَانَتْ الْمُمَاثَلَةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مُتَعَذِّرَةً حَتَّى فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَمَا كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْمُمَاثَلَةِ فَهُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْجِنْسَ إلَى الْجِنْسِ أَقْرَبُ مُمَاثَلَةً مِنْ الْجِنْسِ إلَى الْقِيمَةِ ; فَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ وَمُوجَبُ النُّصُوصِ ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ .
[ ص: 21 ] مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ ]
وَالْأَصْلُ الثَّالِثُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=7584مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ ، وَهَذَا مَذْهَبُ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ وَقَدْ جَاءَتْ بِذَلِكَ آثَارٌ مَرْفُوعَةٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=2كَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ .
فَهَذَا الْحَدِيثُ مُوَافِقٌ لِهَذِهِ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ الثَّابِتَةِ بِالْأَدِلَّةِ الْمُوَافِقَةِ لِلْقِيَاسِ الْعَادِلِ ; فَإِذَا طَاوَعَتْهُ الْجَارِيَةُ فَقَدْ أَفْسَدَهَا عَلَى سَيِّدَتِهَا فَإِنَّهَا مَعَ الْمُطَاوَعَةِ تَنْقُصُ قِيمَتُهَا إذْ تَصِيرُ زَانِيَةً ، وَلَا تُمَكِّنُ سَيِّدَتَهَا مِنْ اسْتِخْدَامِهَا حَقَّ الْخِدْمَةِ ، لِغَيْرَتِهَا مِنْهَا وَطَمَعِهَا فِي السَّيِّدِ ، وَاسْتِشْرَافِ السَّيِّدِ إلَيْهَا ، وَتَتَشَامَخُ عَلَى سَيِّدَتِهَا فَلَا تُطِيعُهَا كَمَا كَانَتْ تُطِيعُهَا قَبْلَ ذَلِكَ ، وَالْجَانِي إذَا تَصَرَّفَ فِي الْمَالِ بِمَا يَنْقُصُ قِيمَتَهُ كَانَ لِصَاحِبِهِ الْمُطَالَبَةُ بِالْمِثْلِ ، فَقَضَى الشَّارِعُ لِسَيِّدَتِهَا بِالْمِثْلِ ، وَمَلَكَهُ الْجَارِيَةَ ; إذْ لَا يَجْمَعُ لَهَا بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ ، وَأَيْضًا فَلَوْ رَضِيَتْ سَيِّدَتُهَا أَنْ تَبْقَى الْجَارِيَةُ عَلَى مِلْكِهَا وَتُغَرِّمُهُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا كَانَ لَهَا ذَلِكَ ، فَإِذَا لَمْ تَرْضَ وَعَلِمَتْ أَنَّ الْأَمَةَ قَدْ فَسَدَتْ عَلَيْهَا وَلَمْ تَنْتَفِعْ بِخِدْمَتِهَا كَمَا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَحْسَنِ الْقَضَاءِ أَنْ يَغْرَمَ السَّيِّدُ مِثْلَهَا وَيَمْلِكُهَا .
فَإِنْ قِيلَ : فَاطْرُدُوا هَذَا الْقِيَاسَ وَقُولُوا : إنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=25468_25469_16763الْأَجْنَبِيَّ إذَا زَنَى بِجَارِيَةِ قَوْمٍ حَتَّى أَفْسَدَهَا عَلَيْهِمْ أَنَّ لَهُمْ الْقِيمَةَ أَوْ يُطَالِبُوهُ بِبَدَلِهَا .
قِيلَ : نَعَمْ هَذَا مُوجَبُ الْقِيَاسِ إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ فَرْقٌ مُؤَثِّرٌ ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ انْقَطَعَ الْإِلْحَاقُ ; فَإِنَّ الْإِفْسَادَ الَّذِي فِي وَطْءِ الزَّوْجِ بِجَارِيَةِ امْرَأَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا أَعْظَمُ مِنْ الْإِفْسَادِ الَّذِي فِي وَطْءِ الْأَجْنَبِيِّ ، وَبِالْجُمْلَةِ فَجَوَابُ هَذَا السُّؤَالِ جَوَابٌ مُرَكَّبٌ ; إذْ لَا نَصَّ فِيهِ وَلَا إجْمَاعَ فَصْلٌ .
وَأَمَّا إذَا اسْتَكْرَهَهَا فَإِنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْمُثْلَةِ ، فَإِنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْوَطْءِ مُثْلَةٌ ; فَإِنَّ الْوَطْءَ يَجْرِي مَجْرَى الْجِنَايَةِ ، وَلِهَذَا لَا يَخْلُو عَنْ عُقْرٍ أَوْ عُقُوبَةٍ ، وَلَا يَجْرِي مَجْرَى مَنْفَعَةِ الْخِدْمَةِ ، فَهِيَ لَمَّا صَارَتْ لَهُ بِإِفْسَادِهَا عَلَى سَيِّدَتِهَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ مِثْلُهَا كَمَا فِي الْمُطَاوَعَةِ ، وَأَعْتَقَهَا عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ مَثَّلَ بِهَا .
قَالَ
شَيْخُنَا : وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=7398اسْتَكْرَهَ عَبْدَهُ عَلَى الْفَاحِشَةِ عَتَقَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=7398اسْتَكْرَهَ أَمَةَ الْغَيْرِ عَلَى الْفَاحِشَةِ عَتَقَتْ عَلَيْهِ ، وَضَمِنَهَا بِمِثْلِهَا ، إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ أَمَةِ امْرَأَتِهِ وَبَيْنَ غَيْرِهَا ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ شَرْعِيٌّ وَإِلَّا فَمُوجَبُ الْقِيَاسِ التَّسْوِيَةُ .
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ [ ص: 22 ] الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ } فَهَذَا نَهْيٌ عَنْ إكْرَاهِهِنَّ عَلَى كَسْبِ الْمَالِ بِالْبِغَاءِ ، كَمَا قِيلَ : إنَّ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ رَأْسَ الْمُنَافِقِينَ كَانَ لَهُ إمَاءٌ يُكْرِهُهُنَّ عَلَى الْبِغَاءِ ، وَلَيْسَ هَذَا اسْتِكْرَاهًا لِلْأَمَةِ عَلَى أَنْ يَزْنِيَ بِهَا هُوَ ، فَإِنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ التَّمْثِيلِ بِهَا ، وَذَاكَ إلْزَامٌ لَهَا بِأَنْ تَذْهَبَ هِيَ فَتَزْنِيَ ، مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : الْعِتْقُ بِالْمُثْلَةِ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا عِنْدَ نُزُولِ الْآيَةِ ، ثُمَّ شُرِعَ بَعْدَ ذَلِكَ . [ مَا مِنْ نَصٍّ صَحِيحٍ إلَّا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْعَقْلِ ]
قَالَ
شَيْخُنَا : وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَدَقِّ الْأُمُورِ ، فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا فَهَذَا الَّذِي ظَهَرَ فِي تَوْجِيهِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْكَلَامِ عَلَيْهِ .
قَالَ : وَمَا عَرَفْتُ حَدِيثًا صَحِيحًا إلَّا وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ عَلَى الْأُصُولِ الثَّابِتَةِ قَالَ : وَقَدْ تَدَبَّرْتُ مَا أَمْكَنَنِي مِنْ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ فَمَا رَأَيْتُ قِيَاسًا صَحِيحًا يُخَالِفُ حَدِيثًا صَحِيحًا ، كَمَا أَنَّ الْمَعْقُولَ الصَّحِيحَ لَا يُخَالِفُ الْمَنْقُولَ الصَّحِيحَ ، بَلْ مَتَى رَأَيْتُ قِيَاسًا يُخَالِفُ أَثَرًا فَلَا بُدَّ مِنْ ضَعْفِ أَحَدِهِمَا ، لَكِنَّ التَّمْيِيزَ بَيْنَ صَحِيحِ الْقِيَاسِ وَفَاسِدِهِ مِمَّا يَخْفَى كَثِيرٌ مِنْهُ عَلَى أَفَاضِلِ الْعُلَمَاءِ فَضْلًا عَمَّنْ هُوَ دُونَهُمْ ، فَإِنَّ إدْرَاكَ الصِّفَةِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي الْأَحْكَامِ عَلَى وَجْهِهَا وَمَعْرِفَةِ الْمَعَانِي الَّتِي عُلِّقَتْ بِهَا الْأَحْكَامُ مِنْ أَشْرَفِ الْعُلُومِ ، فَمِنْهُ الْجَلِيُّ الَّذِي يَعْرِفُهُ أَكْثَرُ النَّاسِ ، وَمِنْهُ الدَّقِيقُ الَّذِي لَا يَعْرِفُهُ إلَّا خَوَاصُّهُمْ ; فَلِهَذَا صَارَتْ أَقْيِسَةُ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ تَجِيءُ مُخَالِفَةً لِلنُّصُوصِ لِخَفَاءِ الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ ، كَمَا يَخْفَى عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ مَا فِي النُّصُوصِ مِنْ الدَّلَائِلِ الدَّقِيقَةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْأَحْكَامِ ، انْتَهَى .
فَإِنْ قِيلَ : فَهَبْ أَنَّكُمْ خَرَّجْتُمْ ذَلِكَ عَلَى الْقِيَاسِ ، فَمَا تَصْنَعُونَ بِسُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهُ وَقَدْ وَطِئَ فَرْجًا لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ وَلَا شُبْهَةَ مِلْكٍ ؟ قِيلَ : الْحَدِيثُ لَمْ يَتَعَرَّضْ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ ، وَإِنَّمَا دَلَّ عَلَى الضَّمَانِ وَكَيْفِيَّتِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَكَيْفَ تُخَرِّجُونَ حَدِيثَ
nindex.php?page=showalam&ids=114النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ فِي ذَلِكَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=8488أَنَّهَا إنْ كَانَتْ أَحَلَّتْهَا لَهُ جُلِدَ مِائَةَ جَلْدَةٍ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَحَلَّتْهَا لَهُ رُجِمَ بِالْحِجَارَةِ } عَلَى الْقِيَاسِ .
قِيلَ : هُوَ بِحَمْدِ اللَّهِ مُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ ، مُطَابِقٌ لِأُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَقَوَاعِدِهَا ; فَإِنَّ إحْلَالَهَا شُبْهَةٌ كَافِيَةٌ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهُ ، وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ يَمْلِكْهَا بِالْإِحْلَالِ كَانَ الْفَرْجُ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ ، وَكَانَتْ الْمِائَةُ تَعْزِيرًا لَهُ وَعُقُوبَةً عَلَى ارْتِكَابِ فَرْجٍ حَرَامٍ عَلَيْهِ ، وَكَانَ إحْلَالُ الزَّوْجَةِ لَهُ وَطْأَهَا شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْحَدِّ عَنْهُ .
فَإِنْ قِيلَ : فَكَيْفَ تُخَرِّجُونَ التَّعْزِيرَ بِالْمِائَةِ عَلَى الْقِيَاسِ .
[ ص: 23 ]
قِيلَ : هَذَا مِنْ أَسْهَلِ الْأُمُورِ ; فَإِنَّ التَّعْزِيرَ لَا يَتَقَدَّرُ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ ، بَلْ هُوَ بِحَسَبِ الْجَرِيمَةِ فِي جِنْسِهِ وَصِفَتِهَا وَكِبَرِهَا وَصِغَرِهَا ،
nindex.php?page=showalam&ids=2وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَدْ تَنَوَّعَ تَعْزِيرُهُ فِي الْخَمْرِ : فَتَارَةً بِحَلْقِ الرَّأْسِ ، وَتَارَةً بِالنَّفْيِ ، وَتَارَةً بِزِيَادَةِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا عَلَى الْحَدِّ الَّذِي ضَرَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=showalam&ids=1وَأَبُو بَكْرٍ ، وَتَارَةً بِتَحْرِيقِ حَانُوتِ الْخَمَّارِ ، وَكَذَلِكَ تَعْزِيرُ الْغَالِّ وَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِتَحْرِيقِ مَتَاعِهِ ، وَتَعْزِيرُ مَانِعِ الصَّدَقَةِ بِأَخْذِهَا وَأَخْذِ شَطْرِ مَالِهِ مَعَهَا ، وَتَعْزِيرُ كَاتِمِ الضَّالَّةِ الْمُلْتَقَطَةِ بِإِضْعَافِ الْغُرْمِ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ عُقُوبَةُ سَارِقِ مَا لَا قَطْعَ فِيهِ يُضَعِّفُ عَلَيْهِ الْغُرْمَ ، وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=9274_9163_9153_9149قَاتِلُ الذِّمِّيِّ عَمْدًا أَضْعَفَ عَلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ nindex.php?page=showalam&ids=7وَعُثْمَانُ دِيَتَهُ ، وَذَهَبَ إلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ .
فَإِنْ قِيلَ : فَمَا تَصْنَعُونَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31748لَا يُضْرَبُ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ } .
قِيلَ : نَتَلَقَّاهُ بِالْقَبُولِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا ، فَإِنَّ الْحَدَّ فِي لِسَانِ الشَّارِعِ أَعَمُّ مِنْهُ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ ; فَإِنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِالْحُدُودِ عُقُوبَاتِ الْجِنَايَاتِ الْمُقَدَّرَةِ بِالشَّرْعِ خَاصَّةً ،
nindex.php?page=treesubj&link=24355وَالْحَدُّ فِي لِسَانِ الشَّارِعِ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ ؟ فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ هَذِهِ الْعُقُوبَةَ تَارَةً وَيُرَادُ بِهِ نَفْسَ الْجِنَايَةِ تَارَةً ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا } وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا } فَالْأَوَّلُ حُدُودُ الْحَرَامِ ، وَالثَّانِي حُدُودُ الْحَلَالِ .
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11292إنَّ اللَّهَ حَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا } وَفِي حَدِيثِ
النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَالسُّورَانُ حُدُودُ اللَّهِ ، وَيُرَادُ بِهِ تَارَةً جِنْسُ الْعُقُوبَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُقَدَّرَةً ، فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31748لَا يُضْرَبُ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ } يُرِيدُ بِهِ الْجِنَايَةَ الَّتِي هِيَ حَقٌّ لِلَّهِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَأَيْنَ تَكُونُ الْعَشَرَةُ فَمَا دُونَهَا إذْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْحَدِّ الْجِنَايَةُ ؟ .
قِيلَ : فِي ضَرْبِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَعَبْدَهُ وَوَلَدَهُ وَأَجِيرَهُ ، لِلتَّأْدِيبِ وَنَحْوَهُ ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ ; فَهَذَا أَحْسَنُ مَا خُرِّجَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ