الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              1846 (6) باب

                                                                                              النهي عن الوصال في الصوم

                                                                                              [ 971 ] عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال ، فقال رجل من المسلمين: فإنك يا رسول الله! تواصل . قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فأيكم مثلي ؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني . فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال ، واصل بهم يوما ، ثم يوما ، ثم رأوا الهلال . فقال: لو تأخر الهلال لزدتكم كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا .

                                                                                              وفي رواية : لستم في ذلك مثلي ، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ، فاكلفوا من العمل ما تطيقون "

                                                                                              رواه أحمد (2 \ 516)، والبخاري (1965)، ومسلم (1103) (57 و 58 ) .

                                                                                              [ ص: 160 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 160 ] (6) ومن باب: النهي عن الوصال

                                                                                              اختلف في نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوصال : فذهب قوم : إلى أنه محرم . وهو مذهب بعض أهل الظاهر في علمي . وذهب الجمهور : مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، والثوري ، وجماعة من أهل الفقه : إلى كراهته . وقد واصل جماعة من السلف ، منهم : ابن الزبير وغيره . وأجازه ابن وهب ، وإسحاق ، وابن حنبل من سحر إلى سحر .

                                                                                              وسبب هذا الخلاف هو : هل محمل هذا النهي على الظاهر وهو التحريم ، أو يصرف عن ظاهره إلى الكراهية ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد واصل بأصحابه بعد أن نهاهم فلم ينتهوا ، ثم إذا حملناه على الكراهة فإنما هي لأجل ما يلحق من المشقة والضعف ، فإذا أمن من ذلك ، فهل يجوز أم تسد الذريعة فلا يجوز .

                                                                                              وأما من خص جوازه بالسحر ; فلما جاء في الحديث المذكور في الأصل ; ولأن أكلة السحر يؤمن معها الضعف والمشقة التي لأجلها كره الوصال .

                                                                                              وقوله : ( إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ) ; حمله قوم على ظاهره ، وهو : أن الله يطعمه طعاما ، ويسقيه شرابا حقيقة من غير تأويل . وليس بصحيح ; لأنه لو كان كذلك لما صدق عليه قولهم : ( إنك تواصل ) ، ولا ارتفع اسم الوصال عنه ; لأنه حينئذ كان يكون مفطرا ، وكان يخرج كلامه عن أن يكون جوابا لما سئل عنه ; ولأن [ ص: 161 ] في بعض ألفاظ هذا الخبر : (إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني) ; و (ظل) ; إنما تقال فيمن فعل الشيء نهارا . و (بات) فيمن فعله ليلا ، وحينئذ كان يلزم عليه فساد صومه ، وذلك باطل بالإجماع .

                                                                                              ولذلك قيل في معنى الحديث : إن الله تعالى يخلق فيه من الشبع والري مثل ما يخلقه فيمن أكل وشرب . وهذا القول يبعده أيضا النظر إلى حاله - صلى الله عليه وسلم - فإنه كان يجوع أكثر مما يشبع ، ويربط على بطنه الحجارة من الجوع ، وكان يقول : (الجوع حرفتي) ; على ما روي عنه ، ويبعده أيضا النظر إلى المعنى ، وذلك أنه لو خلق فيه الشبع والري لما وجد لعبادة الصوم روحها الذي هو الجوع والمشقة ، وحينئذ كان يكون ترك الوصال أولى .

                                                                                              وقيل : معنى ذلك : أن الله تعالى يحفظ عليه قوته من غير طعام ولا شراب ، كما يحفظها بالطعام والشراب ، فكأنه قال : إن الله تعالى يحفظ علي قوتي بقدرته ، كما يحفظها بالطعام والشراب ، والله تعالى أعلم .




                                                                                              الخدمات العلمية