الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              1974 (23) باب

                                                                                              فضل صوم ثلاثة أيام من كل شهر

                                                                                              وسرر شعبان ، وصوم المحرم

                                                                                              وستة أيام من شوال

                                                                                              وقد تقدم قوله عليه الصلاة والسلام : صيام ثلاثة من كل شهر صيام الدهر .

                                                                                              [ 1030 ] وعن معاذة العدوية ، أنها سألت عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم- أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ؟ قالت: نعم فقلت لها: من أي أيام الشهر كان يصوم ؟ قالت: لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم .

                                                                                              رواه أحمد (6 \ 145 و 146 )، ومسلم (1160)، وأبو داود (2453)، والترمذي (763)، وابن ماجه (1709) .

                                                                                              [ ص: 232 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 232 ] (23) ومن باب: فضل صوم ثلاثة أيام

                                                                                              قول عائشة -رضي الله عنها- : ( لم يكن يبالي من أي أيام الشهر كان يصوم ) ; تعني : أنه لم يكن يعين لصوم الثلاثة زمانا مخصوصا من الشهر يداوم عليه ، وإنما كان يصومها مرة في أوله ، ومرة في آخره ، ومرة في وسطه . وهذا - والله أعلم - لئلا يتخيل متخيل وجوبها لو لوزمت في وقت بعينه ، أو ليبين فرق ما بين الواجب والتطوع ، فإن الواجبات في الغالب معينة بأوقات ، أو ذلك بحسب تمكنه ، والله تعالى أعلم . غير أنه قد جاء في حديث صحيح ذكره النسائي من حديث جرير بن عبد الله : تخصيص أيام البيض بالذكر المعين ; فقال - صلى الله عليه وسلم - : ( صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر ; أيام البيض صبيحة ثلاث عشرة ، وأربع عشرة ، وخمس [ ص: 233 ] عشرة ) . روينا هذا اللفظ عن متقني مشايخنا ; برفع (أيام) و (صبيحة) على إضمار المبتدأ ، كأنه قال : هي أيام البيض ، عائدا على ثلاثة أيام ، و (صبيحة) يرتفع على البدل من (أيام) . وأما الخفض فيهما : فعلى البدل من (أيام) المتقدمة . هذا أولى ما يوجه في إعرابها .

                                                                                              وعلى التقديرين : فهذا الحديث مفيد لمطلق الثلاثة الأيام التي صومها كصوم الدهر ، على أنه يحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - عين هذه الأيام لأنها وسط الشهر وأعدله ، كما قال : (خير الأمور أوساطها) .

                                                                                              وعلى هذا يدل قوله - صلى الله عليه وسلم - : (هل صمت من سرة هذا الشهر شيئا) ; على ما يأتي إن شاء الله .

                                                                                              وقد اختلف في أي أيام الشهر أفضل للصوم ؟ فقالت جماعة من الصحابة والتابعين ; منهم : ابن عمر ، وابن مسعود ، وأبو ذر : أن صوم أيام البيض أفضل ; تمسكا بالحديث المتقدم . وقال آخرون ; منهم : النخعي : آخر الشهر أفضل . وقالت فرقة ثالثة : أول الشهر أفضل ; منهم : الحسن . وذهب آخرون : إلى أن الأفضل صيام أول يوم من السبت والأحد والإثنين في شهر ، ثم الثلاثاء والأربعاء والخميس ; منهم عائشة . واختار آخرون الإثنين والخميس . وفي حديث ابن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم ثلاثة من كل شهر : أول إثنين ، والخميس الذي بعده ، والخميس الذي يليه . وعن أم سلمة : أول خميس ، والإثنين ، والإثنين . واختار بعضهم : صيام أول يوم من الشهر ، ويوم العاشر ، ويوم العشرين . وبه قال أبو الدرداء . ويروى أنه كان صيام مالك . واختاره ابن شعبان . وقد روي عن مالك كراهة تعمد صيام أيام البيض ، وقال : ما هذا ببلدنا . والمعروف من مذهبه كراهة [ ص: 234 ] تعيين أيام مخصوصة للنفل ، وأن يجعل الرجل لنفسه يوما ، أو شهرا يلتزمه .

                                                                                              والحاصل : أن ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر حيث صامها ، وفي أي وقت أوقعها . واختلاف الأحاديث في هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يرتب على زمان بعينه من الشهر ، كما قالته عائشة -رضي الله عنها- ، وأن كل ذلك قد فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - . ويرحم الله مالكا لقد فهم وغنم .




                                                                                              الخدمات العلمية