الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : الزاني لا ينكح الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج عبد الرزاق ، والفريابي ، وسعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وأبو داود في " ناسخه " ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في "سننه" والضياء المقدسي في " المختارة " من طريق سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : الزاني لا ينكح إلا زانية قال : ليس هذا بالنكاح، ولكن الجماع لا يزني بها حين يزني إلا زان أو مشرك، ( وحرم ذلك على المؤمنين ) يعني : الزنا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل : لما قدم المهاجرون المدينة، قدموها وهم بجهد إلا قليل منهم، والمدينة غالية السعر، شديدة الجهد، وفي السوق زواني متعالنات من أهل الكتاب، وإماء الأنصار، منهن أمية وليدة عبد الله بن أبي، ومسيكة بنت أمية لرجل من الأنصار، في بغايا من ولائد الأنصار، قد رفعت كل امرأة منهن علامة على بابها علامة؛ ليعرف أنها زانية، وكن من أخصب أهل المدينة، وأكثره خيرا، فرغب أناس من مهاجري المسلمين فيما يكتسبن، للذي هم فيه من الجهد، فأشار بعضهم على بعض : لو تزوجنا بعض [ ص: 639 ] هؤلاء الزواني فنصيب من فضول أطعماتهن . فقال بعضهم : نستأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأتوه فقالوا : يا رسول الله قد شق علينا الجهد ولا نجد ما نأكل، وفي السوق بغايا نساء أهل الكتاب وولائدهن وولائد الأنصار، يكتسبن لأنفسهن، فيصلح لنا أن نتزوج منهن فنصيب من فضول ما يكتسبن، فإذا وجدنا عنهن غنى تركناهن؟ فأنزل الله : الزاني لا ينكح الآية فحرم على المؤمنين أن يتزوجوا الزواني المسافحات العالنات زناهن .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، عن مجاهد في قوله : الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة قال : كن نساء في الجاهلية بغيات، فكانت منهن امرأة جميلة تدعى أم مهزول، فكان الرجل من فقراء المسلمين يتزوج إحداهن لتنفق عليه من كسبها، فنهى الله أن يتزوجهن أحد من المسلمين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن سليمان بن يسار في قوله : الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة قال : بغايا كن في الجاهلية ، فنهى الله المسلمين عن نكاحهن .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن عطاء قال : كانت بغايا في الجاهلية؛ بغايا آل فلان، وبغايا آل فلان، فقال الله : الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك فأحكم الله ذلك من أمر [ ص: 640 ] الجاهلية بالإسلام ، قيل له : أعن ابن عباس ؟ قال : نعم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، عن مجاهد في قوله : الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة قال : رجال كانوا يريدون الزنا بنساء زواني بغايا متعالمات، كن كذلك في الجاهلية ، قيل لهم : هذا حرام فأرادوا نكاحهن، فحرم الله عليهم نكاحهن .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال : كان في بدء الإسلام قوم يزنون، قالوا : أفلا نتزوج النساء اللاتي كنا نفجر بهن؟ فأنزل الله : الزاني لا ينكح إلا زانية الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، عن الضحاك : والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك قال : إنما عني بذلك الزنا، ولم يعن به التزويج .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن سعيد بن جبير : الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة قال : لا يزني حين يزني إلا بزانية مثله أو مشركة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي ، عن ابن عباس [ ص: 641 ] في هذه الآية قال : الزاني من أهل القبلة لا يزني إلا بزانية مثله من أهل القبلة أو مشركة من غير أهل القبلة، والزانية من أهل القبلة لا تزني إلا بزان مثلها من أهل القبلة أو مشرك من غير أهل القبلة، وحرم الزنا على المؤمنين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور عن مجاهد قال : لما حرم الله الزنا فكان زواني عندهن جمال ، فقال الناس حين حرم الزنا : لننطلقن فلنتزوجهن ، فأنزل الله في ذلك : الزاني لا ينكح إلا زانية الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، وعبد بن حميد ، وأبو داود في " ناسخه " ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في "سننه" عن عبد الله بن عمرو قال : كانت امرأة يقال لها : أم مهزول وكانت تسافح الرجل وتشرط أن تنفق عليه، فأراد رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها، فأنزل الله : والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد وأبو داود ، والترمذي وحسنه ، والنسائي ، وابن ماجه [ ص: 642 ] ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن جده قال : كان رجل يقال له : مرثد يحمل الأسارى من مكة حتى يأتي بهم المدينة، وكانت امرأة بغي بمكة ، يقال لها : عناق . وكانت صديقة له، وأنه وعد رجلا من أسارى مكة يحمله، قال : فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة، فجاءت عناق فأبصرت سواد ظلي تحت الحائط، فلما انتهت إلي عرفتني فقالت : مرثد؟ فقلت : مرثد . فقالت : مرحبا وأهلا، هلم فبت عندنا الليلة . قلت : يا عناق، حرم الله الزنى . قالت : يا أهل الخيام، هذا الرجل يحمل أسراكم . قال : فتبعني ثمانية، وسلكت الخندمة فانتهيت إلى غار أو كهف فدخلت فجاءوا حتى قاموا على رأسي، فبالوا وظل بولهم على رأسي، وأعماهم الله عني، ثم رجعوا ورجعت إلى صاحبي، فحملته حتى قدمت المدينة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله، أنكح عناقا؟ فأمسك فلم يرد علي شيئا حتى نزلت : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ) الآية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا مرثد، الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، والزانية لا [ ص: 643 ] ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين فلا تنكحها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن عمرو في قوله : الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة قال : كن نساء معلومات، فكان الرجل من فقراء المسلمين يتزوج المرأة منهن لتنفق عليه، فنهاهم الله عن ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو داود في " ناسخه " ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والبيهقي ، عن ابن عباس ، أنها نزلت في بغايا معلنات كن في الجاهلية وكن زواني مشركات، فحرم الله نكاحهن على المؤمنين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه من طريق شعبة مولى ابن عباس قال : كنت مع ابن عباس فأتاه رجل فقال : إني كنت أتبع امرأة فأصبت منها ما حرم الله علي، وقد رزقني الله منها توبة، فأردت أن أتزوجها فقال الناس : الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة فقال ابن عباس : ليس هذا موضع هذه الآية، إنما كن نساء بغايا متعالنات يجعلن على أبوابهن رايات، يأتيهن الناس يعرفن بذلك، فأنزل [ ص: 644 ] الله هذه الآية ، تزوجها فما كان فيها من إثم فعلي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير قال : كن بغايا في الجاهلية، كان الرجل ينكح المرأة في الإسلام فيصيب منها، فحرم ذلك في الإسلام، فأنزل الله : والزانية لا ينكحها إلا زان الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو داود ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن عدي ، والحاكم ، وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد عن الحسن : الزاني لا ينكح إلا زانية قال : ليس في المستور ولكن المحدود؛ لا يتزوج إلا محدودة مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وسعيد بن منصور ، وابن المنذر ، عن علي أن رجلا تزوج امرأة، ثم إنه زنا فأقيم عليه الحد فجاءوا به إلى علي ففرق بينه وبين [ ص: 645 ] امرأته، وقال له : لا تتزوج إلا مجلودة مثلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، والنسائي ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاثة لا يدخلون الجنة ولا ينظر إليهم الله يوم القيامة : العاق لوالديه والمرأة المترجلة والديوث .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن ماجه ، وابن عدي ، عن أنس : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من أراد أن يلقى الله طاهرا مطهرا فليتزوج الحرائر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو عبيد في " الناسخ " ، وسعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وأبو داود في " الناسخ " ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي عن سعيد بن المسيب في هذه الآية : الزاني لا ينكح إلا زانية قال : يرون أن هذه الآية التي بعدها نسختها : وأنكحوا الأيامى منكم فهن من أيامى المسلمين .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية