[ ص: 64 ] كتاب الردة
هي من أفحش أنواع الكفر ، وأغلظها حكما ، وفيه بابان :
الأول : في ، ومن تصح منه ، وفيه طرفان : حقيقة الردة
الأول : في حقيقتها ، وهي قطع الإسلام ، ويحصل ذلك تارة بالقول الذي هو كفر ، وتارة بالفعل ، والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن تعمد واستهزاء بالدين صريح ، كالسجود للصنم أو للشمس ، وإلقاء المصحف في القاذورات ، والسحر الذي فيه عبادة الشمس ونحوها ، قال الإمام : في بعض التعاليق عن شيخي أن الفعل بمجرده لا يكون كفرا ، قال : وهذا زلل عظيم من المعلق ذكرته للتنبيه على غلطه ، وتحصل الردة بالقول الذي هو كفر ، سواء صدر عن اعتقاد أو عناد أو استهزاء ، هذا قول جملي ، وأما التفصيل فقال المتولي : من اعتقد قدم العالم ، أو حدوث الصانع ، أو نفى ما هو ثابت للقديم بالإجماع ، ككونه عالما قادرا ، أو أثبت ما هو منفي عنه بالإجماع ، كالألوان ، أو أثبت له الاتصال والانفصال ، كان كافرا ، وكذا من جحد جواز بعثة الرسل ، أو أنكر نبوة نبي من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، أو كذبه ، أو جحد آية من القرآن مجمعا عليها ، أو زاد في القرآن كلمة واعتقد أنها منه ، أو سب نبيا ، أو استخف به ، أو استحل محرما بالإجماع كالخمر واللواط ، أو حرم حلالا بالإجماع ، أو نفى وجوب مجمع على وجوبه ، كركعة من الصلوات الخمس ، أو اعتقد وجوب ما ليس بواجب بالإجماع ، كصلاة سادسة وصوم شوال ، أو نسب عائشة رضي الله عنها إلى الفاحشة ، أو ادعى النبوة بعد نبينا صلى الله [ ص: 65 ] عليه وسلم أو صدق مدعيا لها ، أو عظم صنما بالسجود له ، أو التقرب إليه بالذبح باسمه ، فكل هذا كفر .
قلت : قوله : إن جاحد المجمع عليه يكفر ، ليس على إطلاقه ، بل الصواب فيه تفصيل سبق بيانه في باب تارك الصلاة عقب كتاب الجنائز ، ومختصره أنه إن ، كفر إن كان فيه نص ، وكذا إن لم يكن فيه نص في الأصح ، وإن لم يعلم من دين الإسلام ضرورة بحيث لا يعرفه كل المسلمين ، لم يكفر . والله أعلم . جحد مجمعا عليه يعلم من دين الإسلام ضرورة
قال المتولي : ولو قال المسلم : يا كافر بلا تأويل ، كفر ; لأنه سمى الإسلام كفرا ، والعزم على الكفر في المستقبل كفر في الحال ، وكذا التردد في أنه يكفر أم لا ، فهو كفر في الحال ، وكذا التعليق بأمر مستقبل ، كقوله : إن هلك مالي أو ولدي تهودت ، أو تنصرت ، قال : والرضى بالكفر كفر ، حتى لو سأله كافر يريد الإسلام أن يلقنه كلمة التوحيد ، فلم يفعل ، أو أشار عليه بأن لا يسلم ، أو على مسلم بأن يرتد ، فهو كافر بخلاف ما لو قال لمسلم : سلبه الله الإيمان ، أو لكافر : لا رزقه الله الإيمان ، فليس بكفر ; لأنه ليس رضى بالكفر ، لكنه دعا عليه بتشديد الأمر والعقوبة عليه .
قلت : وذكر القاضي حسين في " الفتاوى " وجها ضعيفا ، أن من قال لمسلم : سلبه الله الإيمان ، كفر . والله أعلم .
ولو ، صار المكره كافرا ، والإكراه على الإسلام ، والرضى به ، والعزم عليه في المستقبل ليس بإسلام ، ومن دخل دار الحرب ، وشرب معهم الخمر ، وأكل لحم الخنزير ، لا يحكم [ ص: 66 ] بكفره ، وارتكاب كبائر المحرمات ليس بكفر ، ولا ينسلب به اسم الإيمان ، والفاسق إذا مات ولم يتب لا يخلد في النار . أكره مسلما على الكفر
فرع
في كتب أصحاب أبي حنيفة رحمه الله اعتناء تام بتفصيل الأقوال والأفعال المقتضية للكفر ، وأكثرهما مما يقتضي إطلاق أصحابنا الموافقة عليه ، فنذكر ما يحضرنا مما في كتبهم .
منها : ، أو بوعده أو وعيده ، كفر ، وكذا لو قال : لو أمرني الله تعالى بكذا لم أفعل ، أو لو صارت القبلة في هذه الجهة ما صليت إليها ، أو لو أعطاني الجنة ما دخلتها . إذا سخر باسم من أسماء الله تعالى ، أو بأمره
قلت : مقتضى مذهبنا والجاري على القواعد أنه لا يكفر في قوله لو أعطاني الجنة ما دخلتها ، وهو الصواب . والله أعلم .
، أو قال المظلوم : هذا بتقدير الله تعالى ، فقال الظالم : أنا أفعل بغير تقدير الله تعالى ، كفر ، ولو قال : لو شهد عندي الأنبياء والملائكة بكذا ما صدقتهم ، كفر ، ولو ولو قال لغيره : لا تترك الصلاة ، فإن الله تعالى يؤاخذك ، فقال : لو واخذني الله بها مع ما بي من المرض والشدة ، ظلمني ، كفر . قيل له : قلم أظفارك ، فإنه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لا أفعل وإن كان سنة
قلت : المختار أنه لا يكفر بهذا إلا أن يقصد استهزاء . والله أعلم .
واختلفوا فيما لو ، أو بين يدي الله تعالى ، فمنهم من قال : هو كفر ، ومنهم من قال : إن أراد الجارحة ، كفر ، وإلا فلا ، قالوا : ولو قال : إن الله [ ص: 67 ] تعالى جلس للإنصاف ، كفر ، أو قام للإنصاف ، فهو كفر ، واختلفوا فيما إذا قال الطالب ليمين خصمه ، وقد أراد الخصم أن يحلف بالله تعالى : لا أريد الحلف بالله تعالى ، إنما أريد الحلف بالطلاق والعتاق ، والصحيح أنه لا يكفر ، واختلفوا فيمن نادى رجلا اسمه عبد الله ، وأدخل في آخره حرف الكاف الذي يدخل للتصغير بالعجمية ، فقيل : يكفر ، وقيل : إن تعمد التصغير كفر ، وإن كان جاهلا لا يدري ما يقول ، أو لم يكن له قصد ، لا يكفر ، واختلفوا فيمن قال : فلان في عيني كاليهودي ، والنصراني في عين الله تعالى ، وأكثرهم على أنه لا يكفر ، قالوا : ولو قرأ القرآن على ضرب الدف أو القضيب ، أو قيل له : تعلم الغيب ، فقال : نعم ، فهو كفر ، واختلفوا فيمن خرج لسفر ، فصاح العقعق ، فرجع هل يكفر ؟ قال : رؤيتي إياك كرؤية ملك الموت
قلت : الصواب أنه لا يكفر في المسائل الثلاث . والله أعلم .
ولو ، كفر ، وكذا لو قال : إن كان ما قاله الأنبياء صدقا نجونا ، أو قال : لا أدري أكان النبي صلى الله عليه وسلم إنسيا أم جنيا ، أو قال : إنه جن ، أو صغر عضوا من أعضائه على طريق الإهانة ، واختلفوا فيما لو قال : كان طويل الظفر ، واختلفوا فيمن صلى بغير وضوء متعمدا ، أو مع ثوب نجس ، أو إلى غير القبلة . قال : لو كان فلان نبيا ، آمنت به
قلت : مذهبنا ومذهب الجمهور ، لا يكفر إن لم يستحله . والله أعلم .
ولو ، كفر ، ولو سمع أذان المؤذن فقال : إنه يكذب ، أو قال وهو يتعاطى قدح الخمر ، أو يقدم على الزنا : باسم الله تعالى ، استخفافا باسم الله تعالى ، كفر ، ولو قال : لا أخاف القيامة ، كفر ، واختلفوا فيما لو وضع متاعه في موضع وقال : [ ص: 68 ] سلمته إلى الله تعالى ، فقال له رجل : سلمته إلى من لا يتبع السارق إذا سرق ، ولو حضر جماعة ، وجلس أحدهم على مكان رفيع تشبها بالمذكرين ، فسألوه المسائل وهم يضحكون ، ثم يضربونه بالمخراق ، أو تشبه بالمعلمين ، فأخذ خشبة ، وجلس القوم حوله كالصبيان ، وضحكوا واستهزءوا ، وقال : قصعة ثريد خير من العلم ، كفر . تنازع رجلان ، فقال أحدهما : لا حول ولا قوة إلا بالله ، فقال الآخر : لا حول لا تغني من جوع
قلت : الصواب أنه لا يكفر في مسألتي التشبه . والله أعلم .
ولو ، صار كافرا ، وكذا لو ابتلي بمصائب ، فقال : أخذت مالي ، وأخذت ولدي ، وكذا وكذا ، وماذا تفعل أيضا ، أو ماذا بقي ولم تفعله ، كفر ، ولو غضب على ولده أو غلامه ، فضربه ضربا شديدا ، فقال رجل : ألست بمسلم ، فقال : لا ، متعمدا كفر ، ولو قيل له : يا يهودي ، يا مجوسي ، فقال : لبيك ، كفر ، قلت : في هذا نظر إذا لم ينو شيئا . والله أعلم . دام مرضه واشتد فقال : إن شئت توفني مسلما ، وإن شئت توفني كافرا
ولو ، قال بعض المشائخ : يكفر . أسلم كافر ، فأعطاه الناس أموالا ، فقال مسلم : ليتني كنت كافرا فأسلم ، فأعطى
قلت : في هذا نظر ; لأنه جازم بالإسلام في الحال والاستقبال ، وثبت في الأحاديث الصحيحة في أسامة رضي الله عنه حين قتل من نطق بالشهادة ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة ؟ " قال : حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل يومئذ ، ويمكن الفرق بينهما . والله أعلم . قصة
ولو ، لا يكفر ، ولو تمنى أن لا يحرم الله تعالى الظلم أو الزنا ، [ ص: 69 ] وقتل النفس بغير حق ، كفر ، والضابط أن ما كان حلالا في زمان فتمنى حله لا يكفر ، ولو شد الزنار على وسطه ، كفر ، واختلفوا فيمن وضع قلنسوة المجوس على رأسه ، والصحيح أنه يكفر ، ولو شد على وسطه حبلا ، فسئل عنه ، فقال : هذا زنار ، فالأكثرون على أنه يكفر ، ولو شد على وسطه زنارا ، ودخل دار الحرب للتجارة ، كفر ، وإن دخل لتخليص الأسارى ، لم يكفر . تمنى أن لا يحرم الله تعالى الخمر ، أو لا يحرم المناكحة بين الأخ والأخت
قلت : الصواب أنه لا يكفر في مسألة التمني وما بعدها إذا لم تكن نية . والله أعلم .
ولو ، كفر ، وقالوا : ولو قال : النصرانية خير من المجوسية ، كفر ، ولو قال : المجوسية شر من النصرانية ، لا يكفر . قال معلم الصبيان : اليهود خير من المسلمين بكثير ; لأنهم يقضون حقوق معلمي صبيانهم
قلت : الصواب أنه لا يكفر بقوله : النصرانية خير من المجوسية إلا أن يريد أنها دين حق اليوم . والله أعلم .
قالوا : ولو عطس السلطان ، فقال له رجل : يرحمك الله ، فقال آخر : لا تقل للسلطان هذا ، كفر الآخر .
قلت : الصواب أنه لا يكفر بمجرد هذا . والله أعلم .
قالوا : ولو سقى فاسق ولده خمرا ، فنثر أقرباؤه الدراهم والسكر ، كفروا .
قلت : الصواب أنهم لا يكفرون . والله أعلم .
قالوا : ولو قال كافر لمسلم : اعرض علي الإسلام ، فقال : حتى أرى ، أو اصبر إلى الغد ، أو طلب عرض الإسلام من واعظ ، فقال : [ ص: 70 ] اجلس إلى آخر المجلس ، كفر ، وقد حكينا نظيره عن المتولي ، قالوا : ولو قال لعدوه : لو كان نبيا لم أؤمن به ، أو رضي الله عنه من الصحابة أبو بكر الصديق ، كفر ، قالوا : ولو قيل لرجل : ما الإيمان ، فقال : لا أدري ، كفر ، أو قال لزوجته : أنت أحب إلى من الله تعالى ، كفر ، وهذه الصور تتبعوا فيها الألفاظ الواقعة في كلام الناس وأجابوا فيها اتفاقا أو اختلافا بما ذكر ، ومذهبنا يقتضي موافقتهم في بعضها ، وفي بعضها يشترط وقوع اللفظ في معرض الاستهزاء . قال : لم يكن
قلت : قد ذكر القاضي الإمام الحافظ أو الفضل عياض رحمه الله في آخر كتابه الشفاء بتعريف حقوق نبينا المصطفى صلوات الله وسلامه عليه جملة في الألفاظ المكفرة غير ما سبق ، نقلها عن الأئمة ، أكثرها مجمع عليه ، وصرح بنقل الإجماع فيه . والله أعلم .
فمنها : أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لم أستوجبه ، فقال بعض العلماء : يكفر ويقتل ; لأنه يتضمن النسبة إلى الجور ، وقال آخرون : لا يتحتم قتله ويستتاب ويعزر ، وأنه لو قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم أسود ، أو توفي قبل أن يلتحي ، أو قال : ليس هو بقرشي ، فهو كفر ; لأن وصفه بغير صفته نفي له وتكذيب به ، وأن من ادعى أن النبوة مكتسبة ، أو أنه يبلغ بصفاء القلب إلى مرتبتها ، أو ادعى أنه يوحى إليه وإن لم يدع النبوة ، أو ادعى أنه يدخل الجنة ويأكل من ثمارها ، ويعانق الحور ، فهو كافر بالإجماع قطعا ، وأن من مريضا شفي ثم قال : لقيت في مرضي هذا ما لو قتلت ، فهو كافر بالإجماع ، وأن من لم يكفر من دان بغير الإسلام دافع نص الكتاب أو السنة المقطوع بها المحمول على ظاهره كالنصارى ، أو شك في تكفيرهم ، أو صحح مذهبهم ، فهو كافر ، وإن أظهر مع ذلك الإسلام واعتقده ، وكذا يقطع بتكفير كل قائل قولا يتوصل به إلى تضليل الأمة ، أو تكفير الصحابة ، وكذا [ ص: 71 ] من ، وإن كان صاحبه مصرحا بالإسلام مع فعله ، كالسجود للصليب ، أو النار والمشي إلى الكنائس مع أهلها بزيهم من الزنانير وغيرها ، وكذا من أنكر مكة ، أو البيت ، أو المسجد الحرام ، أو صفة الحج ، وأنه ليس على هذه الهيئة المعروفة ، أو قال : لا أدري أن هذه المسماة بمكة هي مكة أم غيرها ، فكل هذا أو شبهه لا شك في تكفير قائله إن كان ممن يظن به علم ذلك ، ومن طالت صحبته المسلمين ، فإن كان قريب عهد بإسلام ، أو بمخالطة المسلمين ، عرفناه ذلك ، ولا يعذر بعد التعريف ، وكذا من غير شيئا من القرآن ، أو قال : ليس بمعجز ، أو قال : ليس في خلق السماوات والأرض دلالة على الله تعالى ، أو أنكر الجنة أو النار ، أو البعث أو الحساب ، أو اعترف بذلك ، ولكن قال : المراد بالجنة والنار والبعث والنشور ، والثواب والعقاب غير معانيها ، أو قال : الأئمة أفضل من الأنبياء . فعل فعلا أجمع المسلمون أنه لا يصدر إلا من كافر
كتاب الردة
[ ص: 64 ] كِتَابُ الرِّدَّةِ
هِيَ مِنْ أَفْحَشِ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ ، وَأَغْلَظِهَا حُكْمًا ، وَفِيهِ بَابَانِ :
الْأَوَّلُ : فِي nindex.php?page=treesubj&link=9929حَقِيقَةِ الرِّدَّةِ ، وَمَنْ تَصِحُّ مِنْهُ ، وَفِيهِ طَرَفَانِ :
الْأَوَّلُ : فِي حَقِيقَتِهَا ، وَهِيَ قَطْعُ الْإِسْلَامِ ، وَيَحْصُلُ ذَلِكَ تَارَةً بِالْقَوْلِ الَّذِي هُوَ كُفْرٌ ، وَتَارَةً بِالْفِعْلِ ، وَالْأَفْعَالُ الْمُوجِبَةُ لِلْكُفْرِ هِيَ الَّتِي تَصْدُرُ عَنْ تَعَمُّدٍ وَاسْتِهْزَاءٍ بِالدِّينِ صَرِيحٍ ، كَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ أَوْ لِلشَّمْسِ ، وَإِلْقَاءِ الْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ ، وَالسِّحْرِ الَّذِي فِيهِ عِبَادَةُ الشَّمْسِ وَنَحْوِهَا ، قَالَ الْإِمَامُ : فِي بَعْضِ التَّعَالِيقِ عَنْ شَيْخِي أَنَّ الْفِعْلَ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَكُونُ كُفْرًا ، قَالَ : وَهَذَا زَلَلٌ عَظِيمٌ مِنَ الْمُعَلِّقِ ذَكَرْتُهُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى غَلَطِهِ ، وَتَحْصُلُ الرِّدَّةُ بِالْقَوْلِ الَّذِي هُوَ كُفْرٌ ، سَوَاءٌ صَدَرَ عَنِ اعْتِقَادٍ أَوْ عِنَادٍ أَوِ اسْتِهْزَاءٍ ، هَذَا قَوْلٌ جُمَلِيٌّ ، وَأَمَّا التَّفْصِيلُ فَقَالَ الْمُتَوَلِّي : مَنِ اعْتَقَدَ قِدَمَ الْعَالَمِ ، أَوْ حُدُوثَ الصَّانِعِ ، أَوْ نَفَى مَا هُوَ ثَابِتٌ لِلْقَدِيمِ بِالْإِجْمَاعِ ، كَكَوْنِهِ عَالِمًا قَادِرًا ، أَوْ أَثْبَتَ مَا هُوَ مَنْفِيٌّ عَنْهُ بِالْإِجْمَاعِ ، كَالْأَلْوَانِ ، أَوْ أَثْبَتَ لَهُ الِاتِّصَالَ وَالِانْفِصَالَ ، كَانَ كَافِرًا ، وَكَذَا مَنْ جَحَدَ جَوَازَ بَعْثَةِ الرُّسُلِ ، أَوْ أَنْكَرَ نُبُوَّةَ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ ، أَوْ كَذَّبَهُ ، أَوْ جَحَدَ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ مُجْمَعًا عَلَيْهَا ، أَوْ زَادَ فِي الْقُرْآنِ كَلِمَةً وَاعْتَقَدَ أَنَّهَا مِنْهُ ، أَوْ سَبَّ نَبِيًّا ، أَوِ اسْتَخَفَّ بِهِ ، أَوِ اسْتَحَلَّ مُحَرَّمًا بِالْإِجْمَاعِ كَالْخَمْرِ وَاللِّوَاطِ ، أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا بِالْإِجْمَاعِ ، أَوْ نَفَى وُجُوبَ مُجْمَعٍ عَلَى وُجُوبِهِ ، كَرَكْعَةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ، أَوِ اعْتَقَدَ وُجُوبَ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِالْإِجْمَاعِ ، كَصَلَاةٍ سَادِسَةٍ وَصَوْمِ شَوَّالٍ ، أَوْ نَسَبَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِلَى الْفَاحِشَةِ ، أَوِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ بَعْدَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ [ ص: 65 ] عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ صَدَّقَ مُدَّعِيًا لَهَا ، أَوْ عَظَّمَ صَنَمًا بِالسُّجُودِ لَهُ ، أَوِ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِالذَّبْحِ بِاسْمِهِ ، فَكُلُّ هَذَا كُفْرٌ .
قُلْتُ : قَوْلُهُ : إِنَّ جَاحِدَ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ يَكْفُرُ ، لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ ، بَلِ الصَّوَابُ فِيهِ تَفْصِيلٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ تَارِكِ الصَّلَاةِ عَقِبَ كِتَابِ الْجَنَائِزِ ، وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّهُ إِنْ nindex.php?page=treesubj&link=10018جَحَدَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ يُعْلَمُ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ ضَرُورَةً ، كَفَرَ إِنْ كَانَ فِيهِ نَصٌّ ، وَكَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَصٌّ فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ ضَرُورَةً بِحَيْثُ لَا يَعْرِفُهُ كُلُّ الْمُسْلِمِينَ ، لَمْ يَكْفُرْ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ الْمُتَوَلِّي : وَلَوْ قَالَ الْمُسْلِمُ : يَا كَافِرُ بِلَا تَأْوِيلٍ ، كَفَرَ ; لِأَنَّهُ سَمَّى الْإِسْلَامَ كُفْرًا ، وَالْعَزْمُ عَلَى الْكُفْرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كُفْرٌ فِي الْحَالِ ، وَكَذَا التَّرَدُّدُ فِي أَنَّهُ يَكْفُرُ أَمْ لَا ، فَهُوَ كُفْرٌ فِي الْحَالِ ، وَكَذَا التَّعْلِيقُ بِأَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ ، كَقَوْلِهِ : إِنْ هَلَكَ مَالِي أَوْ وَلَدِي تَهَوَّدْتُ ، أَوْ تَنَصَّرْتُ ، قَالَ : وَالرِّضَى بِالْكُفْرِ كُفْرٌ ، حَتَّى لَوْ سَأَلَهُ كَافِرٌ يُرِيدُ الْإِسْلَامَ أَنْ يُلَقِّنَهُ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ ، فَلَمْ يَفْعَلْ ، أَوْ أَشَارَ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يُسْلِمَ ، أَوْ عَلَى مُسْلِمٍ بِأَنْ يَرْتَدَّ ، فَهُوَ كَافِرٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِمُسْلِمٍ : سَلَبَهُ اللَّهُ الْإِيمَانَ ، أَوْ لِكَافِرٍ : لَا رَزَقَهُ اللَّهُ الْإِيمَانَ ، فَلَيْسَ بِكُفْرٍ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ رِضًى بِالْكُفْرِ ، لَكِنَّهُ دَعَا عَلَيْهِ بِتَشْدِيدِ الْأَمْرِ وَالْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ .
قُلْتُ : وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي " الْفَتَاوَى " وَجْهًا ضَعِيفًا ، أَنَّ مَنْ قَالَ لِمُسْلِمٍ : سَلَبَهُ اللَّهُ الْإِيمَانَ ، كَفَرَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلَوْ nindex.php?page=treesubj&link=10040أَكْرَهَ مُسْلِمًا عَلَى الْكُفْرِ ، صَارَ الْمُكْرِهُ كَافِرًا ، وَالْإِكْرَاهُ عَلَى الْإِسْلَامِ ، وَالرِّضَى بِهِ ، وَالْعَزْمُ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَيْسَ بِإِسْلَامٍ ، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ ، وَشَرِبَ مَعَهُمُ الْخَمْرَ ، وَأَكَلَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ ، لَا يُحْكَمُ [ ص: 66 ] بِكُفْرِهِ ، وَارْتِكَابُ كَبَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ لَيْسَ بِكُفْرٍ ، وَلَا يَنْسَلِبُ بِهِ اسْمُ الْإِيمَانِ ، وَالْفَاسِقُ إِذَا مَاتَ وَلَمْ يَتُبْ لَا يَخْلُدُ فِي النَّارِ .
فَرْعٌ
فِي كُتُبِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ اعْتِنَاءٌ تَامٌّ بِتَفْصِيلِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْكُفْرِ ، وَأَكْثَرُهُمَا مِمَّا يَقْتَضِي إِطْلَاقُ أَصْحَابِنَا الْمُوَافَقَةَ عَلَيْهِ ، فَنَذْكُرُ مَا يَحْضُرُنَا مِمَّا فِي كُتُبِهِمْ .
مِنْهَا : nindex.php?page=treesubj&link=10025_19050إِذَا سَخِرَ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ، أَوْ بِأَمْرِهِ ، أَوْ بِوَعْدِهِ أَوْ وَعِيدِهِ ، كَفَرَ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ : لَوْ أَمَرَنِي اللَّهُ تَعَالَى بِكَذَا لَمْ أَفْعَلْ ، أَوْ لَوْ صَارَتِ الْقِبْلَةُ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ مَا صَلَّيْتُ إِلَيْهَا ، أَوْ لَوْ أَعْطَانِي الْجَنَّةَ مَا دَخَلْتُهَا .
قُلْتُ : مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا وَالْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ فِي قَوْلِهِ لَوْ أَعْطَانِي الْجَنَّةَ مَا دَخَلْتُهَا ، وَهُوَ الصَّوَابُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
nindex.php?page=treesubj&link=10025وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ : لَا تَتْرُكِ الصَّلَاةَ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُؤَاخِذُكَ ، فَقَالَ : لَوْ وَاخَذَنِي اللَّهُ بِهَا مَعَ مَا بِي مِنَ الْمَرَضِ وَالشِّدَّةِ ، ظَلَمَنِي ، أَوْ قَالَ الْمَظْلُومُ : هَذَا بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَقَالَ الظَّالِمُ : أَنَا أَفْعَلُ بِغَيْرِ تَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى ، كَفَرَ ، وَلَوْ قَالَ : لَوْ شَهِدَ عِنْدِي الْأَنْبِيَاءُ وَالْمَلَائِكَةُ بِكَذَا مَا صَدَّقْتُهُمْ ، كَفَرَ ، وَلَوْ nindex.php?page=treesubj&link=10037_19048قِيلَ لَهُ : قَلِّمْ أَظْفَارَكَ ، فَإِنَّهُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : لَا أَفْعَلُ وَإِنْ كَانَ سُنَّةً ، كَفَرَ .
قُلْتُ : الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِهَذَا إِلَّا أَنْ يَقْصِدَ اسْتِهْزَاءً . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ nindex.php?page=treesubj&link=10025قَالَ : فُلَانٌ فِي عَيْنِي كَالْيَهُودِيِّ ، وَالنَّصْرَانِيِّ فِي عَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى ، أَوْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : هُوَ كُفْرٌ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِنْ أَرَادَ الْجَارِحَةَ ، كَفَرَ ، وَإِلَّا فَلَا ، قَالُوا : وَلَوْ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ [ ص: 67 ] تَعَالَى جَلَسَ لِلْإِنْصَافِ ، كَفَرَ ، أَوْ قَامَ لِلْإِنْصَافِ ، فَهُوَ كُفْرٌ ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا قَالَ الطَّالِبُ لِيَمِينِ خَصْمِهِ ، وَقَدْ أَرَادَ الْخَصْمُ أَنْ يَحْلِفَ بِاللَّهِ تَعَالَى : لَا أُرِيدُ الْحَلِفَ بِاللَّهِ تَعَالَى ، إِنَّمَا أُرِيدُ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ نَادَى رَجُلًا اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ ، وَأَدْخَلَ فِي آخِرِهِ حَرْفَ الْكَافِ الَّذِي يَدْخُلُ لِلتَّصْغِيرِ بِالْعَجَمِيَّةِ ، فَقِيلَ : يَكْفُرُ ، وَقِيلَ : إِنْ تَعَمَّدَ التَّصْغِيرِ كَفَرَ ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَصْدٌ ، لَا يَكْفُرُ ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ nindex.php?page=treesubj&link=10025قَالَ : رُؤْيَتِي إِيَّاكَ كَرُؤْيَةِ مَلَكِ الْمَوْتِ ، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ ، قَالُوا : وَلَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى ضَرْبِ الدُّفِّ أَوِ الْقَضِيبِ ، أَوْ قِيلَ لَهُ : تَعْلَمُ الْغَيْبَ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، فَهُوَ كُفْرٌ ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ خَرَجَ لِسَفَرٍ ، فَصَاحَ الْعَقْعَقُ ، فَرَجَعَ هَلْ يَكْفُرُ ؟
قُلْتُ : الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلَوْ nindex.php?page=treesubj&link=10025قَالَ : لَوْ كَانَ فُلَانٌ نَبِيًّا ، آمَنْتُ بِهِ ، كَفَرَ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ : إِنْ كَانَ مَا قَالَهُ الْأَنْبِيَاءُ صِدْقًا نَجَوْنَا ، أَوْ قَالَ : لَا أَدْرِي أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْسِيًّا أَمْ جِنِّيًّا ، أَوْ قَالَ : إِنَّهُ جِنٌّ ، أَوْ صَغَّرَ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ عَلَى طَرِيقِ الْإِهَانَةِ ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ قَالَ : كَانَ طَوِيلَ الظُّفْرِ ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ مُتَعَمِّدًا ، أَوْ مَعَ ثَوْبٍ نَجِسٍ ، أَوْ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ .
قُلْتُ : مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ ، لَا يَكْفُرُ إِنْ لَمْ يَسْتَحِلَّهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلَوْ nindex.php?page=treesubj&link=10025تَنَازَعَ رَجُلَانِ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا : لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ، فَقَالَ الْآخَرُ : لَا حَوْلَ لَا تُغْنِي مِنْ جُوعٍ ، كَفَرَ ، وَلَوْ سَمِعَ أَذَانَ الْمُؤَذِّنِ فَقَالَ : إِنَّهُ يَكْذِبُ ، أَوْ قَالَ وَهُوَ يَتَعَاطَى قَدَحَ الْخَمْرِ ، أَوْ يُقْدِمُ عَلَى الزِّنَا : بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى ، اسْتِخْفَافًا بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى ، كَفَرَ ، وَلَوْ قَالَ : لَا أَخَافُ الْقِيَامَةَ ، كَفَرَ ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ وَضَعَ مَتَاعَهُ فِي مَوْضِعٍ وَقَالَ : [ ص: 68 ] سَلَّمْتُهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : سَلَّمْتَهُ إِلَى مَنْ لَا يَتْبَعُ السَّارِقَ إِذَا سَرَقَ ، وَلَوْ حَضَرَ جَمَاعَةٌ ، وَجَلَسَ أَحَدُهُمْ عَلَى مَكَانٍ رَفِيعٍ تَشَبُّهًا بِالْمُذَكِّرِينَ ، فَسَأَلُوهُ الْمَسَائِلَ وَهُمْ يَضْحَكُونَ ، ثُمَّ يَضْرِبُونَهُ بِالْمِخْرَاقِ ، أَوْ تَشَبَّهَ بِالْمُعَلِّمِينَ ، فَأَخَذَ خَشَبَةً ، وَجَلَسَ الْقَوْمُ حَوْلَهُ كَالصِّبْيَانِ ، وَضَحِكُوا وَاسْتَهْزَءُوا ، وَقَالَ : قَصْعَةُ ثَرِيدٍ خَيْرٌ مِنَ الْعِلْمِ ، كَفَرَ .
قُلْتُ : الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ فِي مَسْأَلَتَيِ التَّشَبُّهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلَوْ nindex.php?page=treesubj&link=10025دَامَ مَرَضُهُ وَاشْتَدَّ فَقَالَ : إِنْ شِئْتَ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا ، وَإِنْ شِئْتَ تَوَفَّنِي كَافِرًا ، صَارَ كَافِرًا ، وَكَذَا لَوِ ابْتُلِيَ بِمَصَائِبَ ، فَقَالَ : أَخَذْتَ مَالِي ، وَأَخَذْتَ وَلَدِي ، وَكَذَا وَكَذَا ، وَمَاذَا تَفْعَلُ أَيْضًا ، أَوْ مَاذَا بَقِيَ وَلَمْ تَفْعَلْهُ ، كَفَرَ ، وَلَوْ غَضِبَ عَلَى وَلَدِهِ أَوْ غُلَامِهِ ، فَضَرَبَهُ ضَرْبًا شَدِيدًا ، فَقَالَ رَجُلٌ : أَلَسْتَ بِمُسْلِمٍ ، فَقَالَ : لَا ، مُتَعَمِّدًا كَفَرَ ، وَلَوْ قِيلَ لَهُ : يَا يَهُودِيُّ ، يَا مَجُوسِيُّ ، فَقَالَ : لَبَّيْكَ ، كَفَرَ ، قُلْتُ : فِي هَذَا نَظَرٌ إِذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلَوْ nindex.php?page=treesubj&link=23640أَسْلَمَ كَافِرٌ ، فَأَعْطَاهُ النَّاسُ أَمْوَالًا ، فَقَالَ مُسْلِمٌ : لَيْتَنِي كُنْتُ كَافِرًا فَأُسْلِمُ ، فَأُعْطَى ، قَالَ بَعْضُ الْمَشَائِخِ : يَكْفُرُ .
قُلْتُ : فِي هَذَا نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ جَازِمٌ بِالْإِسْلَامِ فِي الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ ، وَثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي nindex.php?page=hadith&LINKID=10350783قِصَّةِ أُسَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ قَتَلَ مَنْ نَطَقَ بِالشَّهَادَةِ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ " قَالَ : حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ يَوْمِئِذٍ ، وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلَوْ nindex.php?page=treesubj&link=23640تَمَنَّى أَنْ لَا يُحَرِّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْخَمْرَ ، أَوْ لَا يُحَرِّمَ الْمُنَاكَحَةَ بَيْنَ الْأَخِ وَالْأُخْتِ ، لَا يَكْفُرُ ، وَلَوْ تَمَنَّى أَنْ لَا يُحَرِّمَ اللَّهُ تَعَالَى الظُّلْمَ أَوِ الزِّنَا ، [ ص: 69 ] وَقَتْلَ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، كَفَرَ ، وَالضَّابِطُ أَنَّ مَا كَانَ حَلَالًا فِي زَمَانٍ فَتَمَنَّى حِلَّهُ لَا يَكْفُرُ ، وَلَوْ شَدَّ الزُّنَّارَ عَلَى وَسَطِهِ ، كَفَرَ ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ وَضَعَ قَلَنْسُوَةَ الْمَجُوسِ عَلَى رَأْسِهِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكْفُرُ ، وَلَوْ شَدَّ عَلَى وَسَطِهِ حَبْلًا ، فَسُئِلَ عَنْهُ ، فَقَالَ : هَذَا زُنَّارٌ ، فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ يَكْفُرُ ، وَلَوْ شَدَّ عَلَى وَسَطِهِ زُنَّارًا ، وَدَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ لِلتِّجَارَةِ ، كَفَرَ ، وَإِنْ دَخَلَ لِتَخْلِيصِ الْأُسَارَى ، لَمْ يَكْفُرْ .
قُلْتُ : الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ فِي مَسْأَلَةِ التَّمَنِّي وَمَا بَعْدَهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ نِيَّةً . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلَوْ nindex.php?page=treesubj&link=10025قَالَ مُعَلِّمُ الصِّبْيَانِ : الْيَهُودُ خَيْرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِكَثِيرٍ ; لِأَنَّهُمْ يَقْضُونَ حُقُوقَ مُعَلِّمِي صِبْيَانِهِمْ ، كَفَرَ ، وَقَالُوا : وَلَوْ قَالَ : النَّصْرَانِيَّةُ خَيْرٌ مِنَ الْمَجُوسِيَّةِ ، كَفَرَ ، وَلَوْ قَالَ : الْمَجُوسِيَّةُ شَرٌّ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ ، لَا يَكْفُرُ .
قُلْتُ : الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِقَوْلِهِ : النَّصْرَانِيَّةُ خَيْرٌ مِنَ الْمَجُوسِيَّةِ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّهَا دِينُ حَقٍّ الْيَوْمَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالُوا : وَلَوْ عَطَسَ السُّلْطَانُ ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، فَقَالَ آخَرُ : لَا تَقُلْ لِلسُّلْطَانِ هَذَا ، كَفَرَ الْآخَرُ .
قُلْتُ : الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِمُجَرَّدِ هَذَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالُوا : وَلَوْ سَقَى فَاسِقٌ وَلَدَهُ خَمْرًا ، فَنَثَرَ أَقْرِبَاؤُهُ الدَّرَاهِمَ وَالسُّكَّرَ ، كَفَرُوا .
قُلْتُ : الصَّوَابُ أَنَّهُمْ لَا يَكْفُرُونَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالُوا : وَلَوْ قَالَ كَافِرٌ لِمُسْلِمٍ : اعْرِضْ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ ، فَقَالَ : حَتَّى أَرَى ، أَوِ اصْبِرْ إِلَى الْغَدِ ، أَوْ طَلَبَ عَرْضَ الْإِسْلَامِ مِنْ وَاعِظٍ ، فَقَالَ : [ ص: 70 ] اجْلِسْ إِلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ ، كَفَرَ ، وَقَدْ حَكَيْنَا نَظِيرَهُ عَنِ الْمُتَوَلِّي ، قَالُوا : وَلَوْ قَالَ لِعَدُوِّهِ : لَوْ كَانَ نَبِيًّا لَمْ أُؤْمِنْ بِهِ ، أَوْ nindex.php?page=treesubj&link=10025قَالَ : لَمْ يَكُنْ nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ ، كَفَرَ ، قَالُوا : وَلَوْ قِيلَ لِرَجُلٍ : مَا الْإِيمَانُ ، فَقَالَ : لَا أَدْرِي ، كَفَرَ ، أَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، كَفَرَ ، وَهَذِهِ الصُّوَرُ تَتَبَّعُوا فِيهَا الْأَلْفَاظَ الْوَاقِعَةَ فِي كَلَامِ النَّاسِ وَأَجَابُوا فِيهَا اتِّفَاقًا أَوِ اخْتِلَافًا بِمَا ذُكِرَ ، وَمَذْهَبُنَا يَقْتَضِي مُوَافَقَتَهُمْ فِي بَعْضِهَا ، وَفِي بَعْضِهَا يُشْتَرَطُ وُقُوعُ اللَّفْظِ فِي مَعْرِضِ الِاسْتِهْزَاءِ .
قُلْتُ : قَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَوِ الْفَضْلُ عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي آخِرِ كِتَابِهِ الشِّفَاءِ بِتَعْرِيفِ حُقُوقِ نَبِيِّنَا الْمُصْطَفَى صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ جُمْلَةً فِي الْأَلْفَاظِ الْمُكَفِّرَةِ غَيْرَ مَا سَبَقَ ، نَقَلَهَا عَنِ الْأَئِمَّةِ ، أَكْثَرُهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ، وَصَرَّحَ بِنَقْلِ الْإِجْمَاعِ فِيهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
فَمِنْهَا : أَنَّ nindex.php?page=treesubj&link=10025مَرِيضًا شُفِيَ ثُمَّ قَالَ : لَقِيتُ فِي مَرَضِي هَذَا مَا لَوْ قَتَلْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَمْ أَسْتَوْجِبْهُ ، فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : يَكْفُرُ وَيُقْتَلُ ; لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ النِّسْبَةَ إِلَى الْجَوْرِ ، وَقَالَ آخَرُونَ : لَا يَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ وَيُسْتَتَابُ وَيُعَزَّرُ ، وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْوَدَ ، أَوْ تُوُفِّيَ قَبْلَ أَنْ يَلْتَحِيَ ، أَوْ قَالَ : لَيْسَ هُوَ بِقُرَشِيٍّ ، فَهُوَ كُفْرٌ ; لِأَنَّ وَصْفَهُ بِغَيْرِ صِفَتِهِ نَفْيٌ لَهُ وَتَكْذِيبٌ بِهِ ، وَأَنَّ مَنِ ادَّعَى أَنَّ النُّبُوَّةَ مُكْتَسَبَةٌ ، أَوْ أَنَّهُ يَبْلُغُ بِصَفَاءِ الْقَلْبِ إِلَى مَرْتَبَتِهَا ، أَوِ ادَّعَى أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ النُّبُوَّةَ ، أَوِ ادَّعَى أَنَّهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَيَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا ، وَيُعَانِقُ الْحُورَ ، فَهُوَ كَافِرٌ بِالْإِجْمَاعِ قَطْعًا ، وَأَنَّ مَنْ nindex.php?page=treesubj&link=10015دَافَعَ نَصَّ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ الْمَقْطُوعِ بِهَا الْمَحْمُولِ عَلَى ظَاهِرِهِ ، فَهُوَ كَافِرٌ بِالْإِجْمَاعِ ، وَأَنَّ مَنْ لَمْ يُكَفِّرْ مَنْ دَانَ بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ كَالنَّصَارَى ، أَوْ شَكَّ فِي تَكْفِيرِهِمْ ، أَوْ صَحَّحَ مَذْهَبَهُمْ ، فَهُوَ كَافِرٌ ، وَإِنْ أَظْهَرَ مَعَ ذَلِكَ الْإِسْلَامَ وَاعْتَقَدَهُ ، وَكَذَا يَقْطَعُ بِتَكْفِيرِ كُلِّ قَائِلٍ قَوْلًا يَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى تَضْلِيلِ الْأُمَّةِ ، أَوْ تَكْفِيرِ الصَّحَابَةِ ، وَكَذَا [ ص: 71 ] مَنْ nindex.php?page=treesubj&link=10024فَعَلَ فِعْلًا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ لَا يَصْدُرُ إِلَّا مِنْ كَافِرٍ ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ مُصَرِّحًا بِالْإِسْلَامِ مَعَ فِعْلِهِ ، كَالسُّجُودِ لِلصَّلِيبِ ، أَوِ النَّارِ وَالْمَشْيِ إِلَى الْكَنَائِسِ مَعَ أَهْلِهَا بِزِيِّهِمْ مِنَ الزُّنَّانِيرِ وَغَيْرِهَا ، وَكَذَا مَنْ أَنْكَرَ مَكَّةَ ، أَوِ الْبَيْتَ ، أَوِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ، أَوْ صِفَةَ الْحَجِّ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ الْمَعْرُوفَةِ ، أَوْ قَالَ : لَا أَدْرِي أَنَّ هَذِهِ الْمُسَمَّاةَ بِمَكَّةَ هِيَ مَكَّةُ أَمْ غَيْرُهَا ، فَكُلُّ هَذَا أَوْ شَبَهُهُ لَا شَكَّ فِي تَكْفِيرِ قَائِلِهِ إِنْ كَانَ مِمَّنْ يُظَنُّ بِهِ عِلْمُ ذَلِكَ ، وَمَنْ طَالَتْ صُحْبَتُهُ الْمُسْلِمِينَ ، فَإِنْ كَانَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ ، أَوْ بِمُخَالَطَةِ الْمُسْلِمِينَ ، عَرَّفْنَاهُ ذَلِكَ ، وَلَا يُعْذَرُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ ، وَكَذَا مَنْ غَيَّرَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ ، أَوْ قَالَ : لَيْسَ بِمُعْجِزٍ ، أَوْ قَالَ : لَيْسَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ دَلَالَةٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ، أَوْ أَنْكَرَ الْجَنَّةَ أَوِ النَّارَ ، أَوِ الْبَعْثَ أَوِ الْحِسَابَ ، أَوِ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ ، وَلَكِنْ قَالَ : الْمُرَادُ بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ ، وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ غَيْرُ مَعَانِيهَا ، أَوْ قَالَ : الْأَئِمَّةُ أَفْضَلُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ .
هِيَ مِنْ أَفْحَشِ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ ، وَأَغْلَظِهَا حُكْمًا ، وَفِيهِ بَابَانِ :
الْأَوَّلُ : فِي nindex.php?page=treesubj&link=9929حَقِيقَةِ الرِّدَّةِ ، وَمَنْ تَصِحُّ مِنْهُ ، وَفِيهِ طَرَفَانِ :
الْأَوَّلُ : فِي حَقِيقَتِهَا ، وَهِيَ قَطْعُ الْإِسْلَامِ ، وَيَحْصُلُ ذَلِكَ تَارَةً بِالْقَوْلِ الَّذِي هُوَ كُفْرٌ ، وَتَارَةً بِالْفِعْلِ ، وَالْأَفْعَالُ الْمُوجِبَةُ لِلْكُفْرِ هِيَ الَّتِي تَصْدُرُ عَنْ تَعَمُّدٍ وَاسْتِهْزَاءٍ بِالدِّينِ صَرِيحٍ ، كَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ أَوْ لِلشَّمْسِ ، وَإِلْقَاءِ الْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ ، وَالسِّحْرِ الَّذِي فِيهِ عِبَادَةُ الشَّمْسِ وَنَحْوِهَا ، قَالَ الْإِمَامُ : فِي بَعْضِ التَّعَالِيقِ عَنْ شَيْخِي أَنَّ الْفِعْلَ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَكُونُ كُفْرًا ، قَالَ : وَهَذَا زَلَلٌ عَظِيمٌ مِنَ الْمُعَلِّقِ ذَكَرْتُهُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى غَلَطِهِ ، وَتَحْصُلُ الرِّدَّةُ بِالْقَوْلِ الَّذِي هُوَ كُفْرٌ ، سَوَاءٌ صَدَرَ عَنِ اعْتِقَادٍ أَوْ عِنَادٍ أَوِ اسْتِهْزَاءٍ ، هَذَا قَوْلٌ جُمَلِيٌّ ، وَأَمَّا التَّفْصِيلُ فَقَالَ الْمُتَوَلِّي : مَنِ اعْتَقَدَ قِدَمَ الْعَالَمِ ، أَوْ حُدُوثَ الصَّانِعِ ، أَوْ نَفَى مَا هُوَ ثَابِتٌ لِلْقَدِيمِ بِالْإِجْمَاعِ ، كَكَوْنِهِ عَالِمًا قَادِرًا ، أَوْ أَثْبَتَ مَا هُوَ مَنْفِيٌّ عَنْهُ بِالْإِجْمَاعِ ، كَالْأَلْوَانِ ، أَوْ أَثْبَتَ لَهُ الِاتِّصَالَ وَالِانْفِصَالَ ، كَانَ كَافِرًا ، وَكَذَا مَنْ جَحَدَ جَوَازَ بَعْثَةِ الرُّسُلِ ، أَوْ أَنْكَرَ نُبُوَّةَ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ ، أَوْ كَذَّبَهُ ، أَوْ جَحَدَ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ مُجْمَعًا عَلَيْهَا ، أَوْ زَادَ فِي الْقُرْآنِ كَلِمَةً وَاعْتَقَدَ أَنَّهَا مِنْهُ ، أَوْ سَبَّ نَبِيًّا ، أَوِ اسْتَخَفَّ بِهِ ، أَوِ اسْتَحَلَّ مُحَرَّمًا بِالْإِجْمَاعِ كَالْخَمْرِ وَاللِّوَاطِ ، أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا بِالْإِجْمَاعِ ، أَوْ نَفَى وُجُوبَ مُجْمَعٍ عَلَى وُجُوبِهِ ، كَرَكْعَةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ، أَوِ اعْتَقَدَ وُجُوبَ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِالْإِجْمَاعِ ، كَصَلَاةٍ سَادِسَةٍ وَصَوْمِ شَوَّالٍ ، أَوْ نَسَبَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِلَى الْفَاحِشَةِ ، أَوِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ بَعْدَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ [ ص: 65 ] عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ صَدَّقَ مُدَّعِيًا لَهَا ، أَوْ عَظَّمَ صَنَمًا بِالسُّجُودِ لَهُ ، أَوِ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِالذَّبْحِ بِاسْمِهِ ، فَكُلُّ هَذَا كُفْرٌ .
قُلْتُ : قَوْلُهُ : إِنَّ جَاحِدَ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ يَكْفُرُ ، لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ ، بَلِ الصَّوَابُ فِيهِ تَفْصِيلٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ تَارِكِ الصَّلَاةِ عَقِبَ كِتَابِ الْجَنَائِزِ ، وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّهُ إِنْ nindex.php?page=treesubj&link=10018جَحَدَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ يُعْلَمُ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ ضَرُورَةً ، كَفَرَ إِنْ كَانَ فِيهِ نَصٌّ ، وَكَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَصٌّ فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ ضَرُورَةً بِحَيْثُ لَا يَعْرِفُهُ كُلُّ الْمُسْلِمِينَ ، لَمْ يَكْفُرْ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ الْمُتَوَلِّي : وَلَوْ قَالَ الْمُسْلِمُ : يَا كَافِرُ بِلَا تَأْوِيلٍ ، كَفَرَ ; لِأَنَّهُ سَمَّى الْإِسْلَامَ كُفْرًا ، وَالْعَزْمُ عَلَى الْكُفْرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كُفْرٌ فِي الْحَالِ ، وَكَذَا التَّرَدُّدُ فِي أَنَّهُ يَكْفُرُ أَمْ لَا ، فَهُوَ كُفْرٌ فِي الْحَالِ ، وَكَذَا التَّعْلِيقُ بِأَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ ، كَقَوْلِهِ : إِنْ هَلَكَ مَالِي أَوْ وَلَدِي تَهَوَّدْتُ ، أَوْ تَنَصَّرْتُ ، قَالَ : وَالرِّضَى بِالْكُفْرِ كُفْرٌ ، حَتَّى لَوْ سَأَلَهُ كَافِرٌ يُرِيدُ الْإِسْلَامَ أَنْ يُلَقِّنَهُ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ ، فَلَمْ يَفْعَلْ ، أَوْ أَشَارَ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يُسْلِمَ ، أَوْ عَلَى مُسْلِمٍ بِأَنْ يَرْتَدَّ ، فَهُوَ كَافِرٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِمُسْلِمٍ : سَلَبَهُ اللَّهُ الْإِيمَانَ ، أَوْ لِكَافِرٍ : لَا رَزَقَهُ اللَّهُ الْإِيمَانَ ، فَلَيْسَ بِكُفْرٍ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ رِضًى بِالْكُفْرِ ، لَكِنَّهُ دَعَا عَلَيْهِ بِتَشْدِيدِ الْأَمْرِ وَالْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ .
قُلْتُ : وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي " الْفَتَاوَى " وَجْهًا ضَعِيفًا ، أَنَّ مَنْ قَالَ لِمُسْلِمٍ : سَلَبَهُ اللَّهُ الْإِيمَانَ ، كَفَرَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلَوْ nindex.php?page=treesubj&link=10040أَكْرَهَ مُسْلِمًا عَلَى الْكُفْرِ ، صَارَ الْمُكْرِهُ كَافِرًا ، وَالْإِكْرَاهُ عَلَى الْإِسْلَامِ ، وَالرِّضَى بِهِ ، وَالْعَزْمُ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَيْسَ بِإِسْلَامٍ ، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ ، وَشَرِبَ مَعَهُمُ الْخَمْرَ ، وَأَكَلَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ ، لَا يُحْكَمُ [ ص: 66 ] بِكُفْرِهِ ، وَارْتِكَابُ كَبَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ لَيْسَ بِكُفْرٍ ، وَلَا يَنْسَلِبُ بِهِ اسْمُ الْإِيمَانِ ، وَالْفَاسِقُ إِذَا مَاتَ وَلَمْ يَتُبْ لَا يَخْلُدُ فِي النَّارِ .
فَرْعٌ
فِي كُتُبِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ اعْتِنَاءٌ تَامٌّ بِتَفْصِيلِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْكُفْرِ ، وَأَكْثَرُهُمَا مِمَّا يَقْتَضِي إِطْلَاقُ أَصْحَابِنَا الْمُوَافَقَةَ عَلَيْهِ ، فَنَذْكُرُ مَا يَحْضُرُنَا مِمَّا فِي كُتُبِهِمْ .
مِنْهَا : nindex.php?page=treesubj&link=10025_19050إِذَا سَخِرَ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ، أَوْ بِأَمْرِهِ ، أَوْ بِوَعْدِهِ أَوْ وَعِيدِهِ ، كَفَرَ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ : لَوْ أَمَرَنِي اللَّهُ تَعَالَى بِكَذَا لَمْ أَفْعَلْ ، أَوْ لَوْ صَارَتِ الْقِبْلَةُ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ مَا صَلَّيْتُ إِلَيْهَا ، أَوْ لَوْ أَعْطَانِي الْجَنَّةَ مَا دَخَلْتُهَا .
قُلْتُ : مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا وَالْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ فِي قَوْلِهِ لَوْ أَعْطَانِي الْجَنَّةَ مَا دَخَلْتُهَا ، وَهُوَ الصَّوَابُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
nindex.php?page=treesubj&link=10025وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ : لَا تَتْرُكِ الصَّلَاةَ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُؤَاخِذُكَ ، فَقَالَ : لَوْ وَاخَذَنِي اللَّهُ بِهَا مَعَ مَا بِي مِنَ الْمَرَضِ وَالشِّدَّةِ ، ظَلَمَنِي ، أَوْ قَالَ الْمَظْلُومُ : هَذَا بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَقَالَ الظَّالِمُ : أَنَا أَفْعَلُ بِغَيْرِ تَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى ، كَفَرَ ، وَلَوْ قَالَ : لَوْ شَهِدَ عِنْدِي الْأَنْبِيَاءُ وَالْمَلَائِكَةُ بِكَذَا مَا صَدَّقْتُهُمْ ، كَفَرَ ، وَلَوْ nindex.php?page=treesubj&link=10037_19048قِيلَ لَهُ : قَلِّمْ أَظْفَارَكَ ، فَإِنَّهُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : لَا أَفْعَلُ وَإِنْ كَانَ سُنَّةً ، كَفَرَ .
قُلْتُ : الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِهَذَا إِلَّا أَنْ يَقْصِدَ اسْتِهْزَاءً . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ nindex.php?page=treesubj&link=10025قَالَ : فُلَانٌ فِي عَيْنِي كَالْيَهُودِيِّ ، وَالنَّصْرَانِيِّ فِي عَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى ، أَوْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : هُوَ كُفْرٌ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِنْ أَرَادَ الْجَارِحَةَ ، كَفَرَ ، وَإِلَّا فَلَا ، قَالُوا : وَلَوْ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ [ ص: 67 ] تَعَالَى جَلَسَ لِلْإِنْصَافِ ، كَفَرَ ، أَوْ قَامَ لِلْإِنْصَافِ ، فَهُوَ كُفْرٌ ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا قَالَ الطَّالِبُ لِيَمِينِ خَصْمِهِ ، وَقَدْ أَرَادَ الْخَصْمُ أَنْ يَحْلِفَ بِاللَّهِ تَعَالَى : لَا أُرِيدُ الْحَلِفَ بِاللَّهِ تَعَالَى ، إِنَّمَا أُرِيدُ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ نَادَى رَجُلًا اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ ، وَأَدْخَلَ فِي آخِرِهِ حَرْفَ الْكَافِ الَّذِي يَدْخُلُ لِلتَّصْغِيرِ بِالْعَجَمِيَّةِ ، فَقِيلَ : يَكْفُرُ ، وَقِيلَ : إِنْ تَعَمَّدَ التَّصْغِيرِ كَفَرَ ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَصْدٌ ، لَا يَكْفُرُ ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ nindex.php?page=treesubj&link=10025قَالَ : رُؤْيَتِي إِيَّاكَ كَرُؤْيَةِ مَلَكِ الْمَوْتِ ، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ ، قَالُوا : وَلَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى ضَرْبِ الدُّفِّ أَوِ الْقَضِيبِ ، أَوْ قِيلَ لَهُ : تَعْلَمُ الْغَيْبَ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، فَهُوَ كُفْرٌ ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ خَرَجَ لِسَفَرٍ ، فَصَاحَ الْعَقْعَقُ ، فَرَجَعَ هَلْ يَكْفُرُ ؟
قُلْتُ : الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلَوْ nindex.php?page=treesubj&link=10025قَالَ : لَوْ كَانَ فُلَانٌ نَبِيًّا ، آمَنْتُ بِهِ ، كَفَرَ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ : إِنْ كَانَ مَا قَالَهُ الْأَنْبِيَاءُ صِدْقًا نَجَوْنَا ، أَوْ قَالَ : لَا أَدْرِي أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْسِيًّا أَمْ جِنِّيًّا ، أَوْ قَالَ : إِنَّهُ جِنٌّ ، أَوْ صَغَّرَ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ عَلَى طَرِيقِ الْإِهَانَةِ ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ قَالَ : كَانَ طَوِيلَ الظُّفْرِ ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ مُتَعَمِّدًا ، أَوْ مَعَ ثَوْبٍ نَجِسٍ ، أَوْ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ .
قُلْتُ : مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ ، لَا يَكْفُرُ إِنْ لَمْ يَسْتَحِلَّهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلَوْ nindex.php?page=treesubj&link=10025تَنَازَعَ رَجُلَانِ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا : لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ، فَقَالَ الْآخَرُ : لَا حَوْلَ لَا تُغْنِي مِنْ جُوعٍ ، كَفَرَ ، وَلَوْ سَمِعَ أَذَانَ الْمُؤَذِّنِ فَقَالَ : إِنَّهُ يَكْذِبُ ، أَوْ قَالَ وَهُوَ يَتَعَاطَى قَدَحَ الْخَمْرِ ، أَوْ يُقْدِمُ عَلَى الزِّنَا : بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى ، اسْتِخْفَافًا بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى ، كَفَرَ ، وَلَوْ قَالَ : لَا أَخَافُ الْقِيَامَةَ ، كَفَرَ ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ وَضَعَ مَتَاعَهُ فِي مَوْضِعٍ وَقَالَ : [ ص: 68 ] سَلَّمْتُهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : سَلَّمْتَهُ إِلَى مَنْ لَا يَتْبَعُ السَّارِقَ إِذَا سَرَقَ ، وَلَوْ حَضَرَ جَمَاعَةٌ ، وَجَلَسَ أَحَدُهُمْ عَلَى مَكَانٍ رَفِيعٍ تَشَبُّهًا بِالْمُذَكِّرِينَ ، فَسَأَلُوهُ الْمَسَائِلَ وَهُمْ يَضْحَكُونَ ، ثُمَّ يَضْرِبُونَهُ بِالْمِخْرَاقِ ، أَوْ تَشَبَّهَ بِالْمُعَلِّمِينَ ، فَأَخَذَ خَشَبَةً ، وَجَلَسَ الْقَوْمُ حَوْلَهُ كَالصِّبْيَانِ ، وَضَحِكُوا وَاسْتَهْزَءُوا ، وَقَالَ : قَصْعَةُ ثَرِيدٍ خَيْرٌ مِنَ الْعِلْمِ ، كَفَرَ .
قُلْتُ : الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ فِي مَسْأَلَتَيِ التَّشَبُّهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلَوْ nindex.php?page=treesubj&link=10025دَامَ مَرَضُهُ وَاشْتَدَّ فَقَالَ : إِنْ شِئْتَ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا ، وَإِنْ شِئْتَ تَوَفَّنِي كَافِرًا ، صَارَ كَافِرًا ، وَكَذَا لَوِ ابْتُلِيَ بِمَصَائِبَ ، فَقَالَ : أَخَذْتَ مَالِي ، وَأَخَذْتَ وَلَدِي ، وَكَذَا وَكَذَا ، وَمَاذَا تَفْعَلُ أَيْضًا ، أَوْ مَاذَا بَقِيَ وَلَمْ تَفْعَلْهُ ، كَفَرَ ، وَلَوْ غَضِبَ عَلَى وَلَدِهِ أَوْ غُلَامِهِ ، فَضَرَبَهُ ضَرْبًا شَدِيدًا ، فَقَالَ رَجُلٌ : أَلَسْتَ بِمُسْلِمٍ ، فَقَالَ : لَا ، مُتَعَمِّدًا كَفَرَ ، وَلَوْ قِيلَ لَهُ : يَا يَهُودِيُّ ، يَا مَجُوسِيُّ ، فَقَالَ : لَبَّيْكَ ، كَفَرَ ، قُلْتُ : فِي هَذَا نَظَرٌ إِذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلَوْ nindex.php?page=treesubj&link=23640أَسْلَمَ كَافِرٌ ، فَأَعْطَاهُ النَّاسُ أَمْوَالًا ، فَقَالَ مُسْلِمٌ : لَيْتَنِي كُنْتُ كَافِرًا فَأُسْلِمُ ، فَأُعْطَى ، قَالَ بَعْضُ الْمَشَائِخِ : يَكْفُرُ .
قُلْتُ : فِي هَذَا نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ جَازِمٌ بِالْإِسْلَامِ فِي الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ ، وَثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي nindex.php?page=hadith&LINKID=10350783قِصَّةِ أُسَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ قَتَلَ مَنْ نَطَقَ بِالشَّهَادَةِ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ " قَالَ : حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ يَوْمِئِذٍ ، وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلَوْ nindex.php?page=treesubj&link=23640تَمَنَّى أَنْ لَا يُحَرِّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْخَمْرَ ، أَوْ لَا يُحَرِّمَ الْمُنَاكَحَةَ بَيْنَ الْأَخِ وَالْأُخْتِ ، لَا يَكْفُرُ ، وَلَوْ تَمَنَّى أَنْ لَا يُحَرِّمَ اللَّهُ تَعَالَى الظُّلْمَ أَوِ الزِّنَا ، [ ص: 69 ] وَقَتْلَ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، كَفَرَ ، وَالضَّابِطُ أَنَّ مَا كَانَ حَلَالًا فِي زَمَانٍ فَتَمَنَّى حِلَّهُ لَا يَكْفُرُ ، وَلَوْ شَدَّ الزُّنَّارَ عَلَى وَسَطِهِ ، كَفَرَ ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ وَضَعَ قَلَنْسُوَةَ الْمَجُوسِ عَلَى رَأْسِهِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكْفُرُ ، وَلَوْ شَدَّ عَلَى وَسَطِهِ حَبْلًا ، فَسُئِلَ عَنْهُ ، فَقَالَ : هَذَا زُنَّارٌ ، فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ يَكْفُرُ ، وَلَوْ شَدَّ عَلَى وَسَطِهِ زُنَّارًا ، وَدَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ لِلتِّجَارَةِ ، كَفَرَ ، وَإِنْ دَخَلَ لِتَخْلِيصِ الْأُسَارَى ، لَمْ يَكْفُرْ .
قُلْتُ : الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ فِي مَسْأَلَةِ التَّمَنِّي وَمَا بَعْدَهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ نِيَّةً . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلَوْ nindex.php?page=treesubj&link=10025قَالَ مُعَلِّمُ الصِّبْيَانِ : الْيَهُودُ خَيْرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِكَثِيرٍ ; لِأَنَّهُمْ يَقْضُونَ حُقُوقَ مُعَلِّمِي صِبْيَانِهِمْ ، كَفَرَ ، وَقَالُوا : وَلَوْ قَالَ : النَّصْرَانِيَّةُ خَيْرٌ مِنَ الْمَجُوسِيَّةِ ، كَفَرَ ، وَلَوْ قَالَ : الْمَجُوسِيَّةُ شَرٌّ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ ، لَا يَكْفُرُ .
قُلْتُ : الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِقَوْلِهِ : النَّصْرَانِيَّةُ خَيْرٌ مِنَ الْمَجُوسِيَّةِ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّهَا دِينُ حَقٍّ الْيَوْمَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالُوا : وَلَوْ عَطَسَ السُّلْطَانُ ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، فَقَالَ آخَرُ : لَا تَقُلْ لِلسُّلْطَانِ هَذَا ، كَفَرَ الْآخَرُ .
قُلْتُ : الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِمُجَرَّدِ هَذَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالُوا : وَلَوْ سَقَى فَاسِقٌ وَلَدَهُ خَمْرًا ، فَنَثَرَ أَقْرِبَاؤُهُ الدَّرَاهِمَ وَالسُّكَّرَ ، كَفَرُوا .
قُلْتُ : الصَّوَابُ أَنَّهُمْ لَا يَكْفُرُونَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالُوا : وَلَوْ قَالَ كَافِرٌ لِمُسْلِمٍ : اعْرِضْ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ ، فَقَالَ : حَتَّى أَرَى ، أَوِ اصْبِرْ إِلَى الْغَدِ ، أَوْ طَلَبَ عَرْضَ الْإِسْلَامِ مِنْ وَاعِظٍ ، فَقَالَ : [ ص: 70 ] اجْلِسْ إِلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ ، كَفَرَ ، وَقَدْ حَكَيْنَا نَظِيرَهُ عَنِ الْمُتَوَلِّي ، قَالُوا : وَلَوْ قَالَ لِعَدُوِّهِ : لَوْ كَانَ نَبِيًّا لَمْ أُؤْمِنْ بِهِ ، أَوْ nindex.php?page=treesubj&link=10025قَالَ : لَمْ يَكُنْ nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ ، كَفَرَ ، قَالُوا : وَلَوْ قِيلَ لِرَجُلٍ : مَا الْإِيمَانُ ، فَقَالَ : لَا أَدْرِي ، كَفَرَ ، أَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، كَفَرَ ، وَهَذِهِ الصُّوَرُ تَتَبَّعُوا فِيهَا الْأَلْفَاظَ الْوَاقِعَةَ فِي كَلَامِ النَّاسِ وَأَجَابُوا فِيهَا اتِّفَاقًا أَوِ اخْتِلَافًا بِمَا ذُكِرَ ، وَمَذْهَبُنَا يَقْتَضِي مُوَافَقَتَهُمْ فِي بَعْضِهَا ، وَفِي بَعْضِهَا يُشْتَرَطُ وُقُوعُ اللَّفْظِ فِي مَعْرِضِ الِاسْتِهْزَاءِ .
قُلْتُ : قَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَوِ الْفَضْلُ عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي آخِرِ كِتَابِهِ الشِّفَاءِ بِتَعْرِيفِ حُقُوقِ نَبِيِّنَا الْمُصْطَفَى صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ جُمْلَةً فِي الْأَلْفَاظِ الْمُكَفِّرَةِ غَيْرَ مَا سَبَقَ ، نَقَلَهَا عَنِ الْأَئِمَّةِ ، أَكْثَرُهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ، وَصَرَّحَ بِنَقْلِ الْإِجْمَاعِ فِيهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
فَمِنْهَا : أَنَّ nindex.php?page=treesubj&link=10025مَرِيضًا شُفِيَ ثُمَّ قَالَ : لَقِيتُ فِي مَرَضِي هَذَا مَا لَوْ قَتَلْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَمْ أَسْتَوْجِبْهُ ، فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : يَكْفُرُ وَيُقْتَلُ ; لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ النِّسْبَةَ إِلَى الْجَوْرِ ، وَقَالَ آخَرُونَ : لَا يَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ وَيُسْتَتَابُ وَيُعَزَّرُ ، وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْوَدَ ، أَوْ تُوُفِّيَ قَبْلَ أَنْ يَلْتَحِيَ ، أَوْ قَالَ : لَيْسَ هُوَ بِقُرَشِيٍّ ، فَهُوَ كُفْرٌ ; لِأَنَّ وَصْفَهُ بِغَيْرِ صِفَتِهِ نَفْيٌ لَهُ وَتَكْذِيبٌ بِهِ ، وَأَنَّ مَنِ ادَّعَى أَنَّ النُّبُوَّةَ مُكْتَسَبَةٌ ، أَوْ أَنَّهُ يَبْلُغُ بِصَفَاءِ الْقَلْبِ إِلَى مَرْتَبَتِهَا ، أَوِ ادَّعَى أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ النُّبُوَّةَ ، أَوِ ادَّعَى أَنَّهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَيَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا ، وَيُعَانِقُ الْحُورَ ، فَهُوَ كَافِرٌ بِالْإِجْمَاعِ قَطْعًا ، وَأَنَّ مَنْ nindex.php?page=treesubj&link=10015دَافَعَ نَصَّ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ الْمَقْطُوعِ بِهَا الْمَحْمُولِ عَلَى ظَاهِرِهِ ، فَهُوَ كَافِرٌ بِالْإِجْمَاعِ ، وَأَنَّ مَنْ لَمْ يُكَفِّرْ مَنْ دَانَ بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ كَالنَّصَارَى ، أَوْ شَكَّ فِي تَكْفِيرِهِمْ ، أَوْ صَحَّحَ مَذْهَبَهُمْ ، فَهُوَ كَافِرٌ ، وَإِنْ أَظْهَرَ مَعَ ذَلِكَ الْإِسْلَامَ وَاعْتَقَدَهُ ، وَكَذَا يَقْطَعُ بِتَكْفِيرِ كُلِّ قَائِلٍ قَوْلًا يَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى تَضْلِيلِ الْأُمَّةِ ، أَوْ تَكْفِيرِ الصَّحَابَةِ ، وَكَذَا [ ص: 71 ] مَنْ nindex.php?page=treesubj&link=10024فَعَلَ فِعْلًا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ لَا يَصْدُرُ إِلَّا مِنْ كَافِرٍ ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ مُصَرِّحًا بِالْإِسْلَامِ مَعَ فِعْلِهِ ، كَالسُّجُودِ لِلصَّلِيبِ ، أَوِ النَّارِ وَالْمَشْيِ إِلَى الْكَنَائِسِ مَعَ أَهْلِهَا بِزِيِّهِمْ مِنَ الزُّنَّانِيرِ وَغَيْرِهَا ، وَكَذَا مَنْ أَنْكَرَ مَكَّةَ ، أَوِ الْبَيْتَ ، أَوِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ، أَوْ صِفَةَ الْحَجِّ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ الْمَعْرُوفَةِ ، أَوْ قَالَ : لَا أَدْرِي أَنَّ هَذِهِ الْمُسَمَّاةَ بِمَكَّةَ هِيَ مَكَّةُ أَمْ غَيْرُهَا ، فَكُلُّ هَذَا أَوْ شَبَهُهُ لَا شَكَّ فِي تَكْفِيرِ قَائِلِهِ إِنْ كَانَ مِمَّنْ يُظَنُّ بِهِ عِلْمُ ذَلِكَ ، وَمَنْ طَالَتْ صُحْبَتُهُ الْمُسْلِمِينَ ، فَإِنْ كَانَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ ، أَوْ بِمُخَالَطَةِ الْمُسْلِمِينَ ، عَرَّفْنَاهُ ذَلِكَ ، وَلَا يُعْذَرُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ ، وَكَذَا مَنْ غَيَّرَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ ، أَوْ قَالَ : لَيْسَ بِمُعْجِزٍ ، أَوْ قَالَ : لَيْسَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ دَلَالَةٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ، أَوْ أَنْكَرَ الْجَنَّةَ أَوِ النَّارَ ، أَوِ الْبَعْثَ أَوِ الْحِسَابَ ، أَوِ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ ، وَلَكِنْ قَالَ : الْمُرَادُ بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ ، وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ غَيْرُ مَعَانِيهَا ، أَوْ قَالَ : الْأَئِمَّةُ أَفْضَلُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ .