الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

تخطيط وعمارة المدن الإسلامية

خالد محمد مصطفى عزب

ملحق [1] .

في اختيار المنازل الحضرية للاجتماع

وفيه مسائل:

المسألة الأولى : إن الدول أقدم من المدن والأمصار لأمرين:

أحدهما: أن البناء واختطاط المنازل إنما هـو من منازع الحضارة، التي يدعو إليه الترف والدعة، وذلك متأخر عن البداوة ومذاهبها. [ ص: 117 ]

الثاني: أن المدن والأمصار ذات هـياكل وأجرام عظام وبناء كثير، فتحتاج إلى اجتماع الأيدي وكثرة التعاون، وليست من الضروريات التي تعم بها البلوى، حتى يكون النزوع إليها شرطيا واضطراريا، بل لا بد من الإكراه على ذلك، وسوق الناس إليه -مضطرين- بعصا الملك، أو مرغبين في الأجر الذي لا يفي به -لكثرته- إلا الملك، فإذن لا بد من تمصير الأمصار، واختطاط المدن من الدولة والملك.

فوائد مركبة

إحداها: إذا بنيت المدينة وكمل تشييدها، بحسب نظر من شيدها، وبما اقتضته الأحوال السماوية والأرضية فيها، فعمر الدولة -حينئذ- عمر لها، فإن كان أمد الدولة قصيرا وقف الحال فيها عند انتهاء الدولة، وتراجع عمرانها وخربت، وإن كان أمد الدولة طويلا فلا تزال المصانع فيها تشيد، والمنازل الرحيبة تكثر وتتعدد، ونطاق الأسوار يتباعد وينفسح، إلى أن تتسع الخطة وتبعد المسافة، كما وقع ببغداد وأمثالها. [ ص: 118 ]

حكى الخطيب [2] في " تاريخه " : أن الحمامات بلغ عددها -ببغداد لعهد المأمون- خمسة وستين ألف حمام، وكانت مشتملة على مدن وأمصار، متلاصقة ومتقاربة تجاوز الأربعين، ولم تكن مدينة واحدة جمعها سور واحد لإفراط العمران.

الفائدة الثانية: ما تقدم من أن عمر الدولة عمر للمدينة المتوقف تأسيسها عليها، هـو حيث تكون المدينة لا مادة لها تفيدها حفظ العمران، بترادف النزول فيها ممن يجاورها من البوادي، فهناك يكون انقراض الدولة انقراضا لها، بتناقض عمرانها شيئا فشيئا، إلى أن تقفر من المساكن وتخرب قال: كما وقع في بغداد ، ومصر ، والكوفة بالمشرق، والقيروان ، والمهدية، وقلعة بني حماد بالمغرب وأمثالها، فتفهمه.

وأما إن كانت لها تلك المادة، فهناك يدوم لها حفظ الوجود ويستمر عمرها بعد الدولة، قال كما تراه بفاس وبجاية من المغرب ، وبعراق العجم من المشرق، لأن أهل البدو إذا انتهت أحوالهم إلى غايتها في الرفه والكسب، تداعوا إلى الدعة والسكون الذي في طبيعة البشر، فينزلون المدن والأمصار، ويتأهلون فيها. [ ص: 119 ]

الفائدة الثالثة: قال: وربما ينزل المدينة بعد انقراض من اختطها دولة ثانية، يتخذها قرارا وكرسيا، ويستغني بها عن اتخاذ غيرها، فتحفظ تلك الدولة سياجها، وتتزايد مبانيها ومصانعها بتزايد أحوال الدولة الثانية، وتستجد بعمرها عمرا آخر، كما وقع بفاس، والقاهرة، لهذا العهد، فاعتبر ذلك، وافهم سر الله في خليقته.

التالي السابق


الخدمات العلمية