الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ فروع ]

يقع مغلطة فيقال : طلق امرأته تطليقتين ، ولها منه لبن فاعتدت ، فنكحت صغيرا فأرضعته ، فحرمت عليه فنكحت آخر فدخل بها [ ص: 32 ] فأبانها فهل تعود للأول بواحدة أم بثلاث ؟ الجواب : لا تعود إليه أبدا لصيرورتها حليلة ابنه رضاعا . شرى أمة أبيه لم تحل له إن علم أنه وطئها . تزوج بكرا فوجدها ثيبا وقالت أبوك فضني ، إن صدقها بانت بلا مهر ، وإلا لا شمني ( و ) حرم أيضا بالصهرية ( أصل مزنيته ) أراد بالزنا في الوطء الحرام ( و ) أصل ( ممسوسته بشهوة ) ولو لشعر على الرأس بحائل لا يمنع الحرارة [ ص: 33 ] ( وأصل ماسته وناظرة إلى ذكره والمنظور إلى فرجها ) المدور ( الداخل ) ولو نظره من زجاج أو ماء هي فيه ( وفروعهن ) مطلقا والعبرة للشهوة عند المس والنظر لا بعدهما وحدها فيهما تحرك آلته أو زيادته به يفتى وفي امرأة ونحو شيخ كبير تحرك قبله أو زيادته وفي الجوهرة : لا يشترط في النظر لفرج تحريك آلته به يفتى هذا إذا لم ينزل فلو أنزل مع مس أو نظر فلا حرمة به يفتي [ ص: 34 ] ابن كمال وغيره .

التالي السابق


( قوله : تقع مغلطة ) كمفعلة محل الغلط أو بتشديد اللام المكسورة وضم الميم أي مسألة تغلط من يجيب عنها بلا تأمل فيها ( قوله : ولها منه لبن ) أي نزل منها بسبب ولادتها منه ( قوله : فحرمت عليه ) لكونها صارت أمه رضاعا ( قوله : فدخل بها ) [ ص: 32 ] قيد به ليمكن توهم إحلالها للأول ، والصغير لا يمكن منه الدخول ( قوله : بواحدة أم بثلاث ) الأول بناء على القول بأن الزوج الثاني لا يهدم ما دون الثلاث ، والثاني بناء على القول بأنه يهدمه كما سيأتي في بابه .

( قوله : لصيرورتها حليلة ابنه رضاعا ) ; لأن ثبوت البنوة بالإرضاع مقارن للزوجية ، فيصح وصفها بكونها زوجة ابنه وابنها رضاعا ، وكذا إن قلنا إن ثبوت البنوة عارض على الزوجية ، ومعاقب لها ; لأنه لا يلزم اجتماع الوصفين في وقت واحد ، ولذا تحرم عليه ربيبته المولودة بعد طلاقه أمها وزوجة أبيها من الرضاع المطلقة قبل ارتضاعة فافهم . ( قوله : إن علم أنه وطئها ) فإن علم عدم الوطء أو شك تحل . ا هـ .

ح والمراد بالعلم ما يشمل غلبة الظن إذ حصول العلم اليقيني في ذلك نادر ، ومنه إخبار الأب بأنه وطئها وهي في ملكه ، ففي البحر عن المحيط : رجل له جارية فقال قد وطئتها لا تحل لابنه ، وإن كانت في غير ملكه فقال : قد وطئتها يحل لابنه أن يكذبه ويطأها ; لأن الظاهر يشهد له . ا هـ .

أي يشهد للابن والظاهر أن المراد الإخبار بأن الوطء كان في غير ملكه ، أما لو كانت في ملكه ثم باعها ثم أخبر بأنه وطئها حين كانت في ملكه لا تحل لابنه تأمل . ( قوله : فوجدها ثيبا ) أي حين أراد جماعها كما في البحر والمنح وذلك بإخبارها أو بأمر غير الجماع ، أما لو جامعها فوجدها ثيبا وجب عليه مهر مثلها لوطء الشبهة ، والوطء في دار الإسلام لا يخلو عن عقر أو مهر رحمتي .

( قوله : وحرم أيضا بالصهرية أصل مزنيته ) قال في البحر : أراد بحرمة المصاهرة الحرمات الأربع حرمة المرأة على أصول الزاني وفروعه نسبا ورضاعا وحرمة أصولها وفروعها على الزاني نسبا ورضاعا كما في الوطء الحلال ويحل لأصول الزاني وفروعه أصول المزني بها وفروعها . ا هـ .

ومثله ما قدمناه قريبا عن القهستاني عن النظم وغيره . وقوله : ويحل إلخ أي كما يحل ذلك بالوطء الحلال وتقييده بالحرمات الأربع مخرج لما عداها وتقدم آنفا الكلام عليه . ( قوله : أراد بالزنى الوطء الحرام ) ; لأن الزنى وطء مكلف في فرج مشتهاة ولو ماضيا خال عن الملك وشبهته ، وكذا تثبت حرمة المصاهرة لو وطئ المنكوحة فاسدا أو المشتراة فاسدا أو الجارية المشتركة أو المكاتبة أو المظاهر منها أو الأمة المجوسية أو زوجته الحائض أو النفساء أو كان محرما أو صائما ، وإنما قيد بالزنى ; لأن فيه خلاف الشافعي ، وليفيد أنها لا ، تثبت بالوطء بالدبر كما يأتي خلافا للأوزاعي وأحمد . قال في الفتح : وبقولنا قال مالك في رواية وأحمد ، وهو قول عمر وابن مسعود وابن عباس في الأصح وعمران بن الحصين وجابر وأبي وعائشة وجمهور التابعين كالبصري والشعبي والنخعي والأوزاعي وطاوس ومجاهد وعطاء وابن المسيب وسليمان بن يسار وحماد والثوري وابن راهويه وتمامه مع بسط الدليل فيه .

( قوله : وأصل ممسوسته إلخ ) ; لأن المس والنظر سبب داع إلى الوطء فيقام مقامه في موضع الاحتياط هداية . واستدل لذلك في الفتح بالأحاديث والآثار عن الصحابة والتابعين . ( قوله : بشهوة ) أي ولو من أحدهما كما سيأتي ( قوله : ولو لشعر على الرأس ) خرج به المسترسل ، وظاهر ما في الخانية ترجيح أن مس الشعر غير محرم وجزم في المحيط بخلافه ورجحه في البحر ، وفصل في الخلاصة فخص التحريم بما على الرأس دون المسترسل وجزم به في الجوهرة وجعله في النهر محمل القولين وهو ظاهر فلذا جزم به في الشارح ( قوله : بحائل لا يمنع الحرارة ) أي ولو بحائل إلخ ، فلو كان مانعا لا تثبت الحرمة ، كذا في أكثر الكتب ، وكذا لو جامعها بخرقة على ذكره ، فما في الذخيرة من أن الإمام ظهير الدين أنه يفتى بالحرمة في القبلة على الفم والذقن والخد والرأس ، وإن كان على المقنعة [ ص: 33 ] محمول على ما إذا كانت رقيقة تصل الحرارة معها بحر .

( قوله : وأصل ماسته ) أي بشهوة قال في الفتح : وثبوت الحرمة بلمسها مشروط بأن يصدقها ، ويقع في أكبر رأيه صدقها وعلى هذا ينبغي أن يقال في مسه إياها لا تحرم على أبيه وابنه إلا أن يصدقاه أو يغلب على ظنهما صدقه ، ثم رأيت عن أبي يوسف ما يفيد ذلك . ا هـ .

( قوله : وناظرة ) أي بشهوة ( قوله : والمنظور إلى فرجها ) قيد بالفرج ; لأن ظاهر الذخيرة وغيرها أنهم اتفقوا على أن النظر بشهوة إلى سائر أعضائها لا عبرة به ما عدا الفرج ، وحينئذ فإطلاق الكنز في محل التقييد بحر . ( قوله : المدور الداخل ) اختاره في الهداية وصححه في المحيط والذخيرة : وفي الخانية وعليه الفتوى وفي الفتح ، وهو ظاهر الرواية لأن هذا حكم تعلق بالفرج ، والداخل فرج من كل وجه ، والخارج فرج من وجه والاحتراز عن الخارج متعذر ، فسقط اعتباره ، ولا يتحقق ذلك إلا إذا كانت متكئة بحر فلو كانت قائمة أو جالسة غير مستندة لا تثبت الحرمة إسماعيل وقيل : تثبت بالنظر إلى منابت الشعر وقيل إلى الشق وصححه في الخلاصة بحر ( قوله : أو ماء هي فيه ) احتراز عما إذا كانت فوق الماء فرآه من الماء كما يأتي ( قوله : وفروعهن ) بالرفع عطفا على أصل مزنيته ، وفيه تغليب المؤنث على الذكر بالنسبة إلى قوله وناظرة إلى ذكره ( قوله : مطلقا ) يرجع إلى الأصول والفروع أي ، وإن علون ، وإن سفلن ط ( قوله : والعبرة إلخ ) قال في الفتح : وقوله : بشهوة في موضع الحال ، فيفيد اشتراط الشهوة حال المس ، فلو مس بغير شهوة ، ثم اشتهى عن ذلك المس لا تحرم عليه . ا هـ .

وكذلك في النظر كما في البحر ، فلو اشتهى بعدما غض بصره لا تحرم .

قلت : ويشترط وقوع الشهوة عليها لا على غيرها لما في الفيض لو نظر إلى فرج بنته بلا شهوة فتمنى جارية مثلها فوقعت له الشهوة على البنت تثبت الحرمة ، وإن وقعت على من تمناها فلا . ( قوله : وحدها فيهما ) أي حد الشهوة في المس والنظر ح ( قوله : أو زيادته ) أي زيادة التحرك إن كان موجودا قبلهما ( قوله : به يفتى ) وقيل حدها أن يشتهي بقلبه إن لم يكن مشتهيا أو يزداد إن كان مشتهيا ، ولا يشترط تحرك الآلة وصححه في المحيط والتحفة وفي غاية البيان وعليه الاعتماد والمذهب الأول بحر قال في الفتح : وفرع عليه ما لو انتشر وطلب امرأة فأولج بين فخذي بنتها خطأ لا تحرم أمها ما لم يزدد الانتشار ( قوله : وفي امرأة ونحو شيخ إلخ ) قال في الفتح : ثم هذا الحد في حق الشاب أما الشيخ والعنين فحدهما تحرك قلبه أو زيادته إن كان متحركا لا مجرد ميلان النفس ، فإنه يوجد فيمن لا شهوة له أصلا كالشيخ الفاني ، ثم قال ولم يحدوا الحد المحرم منها أي من المرأة وأقله تحرك القلب على وجه يشوش الخاطر قال ط : ولم أر حكم الخنثى المشكل في الشهوة ، ومقتضى معاملته بالأضر أن يجري عليه حكم المرأة .

( قوله : وفي الجوهرة إلخ ) كذا في النهر وعلى هذا ينبغي أن يكون مس الفرج كذلك بل أولى ; لأن تأثير المس فوق تأثير النظر بدليل إيجابه حرمة المصاهرة في غير الفرج إذا كان بشهوة بخلاف النظر ح .

قلت : ويمكن أن يكون ما في الجوهرة مفرعا على القول الآخر في حد الشهوة فلا يكون للنظر احترازا عن مس الفرج ولا عن مس غيره تأمل .

( قوله : فلا حرمة ) لأنه بالإنزال تبين أنه غير مفض إلى الوطء هداية . قال في العناية : ومعنى قولهم إنه لا يوجب الحرمة بالإنزال أن الحرمة عند ابتداء المس بشهوة كان حكمها [ ص: 34 ] موقوفا إلى أن يتبين بالإنزال ، فإن أنزل لم تثبت ، وإلا ثبت لا أنها تثبت بالمس ثم بالإنزال تسقط ; لأن حرمة المصاهرة إذا ثبتت لا تسقط أبدا .




الخدمات العلمية