الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          2085 - مسألة : فيمن له العفو عن الدم ومن لا عفو له ؟ اختلف الناس في هذا فقالت طائفة : العفو جائز لكل أحد ممن يرث ، وللزوجة ، والزوج ، وغيرهما ، فإن عفا أحد ممن ذكرنا فقد حرم القصاص ووجبت الدية لمن لم يعف .

                                                                                                                                                                                          وقال آخرون : العفو للرجال خاصة دون النساء .

                                                                                                                                                                                          وقالت طائفة : من أراد القصاص فذلك له ، ولا يلتفت إلى من أراد الدية أو العفو ، ما لم يتفقوا على ذلك .

                                                                                                                                                                                          فالقول الأول - كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم نا الأعمش عن زيد بن وهب أن رجلا قتل امرأته ولها إخوة فعفا أحدهم فأجاز ذلك عمر بن الخطاب ورفع عن القاتل نصيب الذي عفا وغرمه نصيب الذي لم يعف .

                                                                                                                                                                                          قال سعيد : ونا سفيان بن عيينة ، وأبو عوانة ، كلاهما عن الأعمش عن زيد بن وهب بمثله . [ ص: 122 ]

                                                                                                                                                                                          وروينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا وكيع نا الأعمش عن زيد بن وهب قال : رأى رجل مع امرأته رجلا فقتلها ؟ فرفع إلى عمر بن الخطاب ، فوهب بعض إخوتها نصيبه له ، فأمر عمر سائرهم أن يأخذوا الدية .

                                                                                                                                                                                          وعن إبراهيم النخعي في رجل قتل رجلا متعمدا فعفا بعض الأولياء ، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب ؟ فقال لعبد الله بن مسعود : قل فيها ، فقال : أنت أحق أن تقول يا أمير المؤمنين ، فقال عبد الله : إذا عفا بعض الأولياء فلا قود ، يحط عنه بحصة الذي عفا ولهم بقية الدية ، فقال عمر : ذلك الرأي ، وافقت ما في نفسي .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الأعمش عن زيد بن وهب أن عمر بن الخطاب رفع إليه رجل قتل رجلا ، فجاء أولياء المقتول ، فأرادوا قتله ، فقالت أخت المقتول - وهي امرأة القاتل : قد عفوت عن حصتي من زوجي ، فقال عمر : عتق الرجل من القتل .

                                                                                                                                                                                          وعن إبراهيم قال : عفو كل ذي سهم جائز .

                                                                                                                                                                                          وعن ابن جريج قال : قال عطاء في رجل قتل رجلا عمدا فعفا أحد بني المقتول ، وأبى الآخر : فإنه يعطى الذي لم يعف شطر الدية .

                                                                                                                                                                                          وعن قتادة - إذا عفا أحد الأولياء فإنما تكون دية ، ويسقط عن القاتل بقدر حصة الذي عفا .

                                                                                                                                                                                          وعن عمر بن عبد العزيز إذا عفا أحدهم فالدية .

                                                                                                                                                                                          وأما القول الثاني - فكما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال : العفو إلى الأولياء ، ليس للمرأة عفو .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا أبو خالد عن أشعث عن الزهري قال : صاحب الدم أولى بالعفو .

                                                                                                                                                                                          وعن قتادة : لا عفو للنساء ، فإذا كانت الدية فلها نصيبها .

                                                                                                                                                                                          وعن الحسن البصري : ليس للنساء عفو .

                                                                                                                                                                                          وعن عمر بن عبد العزيز ، لا عفو للمرأة في العمد . [ ص: 123 ]

                                                                                                                                                                                          وعن إبراهيم النخعي : ليس للزوج ولا للمرأة عفو .

                                                                                                                                                                                          وعن الزهري ، وربيعة ، وأبي الزناد ، قال ربيعة : ليس للأم عفو ، والولي ولي حيث كان ، والبنت تعفو مع ولاة الدم ، ولا تعفو الولاة دونها .

                                                                                                                                                                                          وقال الزهري : وليه أولى بذلك .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو الزناد : أما العفو فلولي المقتول إن شاء قتل وإن شاء عفا .

                                                                                                                                                                                          أما المتأخرون - فإن أبا حنيفة ، وسفيان الثوري ، والحسن بن حي ، والأوزاعي ، والشافعي ، قالوا بما روي عن عمر بن الخطاب ، وابن مسعود : أن لكل وارث عفوا ولا يقتل إلا باجتماعهم على قتله .

                                                                                                                                                                                          وقال ابن شبرمة ، والليث : ليس للنساء عفو .

                                                                                                                                                                                          وقال ابن أبي ليلى : لكل وارث عفو إلا الزوج والزوجة فلا عفو لهما .

                                                                                                                                                                                          قال مالك : الأمر المجتمع عليه عندنا في الرجل يقتل عمدا وليس له ولاة إلا النساء والعصبة فأرادا أن يعفوا عن الدم ، وأبى بنات المقتول فإنه لا عفو للعصبة ، يقتل به قاتله .

                                                                                                                                                                                          فإن أراد بنات المقتول أن يعفون وأبى العصبة فلا عفو للبنات ، والقول ما قال العصبة ، ويقتل القاتل إذا لم يجتمع على العفو .

                                                                                                                                                                                          وكذلك إن كانت له ابنة واحدة فأرادت القتل وعفا العصبة فيقتل ولا عفو للعصبة .

                                                                                                                                                                                          ورأي : إذا كان للمقتول ابن وابنة : أنه لا عفو للابنة مع الابن ، ولكن إن عفا الابن جاز على الابنة .

                                                                                                                                                                                          ورأي : عفو الأقرب فالأقرب من العصبة جائز على الأبعد منهم .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر فيما احتجت به كل طائفة لقولها لنعلم الحق من ذلك : فنظرنا فيما قالت به الطائفة القائلة بأن عفو كل ذي سهم جائز ، فوجدناهم [ ص: 124 ] يقولون بقول الله تعالى { وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم } فلما كان العفو أقرب للتقوى وجب أن من دعى إلى من هو أقرب للتقوى كان قوله أولى .

                                                                                                                                                                                          وذكروا في ذلك ما روي عن أنس بن مالك أنه قال : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع إليه شيء فيه قصاص إلا أمر بالعفو ؟ قالوا : فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر في كل قصاص رفع إليه بالعفو ، فوجب أن يكون العفو مغلبا على القود .

                                                                                                                                                                                          وهذا أيضا حكم قد جاء عن عمر ، وابن مسعود بحضرة الصحابة - رضي الله عنهم - ولا يعرف لهما مخالف .

                                                                                                                                                                                          فهذا كل ما احتجوا به ، ما نعرف لهم شيئا غيره أصلا .

                                                                                                                                                                                          ثم نظرنا في قول من قال : العفو لجميع الورثة إلا الزوج والزوجة فلم نجد لهم شبهة إلا أن يقولوا ليسا من العصبة ، ولا يعقلان مع العاقلة .

                                                                                                                                                                                          ونظرنا في قول من قال : العفو للرجال خاصة دون النساء ، فلم نجد لهم شبهة أصلا ، إلا أن يقولوا : إنهن لا يرثن الولاء ، ولا الولاية في الإنكاح فكذلك لا عفو لهن ؟ وأما من قال بالفرق بين الزوجين وبين سائر الورثة من أجل أن الزوجين ليسا من العصبة ، فقول في غاية الفساد .

                                                                                                                                                                                          ومن أين خرج لهم أن هذا الأمر للعصبة ، وهذا حكم ما جاء به من عند الله تعالى أمر ، ولا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو باطل .

                                                                                                                                                                                          وأما أنهما لا يعقلان مع العاقلة ؟ فنعم ، فكان ماذا ؟ وما الذي أدخل حكم العاقلة في حكم العفو من الدم ؟ والعاقلة إنما هي في القتل في الخطأ خاصة والعفو إنما هو في العمد خاصة ، فما الذي جمع بين حكم العمد والخطأ ؟ ثم نظرنا في قول من رأى العفو للرجال دون النساء ، فوجدناه أيضا فاسدا ، لأنه قياس ، والقياس كله باطل . [ ص: 125 ]

                                                                                                                                                                                          ثم نظرنا في قول مالك - فوجدناه في غاية التناقض بلا دليل أصلا ، لأنه مرة غلب من دعا إلى القتل ، وذلك في الابنة مع العصبة " فرأى : إن دعا العصبة إلى القتل وعفت الابنة أن القول قول العصبة - واحتج بأنها قد يدخلها زوجها إلى العفو ، وأمرها إلى الضعف ، وإن عفا العصبة ودعت الابنة إلى القتل فالقول قول الابنة - واحتج بأنها المصابة بأبيها ؟ فمرة راعى ضعفها ، وإدخال زوجها لها إلى العفو ، ولم يراع مصيبتها ؟ ومرة غلب من دعا إلى العفو ، وذلك في البنين يعفو أحدهم دون الآخرين ومرة غلب الرجال على النساء وذلك في البنات مع الابن ؟ وهذه أقوال ظاهرة التناقض يهدم بعضها بعضا ، لا حجة لشيء منها ، لا في قرآن ولا سنة صحيحة ، ولا سقيمة ، ولا قياس ، ولا في إجماع ، ولا في قول صاحب - فكان هذا القول أسقط من سائر الأقوال .

                                                                                                                                                                                          ثم نظرنا في حجة من أجاز عفو كل وارث وغلبه ، فوجدناهم يقولون : قال الله تعالى { وأن تعفوا أقرب للتقوى } ، وقال تعالى { ولكم في القصاص حياة } فأعلى ما يريده أهل هذا القول أن يكون العفو أعظم أجرا ، والقصاص - بلا شك مباح - وإذا كان كلاهما مباحا فلا يجوز بلا خلاف أن يجبر على الأفضل من لا يريده غير راغب - فبطل أن يكون في هذه الآية دليل على سقوط حق من أراد القصاص إذا عفا أحد الورثة .

                                                                                                                                                                                          وهكذا القول في حديث أنس إن صح أنه { لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم قط رفع إليه شيء فيه قصاص إلا أمر فيه بالعفو - } لأنه لم يختلف اثنان من الأمة في أنه إن صح فإنه أمر ندب لا أمر إلزام ، فإذ ذلك كذلك فلا خلاف في أنه لا يجوز أن يجبر على الأفضل من لا يريده غير راغب عنه - إذا أراد ما أبيح له - فبطل أن يكون لهم في هذا الخبر تعلق .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : فلما سقطت هذه الأقوال كلها وتعرت من الأدلة وجب علينا إذ [ ص: 126 ] تنازعوا أن نرجع إلى ما افترض الله تعالى علينا الرجوع إليه عند التنازع إذ يقول تعالى { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } الآية ، ففعلنا ؟ فوجدنا الله تعالى قد قال { ولكم في القصاص حياة } ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين بين أن يأخذوا العقل وبين أن يقتلوا } فجعل الله تعالى القصاص حقا ، وجعل رسول الله - عليه الصلاة والسلام - أهل القتيل بين خيرتين - إما أخذ العقل ، وإما القتل ، فساوى بين الأمرين أيهما شاءوا ؟

                                                                                                                                                                                          وكما روينا من طريق مسلم نا إسحاق بن منصور أنا بشر بن عمر - هو الزهراني - سمعت مالك بن أنس يقول : حدثني أبو ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل بن أبي حثمة : أنه أخبره عن رجال من كبراء قومه : { أن عبد الله بن سهل ، ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهما فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم محيصة وأخبر : أن عبد الله بن سهل قتل وطرح في عين أو فقير فأتى يهود فقال : أنتم والله قتلتموه ، قالوا : والله ما قتلناه ، ثم أقبل حتى قدم على قومه فذكر لهم ذلك ، ثم أقبل هو وأخوه محيصة - وهو أكبر منه - وعبد الرحمن بن سهل ، فذهب محيصة ليتكلم - وهو الذي كان بخيبر - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبر ، الكبر ، إما أن يدوا صاحبكم ، وإما أن يؤذنوا بحرب ، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم في ذلك ، فكتبوا : إنا والله ما قتلناه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم ؟ قالوا : لا } .

                                                                                                                                                                                          وذكر الحديث وبه : إلى مسلم حدثني عبيد الله بن عمر القواريري نا حماد بن زيد نا يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة ، ورافع بن خديج { أن محيصة بن مسعود ، وعبد الله بن سهل انطلقا قبل خيبر فتفرقا في النخل ، فقتل عبد الله بن سهل ، فاتهموا اليهود ، فجاء أخوه عبد الرحمن ، وابنا عمه حويصة ، ومحيصة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم عبد الرحمن في أمر أخيه - وهو أصغر منهم - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر ، الكبر ، أو قال : ليبدأ الأكبر ؟ فتكلما في أمر صاحبهما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم خمسون منكم على رجل عنهم فيدفع برمته ؟ فقالوا : أمر لم نشهده كيف نحلف ؟ } وذكر باقي الخبر . [ ص: 127 ]

                                                                                                                                                                                          ففي هذا الخبر الثابت - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الحق في طلب الدم لابن العم [ لسنه ] كما جعله للأخ للأب الوارث دون ابن العم ، وأنه عليه الصلاة والسلام بدأ ابن العم لسنه - فبطل بهذا قول من راعى أن الحق للأقرب فالأقرب ، أو للوارث دون غيره .

                                                                                                                                                                                          وصح أن الحق " للأهل " كما جاء في القرآن ، والسنة الصحيحة ، وابن العم من " الأهل " بلا شك في لغة العرب - وهذا هو الإجماع الصحيح ، لأنه كان بعلم الصحابة بالمدينة ، إذ قتل مثل عبد الله بن سهل ، وقيام بني حارثة في طلب دمه لا يمكن استتار مثله عن أحد من قومه ، وعن المهاجرين ، فإذا الحق للجميع سواء ، فمن الباطل أن يغلب أحدهم على الآخرين منهم إلا بنص ، أو إجماع - ولا نص ، ولا إجماع في ذلك .

                                                                                                                                                                                          ثم نظرنا إذا عفا أحد " الأهل " ولم يعف غيره منهم بعد صحة الاتفاق من إجماع الأمة على أنهم كلهم إن اتفقوا على القود نفذ ، وإن اتفقوا على العفو نفذ - وقيام البرهان على أنهم إن اتفقوا على الدية أو المفاداة نفذ ذلك فوجدنا القود والدية قد ورد التخيير فيهما ورودا واحدا ليس أحدهما مقدما على الآخر ، فلم يجز أن يغلب عفو العافي [ على إرادة من أراد القصاص على عفو العافي ] إلا بنص " أو إجماع - ولا نص ، ولا إجماع في تغليب العافي - فنظرنا في ذلك فوجدنا الله تعالى يقول : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى } فوجب بهذه الآية أن لا يجوز عفو العافي عمن لم يعف .

                                                                                                                                                                                          ووجدنا القاتل قد حل دمه بنفس القتل : كما حدثنا عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك نا محمد بن بكر نا أبو داود سليمان بن حرب نا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال : كنا مع عثمان بن عفان رضي الله عنه - وهو محصور - فخرج إلينا وهو متغير لونه فقال : يتواعدوني بالقتل آنفا ، وبم يقتلونني ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : رجل كفر بعد إسلامه ، أو [ ص: 128 ] زنا بعد إحصان ، أو قتل نفسا بغير نفس ، فيقتل - } فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام قط ، ولا أحببت أن لي بديني بدلا مذ هداني الله تعالى ، ولا قتلت نفسا " .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : فصح بقول النبي صلى الله عليه وسلم أن من قتل نفسا خرج دمه من التحريم إلى التحليل بنفس قتله من قتل ، فإذ صح هذا فالقاتل متيقن تحليل دمه والداعي إلى أخذ القود داع إلى ما قد صح بيقين وذلك له ، والعافي مريد تحريم دم قد صح تحليله بيقين فليس له ذلك ، إلا بنص ، أو إجماع ، ومريد أخذ الدية دون من معه مريد إباحة أخذ مال ، والأموال محرمة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } والنص قد جاء بإباحة دم القاتل ، كما قلنا بيقين قتله ، ولم يأت نص بإباحة الدية إلا بأخذ " الأهل " لها ، وهذا لفظ يقتضي إجماعهم على أخذها فالدية ما لم يجمع " الأهل " على أخذها ، إذ لم يبحها نص ، ولا إجماع - فبطل بيقين .

                                                                                                                                                                                          وصح أن من دعا إلى القود فهو له - وهو قول مالك في البنات مع العصبة ، إلا أنه ناقض في ذلك مع البنين والبنات ، وفي بعض البنين مع بعض .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : والذي نقول به أن كل ذلك سواء وأن الحكم للأهل وهم الذين يعرف المقتول بالانتماء إليهم ، كما كان يعرف عبد الله بن سهل بالانتماء إلى بني حارثة وهم الذين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقسم منهم خمسون ويستحقون القود أو الدية ، وأن من أراد منهم القود سواء كان ولدا أو ابن عم [ أو ابنة ] أو أختا ، أو غير ذلك من أم ، أو زوج ، أو زوجة ، أو بنت عم ، أو عمة - فالقود واجب ، ولا يلتفت إلى عفو من عفا ممن هو أقرب ، أو أبعد ، أو أكثر في العدد لما ذكرنا .

                                                                                                                                                                                          فإن اتفق الورثة كلهم على العفو فلهم الدية حينئذ ويحرم الدم ، فإن أراد أحد الورثة العفو عن الدية فله ذلك ، في حصته خاصة ، إذ هو مال من ماله - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية