3261 (13) كتاب الجهاد والسير
(1) باب
في التأمير على الجيوش والسرايا
ووصيتهم ، والدعوة قبل القتال
[ 1251 ] عن عن أبيه قال: سليمان بن بريدة، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال (أو خلال) ، ............ فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم ، وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوا فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، ......... فإن أبوا أن يتحولوا منها، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، ............. فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم، .............. وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، فلا تجعل لهم ذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم أن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم، أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا" . اغزوا باسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أمر أميرا على جيش أو سرية، أوصاه في خاصته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرا، ................ ثم قال:
رواه أحمد ( 5 \ 352 و 358)، ومسلم ( 1731) (3)، وأبو داود (2612)، والترمذي (1617)، وابن ماجه (2858).
[ 1252 ] وعن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن جده: . أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعثه ومعاذا إلى اليمن ، فقال: "يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا"
رواه أحمد (4/ 399 و 412) والبخاري (3038) ومسلم (1733).
[ 1253 ] وعن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنس بن مالك . "يسروا ولا تعسروا ، وسكنوا ولا تنفروا"
رواه أحمد (3/ 131 و 209) والبخاري (6125) ومسلم (1734).
كتاب الجهاد والسير
- باب في التأمير على الجيوش والسرايا ووصيتهم والدعوة قبل القتال
- باب النهي عن الغدر وما جاء أن الحرب خدعة
- باب النهي عن تمني لقاء العدو والصبر عند اللقاء والدعاء بالنصر
- باب النهي عن قتل النساء والصبيان وجواز ما يصاب منهم إذا بيتوا وقطع نخيلهم وتحريقها
- باب تخصيص هذه الأمة بتحليل الغنائم
- باب في قوله تعالى يسألونك عن الأنفال
- باب للإمام أن يخص القاتل بالسلب
- باب لا يستحق القاتل السلب بنفس القتل
- باب في التنفيل بالأسارى وفداء المسلمين بهم
- باب ما يخمس من الغنيمة وما لا يخمس وكم يسهم للفرس والرجل
- باب بيان ما يصرف فيه الفيء والخمس
- باب تصدق رسول الله بما وصل إليه من الفيء ومن سهمه
- باب الإمام مخير في الأسارى وذكر وقعة يوم بدر وتحليل الغنيمة
- باب في المن على الأسارى
- باب إجلاء اليهود والنصارى من المدينة ومن جزيرة العرب
- باب إذا نزل العدو على حكم الإمام فله أن يرد الحكم إلى غيره ممن له أهلية ذلك
- باب أخذ الطعام والعلوفة من غير تخميس
- باب كتاب النبي إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام
- باب كتب النبي إلى الملوك يدعوهم
- باب في غزاة حنين وما تضمنته من الأحكام
- باب في محاصرة العدو وجواز ضرب الأسير وطرف من غزوة الطائف
- باب ما جاء أن فتح مكة عنوة وقوله عليه الصلاة والسلام لا يقتل قرشي صبرا بعد اليوم
- باب صلح الحديبية وقوله تعالى إنا فتحنا لك فتحا مبينا
- باب في التحصين بالقلع والخنادق عند الضعف عن مقاومة العدو وطرف من غزوة الأحزاب
- باب في اقتحام الواحد على جمع العدو وذكر غزوة أحد وما أصاب فيها النبي
- باب فيما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى قريش
- باب دعاء النبي إلى الله وصبره على الجفاء والأذى
- باب جواز إعمال الحيلة في قتل الكفار وذكر قتل كعب بن الأشرف
- باب في غزوة خيبر وما اشتملت عليه من الأحكام
- باب في غزوة ذي قرد وما تضمنته من الأحكام
- باب خروج النساء في الغزو
- باب لا يسهم للنساء من الغنيمة بل يحذين منه
- باب عدد غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم
- باب في غزوة ذات الرقاع
- باب ترك الاستعانة بالمشركين
- باب السن الذي يجاز في القتال
- باب النهي عن أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو
- باب في المسابقة بالخيل وأنها معقود في نواصيها الخير وما يكره منها
- باب الترغيب في الجهاد وفضله
- باب فضل القتل في سبيل الله تعالى
- باب في قوله تعالى أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام
- باب في رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة وفيمن قتل كافرا
- باب فضل الحمل في سبيل الله والجهاد ومن دل على خير
- باب في البعوث ونيابة الخارج عن القاعد وفيمن خلف غازيا في أهله بخير أو بشر
- باب في قوله تعالى لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله
- باب بعث العيون في الغزو وما جاء أن الجنة تحت ظلال السيوف
- باب في قوله تعالى رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه
- باب الإخلاص وحسن النية في الجهاد
- باب إثم من لم يخلص في الجهاد وأعمال البر
- باب الغنيمة نقصان من الأجر وفيمن مات ولم ينو الغزو وفيمن تمنى الشهادة
- باب الغزو في البحر
- باب في فضل الرباط وكم الشهداء
- باب في قوله تعالى وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة
- باب في قوله عليه الصلاة والسلام لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين
- باب من آداب السفر
التالي
السابق
[ ص: 511 ] (13) كتاب الجهاد
(1) باب: التأمير على الجيوش
قوله : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ) ; فيه من الفقه : . وقد تقدم القول في الجيش ، والسرية . قال تأمير الأمراء ، ووصيتهم الحربي : السرية : الخيل تبلغ أربعمائة ونحوها . و (تقوى الله) : التحرز بطاعته من عقوبته .
وقوله : ( ومن معه من المسلمين خيرا ) ; أي : ووصاه بمن معه من المسلمين أن يفعل معهم خيرا .
[ ص: 512 ] وقوله : ( اغزوا باسم الله ) ; أي : اشرعوا في فعل الغزو مستعينين بالله ، مخلصين له .
وقوله: ( قاتلوا من كفر بالله ) ; هذا العموم يشمل جميع أهل الكفر ، المحاربين وغيرهم ، وقد خصص منه من له عهد ، والرهبان ، والنسوان ، ومن لم يبلغ الحلم . وقد قال متصلا به : ( ولا تقتلوا وليدا ) ; وإنما نهى عن قتل الرهبان والنساء ; لأنهم لا يكون منهم قتال غالبا ، فإن كان منهم قتال أو تدبير أو أذى قتلوا ; ولأن الذراري والأولاد مال . وقد . نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن إضاعة المال
وقوله : ( ولا تغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ) : الغلول : الأخذ من الغنيمة من غير قسمتها ، والغدر : نقض العهد . والتمثيل هنا : التشويه بالقتيل ; كجدع أنفه ، وأذنه ، والعبث به . ولا خلاف في تحريم الغلول ، والغدر ، وفي كراهة المثلة .
وقوله : ( وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خلال ، أو [ ص: 513 ] خصال ) ; الرواية بـ (أو) التي للشك ، وهو من بعض الرواة . ومعنى الخلال والخصال واحد .
وقوله : ( فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم ، وكف عنهم ) ; قيدناه عمن يوثق بعلمه ، وتقييده ، بنصب (أيتهن) على أن يعمل فيها (أجابوك) على إسقاط حرف الجر . و (ما) زائدة . ويكون تقدير الكلام : فإلى أيتهن أجابوك فاقبل منهم . كما تقول : أجيبك إلى كذا ، أو في كذا ، فيتعدى إلى الثاني بحرف الجر .
وقوله : ( ثم ادعهم إلى الإسلام ) ; كذا وقعت الرواية في جميع نسخ كتاب : (ثم ادعهم) بزيادة (ثم) ، والصواب إسقاطها ، كما روي في غير كتاب مسلم ; كمصنف مسلم ، وكتاب الأموال أبي داود لأبي عبيد ; لأن ذلك هو ابتداء تفسير الثلاث الخصال .
وقوله : ( ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين ) ; يعني : المدينة . وكان هذا في أول الأمر ، في وقت وجوب الهجرة إلى المدينة على كل من دخل في الإسلام . أو على أهل مكة خاصة . في ذلك خلاف . وهذا يدل على أن الهجرة كانت واجبة على كل من آمن من أهل مكة وغيرها . وسيأتي إيعاب ذلك .
[ ص: 514 ] وقوله : ( فإن أبوا أن يتحولوا فأخبرهم : أنهم يكونون كأعراب المسلمين ، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء ; إلا أن يجاهدوا مع المسلمين ) ; يعني : أن من أسلم ولم يجاهد ، ولم يهاجر لا يعطى من الخمس ، ولا من الفيء شيئا . وهذا يتمشى على مذهب في قسمة الخمس ، والفيء ; إذ يرى أن ذلك موكول لاجتهاد الإمام ، يضعه حيث يراه من المصالح الضرورية ، والأمور المهمة ، ومنافع المسلمين العامة ، ويؤثر فيه الأحوج ، فالأحوج ، والأهم فالأهم ، ولا شك أن المهاجرين كانوا في ذلك الوقت أولى به من غيرهم من المسلمين الذين لم يهاجروا ، وأقاموا في بلادهم ، فإن المهاجرين خرجوا من بلادهم ، وأموالهم لله تعالى ، ووصلوا إلى مالك المدينة فقراء ، ضعفاء ، غرباء ، فلا شك في أنهم الأولى .
قال : ولذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤثرهم بالخمس على الأنصار غالبا ، إلا أن يحتاج أحد من الأنصار . وقد أخذ القاضي عياض بهذا الحديث في الأعراب ، فلم ير لهم شيئا من الفيء ، وإنما لهم الصدقة المأخوذة من أغنيائهم ، وترد على فقرائهم ، كما أن أهل الجهاد وأجناد المسلمين لا حق لهم في الصدقة -عنده - ويصرف كل مال في أهله . وسوى الشافعي مالك بين المالين ، وجوزا صرفهما للصنفين . وذهب وأبو حنيفة أبو عبيد : إلى أن هذا الحديث منسوخ ، وأن هذا كان حكم من لم يهاجر أولا ، في أنه لا حق له في الفيء ، ولا في الموالاة للمهاجر ، ولا موارثته . قال [ ص: 515 ] الله تعالى : والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء [الأنفال: 72] ثم نسخ ذلك بقوله تعالى : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض [الأنفال: 75] وبقوله - صلى الله عليه وسلم - بعد فتح مكة : ( لا هجرة ولكن جهاد ونية ) ، وبقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم ) ، وهذا فيه بعد . وسيأتي بيان حكم الخمس والفيء والغنيمة ، إن شاء الله تعالى . ومحمل الحديث عند أصحابنا المالكيين على ما تقدم من مذهب رحمه الله تعالى . مالك
وقوله : ( فإن هم أبوا فسلهم الجزية ) ; حجة ، وأصحابه ، لمالك ، في أخذ الجزية من كل كافر ، عربيا كان أو غيره ، كتابيا كان أو غيره . وذهب والأوزاعي : إلى أنها تقبل من الجميع إلا من مشركي العرب ، ومجوسهم . وهو قول أبو حنيفة عبد الملك ، من أصحابنا . وقال وابن وهب رحمه الله تعالى : لا تقبل إلا من أهل الكتاب - عربا كانوا أو عجما ، ولا تقبل من غيرهم ، والمجوس عنده أهل كتاب . الشافعي
واختلف في استرقاق العرب . فعند ، والجمهور : أنهم كغيرهم ، يسترقون حيث كانوا . وعند مالك ، أبي حنيفة : لا يسترقون ، إما أن يسلموا ، أو يقتلوا . وهو قول بعض أصحابنا ، غير أن والشافعي يسترق النساء ، والصغار . أبا حنيفة
وقد اختلف في ; فقال القدر المفروض من الجزية : هو أربعة دنانير على أهل الذهب ، وأربعون درهما على أهل الورق . وهل ينقص منها للضعيف أو لا ؟ قولان . وقال مالك : هي دينار على الغني والفقير. وقال الشافعي ، والكوفيون : على الغني ثمانية وأربعون درهما. والوسط : أربعة وعشرون درهما . أبو حنيفة
[ ص: 516 ] والفقير : اثنا عشر . وهو قول . ويزاد وينقص على قدر طاقتهم . وهي عند أحمد بن حنبل ، وكافة العلماء على الرجال الأحرار ، البالغين ، العقلاء ، دون غيرهم . وإنما تؤخذ ممن كان تحت قهر المسلمين ، لا ممن نأى بداره . ويجب تحويلهم إلى بلاد المسلمين ، أو حربهم. مالك
وقوله : ( وإذا حاصرت أهل حصن ) الكلام إلى آخره ; فيه حجة لمن يقول من الفقهاء ، وأهل الأصول : إن المصيب في مسائل الاجتهاد واحد ، وهو المعروف من مذهب وغيره . ووجه الاستدلال : هو أنه - صلى الله عليه وسلم - قد نص على أن لله تعالى حكما معينا في المجتهدات ، فمن وافقه فهو المصيب ، ومن لم يوافقه فهو مخطئ. وقد ذهب قوم من الفقهاء ، والأصوليين : إلى أن كل مجتهد مصيب ، وتأولوا هذا الحديث : بأن قالوا : إن معناه : أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يوصي أمراءه أن لا ينزلوا الكفار على حكم ما أنزل الله على نبيه في حال غيبة الأمراء عنه ، وعدم علمهم به ، فإنهم لا يدرون إذا فعلوا ذلك ; هل يصادفون حكم ما أنزل الله على نبيه أم لا ؟ وفي هذا التأويل بعد وتعسف ، واستيفاء المباحث في هذه المسألة في علم الأصول . مالك
وقوله : ( وإذا حاصرت أهل حصن ، فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله ) الحديث إلى آخره ; الذمة : العهد . وتخفروا : تنقضوا ، وهو رباعي . يقال : [ ص: 517 ] أخفرت الرجل : نقضت عهده ، وخفرته : أجرته ، ومعناه : أنه خاف من نقص من لا يعرف حق الوفاء بالعهد ، كجهلة الأعراب ، فكأنه يقول : إن وقع نقض من متعد كان نقض عهد الخلق أهون من نقض عهد الله . والله تعالى أعلم .
(1) باب: التأمير على الجيوش
قوله : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ) ; فيه من الفقه : . وقد تقدم القول في الجيش ، والسرية . قال تأمير الأمراء ، ووصيتهم الحربي : السرية : الخيل تبلغ أربعمائة ونحوها . و (تقوى الله) : التحرز بطاعته من عقوبته .
وقوله : ( ومن معه من المسلمين خيرا ) ; أي : ووصاه بمن معه من المسلمين أن يفعل معهم خيرا .
[ ص: 512 ] وقوله : ( اغزوا باسم الله ) ; أي : اشرعوا في فعل الغزو مستعينين بالله ، مخلصين له .
وقوله: ( قاتلوا من كفر بالله ) ; هذا العموم يشمل جميع أهل الكفر ، المحاربين وغيرهم ، وقد خصص منه من له عهد ، والرهبان ، والنسوان ، ومن لم يبلغ الحلم . وقد قال متصلا به : ( ولا تقتلوا وليدا ) ; وإنما نهى عن قتل الرهبان والنساء ; لأنهم لا يكون منهم قتال غالبا ، فإن كان منهم قتال أو تدبير أو أذى قتلوا ; ولأن الذراري والأولاد مال . وقد . نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن إضاعة المال
وقوله : ( ولا تغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ) : الغلول : الأخذ من الغنيمة من غير قسمتها ، والغدر : نقض العهد . والتمثيل هنا : التشويه بالقتيل ; كجدع أنفه ، وأذنه ، والعبث به . ولا خلاف في تحريم الغلول ، والغدر ، وفي كراهة المثلة .
وقوله : ( وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خلال ، أو [ ص: 513 ] خصال ) ; الرواية بـ (أو) التي للشك ، وهو من بعض الرواة . ومعنى الخلال والخصال واحد .
وقوله : ( فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم ، وكف عنهم ) ; قيدناه عمن يوثق بعلمه ، وتقييده ، بنصب (أيتهن) على أن يعمل فيها (أجابوك) على إسقاط حرف الجر . و (ما) زائدة . ويكون تقدير الكلام : فإلى أيتهن أجابوك فاقبل منهم . كما تقول : أجيبك إلى كذا ، أو في كذا ، فيتعدى إلى الثاني بحرف الجر .
وقوله : ( ثم ادعهم إلى الإسلام ) ; كذا وقعت الرواية في جميع نسخ كتاب : (ثم ادعهم) بزيادة (ثم) ، والصواب إسقاطها ، كما روي في غير كتاب مسلم ; كمصنف مسلم ، وكتاب الأموال أبي داود لأبي عبيد ; لأن ذلك هو ابتداء تفسير الثلاث الخصال .
وقوله : ( ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين ) ; يعني : المدينة . وكان هذا في أول الأمر ، في وقت وجوب الهجرة إلى المدينة على كل من دخل في الإسلام . أو على أهل مكة خاصة . في ذلك خلاف . وهذا يدل على أن الهجرة كانت واجبة على كل من آمن من أهل مكة وغيرها . وسيأتي إيعاب ذلك .
[ ص: 514 ] وقوله : ( فإن أبوا أن يتحولوا فأخبرهم : أنهم يكونون كأعراب المسلمين ، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء ; إلا أن يجاهدوا مع المسلمين ) ; يعني : أن من أسلم ولم يجاهد ، ولم يهاجر لا يعطى من الخمس ، ولا من الفيء شيئا . وهذا يتمشى على مذهب في قسمة الخمس ، والفيء ; إذ يرى أن ذلك موكول لاجتهاد الإمام ، يضعه حيث يراه من المصالح الضرورية ، والأمور المهمة ، ومنافع المسلمين العامة ، ويؤثر فيه الأحوج ، فالأحوج ، والأهم فالأهم ، ولا شك أن المهاجرين كانوا في ذلك الوقت أولى به من غيرهم من المسلمين الذين لم يهاجروا ، وأقاموا في بلادهم ، فإن المهاجرين خرجوا من بلادهم ، وأموالهم لله تعالى ، ووصلوا إلى مالك المدينة فقراء ، ضعفاء ، غرباء ، فلا شك في أنهم الأولى .
قال : ولذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤثرهم بالخمس على الأنصار غالبا ، إلا أن يحتاج أحد من الأنصار . وقد أخذ القاضي عياض بهذا الحديث في الأعراب ، فلم ير لهم شيئا من الفيء ، وإنما لهم الصدقة المأخوذة من أغنيائهم ، وترد على فقرائهم ، كما أن أهل الجهاد وأجناد المسلمين لا حق لهم في الصدقة -عنده - ويصرف كل مال في أهله . وسوى الشافعي مالك بين المالين ، وجوزا صرفهما للصنفين . وذهب وأبو حنيفة أبو عبيد : إلى أن هذا الحديث منسوخ ، وأن هذا كان حكم من لم يهاجر أولا ، في أنه لا حق له في الفيء ، ولا في الموالاة للمهاجر ، ولا موارثته . قال [ ص: 515 ] الله تعالى : والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء [الأنفال: 72] ثم نسخ ذلك بقوله تعالى : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض [الأنفال: 75] وبقوله - صلى الله عليه وسلم - بعد فتح مكة : ( لا هجرة ولكن جهاد ونية ) ، وبقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم ) ، وهذا فيه بعد . وسيأتي بيان حكم الخمس والفيء والغنيمة ، إن شاء الله تعالى . ومحمل الحديث عند أصحابنا المالكيين على ما تقدم من مذهب رحمه الله تعالى . مالك
وقوله : ( فإن هم أبوا فسلهم الجزية ) ; حجة ، وأصحابه ، لمالك ، في أخذ الجزية من كل كافر ، عربيا كان أو غيره ، كتابيا كان أو غيره . وذهب والأوزاعي : إلى أنها تقبل من الجميع إلا من مشركي العرب ، ومجوسهم . وهو قول أبو حنيفة عبد الملك ، من أصحابنا . وقال وابن وهب رحمه الله تعالى : لا تقبل إلا من أهل الكتاب - عربا كانوا أو عجما ، ولا تقبل من غيرهم ، والمجوس عنده أهل كتاب . الشافعي
واختلف في استرقاق العرب . فعند ، والجمهور : أنهم كغيرهم ، يسترقون حيث كانوا . وعند مالك ، أبي حنيفة : لا يسترقون ، إما أن يسلموا ، أو يقتلوا . وهو قول بعض أصحابنا ، غير أن والشافعي يسترق النساء ، والصغار . أبا حنيفة
وقد اختلف في ; فقال القدر المفروض من الجزية : هو أربعة دنانير على أهل الذهب ، وأربعون درهما على أهل الورق . وهل ينقص منها للضعيف أو لا ؟ قولان . وقال مالك : هي دينار على الغني والفقير. وقال الشافعي ، والكوفيون : على الغني ثمانية وأربعون درهما. والوسط : أربعة وعشرون درهما . أبو حنيفة
[ ص: 516 ] والفقير : اثنا عشر . وهو قول . ويزاد وينقص على قدر طاقتهم . وهي عند أحمد بن حنبل ، وكافة العلماء على الرجال الأحرار ، البالغين ، العقلاء ، دون غيرهم . وإنما تؤخذ ممن كان تحت قهر المسلمين ، لا ممن نأى بداره . ويجب تحويلهم إلى بلاد المسلمين ، أو حربهم. مالك
وقوله : ( وإذا حاصرت أهل حصن ) الكلام إلى آخره ; فيه حجة لمن يقول من الفقهاء ، وأهل الأصول : إن المصيب في مسائل الاجتهاد واحد ، وهو المعروف من مذهب وغيره . ووجه الاستدلال : هو أنه - صلى الله عليه وسلم - قد نص على أن لله تعالى حكما معينا في المجتهدات ، فمن وافقه فهو المصيب ، ومن لم يوافقه فهو مخطئ. وقد ذهب قوم من الفقهاء ، والأصوليين : إلى أن كل مجتهد مصيب ، وتأولوا هذا الحديث : بأن قالوا : إن معناه : أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يوصي أمراءه أن لا ينزلوا الكفار على حكم ما أنزل الله على نبيه في حال غيبة الأمراء عنه ، وعدم علمهم به ، فإنهم لا يدرون إذا فعلوا ذلك ; هل يصادفون حكم ما أنزل الله على نبيه أم لا ؟ وفي هذا التأويل بعد وتعسف ، واستيفاء المباحث في هذه المسألة في علم الأصول . مالك
وقوله : ( وإذا حاصرت أهل حصن ، فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله ) الحديث إلى آخره ; الذمة : العهد . وتخفروا : تنقضوا ، وهو رباعي . يقال : [ ص: 517 ] أخفرت الرجل : نقضت عهده ، وخفرته : أجرته ، ومعناه : أنه خاف من نقص من لا يعرف حق الوفاء بالعهد ، كجهلة الأعراب ، فكأنه يقول : إن وقع نقض من متعد كان نقض عهد الخلق أهون من نقض عهد الله . والله تعالى أعلم .