الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل فمن لم يجد فعليه صيام شهرين متتابعين حرا كان ، أو عبدا ولا تجب نية التتابع ، فإن تخلل صومها شهر رمضان ، أو فطر واجب كفطر العيد ، أو الفطر لحيض ، أو نفاس ، أو جنون ، أو مرض مخوف ، أو فطر الحامل ، والموضع لخوفها على أنفسهما لم ينقطع التتابع وكذلك إن خافتا على ولديهما . ويحتمل أن ينقطع .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( فمن لم يجد ) رقبة يشتريها ، أو وجدها ، ولم يجد ثمنها ، أو وجده لكن بزيادة كثيرة تجحف بماله ، أو وجدها ولكن احتاجها لخدمة ، ونحوه ( فعليه صيام شهرين متتابعين ) إذا قدر عليه إجماعا ، وسنده قوله تعالى : فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا [ المجادلة : 4 ] وأجمعوا على وجوب التتابع ، ومعناه الموالاة بين صيام أيامهما ، فلا يفطر فيهما ، ولا يصوم عن غير الكفارة . ( حرا كان ) المكفر ( أو عبدا ) بغير خلاف نعلمه . ( ولا تجب نية التتابع ) بل يكفي فعله ; لأنه شرط وشرائط العبادات لا تحتاج إلى نية ، وإنما تجب النية لأفعالها . وقيل : تجب النية ففي الاكتفاء بالليلة الأولى ، والتجديد لكل ليلة وجهان ويبيت النية ، وفي تعيينها جهة الكفارة وجهان . ( فإن تخلل صومها شهر رمضان ) بأن يبتدئ الصوم من أول شعبان فيتخلله رمضان ( أو فطر واجب كفطر العيد ) بأن يبتدئ مثلا من ذي الحجة فيتخلله يوم [ ص: 61 ] النحر وأيام التشريق ، فإن التتابع لا ينقطع بهذا ويبني على ما مضى من صيامه ; لأنه زمن منعه الشرع عن صومه في الكفارة كالحيض ، والنفاس . وفي " مفردات ابن عقيل " : في صوم العيد يقطع التتابع ; لأنه خلله بإفطار يمكنه أن يحترز عنه ، ثم سلم أنه لا يقطعه ; لأنه لا يقبل الصوم كالليل ، ويتخرج في أيام التشريق أنه يصومها ، فعلى هذا إن أفطرها استأنف ; لأنها أيام أمكنه صيامها في الكفارة ففطرها يقطع التتابع كغيرها . ( أو الفطر بحيض ، أو نفاس ) أجمع أهل العلم ونص عليه أحمد على أن الصائمة متتابعا إذا حاضت قبل إتمامه تقضي إذا طهرت وتبني ; لأن الحيض لا يمكن التحرز منه في الشهرين إلا بتأخيره إلى الإياس ، وفيه تغرير بالصوم ; لأنها ربما ماتت قبله ، والنفاس كالحيض ; لأنه بمنزلته في أحكامه في وجه ، وفي آخر : يقطع التتابع ; لأنه فطر أمكن التحرز منه ، ولا يتكرر في العام ، أشبه الفطر لغير عذر ، ولا يصح قياسه على الحيض ; لأنه أندر منه . لا يقال : الحيض ، والنفاس لا يمكن التحرز منهما ; لأنه قد يمكن التحرز من النفاس بأن لا تبتدئ الصوم في حال الحمل ، وفي الحيض إذا كان طهرها يزيد على الشهرين بأن تبتدئ الصوم عقب طهرها من الحيض ومع هذا لا ينقطع التتابع به . ( أو جنون ) قال جماعة ( أو مرض مخوف ) روي عن ابن عباس ، وسعيد بن المسيب ، والحسن ; لأنه أفطر بسبب لا صنع له فيه كالحيض . ( أو فطر الحامل ، والموضع لخوفها على أنفسهما لم ينقطع التتابع ) لأنه فطر أبيح لعذر من غير جهتها فلم ينقطع كالمريض . ( وكذلك إن خافتا على ولديهما ) لم ينقطع التتابع ، وجزم به معظم الأصحاب ; لأنه فطر أبيح لهما بسبب [ ص: 62 ] لا يتعلق باختيارهما كما لو أفطرتا خوفا على أنفسهما . ( ويحتمل أن ينقطع ) لأن الخوف على غيرهما ، ولهذا تلزمهما الفدية مع القضاء . وأطلق في " المحرر " الخلاف ، والأول المذهب لاشتراكهما في إباحة الفطر ، والمشقة اللاحقة فقطع التتابع وبفطره ناسيا ، أو مكرها ، أو مخطئا كجاهل به .



                                                                                                                          الخدمات العلمية