الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل وإن أعسر الزوج بنفقتها ، أو ببعضها ، أو بالكسوة خيرت بين فسخ النكاح ، والمقام . وتكون النفقة دينا في ذمته ، فإذا اختارت المقام ، ثم بدا لها الفسخ فلها ذلك . وعنه : ما يدل على أنها لا تملك الفسخ بالإعسار ، والمذهب الأول ، وإن أعسر بالنفقة الماضية ، أو نفقة الموسر ، أو المتوسط ، أو الأدم ، أو نفقة الخادم ، فلا فسخ لها وتكون النفقة دينا في ذمته ، وقال القاضي : تسقط ، وإن أعسر بالسكنى ، أو المهر ، فهل لها الفسخ ؛ على وجهين . وإن أعسر زوج الأمة فرضيت ، أو زوج الصغيرة ، أو المجنونة لم يكن لوليهن الفسخ ويحتمل أن له ذلك .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( وإن أعسر الزوج بنفقتها ، أو ببعضها ، أو بالكسوة ) أو ببعضها ( خيرت بين فسخ النكاح ، والمقام ) على الأصح ، وهو قول عمر ، وعلي ، وأبي هريرة ، واختاره الأكثر لقوله تعالى : فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان [ البقرة : 229 ] وليس الإمساك مع ترك الإنفاق إمساكا بمعروف فتعين التسريح ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : [ ص: 207 ] امرأتك تقول أطعمني وإلا فارقني رواه أحمد ، والدارقطني ، والبيهقي بإسناد صحيح ، ورواه الشيخان من قول أبي هريرة ، وروى الشافعي ، وسعيد ، عن سفيان ، عن أبي الزناد ، قال : سألت سعيد بن المسيب ، عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته ، قال : يفرق بينهما ، قال أبو الزناد ، لسعيد : سنة ؛ قال سعيد : سنة ، ولأن هذا أولى بالفسخ من العجز بالوطء ، وهو على التراخي ، أو الفور كخيار العيب ، وذكر ابن البنا وجها : يؤجل ثلاثا ولها المقام ، ولا تمكنه ، ولا يحبسها ، فلو وجد نفقة يوم بيوم ، أو وجد في أول النهار ما يغديها ، وفي آخره ما يعشيها ، أو كان صانعا يعمل في الأسبوع ما يبيعه في يوم بقدر كفايتها في الأسبوع كله ، فلا فسخ ، وكذا إن تعذر عليه الكسب في بعض زمانه ، أو البيع ; لأنه يمكنه الاقتراض إلى زوال المانع ، فإن عجز عنه أياما يسيرة ، أو مرض مرضا يرجى زواله في أيام يسيرة ، فلا فسخ وإن كثر فلها الفسخ ( وتكون النفقة ) أي : نفقة فقير وكسوته ومسكن ( دينا في ذمته ) ما لم تمنع نفسها ; لأن ذلك واجب على الزوج ، فإذا رضيت بتأخير حقها ، فهو في ذمته كما لو رضيت بتأخير مهرها ويكون قادرا على التكسب على الأصح ( فإذا اختارت المقام ، ثم بدا لها الفسخ فلها ذلك ) على الأصح ; لأن وجوب النفقة يتجدد كل يوم فيتجدد لها الفسخ ، ولا يصح إسقاطها حقها فيما لم يجب لها كإسقاط شفعتها قبل البيع ، فإن تزوجته عالمة بعسرته ، أو شرط ألا ينفق ، ثم عن لها الفسخ ملكته ، فلو أسقطت النفقة المستقبلة لم تسقط ، وقال القاضي : ظاهر كلام أحمد أنه ليس لها الفسخ ; لأنها رضيت بعيبه ، فإن رضيت بالمقام مع [ ص: 208 ] ذلك لم يلزمها التمكين من الاستمتاع ; لأنه لم يسلمها عوضه كالمشتري إذا أعسر بثمن المبيع وعليه تخليتها لتكتسب وتحصل ما ينفقه عليها ، وإن كانت موسرة ; لأنه إنما يملك حبسها إذا كفاها المؤونة ( وعنه : ما يدل على أنها لا تملك الفسخ بالإعسار ) وقاله عطاء ، والزهري ; لأنه إعسار عن حق الزوجة ، فلم تملك الفسخ كما لو أعسر عن دين لها عليه ، فعلى هذا لا تملك فراقه ويرفع يده عنها لتكتسب ; لأنه حق لها عليه ( والمذهب الأول ) لما ذكرنا ( وإن أعسر بالنفقة الماضية ) فلا فسخ ; لأن البدن قد قام بدونها ، والنفقة الماضية دين ( أو نفقة الموسر ، أو المتوسط ، أو الأدم ) في الأصح فيه ( أو نفقة الخادم ، فلا فسخ لها ) لأن الزيادة تسقط باعتباره ويمكن الصبر عنها ، وفي " الانتصار " احتمال في الكل مع ضررها ( وتكون النفقة دينا في ذمته ) لأنها نفقة تجب على سبيل العوض فتثبت في الذمة كالنفقة الواجبة للمرأة قوتا ، وهذا فيما عدا الزائد على نفقة المعسر ، فإن ذلك يسقط بالإعسار ( وقال القاضي : تسقط ) أي : زيادة يسار وتوسط ; لأنه من الزوائد ، فلم تثبت في ذمته كالزائد عن الواجب عليه ، وقال ابن حمدان : غير الأدم .

                                                                                                                          تتمة : إذا اعتادت الطيب ، والناعم فعجز عنها فلها الفسخ ، قال ابن حمدان : فبالأدم أولى . ( وإن أعسر بالسكنى ) أي : بأجرته ( أو المهر ) قد تقدم في الصداق ( فهل لها الفسخ ؛ على وجهين ) أحدهما : لا فسخ ، وقاله القاضي ; لأن البيتية تقوم بدونه ، والثاني : لها الفسخ ، وقاله ابن عقيل ، وهو [ ص: 209 ] أشهر ; لأن المسكن مما لا بد منه كالنفقة ( وإن أعسر زوج الأمة فرضيت ) به لم يكن لسيدها الفسخ نقول : نفقة الأمة المزوجة حق لها ولسيدها لكل واحد منهما طلبها ، ولا يملك واحد منهما إسقاطها لما في ذلك من الإضرار ، فعلى هذا إن أعسر الزوج بها فلها الفسخ كالحرة ، وإن لم تفسخ ، فقال القاضي : لسيدها الفسخ ; لأن عليه ضررا في عدمها لما يتعلق بفواتها من فوات ملكه وتلفه ، فإن أنفق عليها سيدها محتسبا بالرجوع رجع على الزوج رضيت ، أو كرهت ، وقال أبو الخطاب : وهو المنصوص ، ليس لسيدها الفسخ إذا كانت راضية ; لأنها حق لها ، فلم يملك سيدها الفسخ كالفسخ بالعيب ( أو ) أعسر ( زوج الصغيرة ، أو المجنونة لم يكن لوليهن الفسخ ) لأنه فسخ لنكاحها ، فلم يملكه الولي كالفسخ بالعيب ( ويحتمل أن له ذلك ) لأنه فسخ لفوات العوض فملكه كفسخ البيع لتعذر الثمن .




                                                                                                                          الخدمات العلمية