الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 188 ] الثامنة : الراوي ؛ إما صحابي ، أو غيره .

                فالصحابي لألفاظ روايته مراتب ، أقواها أن يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول ، أو حدثني ، أو أخبرني ، أو أنبأني ، أو شافهني ، وهو الأصل في الرواية ، لعدم احتماله .

                ثم : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ؛ فحكمه حكم الأول ، لإشعاره بالسماع ظاهرا ، وعدم تدليس الصحابة ، لكنه دونه في القوة ، لاحتمال الواسطة ، كسماع أبي هريرة : من أصبح جنبا ؛ فلا صوم له من الفضل بن عباس ، وابن عباس : إنما الربا في النسيئة من أسامة .

                التالي السابق


                المسألة " الثامنة : الراوي : إما صحابي أو غيره " ، إلى آخره ، هذا بيان مراتب الرواية ، وألفاظ الرواة ؛ لأن بيان ذلك ضروري ، لاختلال الأحكام باختلافه ، وقسمة الراوي إلى صحابي وغيره قسمة صحيحة ؛ لأن الراوي ؛ إما أن يكون قد سمع من النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أو رآه ، أو لا ، والأول الصحابي ، والثاني غيره .

                " فالصحابي لألفاظ روايته مراتب :

                أقواها : أن يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول ، أو حدثني رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أو أخبرني ، أو أنبأني ، أو شافهني فهذا كله سواء ، وهو الأصل في الرواية ، لعدم احتماله " ، يعني : الواسطة ، لقوله عليه السلام : نضر الله امرأ سمع مقالتي فأداها كما سمعها . الحديث . نعم ، بين سمعت ، وحدثني ، وأخواتها فرق ، وهو أن حدثني ونحوه : يكون الراوي مقصودا بالحديث ولا بد ، على ظاهر اللفظ ، بخلاف سمعته يقول ، إذ لا يلزم أن يكون الراوي مقصودا بالحديث ، بل جاز أن [ ص: 189 ] الحديث لغيره ، وسمعه هو ، كما في شهادة المستخفي .

                قوله : ثم : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أي : قول الصحابي رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كذا ، هو في القوة بعد قوله : سمعت ، لكن حكمه حكم قوله : سمعت ، وحدثني ، في أنه محمول على السماع لإشعاره به ظاهرا ، وعدم تدليس الصحابة ، أي : حكم قوله : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، حكم قوله : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لوجهين :

                أحدهما : أن اللفظ ، أي : لفظ قال ، مشعر بأنه سمع منه في ظاهر الحال .

                الثاني : لعدم تدليس الصحابة ، إذ لو كان سماعه بواسطة ، مع قوله : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، المشعر ظاهرا بالسماع ، لكان ذلك تدليسا وتلبيسا على الناس ، والصحابة لا يفعلون ذلك .

                قوله : " لكنه دونه " ، أي : لكن قوله : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، دون قوله : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، " في القوة ، لاحتمال الواسطة " ، في قوله : قال ؛ لأن قوله : قال ، هو إسناد القول إلى القائل ، وهو أعم من أن يكون بواسطة أو عدمها ، وذلك كسماع أبي هريرة رضي الله عنه من الفضل بن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : من أصبح جنبا فلا صوم له ، ثم رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بلفظ : قال ، أو بلفظ يوهمه . وكسماع ابن عباس ، من أسامة بن زيد رضي الله عنهم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : إنما الربا في النسيئة ، ثم رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، كذلك ، ثم لما سئل أبو هريرة وابن عباس عن حديثيهما ، بينا ممن سمعا ، ولهذا ذهب القاضي أبو بكر إلى أن قول الصحابي العدل : قال [ ص: 190 ] رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، لا يدل على سماعه منه ، بل هو محتمل متردد ، والأكثرون على خلافه لما مر .

                قلت : مما يقوي قول القاضي ، أن أبا بكر المروزي روى في كتاب العلم ، عن ابن جريج ، قال : كان عطاء يقول : قال ابن عباس ؛ فنقول : سمعته ؟ فيقول : خرج به أصحابه إلينا .

                قلت : والتدليس الموهم حرام على الصحابة وغيرهم ، وإذا جاز وقوع ذلك من التابعين ، جاز من الصحابة .




                الخدمات العلمية