(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=16nindex.php?page=treesubj&link=28973أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ) ، الاشتراء والشراء بمعنى : الاستبدال بالشيء والاعتياض منه ، إلا أن الاشتراء يستعمل في الابتياع والبيع ، وهو مما جاء فيه افتعل بمعنى الفعل المجرد ، وهو أحد المعاني التي جاء لها افتعل . الربح : هو ما يحصل من الزيادة على رأس المال . التجارة : هي صناعة التاجر ، وهو الذي يتصرف في المال لطلب النمو والزيادة . المهتدي : اسم فاعل من اهتدى وافتعل فيه للمطاوعة ، هديته فاهتدى ، نحو : سويته فاستوى ، وغممته فاغتم . والمطاوعة أحد المعاني التي جاءت لها أفعل ، ولا تكون افتعل للمطاوعة مبنية إلا من الفعل المتعدي ، وقد وهم من زعم أنها تكون من اللازم ، وأن ذلك قليل فيها ، مستدلا بقول الشاعر :
حتى إذا اشتال سهيل في السحر كشعلة القابس ترمي بالشرر
لأن افتعل في البيت بمعنى ، فعل . تقول : شال يشول ، واشتال يشتال بمعنى واحد ، ولا تتعقل المطاوعة ، إلا بأن يكون المطاوع متعديا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=11وإذا قيل لهم لا تفسدوا ) جملة شرطية ، ويحتمل أن تكون من باب عطف الجمل استئنافا ينعي عليهم قبائح أفعالهم وأقوالهم ، ويحتمل أن يكون كلاما ، وفي الثاني جزء كلام لأنها من تمام الصلة . وأجاز
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري وأبو البقاء أن تكون معطوفة على يكذبون ، فإذ ذاك يكون لها موضع من الإعراب ، وهو النصب ، لأنها معطوفة على خبر كان ، والمعطوف على الخبر خبر ، وهي إذ ذاك جزء من السبب الذي استحقوا به العذاب الأليم . وعلى الاحتمالين الأولين لا تكون جزءا من الكلام ، وهذا الوجه الذي أجازاه على أحد وجهي ما من قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=10بما كانوا يكذبون ) خطأ ، وهو أن تكون ما موصولة بمعنى الذي ، وذلك أن المعطوف على الخبر خبر ، فيكذبون قد حذف منه العائد على ما ، وقوله : وإذا قيل لهم إلى آخر الآية لا ضمير فيه يعود على ما ، فبطل أن يكون معطوفا عليه ، إذ يصير التقدير : ولهم عذاب أليم بالذي كانوا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=11وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ) ، وهذا كلام غير منتظم لعدم العائد . وأما وجهها الآخر ، وهو أن تكون ما مصدرية ، فعلى مذهب
الأخفش يكون هذا الإعراب أيضا خطأ ، إذ عنده أن ما المصدرية اسم يعود
[ ص: 64 ] عليها من صلتها ضمير ، والجملة المعطوفة عارية منه . وأما على مذهب الجمهور ، فهذا الإعراب شائع ، ولم يذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري وأبو البقاء إعراب هذا سوى أن يكون معطوفا على يكذبون ، أو على يقول ، وزعما أن الأول وجه ، وقد ذكرنا ما فيه ، والذي نختاره الاحتمال الأول ، وهو أن تكون الجملة مستأنفة ، كما قررناه ، إذ هذه الجملة والجملتان بعدها هي من تفاصيل الكذب ونتائج التكذيب . ألا ترى قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=11إنما نحن مصلحون ) ، وقولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=13أنؤمن كما آمن السفهاء ) ، وقولهم عند لقاء المؤمنين : ( آمنا ) كذب محض ؟ فناسب جعل ذلك جملا مستقلة ذكرت لإظهار كذبهم ونفاقهم ونسبة السفه للمؤمنين واستهزائهم ، فكثر بهذه الجمل واستقلالها ذمهم والرد عليهم ، وهذا أولى من جعلها سيقت صلة جزء كلام لأنها إذ ذاك لا تكون مقصودة لذاتها ، إنما جيء بها معرفة للموصول إن كان اسما ، ومتممة لمعناه إن كان حرفا . والجملة بعد إذا في موضع خفض بالإضافة ، والعامل فيها عند الجمهور الجواب ، فإذا في الآية منصوبة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=11إنما نحن مصلحون ) . والذي نختاره أن الجملة بعدها تليها هي الناصبة لإذا لأنها شرطية ، وأن ما بعدها ليس في موضع خفض بالإضافة ، فحكمها حكم الظروف التي يجازى بها وإن قصرت عن عملها الجزم . على أن من النحويين من أجاز الجزم بها حملا على متى منصوبا بفعل الشرط ، فكذلك إذا منصوبة بفعل الشرط بعدها ، والذي يفسد مذهب الجمهور جوازا إذا قمت فعمرو قائم ; لأن ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها ، وجواز وقوع إذا الفجائية جوابا لإذا الشرطية ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=21وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا ) ، وما بعد إذا الفجائية لا يعمل فيما قبلها ، وحذف فاعل القول هنا للإبهام ، فيحتمل أن يكون الله - تعالى - أو الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو بعض المؤمنين ، وكل من هذا قد قيل ، والمفعول الذي لم يسم فاعله ، فظاهر الكلام أنها الجملة المصدرة بحرف النهي وهي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=11لا تفسدوا في الأرض ) ، إلا أن ذلك لا يجوز إلا على مذهب من أجاز وقوع الفاعل جملة ، وليس مذهب جمهور البصريين . وقد تقدمت المذاهب في ذلك عند الكلام على قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم ) ، والمفعول الذي لم يسم فاعله في ذلك حكمه حكم الفاعل ، وتخريجه على مذهب جمهور البصريين أن المفعول الذي لم يسم فاعله هو مضمر تقديره هو ، يفسره سياق الكلام كما فسر المضمر في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=32حتى توارت بالحجاب ) سياق الكلام والمعنى ، وإذا قيل لهم قول شديد فأضمر هذا القول الموصوف وجاءت الجملة بعده مفسرة ، فلا موضع لها من الإعراب لأنها مفسرة لذلك المضمر الذي هو القول الشديد ، ولا جائز أن يكون لهم في موضع المفعول الذي لم يسم فاعله لأنه لا ينتظم منه مع ما قبله كلام ; لأنه يبقى لا تفسدوا لا ارتباط له ، إذ لا يكون معمولا للقول مفسرا له . وزعم
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري أن المفعول الذي لم يسم فاعله هو الجملة التي هي : لا تفسدوا ، وجعل ذلك من باب الإسناد اللفظي ونظره بقولك ألف حرف من ثلاثة أحرف ، ومنه زعموا مطية الكذب ، قال : كأنه قيل ، وإذا قيل لهم هذا القول وهذا الكلام ، انتهى . فلم يجعله من باب الإسناد إلى معنى الجملة لأن ذلك لا يجوز على مذهب جمهور البصريين ، فعدل إلى الإسناد اللفظي ، وهو الذي لا يختص به الاسم بل يوجد في الاسم والفعل والحرف والجملة ، وإذا أمكن الإسناد المعنوي لم يعدل إلى الإسناد اللفظي ، وقد أمكن ذلك بالتخريج الذي ذكرناه . واللام في قوله : لهم ، للتبليغ ، وهو أحد المعاني السبعة عشر التي ذكرناها للام عند كلامنا على قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الحمد لله ) . وإفسادهم في الأرض بالكفر ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، أو المعاصي ، قاله
أبو العالية ومقاتل ، أو بهما ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي عن أشياخه ، أو بترك امتثال الأمر واجتناب النهي ، قاله
مجاهد ، أو بالنفاق الذي صافوا به الكفار وأطلعوهم على أسرار المؤمنين ، ذكره
علي بن عبيد الله ، أو بإعراضهم عن الإيمان برسول الله - صلى الله عليه وسلم - والقرآن ،
[ ص: 65 ] أو بقصدهم تغيير الملة ، قاله
الضحاك ، أو باتباعهم هواهم وتركهم الحق مع وضوحه ، قاله بعضهم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : الإفساد في الأرض تهييج الحروب والفتن ، قال : لأن في ذلك فساد ما في الأرض وانتفاء الاستقامة عن أحوال الناس والزروع والمنافع الدينية والدنيوية ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=205ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) ، ومنه قيل لحرب كانت بين
طيئ : حرب الفساد ، انتهى كلامه . ووجه الفساد بهذه الأقوال التي قيلت أنها كلها كبائر عظيمة ومعاص جسيمة ، وزادها تغليظا إصرارهم عليها ، والأرض متى كثرت معاصي أهلها وتواترت قلت خيراتها ونزعت بركاتها ومنع عنها الغيث الذي هو سبب الحياة ، فكان فعلهم الموصوف أقوى الأسباب لفساد الأرض وخرابها . كما أن الطاعة والاستغفار سبب لكثرة الخيرات ونزول البركات ونزول الغيث ، ألا ترى قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=10فقلت استغفروا ربكم ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=16وأن لو استقاموا على الطريقة ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=96ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=66ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل ) ، الآيات . وقد قيل في تفسيره ما روي في الحديث من أن الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب ، إن معاصيه يمنع الله بها الغيث ، فيهلك البلاد والعباد لعدم النبات وانقطاع الأقوات . والنهي عن الإفساد في الأرض من باب النهي عن المسبب ، والمراد النهي عن السبب . فمتعلق النهي حقيقة هو مصافاة الكفار وممالأتهم على المؤمنين بإفشاء السر إليهم وتسليطهم عليهم ، لإفضاء ذلك إلى هيج الفتن المؤدي إلى الإفساد في الأرض ، فجعل ما رتب على المنهي عنه حقيقة منهيا عنه لفظا . والنهي عن الإفساد في الأرض هنا كالنهي في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=60ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) . وليس ذكر الأرض لمجرد التوكيد بل في ذلك تنبيه على أن هذا المحل الذي فيه نشأتكم وتصرفكم ، ومنه مادة حياتكم ، وهو سترة أمواتكم ، جدير أن لا يفسد فيه ، إذ محل الإصلاح لا ينبغي أن يجعل محل الإفساد . ألا ترى إلى قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=56ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ) وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=15هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه ) ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=30والأرض بعد ذلك دحاها nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=31أخرج منها ماءها ومرعاها nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=32والجبال أرساها nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=33متاعا لكم ولأنعامكم ) ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=25أنا صببنا الماء صبا ) ، الآية . إلى غير ذلك من الآيات المنبهة على الامتنان علينا بالأرض ، وما أودع الله فيها من المنافع التي لا تكاد تحصى . وقابلوا النهي عن الإفساد بقولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=11إنما نحن مصلحون ) ، فأخرجوا الجواب جملة اسمية لتدل على ثبوت الوصف لهم ، وأكدوها بإنما دلالة على قوة اتصافهم بالإصلاح . وفي المعنى الذي اعتقدوا أنهم مصلحون أقوال : أحدها : قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : إن ممالأتنا الكفار إنما نريد بها الإصلاح بينهم وبين المؤمنين . والثاني : قول
مجاهد وهو : أن تلك الممالأة هدى وصلاح وليست بفساد . والثالث : أن ممالأة النفس والهوى صلاح وهدى . والرابع : أنهم ظنوا أن في ممالأة الكفار صلاحا لهم ، وليس كذلك لأن الكفار لو ظفروا بهم لم يبقوا عليهم ، ولذلك قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=12ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ) . والخامس : أنهم أنكروا أن يكونوا فعلوا ما نهوا عنه من ممالأة الكفار ، وقالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=11إنما نحن مصلحون ) باجتناب ما نهينا عنه . والذي نختاره أنه لا يتعين شيء من هذه الأقوال ، بل يحمل النهي على كل فرد من أنواع الإفساد ، وذلك أنهم لما ادعوا الإيمان وأكذبهم الله في ذلك وأعلم بأن إيمانهم مخادعة ، كانوا يكونون بين حالين ، إحداهما : أن يكونوا مع عدم إيمانهم موادعين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين ، والحالة الأخرى أن يكونوا مع عدم إيمانهم يسعون بالإفساد بالأرض لتفرق كلمة الإسلام وشتات نظام الملة ، فنهوا عن ذلك وكأنهم قيل لهم : إن كنتم قد قنع منكم بالإقرار بالإيمان ، وإن لم تؤمن قلوبكم فإياكم والإفساد في الأرض ، فلم يجيبوا بالامتناع من الإفساد ، بل أثبتوا لأنفسهم أنهم مصلحون وأنهم ليسوا
[ ص: 66 ] محلا للإفساد ، فلا يتوجه النهي عن الإفساد نحوهم لاتصافهم بضده وهو الإصلاح . كل ذلك بهت منهم وكذب صرف على عادتهم في الكذب وقولهم بأفواههم ما ليس في قلوبهم . ولما كانوا قد قابلوا النهي عن الإفساد بدعوى الإصلاح الكاذبة أكذبهم الله بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=12ألا إنهم هم المفسدون ) ، فأثبت لهم ضد ما ادعوه مقابلا لهم ذلك في جملة اسمية مؤكدة بأنواع من التأكيد منها التصدير بإن وبالمجيء بهم ، وبالمجيء بالألف واللام التي تفيد الحصر عند بعضهم . وقال
الجرجاني : دخلت الألف واللام في قوله المفسدون لما تقدم ذكر اللفظة في قوله لا تفسدوا ، فكأنه ضرب من العهد ، ولو جاء الخبر عنهم ولم يتقدم من اللفظة ذكر لكان (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=12ألا إنهم هم المفسدون ) ، انتهى كلامه ، وهو حسن . واستفتحت الجملة بألا منبهة على ما يجيء بعدها لتكون الأسماع مصغية لهذا الإخبار الذي جاء في حقهم ، ويحتمل هم أن يكون تأكيدا للضمير في أنهم وإن كان فصلا ، فعلى هذين الوجهين يكون المفسدون خبرا لأن ، وأن يكون مبتدأ ويكون المفسدون خبره . والجملة خبر لإن ، وقد تقدم ذكر فائدة الفصل عند الكلام على قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=5وأولئك هم المفلحون ) . وتحقيق الاستدراك هنا في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=12ولكن لا يشعرون ) ، هو أن الإخبار عنهم أنهم هم المفسدون يتضمن علم الله ذلك ، فكان المعنى أن الله قد علم أنهم هم المفسدون ، ولكن لا يعلمون ذلك ، فوقعت لكن إذ ذاك بين متنافيين ، وجهة الاستدراك أنهم لما نهوا عن إيجاد مثل ما كانوا يتعاطونه من الإفساد فقابلوا ذلك بأنهم مصلحون في ذلك ، وأخبر الله عنهم أنهم هم المفسدون ، كانوا حقيقين بأن يعلموا أن ذلك كما أخبر الله - تعالى - وأنهم لا يدعون أنهم مصلحون ، فاستدرك عليهم هذا المعنى الذي فاتهم من عدم الشعور بذلك . تقول :
زيد جاهل ولكن لا يعلم ، وذلك أنه من حيث اتصف بالجهل وصار وصفا قائما
بزيد ، كان ينبغي
لزيد أن يكون عالما بهذا الوصف الذي قام به ، إذ الإنسان ينبغي أن يعلم ما اشتمل عليه من الأوصاف ، فاستدرك عليه بلكن ، لأنه مما كثر في القرآن ويغمض في بعض المواضع إدراكه . قالوا : ومفعول يشعرون محذوف لفهم المعنى تقديره أنهم مفسدون ، أو أنهم معذبون ، أو أنهم ينزل بهم الموت فتنقطع التوبة ، والأولى الأول ، ويحتمل أن لا ينوى محذوف فيكون قد نفي عنهم الشعور من غير ذكر متعلقه ولا نية ، وهو أبلغ في الذم ، جعلوا لدعواهم ما هو إفساد إصلاحا ممن انتفى عنه الشعور وكأنهم من البهائم ; لأن من كان متمكنا من إدراك شيء فأهمل الفكر والنظر حتى صار يحكم على الأشياء الفاسدة بأنها صالحة ، فقد انتظم في سلك من لا شعور له ولا إدراك ، أو من كابر وعاند فجعل الحق باطلا ، فهو كذلك أيضا . وفي قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=12ولكن لا يشعرون ) تسلية عن كونهم لا يدركون الحق ، إذ من كان من أهل الجهل فينبغي للعالم أن لا يكترث بمخالفته . والكلام على قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=13وإذا قيل لهم آمنوا ) ، كالكلام على قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=11وإذا قيل لهم لا تفسدوا ) من حيث عطف هذه الجملة على سبيل الاستئناف ، أو عطفها على صلة من قوله : من يقول ، أو عطفها على يكذبون ، ومن حيث العامل في إذا ، ومن حيث حكم الجملة بعد إذا ، ومن حيث المفعول الذي لم يسم فاعله . واختلف في القائل لهم آمنوا ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : الصحابة ، ولم يعين أحدا منهم ، وقال
مقاتل : قوم مخصوصون منهم وهم :
nindex.php?page=showalam&ids=307سعد بن معاذ وأبو لبابة nindex.php?page=showalam&ids=168وأسيد بن الحضير . ولما نهاهم تعالى عن الإفساد أمرهم بالإيمان لأن الكمال يحصل بترك ما لا ينبغي وبفعل ما ينبغي ، وبدئ بالمنهي عنه لأنه الأهم ، ولأن المنهيات عنها هي من باب التروك ، والتروك أسهل في الامتثال من امتثال المأمورات بها . والكاف من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=13كما آمن الناس ) في موضع نصب ، وأكثر المعربين يجعلون ذلك نعتا لمصدر محذوف التقدير عندهم : آمنوا إيمانا كما آمن الناس ، وكذلك يقولون : في سير عليه شديدا ، أو : سرت حثيثا ، إن شديدا وحثيثا نعت لمصدر محذوف ، التقدير : سير عليه سيرا شديدا ، وسرت
[ ص: 67 ] سيرا حثيثا . ومذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ، رحمه الله ، أن ذلك ليس بنعت لمصدر محذوف ، وإنما هو منصوب على الحال من المصدر المضمر المفهوم من الفعل المتقدم المحذوف بعد الإضمار على طريق الاتساع ، وإنما لم يجز ذلك لأنه يؤدي إلى حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه في غير المواضع التي ذكروها . وتلك المواضع أن تكون الصفة خاصة بجنس الموصوف ، نحو : مررت بكاتب ومهندس ، أو واقعة خبرا ، نحو : زيد
قائم ، أو حالا ، نحو : مررت بزيد راكبا ، أو وصفا لظرف ، نحو : جلست قريبا منك ، أو مستعملة استعمال الأسماء ، وهذا يحفظ ولا يقاس عليه ، نحو : الأبطح والأبرق . وإذا خرجت الصفة عن هذه المواضع لم تكن إلا تابعة للموصوف ، ولا يكتفى عن الموصوف ، ألا ترى أن
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه منع : ألا ماء ولو باردا ، وإن تقدم ما يدل على حذف الموصوف ، وأجاز : ولو باردا ، لأنه حال ، وتقرير هذا في كتب النحو .
وما من : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=13كما آمن الناس ) ، مصدرية التقدير كإيمان الناس ، فينسبك من ما والفعل بعدها مصدر مجرور بكاف التشبيه التي هي نعت لمصدر محذوف ، أو حال على القولين السابقين ، وإذا كانت ما مصدرية فصلتها جملة فعلية مصدرة بماض متصرف أو مضارع ، وشذ وصلها بليس في قول الشاعر :
بما لستما أهل الخيانة والغدر
ولا توصل بالجملة الأسمية خلافا لقوم ، منهم :
أبو الحجاج الأعلم ، مستدلين بقوله :
وجدنا الحمر من شر المطايا كما الحبطات شر بني تميم
وأجاز
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ،
وأبو البقاء في ما من قوله : كما آمن ، أن تكون كافة للكاف عن العمل مثلها في : ربما قام زيد ، وينبغي أن لا تجعل كافة إلا في المكان الذي لا تتقدر فيه مصدرية ، لأن إبقاءها مصدرية مبق للكاف على ما استقر فيها من العمل ، وتكون الكاف إذ ذاك مثل حروف الجر الداخلة على ما المصدرية ، وقد أمكن ذلك في : كما آمن الناس ، فلا ينبغي أن تجعل كافة . والألف واللام في الناس يحتمل أن تكون للجنس ، فكأنه قال : الكاملون في الإنسانية ، أو عبر بالناس عن المؤمنين لأنهم هم الناس في الحقيقة ، ومن عداهم صورته صورة الناس ، وليس من الناس لعدم تمييزه ، كما قال الشاعر :
ليس من الناس ولكنه يحسبه الناس من الناس
ويحتمل أن تكون الألف واللام للعهد ، ويعنى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، أو
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام ، ونحوه ممن حسن إسلامه من
اليهود ، قاله
مقاتل ، أو
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل ،
nindex.php?page=showalam&ids=307وسعد بن معاذ ،
nindex.php?page=showalam&ids=168وأسيد بن الحضير ، وجماعة من وجوه
الأنصار عدهم
الكلبي . والأولى حملها على العهد ، وأن يراد به من سبق إيمانه قبل قول ذلك لهم ، فيكون حوالة على من سبق إيمانه لأنهم معلومون معهودون عند المخاطبين بالأمر بالإيمان . والتشبيه في : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=13كما آمن الناس ) إشارة إلى الإخلاص ، وإلا فهم ناطقون بكلمتي الشهادة غير معتقديها . أنؤمن : معمول لقالوا ، وهو استفهام معناه الإنكار أو الاستهزاء . ولما كان المأمور به مشبها كان جوابهم مشبها في قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=13أنؤمن كما آمن السفهاء ) ، والقول في الكاف وما في هذا كالقول فيهما في : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=13كما آمن الناس ) . والألف واللام في السفهاء للعهد ، فيعنى به الصحابة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، أو الصبيان والنساء ، قاله
الحسن ، أو
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام وأصحابه ، قاله
مقاتل ، ويحتمل أن تكون للجنس فيندرج تحته من فسر به الناس من المعهودين ، أو الكاملون في السفه ، أو لأنهم انحصر السفه فيهم إذ لا سفيه غيرهم . وأبعد من ذهب إلى أن الألف واللام للصفة الغالبة نحو : العيوق والدبران ; لأنه لم يغلب هذا الوصف عليهم ، فصاروا إذا قيل : السفهاء ، فهم منه ناس مخصوصون ، كما يفهم من العيوق نجم مخصوص . ويحتمل قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=13كما آمن السفهاء ) أن يكون ذلك من باب التعنت والتجلد حذرا من الشماتة ، وهم عالمون بأنهم ليسوا بسفهاء . ويحتمل أن يكون ذلك من باب الاعتقاد الجزم عندهم ، فيكونوا قد
[ ص: 68 ] نسبوهم للسفه معتقدين أنهم سفهاء ، وذلك لما أخلوا به من النظر والفكر الصحيح المؤدي إلى إدراك الحق ، وهم كانوا في رئاسة ويسار ، وكان المؤمنون إذ ذاك أكثرهم فقراء وكثير منهم موال ، فاعتقدوا أن من كان بهذه المثابة كان من السفهاء لأنهم اشتغلوا ما لا يجدي عندهم وكسلوا عن طلب الرئاسة والغنى وما به السؤدد في الدنيا ، وذلك هو غاية السفه عندهم . وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=13كما آمن السفهاء ) إثبات منهم في دعواهم بسفه المؤمنين أنهم موصوفون بضد السفه ، وهو رزانة الأحلام ورجحان العقول ، فرد الله عليهم قولهم وأثبت أنهم هم السفهاء ، وصدر الجملة بألا التي للتنبيه لينادي عليهم المخاطبين بأنهم السفهاء ، وأكد ذلك بإن وبلفظ هم . وإذا التقت الهمزتان والأولى مضمومة والثانية مفتوحة من كلمتين نحو : السفهاء ألا ، ففي ذلك أوجه . أحدها : تحقيق الهمزتين ، وبذلك قرأ الكوفيون ،
وابن عامر . والثاني : تحقيق الأولى وتخفيف الثانية بإبدالها واوا كحالها إذا كانت مفتوحة قبلها ضمة في كلمة نحو : أؤاتي مضارع آتى ، فاعل من أتيت ، وجؤن تقول : أواتي وجون ، وبذلك قرأ الحرميان
وأبو عمرو . والثالث : تسهيل الأولى بجعلها بين الهمزة والواو ، وتحقيق الثانية . والرابع : تسهيل الأولى بجعلها بين الهمزة والواو وإبدال الثانية واوا . وأجاز قوم وجها . خامسا : وهو جعل الأولى بين الهمزة والواو ، وجعل الثانية بين الهمزة والواو ، ومنع بعضهم ذلك لأن جعل الثانية بين الهمزة والواو تقريبا لها من الألف ، والألف لا تقع بعد الضمة ، والأعاريب الثلاثة التي جازت في : هم ، في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=12هم المفسدون ) ، جائزة في : هم ، من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=13هم السفهاء ) . والاستدراك الذي دلت عليه لكن في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=13ولكن لا يعلمون ) ، مثله في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=12ولكن لا يشعرون ) ، وإنما قال هناك لا يشعرون وهنا لا يعلمون لأن المثبت لهم هناك هو الإفساد ، وهو مما يدرك بأدنى تأمل ; لأنه من المحسوسات التي لا تحتاج إلى فكر كثير ، فنفى عنهم ما يدرك بالمشاعر ، وهي الحواس ، مبالغة في تجهيلهم ، وهو أن الشعور الذي قد يثبت للبهائم منفي عنهم ، والمثبت هنا هو السفه ، والمصدر به هو الأمر بالإيمان ، وذلك مما يحتاج إلى إمعان فكر واستدلال ونظر تام يفضي إلى الإيمان والتصديق ، ولم يقع منهم المأمور به فناسب ذلك نفي العلم عنهم ، ولأن السفه هو خفة العقل والجهل بالمأمور ، قال
السموأل :
نخاف أن تسفه أحلامنا فنجهل الجهل مع الجاهل
والعلم نقيض الجهل ، فقابله بقوله : لا يعلمون ; لأن عدم العلم بالشيء جهل به . قرأ
ابن السميفع اليماني وأبو حنيفة : ( وإذا لاقوا الذين ) ، وهي فاعل بمعنى الفعل المجرد ، وهو أحد معاني فاعل الخمسة ، والواو المضمومة في هذه القراءة هي واو الضمير تحركت لسكون ما بعدها ، ولم تعد لام الكلمة المحذوفة لعروض التحريك في الواو ، واللقاء يكون بموعد وبغير موعد ، فإذا كان بغير موعد سمي مفاجأة ومصادفة ، وقولهم لمن لقوا من المؤمنين : آمنا ، بلفظ مطلق الفعل غير مؤكد بشيء تورية منهم وإيهاما ، فيحتمل أن يريدوا به الإيمان بموسى وبما جاء به دون غيره ، وذلك من خبثهم وبهتهم ، ويحتمل أن يريدوا به الإيمان المقيد في قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8آمنا بالله وباليوم الآخر ) ، وليسوا بصادقين في ذلك ، ويحتمل أن يريدوا بذلك ما أظهروه بألسنتهم من الإيمان ، ومن اعترافهم حين اللقاء ، وسموا ذلك إيمانا ، وقلوبهم عن ذلك صارفة معرضة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=16nindex.php?page=treesubj&link=28973أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ) ، الِاشْتِرَاءُ وَالشِّرَاءُ بِمَعْنَى : الِاسْتِبْدَالِ بِالشَّيْءِ وَالِاعْتِيَاضِ مِنْهُ ، إِلَّا أَنَّ الِاشْتِرَاءَ يُسْتَعْمَلُ فِي الِابْتِيَاعِ وَالْبَيْعِ ، وَهُوَ مِمَّا جَاءَ فِيهِ افْتَعَلَ بِمَعْنَى الْفِعْلِ الْمُجَرَّدِ ، وَهُوَ أَحَدُ الْمَعَانِي الَّتِي جَاءَ لَهَا افْتَعَلَ . الرِّبْحُ : هُوَ مَا يَحْصُلُ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ . التِّجَارَةُ : هِيَ صِنَاعَةُ التَّاجِرِ ، وَهُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ فِي الْمَالِ لِطَلَبِ النُّمُوِّ وَالزِّيَادَةِ . الْمُهْتَدِي : اسْمُ فَاعِلٍ مِنِ اهْتَدَى وَافْتَعَلَ فِيهِ لِلْمُطَاوَعَةِ ، هَدَيْتُهُ فَاهْتَدَى ، نَحْوُ : سَوَّيْتُهُ فَاسْتَوَى ، وَغَمَمْتُهُ فَاغْتَمَّ . وَالْمُطَاوَعَةُ أَحَدُ الْمَعَانِي الَّتِي جَاءَتْ لَهَا أَفْعَلُ ، وَلَا تَكُونُ افْتَعَلَ لِلْمُطَاوَعَةِ مَبْنِيَّةً إِلَّا مِنَ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي ، وَقَدْ وَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا تَكُونُ مِنَ اللَّازِمِ ، وَأَنَّ ذَلِكَ قَلِيلٌ فِيهَا ، مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِ الشَّاعِرِ :
حَتَّى إِذَا اشْتَالَ سُهَيْلٌ فِي السَّحَرْ كَشُعْلَةِ الْقَابِسِ تَرْمِي بِالشَّرَرْ
لِأَنَّ افْتَعَلَ فِي الْبَيْتِ بِمَعْنَى ، فَعَلَ . تَقُولُ : شَالَ يَشُولُ ، وَاشْتَالَ يَشْتَالُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، وَلَا تَتَعَقَّلُ الْمُطَاوَعَةُ ، إِلَّا بِأَنْ يَكُونَ الْمُطَاوِعُ مُتَعَدِّيًا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=11وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا ) جُمْلَةٌ شَرْطِيَّةٌ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْجُمَلِ اسْتِئْنَافًا يَنْعِي عَلَيْهِمْ قَبَائِحَ أَفْعَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَلَامًا ، وَفِي الثَّانِي جُزْءُ كَلَامٍ لِأَنَّهَا مِنْ تَمَامِ الصِّلَةِ . وَأَجَازَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ وَأَبُو الْبَقَاءِ أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى يَكْذِبُونَ ، فَإِذْ ذَاكَ يَكُونُ لَهَا مَوْضِعٌ مِنَ الْإِعْرَابِ ، وَهُوَ النَّصْبُ ، لِأَنَّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى خَبَرِ كَانَ ، وَالْمَعْطُوفُ عَلَى الْخَبَرِ خَبَرٌ ، وَهِيَ إِذْ ذَاكَ جُزْءٌ مِنَ السَّبَبِ الَّذِي اسْتَحَقَّوْا بِهِ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ . وَعَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ لَا تَكُونُ جُزْءًا مِنَ الْكَلَامِ ، وَهَذَا الْوَجْهُ الَّذِي أَجَازَاهُ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْ مَا مِنْ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=10بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ) خَطَأٌ ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ مَا مَوْصُولَةً بِمَعْنَى الَّذِي ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَى الْخَبَرِ خَبَرٌ ، فَيَكْذِبُونَ قَدْ حُذِفَ مِنْهُ الْعَائِدُ عَلَى مَا ، وَقَوْلُهُ : وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ لَا ضَمِيرَ فِيهِ يَعُودُ عَلَى مَا ، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَيْهِ ، إِذْ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ : وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِالَّذِي كَانُوا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=11وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ) ، وَهَذَا كَلَامٌ غَيْرُ مُنْتَظِمٍ لِعَدَمِ الْعَائِدِ . وَأَمَّا وَجْهُهَا الْآخَرُ ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ مَا مَصْدَرِيَّةً ، فَعَلَى مَذْهَبِ
الْأَخْفَشِ يَكُونُ هَذَا الْإِعْرَابُ أَيْضًا خَطَأً ، إِذْ عِنْدَهُ أَنَّ مَا الْمَصْدَرِيَّةَ اسْمٌ يَعُودُ
[ ص: 64 ] عَلَيْهَا مِنْ صِلَتِهَا ضَمِيرٌ ، وَالْجُمْلَةُ الْمَعْطُوفَةُ عَارِيَةٌ مِنْهُ . وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ ، فَهَذَا الْإِعْرَابُ شَائِعٌ ، وَلَمْ يَذْكُرِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ وَأَبُو الْبَقَاءِ إِعْرَابَ هَذَا سِوَى أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى يَكْذِبُونَ ، أَوْ عَلَى يَقُولُ ، وَزَعَمَا أَنَّ الْأَوَّلَ وَجْهٌ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا فِيهِ ، وَالَّذِي نَخْتَارُهُ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةً ، كَمَا قَرَّرْنَاهُ ، إِذْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ وَالْجُمْلَتَانِ بَعْدَهَا هِيَ مِنْ تَفَاصِيلِ الْكَذِبِ وَنَتَائِجِ التَّكْذِيبِ . أَلَا تَرَى قَوْلَهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=11إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ) ، وَقَوْلَهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=13أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ) ، وَقَوْلَهُمْ عِنْدَ لِقَاءِ الْمُؤْمِنِينَ : ( آمَنَّا ) كَذِبٌ مَحْضٌ ؟ فَنَاسَبَ جَعَلَ ذَلِكَ جُمَلًا مُسْتَقِلَّةً ذُكِرَتْ لِإِظْهَارِ كَذِبِهِمْ وَنِفَاقِهِمْ وَنِسْبَةِ السَّفَهِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَاسْتِهْزَائِهِمْ ، فَكَثُرَ بِهَذِهِ الْجُمَلِ وَاسْتِقْلَالِهَا ذَمُّهُمْ وَالرَّدُّ عَلَيْهِمْ ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ جَعْلِهَا سِيقَتْ صِلَةَ جُزْءِ كَلَامٍ لِأَنَّهَا إِذْ ذَاكَ لَا تَكُونُ مَقْصُودَةً لِذَاتِهَا ، إِنَّمَا جِيءَ بِهَا مُعَرِّفَةً لِلْمَوْصُولِ إِنْ كَانَ اسْمًا ، وَمُتَمِّمَةً لِمَعْنَاهُ إِنْ كَانَ حَرْفًا . وَالْجُمْلَةُ بَعْدَ إِذَا فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ بِالْإِضَافَةِ ، وَالْعَامِلُ فِيهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ الْجَوَابُ ، فَإِذَا فِي الْآيَةِ مَنْصُوبَةٌ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=11إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ) . وَالَّذِي نَخْتَارُهُ أَنَّ الْجُمْلَةَ بَعْدَهَا تَلِيهَا هِيَ النَّاصِبَةُ لِإِذَا لِأَنَّهَا شَرْطِيَّةٌ ، وَأَنَّ مَا بَعْدَهَا لَيْسَ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ بِالْإِضَافَةِ ، فَحُكْمُهَا حُكْمُ الظُّرُوفِ الَّتِي يُجَازَى بِهَا وَإِنْ قَصُرَتْ عَنْ عَمَلِهَا الْجَزْمَ . عَلَى أَنَّ مِنَ النَّحْوِيِّينَ مَنْ أَجَازَ الْجَزْمَ بِهَا حَمْلًا عَلَى مَتَى مَنْصُوبًا بِفِعْلِ الشَّرْطِ ، فَكَذَلِكَ إِذَا مَنْصُوبَةٌ بِفِعْلِ الشَّرْطِ بَعْدَهَا ، وَالَّذِي يُفْسِدُ مَذْهَبَ الْجُمْهُورِ جَوَازًا إِذَا قُمْتَ فَعَمْرٌو قَائِمٌ ; لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْفَاءِ لَا يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهَا ، وَجَوَازُ وُقُوعِ إِذَا الْفُجَائِيَّةِ جَوَابًا لِإِذَا الشَّرْطِيَّةِ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=21وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا ) ، وَمَا بَعْدَ إِذَا الْفُجَائِيَّةِ لَا يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهَا ، وَحَذْفُ فَاعِلِ الْقَوْلِ هُنَا لِلْإِبْهَامِ ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ - تَعَالَى - أَوِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَكُلٌّ مِنْ هَذَا قَدْ قِيلَ ، وَالْمَفْعُولُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ ، فَظَاهِرُ الْكَلَامِ أَنَّهَا الْجُمْلَةُ الْمُصَدَّرَةُ بِحَرْفِ النَّهْيِ وَهِيَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=11لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ ) ، إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إِلَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ أَجَازَ وُقُوعَ الْفَاعِلِ جُمْلَةً ، وَلَيْسَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْبَصْرِيِّينَ . وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْمَذَاهِبُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ ) ، وَالْمَفْعُولُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْفَاعِلِ ، وَتَخْرِيجُهُ عَلَى مَذْهَبِ جُمْهُورِ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ الْمَفْعُولَ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ هُوَ مُضْمَرٌ تَقْدِيرُهُ هُوَ ، يُفَسِّرُهُ سِيَاقُ الْكَلَامِ كَمَا فَسَّرَ الْمُضْمَرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=32حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ) سِيَاقُ الْكَلَامِ وَالْمَعْنَى ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ قَوْلٌ شَدِيدٌ فَأُضْمِرَ هَذَا الْقَوْلُ الْمَوْصُوفُ وَجَاءَتِ الْجُمْلَةُ بَعْدَهُ مُفَسِّرَةً ، فَلَا مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ لِأَنَّهَا مُفَسِّرَةٌ لِذَلِكَ الْمُضْمَرِ الَّذِي هُوَ الْقَوْلُ الشَّدِيدُ ، وَلَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَظِمُ مِنْهُ مَعَ مَا قَبْلَهُ كَلَامٌ ; لِأَنَّهُ يَبْقَى لَا تُفْسِدُوا لَا ارْتِبَاطَ لَهُ ، إِذْ لَا يَكُونُ مَعْمُولًا لِلْقَوْلِ مُفَسِّرًا لَهُ . وَزَعَمَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّ الْمَفْعُولَ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ هُوَ الْجُمْلَةُ الَّتِي هِيَ : لَا تُفْسِدُوا ، وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْإِسْنَادِ اللَّفْظِيِّ وَنَظَّرَهُ بِقَوْلِكَ أَلِفٌ حَرْفٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ ، وَمِنْهُ زَعَمُوا مَطِيَّةَ الْكَذِبِ ، قَالَ : كَأَنَّهُ قِيلَ ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ هَذَا الْقَوْلُ وَهَذَا الْكَلَامُ ، انْتَهَى . فَلَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ بَابِ الْإِسْنَادِ إِلَى مَعْنَى الْجُمْلَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ عَلَى مَذْهَبِ جُمْهُورِ الْبَصْرِيِّينَ ، فَعُدِلَ إِلَى الْإِسْنَادِ اللَّفْظِيِّ ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَخْتَصُّ بِهِ الِاسْمُ بَلْ يُوجَدُ فِي الِاسْمِ وَالْفِعْلِ وَالْحَرْفِ وَالْجُمْلَةِ ، وَإِذَا أَمْكَنَ الْإِسْنَادُ الْمَعْنَوِيُّ لَمْ يُعْدَلْ إِلَى الْإِسْنَادِ اللَّفْظِيِّ ، وَقَدْ أَمْكَنَ ذَلِكَ بِالتَّخْرِيجِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ . وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ : لَهُمْ ، لِلتَّبْلِيغِ ، وَهُوَ أَحَدُ الْمَعَانِي السَّبْعَةَ عَشَرَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا لِلَّامِ عِنْدَ كَلَامِنَا عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الْحَمْدُ لِلَّهِ ) . وَإِفْسَادُهُمْ فِي الْأَرْضِ بِالْكُفْرِ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ، أَوِ الْمَعَاصِي ، قَالَهُ
أَبُو الْعَالِيَةِ وَمُقَاتِلٌ ، أَوْ بِهِمَا ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ عَنْ أَشْيَاخِهِ ، أَوْ بِتَرْكِ امْتِثَالِ الْأَمْرِ وَاجْتِنَابِ النَّهْيِ ، قَالَهُ
مُجَاهِدٌ ، أَوْ بِالنِّفَاقِ الَّذِي صَافَوْا بِهِ الْكُفَّارَ وَأَطْلَعُوهُمْ عَلَى أَسْرَارِ الْمُؤْمِنِينَ ، ذَكَرَهُ
عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ ، أَوْ بِإِعْرَاضِهِمْ عَنِ الْإِيمَانِ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقُرْآنِ ،
[ ص: 65 ] أَوْ بِقَصْدِهِمْ تَغْيِيرَ الْمِلَّةِ ، قَالَهُ
الضَّحَّاكَ ، أَوْ بِاتِّبَاعِهِمْ هَوَاهُمْ وَتَرْكِهِمُ الْحَقَّ مَعَ وُضُوحِهِ ، قَالَهُ بَعْضُهُمْ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : الْإِفْسَادُ فِي الْأَرْضِ تَهْيِيجُ الْحُرُوبِ وَالْفِتَنِ ، قَالَ : لِأَنَّ فِي ذَلِكَ فَسَادُ مَا فِي الْأَرْضِ وَانْتِفَاءُ الِاسْتِقَامَةِ عَنْ أَحْوَالِ النَّاسِ وَالزُّرُوعِ وَالْمَنَافِعِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=205لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ) ، وَمِنْهُ قِيلَ لِحَرْبٍ كَانَتْ بَيْنَ
طَيِّئٍ : حَرْبُ الْفَسَادِ ، انْتَهَى كَلَامُهُ . وُوَجْهُ الْفَسَادِ بِهَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي قِيلَتْ أَنَّهَا كُلَّهَا كَبَائِرُ عَظِيمَةٌ وَمَعَاصٍ جَسِيمَةٌ ، وَزَادَهَا تَغْلِيظًا إِصْرَارُهُمْ عَلَيْهَا ، وَالْأَرْضُ مَتَى كَثُرَتْ مَعَاصِي أَهْلَهَا وَتَوَاتَرَتْ قَلَّتْ خَيْرَاتُهَا وَنُزِعَتْ بَرَكَاتُهَا وَمُنِعَ عَنْهَا الْغَيْثُ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْحَيَاةِ ، فَكَانَ فِعْلُهُمُ الْمَوْصُوفُ أَقْوَى الْأَسْبَابِ لِفَسَادِ الْأَرْضِ وَخَرَابِهَا . كَمَا أَنَّ الطَّاعَةَ وَالِاسْتِغْفَارَ سَبَبٌ لِكَثْرَةِ الْخَيْرَاتِ وَنُزُولِ الْبَرَكَاتِ وَنُزُولِ الْغَيْثِ ، أَلَا تَرَى قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=10فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=16وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=96وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=66وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ) ، الْآيَاتِ . وَقَدْ قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ مَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ أَنَّ الْفَاجِرَ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ ، إِنَّ مَعَاصِيَهِ يَمْنَعُ اللَّهُ بِهَا الْغَيْثَ ، فَيَهْلِكُ الْبِلَادُ وَالْعِبَادُ لِعَدَمِ النَّبَاتِ وَانْقِطَاعِ الْأَقْوَاتِ . وَالنَّهْيُ عَنِ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَابِ النَّهْيِ عَنِ الْمُسَبِّبِ ، وَالْمُرَادُ النَّهْيُ عَنِ السَّبَبِ . فَمُتَعَلِّقُ النَّهْيِ حَقِيقَةً هُوَ مُصَافَاةُ الْكُفَّارِ وَمُمَالَأَتُهُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِإِفْشَاءِ السِّرِّ إِلَيْهِمْ وَتَسْلِيطِهِمْ عَلَيْهِمْ ، لِإِفْضَاءِ ذَلِكَ إِلَى هَيْجِ الْفِتَنِ الْمُؤَدِّي إِلَى الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ ، فَجَعَلَ مَا رُتِّبَ عَلَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ حَقِيقَةً مَنْهِيًّا عَنْهُ لَفْظًا . وَالنَّهْيُ عَنِ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ هُنَا كَالنَّهْيِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=60وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) . وَلَيْسَ ذِكْرُ الْأَرْضِ لِمُجَرَّدِ التَّوْكِيدِ بَلْ فِي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمَحَلَّ الَّذِي فِيهِ نَشْأَتُكُمْ وَتَصَرُّفُكُمْ ، وَمِنْهُ مَادَّةُ حَيَاتِكُمْ ، وَهُوَ سُتْرَةُ أَمْوَاتِكُمْ ، جَدِيرٌ أَنْ لَا يُفْسَدَ فِيهِ ، إِذْ مَحَلُّ الْإِصْلَاحِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ مَحَلَّ الْإِفْسَادِ . أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=56وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ) وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=15هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ) ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=30وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=31أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=32وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=33مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ) ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=25أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ) ، الْآيَةَ . إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْمُنَبِّهَةِ عَلَى الِامْتِنَانِ عَلَيْنَا بِالْأَرْضِ ، وَمَا أَوْدَعَ اللَّهُ فِيهَا مِنَ الْمَنَافِعِ الَّتِي لَا تَكَادُ تُحْصَى . وَقَابَلُوا النَّهْيَ عَنِ الْإِفْسَادِ بِقَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=11إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ) ، فَأَخْرَجُوا الْجَوَابَ جُمْلَةً اسْمِيَّةً لِتَدُلَّ عَلَى ثُبُوتِ الْوَصْفِ لَهُمْ ، وَأَكَّدُوهَا بِإِنَّمَا دَلَالَةً عَلَى قُوَّةِ اتِّصَافِهِمْ بِالْإِصْلَاحِ . وَفِي الْمَعْنَى الَّذِي اعْتَقَدُوا أَنَّهُمْ مُصْلِحُونَ أَقْوَالٌ : أَحَدُهَا : قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : إِنَّ مُمَالَأَتِنَا الْكُفَّارَ إِنَّمَا نُرِيدُ بِهَا الْإِصْلَاحَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ . وَالثَّانِي : قَوْلُ
مُجَاهِدٍ وَهُوَ : أَنَّ تِلْكَ الْمُمَالَأَةَ هُدًى وَصَلَاحٌ وَلَيْسَتْ بِفَسَادٍ . وَالثَّالِثُ : أَنَّ مُمَالَأَةَ النَّفْسِ وَالْهَوَى صَلَاحٌ وَهُدًى . وَالرَّابِعُ : أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ فِي مُمَالَأَةِ الْكُفَّارِ صَلَاحًا لَهُمْ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْكُفَّارَ لَوْ ظَفِرُوا بِهِمْ لَمْ يُبْقُوا عَلَيْهِمْ ، وَلِذَلِكَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=12أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ) . وَالْخَامِسُ : أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونُوا فَعَلُوا مَا نُهُوا عَنْهُ مِنْ مُمَالَأَةِ الْكُفَّارِ ، وَقَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=11إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ) بِاجْتِنَابِ مَا نُهِينَا عَنْهُ . وَالَّذِي نَخْتَارُهُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ ، بَلْ يُحْمَلُ النَّهْيُ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِفْسَادِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا ادَّعَوُا الْإِيمَانَ وَأَكْذَبَهُمُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ وَأَعْلَمَ بِأَنَّ إِيمَانَهُمْ مُخَادَعَةٌ ، كَانُوا يَكُونُونَ بَيْنَ حَالَيْنِ ، إِحْدَاهُمَا : أَنْ يَكُونُوا مَعَ عَدَمِ إِيمَانِهِمْ مُوَادِعِينَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِلْمُؤْمِنِينَ ، وَالْحَالَةُ الْأُخْرَى أَنْ يَكُونُوا مَعَ عَدَمِ إِيمَانِهِمْ يَسْعَوْنَ بِالْإِفْسَادِ بِالْأَرْضِ لِتَفَرُّقِ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَشَتَاتِ نِظَامِ الْمِلَّةِ ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَكَأَنَّهُمْ قِيلَ لَهُمْ : إِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُنِعَ مِنْكُمْ بِالْإِقْرَارِ بِالْإِيمَانِ ، وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُكُمْ فَإِيَّاكُمْ وَالْإِفْسَادَ فِي الْأَرْضِ ، فَلَمْ يُجِيبُوا بِالِامْتِنَاعِ مِنَ الْإِفْسَادِ ، بَلْ أَثْبَتُوا لِأَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ مُصْلِحُونَ وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا
[ ص: 66 ] مَحَلًّا لِلْإِفْسَادِ ، فَلَا يَتَوَجَّهُ النَّهْيُ عَنِ الْإِفْسَادِ نَحْوَهُمْ لِاتِّصَافِهِمْ بِضِدِّهِ وَهُوَ الْإِصْلَاحُ . كُلُّ ذَلِكَ بُهْتٌ مِنْهُمْ وَكَذِبٌ صِرْفٌ عَلَى عَادَتِهِمْ فِي الْكَذِبِ وَقَوْلِهِمْ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ . وَلَمَّا كَانُوا قَدْ قَابَلُوا النَّهْيَ عَنِ الْإِفْسَادِ بِدَعْوَى الْإِصْلَاحِ الْكَاذِبَةِ أَكْذَبَهُمُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=12أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ ) ، فَأُثْبِتَ لَهُمْ ضِدُّ مَا ادَّعَوْهُ مُقَابِلًا لَهُمْ ذَلِكَ فِي جُمْلَةٍ اسْمِيَّةٍ مُؤَكَّدَةٍ بِأَنْوَاعٍ مِنَ التَّأْكِيدِ مِنْهَا التَّصْدِيرُ بِإِنَّ وَبِالْمَجِيءِ بِهِمْ ، وَبِالْمَجِيءِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ الَّتِي تُفِيدُ الْحَصْرَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ . وَقَالَ
الْجُرْجَانِيُّ : دَخَلَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ الْمُفْسِدُونَ لَمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُ اللَّفْظَةِ فِي قَوْلِهِ لَا تُفْسِدُوا ، فَكَأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنَ الْعَهْدِ ، وَلَوْ جَاءَ الْخَبَرُ عَنْهُمْ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ مِنَ اللَّفْظَةِ ذِكْرٌ لَكَانَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=12أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ ) ، انْتَهَى كَلَامُهُ ، وَهُوَ حَسَنٌ . وَاسْتُفْتِحَتِ الْجُمْلَةُ بِأَلَا مُنَبِّهَةً عَلَى مَا يَجِيءُ بَعْدَهَا لِتَكُونَ الْأَسْمَاعُ مُصْغِيَةً لِهَذَا الْإِخْبَارِ الَّذِي جَاءَ فِي حَقِّهِمْ ، وَيَحْتَمِلُ هُمْ أَنْ يَكُونَ تَأْكِيدًا لِلضَّمِيرِ فِي أَنَّهُمْ وَإِنْ كَانَ فَصْلًا ، فَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ يَكُونُ الْمُفْسِدُونَ خَبَرًا لِأَنَّ ، وَأَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً وَيَكُونُ الْمُفْسِدُونَ خَبَرَهُ . وَالْجُمْلَةُ خَبَرٌ لِإِنَّ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ فَائِدَةِ الْفَصْلِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=5وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) . وَتَحْقِيقُ الِاسْتِدْرَاكِ هُنَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=12وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ) ، هُوَ أَنَّ الْإِخْبَارَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ يَتَضَمَّنُ عِلْمَ اللَّهِ ذَلِكَ ، فَكَانَ الْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ ، وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ ، فَوَقَعَتْ لَكِنْ إِذْ ذَاكَ بَيْنَ مُتَنَافِيَيْنِ ، وَجِهَةُ الِاسْتِدْرَاكِ أَنَّهُمْ لَمَّا نُهُوا عَنْ إِيجَادِ مِثْلِ مَا كَانُوا يَتَعَاطَوْنَهُ مِنَ الْإِفْسَادِ فَقَابَلُوا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ مُصْلِحُونَ فِي ذَلِكَ ، وَأَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ ، كَانُوا حَقِيقِينَ بِأَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ ذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - وَأَنَّهُمْ لَا يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ مُصْلِحُونَ ، فَاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِمْ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي فَاتَهُمْ مِنْ عَدَمِ الشُّعُورِ بِذَلِكَ . تَقُولُ :
زَيْدٌ جَاهِلٌ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ اتَّصَفَ بِالْجَهْلِ وَصَارَ وَصْفًا قَائِمًا
بِزَيْدٍ ، كَانَ يَنْبَغِي
لِزَيْدٍ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِهَذَا الْوَصْفِ الَّذِي قَامَ بِهِ ، إِذِ الْإِنْسَانُ يَنْبَغِي أَنْ يَعْلَمَ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَوْصَافِ ، فَاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ بِلَكِنْ ، لِأَنَّهُ مِمَّا كَثُرَ فِي الْقُرْآنِ وَيَغْمُضُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ إِدْرَاكُهُ . قَالُوا : وَمَفْعُولُ يَشْعُرُونَ مَحْذُوفٌ لِفَهْمِ الْمَعْنَى تَقْدِيرُهُ أَنَّهُمْ مُفْسِدُونَ ، أَوْ أَنَّهُمْ مُعَذَّبُونَ ، أَوْ أَنَّهُمْ يَنْزِلُ بِهِمُ الْمَوْتُ فَتَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ ، وَالْأَوْلَى الْأَوَّلُ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُنْوَى مَحْذُوفٌ فَيَكُونُ قَدْ نُفِيَ عَنْهُمُ الشُّعُورُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ مُتَعَلِّقِهِ وَلَا نِيَّةٍ ، وَهُوَ أَبْلَغُ فِي الذَّمِّ ، جَعَلُوا لِدَعْوَاهُمْ مَا هُوَ إِفْسَادٌ إِصْلَاحًا مِمَّنِ انْتَفَى عَنْهُ الشُّعُورُ وَكَأَنَّهُمْ مِنَ الْبَهَائِمِ ; لِأَنَّ مَنْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ إِدْرَاكِ شَيْءٍ فَأَهْمَلَ الْفِكْرَ وَالنَّظَرَ حَتَّى صَارَ يَحْكُمُ عَلَى الْأَشْيَاءِ الْفَاسِدَةِ بِأَنَّهَا صَالِحَةٌ ، فَقَدِ انْتَظَمَ فِي سِلْكِ مَنْ لَا شُعُورَ لَهُ وَلَا إِدْرَاكَ ، أَوْ مَنْ كَابَرَ وَعَانَدَ فَجَعَلَ الْحَقَّ بَاطِلًا ، فَهُوَ كَذَلِكَ أَيْضًا . وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=12وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ) تَسْلِيَةً عَنْ كَوْنِهِمْ لَا يُدْرِكُونَ الْحَقَّ ، إِذْ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ فَيَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ لَا يَكْتَرِثَ بِمُخَالَفَتِهِ . وَالْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=13وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا ) ، كَالْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=11وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا ) مِنْ حَيْثُ عَطْفُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِئْنَافِ ، أَوْ عَطْفُهَا عَلَى صِلَةٍ مِنْ قَوْلِهِ : مَنْ يَقُولُ ، أَوْ عَطْفُهَا عَلَى يَكْذِبُونَ ، وَمِنْ حَيْثُ الْعَامِلُ فِي إِذَا ، وَمِنْ حَيْثُ حُكْمُ الْجُمْلَةِ بَعْدَ إِذَا ، وَمِنْ حَيْثُ الْمَفْعُولُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ . وَاخْتُلِفَ فِي الْقَائِلِ لَهُمْ آمِنُوا ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : الصَّحَابَةُ ، وَلَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا مِنْهُمْ ، وَقَالَ
مُقَاتِلٌ : قَوْمٌ مَخْصُوصُونَ مِنْهُمْ وَهُمْ :
nindex.php?page=showalam&ids=307سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأَبُو لُبَابَةَ nindex.php?page=showalam&ids=168وَأُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ . وَلَمَّا نَهَاهُمْ تَعَالَى عَنِ الْإِفْسَادِ أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ لِأَنَّ الْكَمَالَ يَحْصُلُ بِتَرْكِ مَا لَا يَنْبَغِي وَبِفِعْلِ مَا يَنْبَغِي ، وَبُدِئَ بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِأَنَّهُ الْأَهَمُّ ، وَلِأَنَّ الْمَنْهِيَّاتِ عَنْهَا هِيَ مِنْ بَابِ التُّرُوكِ ، وَالتُّرُوكُ أَسْهَلُ فِي الِامْتِثَالِ مِنِ امْتِثَالِ الْمَأْمُورَاتِ بِهَا . وَالْكَافُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=13كَمَا آمَنَ النَّاسُ ) فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ ، وَأَكْثَرُ الْمُعْرِبِينَ يَجْعَلُونَ ذَلِكَ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ التَّقْدِيرُ عِنْدَهُمْ : آمِنُوا إِيمَانًا كَمَا آمَنَ النَّاسُ ، وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ : فِي سِيرَ عَلَيْهِ شَدِيدًا ، أَوْ : سِرْتُ حَثِيثًا ، إِنَّ شَدِيدًا وَحَثِيثًا نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ ، التَّقْدِيرُ : سِيرَ عَلَيْهِ سَيْرًا شَدِيدًا ، وَسِرْتُ
[ ص: 67 ] سَيْرًا حَثِيثًا . وَمَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ ، رَحِمَهُ اللَّهُ ، أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِنَعْتٍ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِنَ الْمَصْدَرِ الْمُضْمَرِ الْمَفْهُومِ مِنَ الْفِعْلِ الْمُتَقَدِّمِ الْمَحْذُوفِ بَعْدَ الْإِضْمَارِ عَلَى طَرِيقِ الِاتِّسَاعِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى حَذْفِ الْمَوْصُوفِ وَإِقَامَةِ الصِّفَةِ مَقَامَهُ فِي غَيْرِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي ذَكَرُوهَا . وَتِلْكَ الْمَوَاضِعُ أَنْ تَكُونَ الصِّفَةُ خَاصَّةً بِجِنْسِ الْمَوْصُوفِ ، نَحْوَ : مَرَرْتُ بِكَاتِبٍ وَمُهَنْدِسٍ ، أَوْ وَاقِعَةً خَبَرًا ، نَحْوَ : زَيْدٌ
قَائِمٌ ، أَوْ حَالًا ، نَحْوَ : مَرَرْتُ بِزَيْدٍ رَاكِبًا ، أَوْ وَصْفًا لِظَرْفٍ ، نَحْوَ : جَلَسْتُ قَرِيبًا مِنْكَ ، أَوْ مُسْتَعْمَلَةً اسْتِعْمَالَ الْأَسْمَاءِ ، وَهَذَا يُحْفَظُ وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ ، نَحْوَ : الْأَبْطَحِ وَالْأَبْرَقِ . وَإِذَا خَرَجَتِ الصِّفَةُ عَنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَمْ تَكُنْ إِلَّا تَابِعَةً لِلْمَوْصُوفِ ، وَلَا يُكْتَفَى عَنِ الْمَوْصُوفِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ مَنَعَ : أَلَا مَاءً وَلَوْ بَارِدًا ، وَإِنْ تَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى حَذْفِ الْمَوْصُوفِ ، وَأَجَازَ : وَلَوْ بَارِدًا ، لِأَنَّهُ حَالٌ ، وَتَقْرِيرُ هَذَا فِي كُتُبِ النَّحْوِ .
وَمَا مِنْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=13كَمَا آمَنَ النَّاسُ ) ، مَصْدَرِيَّةٌ التَّقْدِيرُ كَإِيمَانِ النَّاسِ ، فَيَنْسَبِكُ مِنْ مَا وَالْفِعْلِ بَعْدَهَا مَصْدَرٌ مَجْرُورٌ بِكَافِ التَّشْبِيهِ الَّتِي هِيَ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ ، أَوْ حَالٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ ، وَإِذَا كَانَتْ مَا مَصْدَرِيَّةً فَصِلَتُهَا جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ مُصَدَّرَةٌ بِمَاضٍ مُتَصَرِّفٍ أَوْ مُضَارِعٍ ، وَشَذَّ وَصْلُهَا بِلَيَسَ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ :
بِمَا لَسْتُمَا أَهْلَ الْخِيَانَةِ وَالْغَدْرِ
وَلَا تُوصَلُ بِالْجُمْلَةِ الْأَسْمِيَةِ خِلَافًا لِقَوْمٍ ، مِنْهُمْ :
أَبُو الْحَجَّاجِ الْأَعْلَمِ ، مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ :
وَجَدْنَا الْحُمْرَ مِنْ شَرِّ الْمَطَايَا كَمَا الْحَبِطَاتُ شَرُّ بَنِي تَمِيمِ
وَأَجَازَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ ،
وَأَبُو الْبَقَاءِ فِي مَا مِنْ قَوْلِهِ : كَمَا آمَنَ ، أَنْ تَكُونَ كَافَّةً لِلْكَافِ عَنِ الْعَمَلِ مِثْلَهَا فِي : رُبَّمَا قَامَ زَيْدٌ ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُجْعَلَ كَافَّةً إِلَّا فِي الْمَكَانِ الَّذِي لَا تَتَقَدَّرُ فِيهِ مَصْدَرِيَّةً ، لِأَنَّ إِبْقَاءَهَا مَصْدَرِيَّةً مُبْقٍ لِلْكَافِ عَلَى مَا اسْتَقَرَّ فِيهَا مِنَ الْعَمَلِ ، وَتَكُونُ الْكَافُ إِذْ ذَاكَ مِثْلَ حُرُوفِ الْجَرِّ الدَّاخِلَةِ عَلَى مَا الْمَصْدَرِيَّةِ ، وَقَدْ أَمْكَنَ ذَلِكَ فِي : كَمَا آمَنَ النَّاسُ ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُجْعَلَ كَافَّةً . وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي النَّاسِ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلْجِنْسِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : الْكَامِلُونَ فِي الْإِنْسَانِيَّةِ ، أَوْ عَبَّرَ بِالنَّاسِ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّهُمْ هُمُ النَّاسُ فِي الْحَقِيقَةِ ، وَمَنْ عَدَاهُمْ صُورَتُهُ صُورَةُ النَّاسِ ، وَلَيْسَ مِنَ النَّاسِ لِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
لَيْسَ مِنَ النَّاسِ وَلَكِنَّهُ يَحْسَبُهُ النَّاسُ مِنَ النَّاسِ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ ، وَيُعْنَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ، أَوْ
nindex.php?page=showalam&ids=106عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ، وَنَحْوُهُ مِمَّنْ حَسُنَ إِسْلَامُهُ مِنَ
الْيَهُودِ ، قَالَهُ
مُقَاتِلٌ ، أَوْ
nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=307وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=168وَأُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ وُجُوهِ
الْأَنْصَارِ عَدَّهُمُ
الْكَلْبِيُّ . وَالْأَوْلَى حَمْلُهَا عَلَى الْعَهْدِ ، وَأَنْ يُرَادَ بِهِ مَنْ سَبَقَ إِيمَانُهُ قَبْلَ قَوْلِ ذَلِكَ لَهُمْ ، فَيَكُونُ حَوَالَةً عَلَى مَنْ سَبَقَ إِيمَانُهُ لِأَنَّهُمْ مَعْلُومُونَ مَعْهُودُونَ عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ بِالْأَمْرِ بِالْإِيمَانِ . وَالتَّشْبِيهُ فِي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=13كَمَا آمَنَ النَّاسُ ) إِشَارَةٌ إِلَى الْإِخْلَاصِ ، وَإِلَّا فَهُمْ نَاطِقُونَ بِكَلِمَتِي الشَّهَادَةِ غَيْرَ مُعْتَقِدِيهَا . أَنُؤْمِنُ : مَعْمُولٌ لِقَالُوا ، وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ مَعْنَاهُ الْإِنْكَارُ أَوِ الِاسْتِهْزَاءِ . وَلَمَّا كَانَ الْمَأْمُورُ بِهِ مُشَبَّهًا كَانَ جَوَابُهُمْ مُشَبَّهًا فِي قَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=13أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ) ، وَالْقَوْلُ فِي الْكَافِ وَمَا فِي هَذَا كَالْقَوْلِ فِيهِمَا فِي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=13كَمَا آمَنَ النَّاسُ ) . وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي السُّفَهَاءِ لِلْعَهْدِ ، فَيُعْنَى بِهِ الصَّحَابَةُ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ، أَوِ الصِّبْيَانُ وَالنِّسَاءُ ، قَالَهُ
الْحَسَنُ ، أَوْ
nindex.php?page=showalam&ids=106عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَأَصْحَابُهُ ، قَالَهُ
مُقَاتِلٌ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلْجِنْسِ فَيَنْدَرِجُ تَحْتَهُ مَنْ فُسِّرَ بِهِ النَّاسُ مِنَ الْمَعْهُودِينَ ، أَوِ الْكَامِلُونَ فِي السَّفَهِ ، أَوْ لِأَنَّهُمُ انْحَصَرَ السَّفَهُ فِيهِمْ إِذْ لَا سَفِيهَ غَيْرُهُمْ . وَأَبْعَدُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلصِّفَةِ الْغَالِبَةِ نَحْوِ : الْعَيُّوقِ وَالدَّبَرَانِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُغَلِّبْ هَذَا الْوَصْفَ عَلَيْهِمْ ، فَصَارُوا إِذَا قِيلَ : السُّفَهَاءُ ، فَهُمْ مِنْهُ نَاسٌ مَخْصُوصُونَ ، كَمَا يُفْهَمُ مِنَ الْعَيُّوقِ نَجْمٌ مَخْصُوصٌ . وَيُحْتَمَلُ قَوْلُهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=13كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّعَنُّتِ وَالتَّجَلُّدِ حَذَرًا مِنَ الشَّمَاتَةِ ، وَهُمْ عَالِمُونَ بِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِسُفَهَاءَ . وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الِاعْتِقَادِ الْجَزْمِ عِنْدَهُمْ ، فَيَكُونُوا قَدْ
[ ص: 68 ] نَسَبُوهُمْ لِلسَّفَهِ مُعْتَقِدِينَ أَنَّهُمْ سُفَهَاءُ ، وَذَلِكَ لِمَا أَخَلُّوا بِهِ مِنَ النَّظَرِ وَالْفِكْرِ الصَّحِيحِ الْمُؤَدِّي إِلَى إِدْرَاكِ الْحَقِّ ، وَهُمْ كَانُوا فِي رِئَاسَةٍ وَيَسَارٍ ، وَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ إِذْ ذَاكَ أَكْثَرُهُمْ فُقَرَاءُ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ مُوَالٍ ، فَاعْتَقَدُوا أَنَّ مَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ كَانَ مِنَ السُّفَهَاءِ لِأَنَّهُمُ اشْتَغَلُوا مَا لَا يُجْدِي عِنْدَهُمْ وَكَسِلُوا عَنْ طَلَبِ الرِّئَاسَةِ وَالْغِنَى وَمَا بِهِ السُّؤْدُدُ فِي الدُّنْيَا ، وَذَلِكَ هُوَ غَايَةُ السَّفَهِ عِنْدَهُمْ . وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=13كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ) إِثْبَاتٌ مِنْهُمْ فِي دَعْوَاهُمْ بِسَفَهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُمْ مَوْصُوفُونَ بِضِدِّ السَّفَهِ ، وَهُوَ رَزَانَةُ الْأَحْلَامِ وَرُجْحَانُ الْعُقُولِ ، فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ وَأَثْبَتَ أَنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ ، وَصَدَّرَ الْجُمْلَةَ بِأَلَا الَّتِي لِلتَّنْبِيهِ لِيُنَادِي عَلَيْهِمُ الْمُخَاطِبِينَ بِأَنَّهُمُ السُّفَهَاءُ ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِإِنَّ وَبِلَفْظِ هُمْ . وَإِذَا الْتَقَتِ الْهَمْزَتَانِ وَالْأُولَى مَضْمُومَةٌ وَالثَّانِيَةُ مَفْتُوحَةٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ نَحْوُ : السُّفَهَاءُ أَلَا ، فَفِي ذَلِكَ أَوْجُهٌ . أَحَدُهَا : تَحْقِيقُ الْهَمْزَتَيْنِ ، وَبِذَلِكَ قَرَأَ الْكُوفِيُّونَ ،
وَابْنُ عَامِرٍ . وَالثَّانِي : تَحْقِيقُ الْأُولَى وَتَخْفِيفُ الثَّانِيَةِ بِإِبْدَالِهَا وَاوًا كَحَالِهَا إِذَا كَانَتْ مَفْتُوحَةً قَبْلَهَا ضَمَّةٌ فِي كَلِمَةٍ نَحْوِ : أُؤَاتِي مُضَارِعُ آتَى ، فَاعِلٌ مِنْ أَتَيْتُ ، وَجُؤَنٍ تَقُولُ : أُوَاتِي وَجُوَنٌ ، وَبِذَلِكَ قَرَأَ الْحَرَمِيَّانِ
وَأَبُو عَمْرٍو . وَالثَّالِثُ : تَسْهِيلُ الْأَوْلَى بِجَعْلِهَا بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَالْوَاوِ ، وَتَحْقِيقُ الثَّانِيَةِ . وَالرَّابِعُ : تَسْهِيلُ الْأُولَى بِجَعْلِهَا بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَالْوَاوِ وَإِبْدَالُ الثَّانِيَةِ وَاوًا . وَأَجَازَ قَوْمٌ وَجْهًا . خَامِسًا : وَهُوَ جَعْلُ الْأُولَى بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَالْوَاوِ ، وَجَعْلُ الثَّانِيَةِ بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَالْوَاوِ ، وَمَنَعَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّ جَعْلَ الثَّانِيَةَ بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَالْوَاوِ تَقْرِيبًا لَهَا مِنَ الْأَلِفِ ، وَالْأَلِفُ لَا تَقَعُ بَعْدَ الضَّمَّةِ ، وَالْأَعَارِيبُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي جَازَتْ فِي : هُمْ ، فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=12هُمُ الْمُفْسِدُونَ ) ، جَائِزَةٌ فِي : هُمْ ، مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=13هُمُ السُّفَهَاءُ ) . وَالِاسْتِدْرَاكُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ لَكِنْ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=13وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ ) ، مِثْلُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=12وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ) ، وَإِنَّمَا قَالَ هُنَاكَ لَا يَشْعُرُونَ وَهُنَا لَا يَعْلَمُونَ لِأَنَّ الْمُثْبَتَ لَهُمْ هُنَاكَ هُوَ الْإِفْسَادُ ، وَهُوَ مِمَّا يُدْرَكُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ ; لِأَنَّهُ مِنَ الْمَحْسُوسَاتِ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ إِلَى فِكْرٍ كَثِيرٍ ، فَنَفَى عَنْهُمْ مَا يُدْرَكُ بِالْمَشَاعِرِ ، وَهِيَ الْحَوَاسُّ ، مُبَالَغَةً فِي تَجْهِيلَهُمْ ، وَهُوَ أَنَّ الشُّعُورَ الَّذِي قَدْ يَثْبُتُ لِلْبَهَائِمِ مَنْفِيٌّ عَنْهُمْ ، وَالْمُثْبَتُ هُنَا هُوَ السَّفَهُ ، وَالْمُصَدَّرُ بِهِ هُوَ الْأَمْرُ بِالْإِيمَانِ ، وَذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَى إِمْعَانِ فِكْرٍ وَاسْتِدْلَالٍ وَنَظَرٍ تَامٍّ يُفْضِي إِلَى الْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ ، وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُمُ الْمَأْمُورُ بِهِ فَنَاسَبَ ذَلِكَ نَفْيُ الْعِلْمِ عَنْهُمْ ، وَلِأَنَّ السَّفَهَ هُوَ خِفَّةُ الْعَقْلِ وَالْجَهْلُ بِالْمَأْمُورِ ، قَالَ
السَّمَوْأَلُ :
نَخَافُ أَنْ تُسَفَّهَ أَحْلَامُنَا فَنَجْهَلُ الْجَهْلَ مَعَ الْجَاهِلِ
وَالْعِلْمُ نَقِيضُ الْجَهْلِ ، فَقَابَلَهُ بِقَوْلِهِ : لَا يَعْلَمُونَ ; لِأَنَّ عَدَمَ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ جَهْلٌ بِهِ . قَرَأَ
ابْنُ السَّمَيْفَعِ الْيَمَانِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ : ( وَإِذَا لَاقَوُا الَّذِينَ ) ، وَهِيَ فَاعِلٌ بِمَعْنَى الْفِعْلِ الْمُجَرَّدِ ، وَهُوَ أَحَدُ مَعَانِي فَاعِلٍ الْخَمْسَةِ ، وَالْوَاوُ الْمَضْمُومَةُ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ هِيَ وَاوُ الضَّمِيرِ تَحَرَّكَتْ لِسُكُونِ مَا بَعْدَهَا ، وَلَمْ تَعُدْ لَامُ الْكَلِمَةِ الْمَحْذُوفَةُ لِعُرُوضِ التَّحْرِيكِ فِي الْوَاوِ ، وَاللِّقَاءُ يَكُونُ بِمَوْعِدٍ وَبِغَيْرِ مَوْعِدٍ ، فَإِذَا كَانَ بِغَيْرِ مَوْعِدٍ سُمِّيَ مُفَاجَأَةً وَمُصَادَفَةً ، وَقَوْلُهُمْ لِمَنْ لَقُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ : آمَنَّا ، بِلَفْظِ مُطْلَقِ الْفِعْلِ غَيْرَ مُؤَكَّدٍ بِشَيْءٍ تَوْرِيَةً مِنْهُمْ وَإِيهَامًا ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدُوا بِهِ الْإِيمَانَ بِمُوسَى وَبِمَا جَاءَ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ ، وَذَلِكَ مِنْ خُبْثِهِمْ وَبُهْتِهِمْ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدُوا بِهِ الْإِيمَانَ الْمُقَيَّدَ فِي قَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ ) ، وَلَيْسُوا بِصَادِقِينَ فِي ذَلِكَ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدُوا بِذَلِكَ مَا أَظْهَرُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ ، وَمِنِ اعْتِرَافِهِمْ حِينَ اللِّقَاءِ ، وَسَمَّوْا ذَلِكَ إِيمَانًا ، وَقُلُوبُهُمْ عَنْ ذَلِكَ صَارِفَةٌ مُعْرِضَةٌ .