الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل : إذا مات رجل وخلف مائة ، فادعاها رجل فأقر ابنه له بها ، ثم ادعاها آخر فأقر له ، فهي للأول ويغرمها للثاني . وإن أقر بها لهما جميعا ، فهي بينهما . وإن أقر لأحدهما وحده ، فهي له ويحلف للآخر . وإن ادعى رجل على الميت مائة دينا فأقر له ، ثم ادعى آخر مثل ذلك ، فأقر له . فإن كان في مجلس واحد فهي بينهما ، وإن كانا في مجلسين فهي للأول ، ولا شيء للثاني وإن خلف ابنين ومائتين ، فادعى رجل مائة دينا على الميت ، فصدقه أحد الابنين وأنكر الآخر ، لزم المقر نصفها ، إلا أن يكون عدلا فيحلف الغريم مع شهادته ويأخذ مائة ، وتكون المائة الباقية بين الابنين ، وإن خلف ابنين وعبدين متساويي القيمة ، لا يملك غيرهما ، فقال أحد الابنين : أبي أعتق هذا في مرضه . وقال الآخر : بل أعتق هذا الآخر . عتق من كل واحد ثلثه ، وصار لكل ابن سدس الذي أقر بعتقه ، ونصف العبد الآخر وإن قال أحدهما : أبي أعتق هذا . وقال الآخر : أبي أعتق أحدهما ، لا أدري من منهما . أقرع بينهما ، فإن وقعت القرعة على الذي اعترف الابن بعتقه عتق منه ثلثاه ، إن لم يجيزا عتقه كاملا . وإن وقعت على الآخر ، كان حكمه حكم ما لو عينا العتق في العبد الثاني سواء .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل .

                                                                                                                          ( إذا مات رجل وخلف مائة ، فادعاها رجل فأقر ابنه له بها ، ثم ادعاها آخر فأقر له ، فهي للأول ) لأنه قد أقر له بها ولا معارض له ، فوجب كونها له عملا بالإقرار السالم عن المعارض . ( ويغرمها للثاني ) لأنه حال بينه وبينها ، فلزمه غرامتها له . كما لو شهد بمال ثم رجع بعد الحكم . ( وإن أقر بها لهما معا ، فهي بينهما ) لتساويهما ( وإن أقر لأحدهما وحده ، فهي له ) لإقراره له ، فاختص بها . ( ويحلف للآخر ) في الأصح . قاله في " الرعاية " ; لأنه يحتمل أنه المستحق ، واليمين طريق ثبوت الحق أو بدله . وإن نكل قضي عليه ; لأن النكول كالإقرار ، ولو أقر لزمه الغرم ، فكذا إذا نكل عن اليمين . ( وإن ادعى رجل على الميت مائة دينا ) أي : بدين يستغرق التركة . قاله في " المحرر " و " الفروع " . ( فأقر له ، ثم ادعى آخر مثل ذلك ، فأقر له ) ولم يخلف الميت إلا مائة ( فإن كان في مجلس واحد فهي بينهما ) لأن حكم المجلس الواحد حكم الحالة الواحدة . ( وإن كان في مجلسين فهي للأول ، ولا شيء للثاني ) ذكره الخرقي والسامري والمؤلف في " الكافي " ، وجزم به [ ص: 352 ] في " الشرح " و " الوجيز " ; لأن الأول استحق تسلمه كله بالإقرار ، فلا يقبل إقرار الوارث بما يسقط حقه ; لأنه إقرار على غيره .

                                                                                                                          وقيل : يقدم الأول مطلقا . وأطلق الأزجي احتمالا : يشتركان كإقرار مريض لهما . قال في " المحرر " وظاهر كلام أحمد : يتشاركان إن تواصل الكلام بالإقرارين ، وإلا قدم الأول .

                                                                                                                          وقال الشافعي رضي الله عنه : يتشاركان مطلقا كإقرار الموروث .

                                                                                                                          والفرق : أن إقرار الموروث لا يتعلق بماله ، والوارث لا يملك أن يعلق بالتركة دينا آخر ، ولا يملك التصرف في التركة ما لم يلتزم قضاء الدين ، بخلاف الموروث .


                                                                                                                          ( وإن خلف ابنين ومائتين ، وادعى رجل مائة دينا على الميت ، فصدقه أحد الابنين وأنكر الآخر ، لزم المقر نصفها ) من سهمه ; لأنه يقبل إقراره على نفسه ، ولأنه لا يلزمه أكثر من نصف دين أبيه ، ولكونه لا يرث إلا نصف التركة ، فلزمه نصف الدين . كما لو ثبت ببينة أو بإقرار الميت . ويحلف المنكر ويبرأ . ( إلا أن يكون عدلا فيحلف الغريم مع شهادته ) ولو لزم المقر جميع الدين لم تقبل شهادته على أخيه ; لكونه يدفع عن نفسه ضررا . ( ويأخذ مائة ) لأن المال ثبت بشاهد ويمين . ( وتكون المائة الباقية بين الابنين ) لأنها ميراث لا تعلق لأحد بها سواهما .

                                                                                                                          تنبيه : إذا قال : لزيد علي عشرة ، إلا ثلث ما لعمرو علي . ولعمرو علي عشرة ، إلا ربع ما لزيد علي . فخذ مخرج الثلث والربع اثني عشر ، أسقط منه أحدا [ ص: 353 ] يبقى أحد عشر ، وهو الجزء المقسوم عليه . ثم أسقط من المخرج الثلث أربعة ، يبقى ثمانية . تضربها في عشرة تبلغ ثمانين . تقسمها على أحد عشر ، تخرج سبعة وثلاثة أجزاء من أحد عشر جزءا من أحد ، وهو دين زيد . ثم أسقط من المخرج ربعه ، يبقى تسعة تضربها في العشرة ، تبلع تسعين . تقسمها على أحد عشر تخرج ثمانية وجزءان من أحد عشر جزءا من أحد ، وهو دين عمرو . مسألة : إذا قال : لزيد علي عشرة ، إلا نصف ما لعمرو علي . ولعمرو علي عشرة ، إلا ثلث ما لزيد . فاجعل لزيد شيئا ولعمرو عشرة ، إلا ثلث شيء . فنصف دين عمرو خمسة إلا سدس شيء ، فهذا يعدل ثلثي دين زيد ، وهو ثلثا شيء . فاجبر الخمسة إلا سدس شيء بسدس شيء ، وزد مثله على الشيء ، يصير خمسة أسداس شيء ، فابسط الدراهم الخمسة من جنسها أسداسا تكن ثلثين . اقسمها على الخمسة أسداس تخرج بالقسمة ستة ، وهي دين زيد . فعلم أن الدين الآخر ثمانية ; لأن الستة تنقص عن العشرة بنصف الثمانية . ( وإن خلف ابنين وعبدين متساويي القيمة ، لا يملك غيرهما ، فقال أحد الابنين : أبي أعتق هذا في مرضه . وقال الآخر : بل أعتق هذا الآخر . عتق من كل واحد ثلثه ) لأن كل واحد منهما حقه نصف العبدين ، فقبل قوله في عتق حقه من الذي عينه ، وهو ثلثا النصف الذي له ، وذلك الثلث ; لأنه يعترف بحرية ثلثيه ، فيقبل قوله في حقه منهما وهو الثلث ، ويبقى الرق في ثلثه . فله نصفه وهو السدس ، ونصف العبد الذي ينكر عتقه ، وقد بينه بقوله : ( وصار لكل ابن سدس العبد الذي أقر بعتقه ، ونصف العبد الآخر ) لأن كل ابن يملك نصف كل عبد ، [ ص: 354 ] وقد عتق ثلث الذي أقر بعتقه ، يبقى سدسه ونصف الآخر على ما كان عليه قبل الإقرار . ( وإن قال أحدهما : أبي أعتق هذا . وقال الآخر : أبي أعتق أحدهما ، لا أدري من منهما . أقرع بينهما ) لأن رجلا أعتق ستة مملوكين له عن دبر ، فأقرع بينهم النبي صلى الله عليه وسلم فأعتق اثنين وأرق أربعة ؛ ولأن القرعة شرعت للتمييز ولا تقوم مقام الذي لم يعين عتقه . ( فإن وقعت القرعة على الذي اعترف الابن بعتقه عتق منه ثلثاه ) لأنه الثلث كما لو عيناه بقولهما ( إن لم يجيزا عتقه كاملا ) فإذا أجازاه عتق كله ، عملا بالعتق السالم عن المعارض . ( وإن وقعت على الآخر ، كان حكمه حكم ما لو عينا العتق في العبد الثاني سواء ) لأن القرعة جعلته مستحقا للعتق بالنسبة إلى الابن المدعي عدم المعرفة ، فصار بمنزلة ما لو عينه .

                                                                                                                          فعلى هذا : يعتق ثلث كل واحد ، ويبقى سدس الخارج بالقرعة للذي قال : لا أدري . ونصفه للابن الآخر ، ويبقى نصف العبد الآخر للابن الذي قال : لا أدري . وسدسه للآخر .

                                                                                                                          فإن رجع الابن الذي جهل عين العتق فعين أحدهما ، عتق منه ثلثه .

                                                                                                                          وهل يبطل العتق في الذي عتق بالقرعة ؛ فيه وجهان .



                                                                                                                          الخدمات العلمية